المصدر - قصيدة رثاء للشاعر المبدع الاستاذ علي بن يحي البهكلي
رثاء أحمد بن يحيى البهكلي
والذي توفي قبل عام من الآن في يوم الأربعاء الموافق17/ 1/ 1443هـ
...........................................
إذا صرخ السؤال بكَى الجوابُ!
وإنْ غاب الحضورُ أتَى الغيابُ!
يُسائلُني, وأجوبتي سكوتٌ!
فأسئلة المشاعرِ لا تُجابُ!
أشدُّ من الصوارم وهي تفرِي
سؤالٌ صاغ دهشتَهُ المصابُ
أحقًّا بدرنا انطفأتْ رُؤاهُ؟!
ولوّنَ وجهَ بسمتهِ الضبابُ؟!
تَرَجَّلَ فارسٌ؟! رَكِبَ المنايا؟!
فمَنْ للركض والميدان غابُ؟!
أيرتحلُ البياضُ, وقد ألفنا
بياضًا منهُ تنهمرُ الرِّغابُ؟!
أَلمْ يَكُ في الرحابة والسجايا
سماءً؟ كيف وسدَّهُ التُّرابُ؟!
وحِينَ مضَى أبيْ.. ما كنتَ إلّا
أبًا يَدنُو, فتبتعدُ الصِّعابُ
إذا التَوَتِ الشِّعابُ بنا, وكَلَّتْ
مَسيرتُنا, فرأيكمُ الرِّكابُ
وإنْ غارتْ ينابيعٌ.. فأنتمْ
ينابيعٌ, وقد فاضَ الرُّضابُ
وإمّا صَوَّحَتْ رَوضُ الأماني
سَقيتَ الروضَ, فابتسمتْ رِحابُ
أبانا -يا أخانا- كنتَ, كُنَّا
لك الأبناءَ, أنتَ أبٌ مُهابُ
عرفنا اليُتْمَ بَعد اليُتْمِ, أمْستْ
عِذابُ مُنًى يُغشِّيها العَذابُ!
فإنَّ الفَقدَ فَقْدُ أخٍ مُرَبٍّ
ورُبَّانٍ إذا اعتَكَرَ العُبابُ
أَشدُّ أَشدُّ ما يخشاهُ قلبي
بِعادٌ ليس يَعقبُهُ اقترابُ
يُذيب الحزنُ عينًا, فهي عينٌ
وفي الأحداق للمُزن انسكابُ
أُطَفِّئُ بالدموع حريقَ جفنٍ
بهِ قد ثار بركانٌ مُذابُ
إذا احترق الفؤاد غدا دخانًا
تُكَثِّفُهُ عيونٌ وانتحابُ
وتَسْخو عينُ إنسانٍ فتَجري
علَى إنسانِ عينٍ يا صحابُ
نودِّع راحلًا, والحُزنُ يَجثو
بداخلنا, له ظفرٌ ونابُ
وإنَّ القلب يُحزنهُ فراقٌ
وفي العينين للدمع اضطرابُ
ولسنا قائلين سِوَى: رضينا
قضاءَ الله, والقلب احتسابُ
فإنَّا كُلُّنا للهِ, إنَّا
إليهِ راجعونَ, هو المآبُ
علَى الألطاف نَحمدُهُ رحيمًا
ونَحمدهُ وقد جَلَّ المصابُ
إذا حَلَّتْ رِحالُ الموتِ دارًا
فما للدَّارِ نافذةٌ وبابُ
يَدُبُّ الموتُ أفعَى في الزوايا
ومِنْ أنيابها انْكَفأَ الرُّهابُ
صَدَاهُ.. عواءُ ذئبٍ حين أقعَى
وليس سوَى الفناءِ له لُعابُ
وهذا الموتُ نَسْرٌ ظَلَّ يَهوِي
مَخالبُهُ الأَسِنَّةُ والحِرابُ
ونارٌ.. وجهُها رَسَمَ المنايا
لِفَكَّيها أُوارٌ والْتِهابُ
وأمّا الطائعون.. الموتُ بُشرَى
فقَدْ نادَى الحبيبُ, وهُمْ أجابوا
ومَوت المؤمنين لهم خَلاصٌ
كَرَشْحٍ في الجَبِين لهُ انسيابُ
ومَوت الصالحين نَثيثُ سُقْيا
مَنامٌ, ثُمَّ للجنَّات آبُوا
إلَى الفردوس نَحْسَبُهُ تَهادَى
فقد طال اشتياقٌ واغترابُ
وأحمدُ حَنَّ مِنْ زمنٍ لـ يَحيى
ويَحيى ثَمَّ شوقٌ وارتقابُ
أبي وأخي وأمي.. -يا إلهي-
جميعًا في جِوارٍ يُستطابُ
وأحمدُ لم يكن إلّا بياضًا
فؤادٌ, والمُحَيَّا, والثِّيابُ
ولم يَكُ غير ليثٍ, في خُطاهُ
ثباتٌ, في عزيمتهِ وثابُ
وأحمدُ لم يكنْ إلّا جَوادًا
يُحبُّ الرَّكضَ, غُرَّتُهُ السَّحابُ
وأحمدُ نَخلةٌ.. في الأرض جذرٌ
وهامَتُهُ يُداعبُها الشِّهابُ
إذا ما المُغرضون رموا شباكًا
وذئبٌ لاحَ, أو صاح الغرابُ
وشَكَّكَ في الثوابت ذو نوايا
يُناطِحُها, ويُغويهِ السَّرابُ
وداسَ أُولوْ التَّسَلُّقِ, والمَطايا
علَى قِيَمٍ, وفي يَدِهِمْ ثِقابُ
وداجَى مَنْ يُداجِي دونَ وَعْيٍ
ولا عزمٍ, وطال بِهِ انكبابُ
فأحمدُ فيصلٌ, وشِهابُ نُورٍ
إذا ما لاح فكرٌ يُسترابُ
هو النبراسُ في دَيجور ليلٍ
وفأسٌ حِينَ تَعترِض الصِّعابُ
وسَيفٌ راقَ رونقُهُ لراقٍ
نَصيبُ مُناصِبِ الدِّينِ النِّصابُ
ويصدحُ بالحقيقة, لا يباليْ
ثباتٌ في المواقف لا يذابُ
يُحبُّ السَّلْمَ, دعوَتُهُ سَلامٌ
وحربٌ حِينَ تَهتزُّ الحِرابُ
له في كلِّ ميدانٍ لواءٌ
وسَهمٌ في المكارم, واكتسابُ
قَضيَّتُهُ هيَ الإسلامُ فكرًا
وتطبيقًا, ومنهجُهُ الصَّوابُ
لها قد عاش, عاشت في رُؤاهُ
فمنها يَستقِي, ولها الإيابُ
وقالوا: رائدٌ في الشِّعر, تَجثو
على كَعبيهِ قافيةٌ كِعابُ
أديبٌ, تَستقِي الآدابُ منهُ
كِتابتُهُ سَمَتْ, سَمَقَ الخِطابُ
وقيل: مفكرٌ, يزدانُ وعيًا
وأنضَجَهُ حديثٌ أو كِتابُ
وقالوا: عاش داعيةً غيورًا
مُحبًا, ناصحًا, وله احتسابُ
وأحمدُ تربويٌّ, كان يَبني
بِرؤيةِ عبقريٍّ, لا يَهابُ
وقالوا: في الصحافة عاش دهرًا
تُضيءُ سطورهُ, فهيَ اللُّبابُ
وفي عَمَلِ التَّطوِّعِ كان نجمًا
عَطاءٌ بالمصالحِ لا يُشابُ
هو اللُّغَويُّ, قالوا مِنْ صِباهُ
وفي اللغَتينِ مِنطِقُهُ عُجابُ
وأحمدُ كاتبٌ, وله يراعٌ
أنيقٌ, في مَحابرهِ الرِّغابُ
وقيل: هو المثقفُ في اتزانٍ
ولم يَكُ في ثقافتِهِ استلابُ
حقوقيٌّ, له قلبٌ رحيمٌ
وصوتٌ حِينَ ينطقُ لا يُعابُ
وأحمدُ مُصلِحٌ, والصلح خيرٌ
له رأيٌ سديدٌ مُستجابُ
وقيل: مُحاوِرٌ, شَهِدتْ بهذا
حواراتٌ بها يُجْلَى ارتيابُ
هو الوطنيُّ, والأوطانُ حُبٌّ
وتضحيةٌ, ووَعيٌ, وانتسابُ
مآثرُ ضَلَّ يَحويها أثيرٌ
مهيبٌ, كان يَحويِهِ الإهابُ
-إلهَ الكونِ- أحمدُ جاء يَسعَى
وغايتُهُ: لقاؤكَ والثَّوابُ
أتاكَ البهكليْ يَحدوهُ شوقٌ
إلَى دار الخلود لهُ انجذابُ
فَمغفرةً, ومَرحَمَةً, وعفوًا
فمنكَ إليكَ -يا ربُّ- المَثابُ
وفي الفردوس -يا ربَّاهُ- فاجعلْ
منازلَهُ, وفي اليُمْنَى الكِتابُ
رثاء أحمد بن يحيى البهكلي
والذي توفي قبل عام من الآن في يوم الأربعاء الموافق17/ 1/ 1443هـ
...........................................
إذا صرخ السؤال بكَى الجوابُ!
وإنْ غاب الحضورُ أتَى الغيابُ!
يُسائلُني, وأجوبتي سكوتٌ!
فأسئلة المشاعرِ لا تُجابُ!
أشدُّ من الصوارم وهي تفرِي
سؤالٌ صاغ دهشتَهُ المصابُ
أحقًّا بدرنا انطفأتْ رُؤاهُ؟!
ولوّنَ وجهَ بسمتهِ الضبابُ؟!
تَرَجَّلَ فارسٌ؟! رَكِبَ المنايا؟!
فمَنْ للركض والميدان غابُ؟!
أيرتحلُ البياضُ, وقد ألفنا
بياضًا منهُ تنهمرُ الرِّغابُ؟!
أَلمْ يَكُ في الرحابة والسجايا
سماءً؟ كيف وسدَّهُ التُّرابُ؟!
وحِينَ مضَى أبيْ.. ما كنتَ إلّا
أبًا يَدنُو, فتبتعدُ الصِّعابُ
إذا التَوَتِ الشِّعابُ بنا, وكَلَّتْ
مَسيرتُنا, فرأيكمُ الرِّكابُ
وإنْ غارتْ ينابيعٌ.. فأنتمْ
ينابيعٌ, وقد فاضَ الرُّضابُ
وإمّا صَوَّحَتْ رَوضُ الأماني
سَقيتَ الروضَ, فابتسمتْ رِحابُ
أبانا -يا أخانا- كنتَ, كُنَّا
لك الأبناءَ, أنتَ أبٌ مُهابُ
عرفنا اليُتْمَ بَعد اليُتْمِ, أمْستْ
عِذابُ مُنًى يُغشِّيها العَذابُ!
فإنَّ الفَقدَ فَقْدُ أخٍ مُرَبٍّ
ورُبَّانٍ إذا اعتَكَرَ العُبابُ
أَشدُّ أَشدُّ ما يخشاهُ قلبي
بِعادٌ ليس يَعقبُهُ اقترابُ
يُذيب الحزنُ عينًا, فهي عينٌ
وفي الأحداق للمُزن انسكابُ
أُطَفِّئُ بالدموع حريقَ جفنٍ
بهِ قد ثار بركانٌ مُذابُ
إذا احترق الفؤاد غدا دخانًا
تُكَثِّفُهُ عيونٌ وانتحابُ
وتَسْخو عينُ إنسانٍ فتَجري
علَى إنسانِ عينٍ يا صحابُ
نودِّع راحلًا, والحُزنُ يَجثو
بداخلنا, له ظفرٌ ونابُ
وإنَّ القلب يُحزنهُ فراقٌ
وفي العينين للدمع اضطرابُ
ولسنا قائلين سِوَى: رضينا
قضاءَ الله, والقلب احتسابُ
فإنَّا كُلُّنا للهِ, إنَّا
إليهِ راجعونَ, هو المآبُ
علَى الألطاف نَحمدُهُ رحيمًا
ونَحمدهُ وقد جَلَّ المصابُ
إذا حَلَّتْ رِحالُ الموتِ دارًا
فما للدَّارِ نافذةٌ وبابُ
يَدُبُّ الموتُ أفعَى في الزوايا
ومِنْ أنيابها انْكَفأَ الرُّهابُ
صَدَاهُ.. عواءُ ذئبٍ حين أقعَى
وليس سوَى الفناءِ له لُعابُ
وهذا الموتُ نَسْرٌ ظَلَّ يَهوِي
مَخالبُهُ الأَسِنَّةُ والحِرابُ
ونارٌ.. وجهُها رَسَمَ المنايا
لِفَكَّيها أُوارٌ والْتِهابُ
وأمّا الطائعون.. الموتُ بُشرَى
فقَدْ نادَى الحبيبُ, وهُمْ أجابوا
ومَوت المؤمنين لهم خَلاصٌ
كَرَشْحٍ في الجَبِين لهُ انسيابُ
ومَوت الصالحين نَثيثُ سُقْيا
مَنامٌ, ثُمَّ للجنَّات آبُوا
إلَى الفردوس نَحْسَبُهُ تَهادَى
فقد طال اشتياقٌ واغترابُ
وأحمدُ حَنَّ مِنْ زمنٍ لـ يَحيى
ويَحيى ثَمَّ شوقٌ وارتقابُ
أبي وأخي وأمي.. -يا إلهي-
جميعًا في جِوارٍ يُستطابُ
وأحمدُ لم يكن إلّا بياضًا
فؤادٌ, والمُحَيَّا, والثِّيابُ
ولم يَكُ غير ليثٍ, في خُطاهُ
ثباتٌ, في عزيمتهِ وثابُ
وأحمدُ لم يكنْ إلّا جَوادًا
يُحبُّ الرَّكضَ, غُرَّتُهُ السَّحابُ
وأحمدُ نَخلةٌ.. في الأرض جذرٌ
وهامَتُهُ يُداعبُها الشِّهابُ
إذا ما المُغرضون رموا شباكًا
وذئبٌ لاحَ, أو صاح الغرابُ
وشَكَّكَ في الثوابت ذو نوايا
يُناطِحُها, ويُغويهِ السَّرابُ
وداسَ أُولوْ التَّسَلُّقِ, والمَطايا
علَى قِيَمٍ, وفي يَدِهِمْ ثِقابُ
وداجَى مَنْ يُداجِي دونَ وَعْيٍ
ولا عزمٍ, وطال بِهِ انكبابُ
فأحمدُ فيصلٌ, وشِهابُ نُورٍ
إذا ما لاح فكرٌ يُسترابُ
هو النبراسُ في دَيجور ليلٍ
وفأسٌ حِينَ تَعترِض الصِّعابُ
وسَيفٌ راقَ رونقُهُ لراقٍ
نَصيبُ مُناصِبِ الدِّينِ النِّصابُ
ويصدحُ بالحقيقة, لا يباليْ
ثباتٌ في المواقف لا يذابُ
يُحبُّ السَّلْمَ, دعوَتُهُ سَلامٌ
وحربٌ حِينَ تَهتزُّ الحِرابُ
له في كلِّ ميدانٍ لواءٌ
وسَهمٌ في المكارم, واكتسابُ
قَضيَّتُهُ هيَ الإسلامُ فكرًا
وتطبيقًا, ومنهجُهُ الصَّوابُ
لها قد عاش, عاشت في رُؤاهُ
فمنها يَستقِي, ولها الإيابُ
وقالوا: رائدٌ في الشِّعر, تَجثو
على كَعبيهِ قافيةٌ كِعابُ
أديبٌ, تَستقِي الآدابُ منهُ
كِتابتُهُ سَمَتْ, سَمَقَ الخِطابُ
وقيل: مفكرٌ, يزدانُ وعيًا
وأنضَجَهُ حديثٌ أو كِتابُ
وقالوا: عاش داعيةً غيورًا
مُحبًا, ناصحًا, وله احتسابُ
وأحمدُ تربويٌّ, كان يَبني
بِرؤيةِ عبقريٍّ, لا يَهابُ
وقالوا: في الصحافة عاش دهرًا
تُضيءُ سطورهُ, فهيَ اللُّبابُ
وفي عَمَلِ التَّطوِّعِ كان نجمًا
عَطاءٌ بالمصالحِ لا يُشابُ
هو اللُّغَويُّ, قالوا مِنْ صِباهُ
وفي اللغَتينِ مِنطِقُهُ عُجابُ
وأحمدُ كاتبٌ, وله يراعٌ
أنيقٌ, في مَحابرهِ الرِّغابُ
وقيل: هو المثقفُ في اتزانٍ
ولم يَكُ في ثقافتِهِ استلابُ
حقوقيٌّ, له قلبٌ رحيمٌ
وصوتٌ حِينَ ينطقُ لا يُعابُ
وأحمدُ مُصلِحٌ, والصلح خيرٌ
له رأيٌ سديدٌ مُستجابُ
وقيل: مُحاوِرٌ, شَهِدتْ بهذا
حواراتٌ بها يُجْلَى ارتيابُ
هو الوطنيُّ, والأوطانُ حُبٌّ
وتضحيةٌ, ووَعيٌ, وانتسابُ
مآثرُ ضَلَّ يَحويها أثيرٌ
مهيبٌ, كان يَحويِهِ الإهابُ
-إلهَ الكونِ- أحمدُ جاء يَسعَى
وغايتُهُ: لقاؤكَ والثَّوابُ
أتاكَ البهكليْ يَحدوهُ شوقٌ
إلَى دار الخلود لهُ انجذابُ
فَمغفرةً, ومَرحَمَةً, وعفوًا
فمنكَ إليكَ -يا ربُّ- المَثابُ
وفي الفردوس -يا ربَّاهُ- فاجعلْ
منازلَهُ, وفي اليُمْنَى الكِتابُ