إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
أما بعد ففي يوم السبت الثاني عشر من شهر صفر لعام 1438هـ الموافق 12/ نوفمبر 2016م انعقد ـ بفضل من الله وتوفيقه ـ بدعوة كريمة من فريق الربانيين التطوعي ومؤسسة رافد للبحوث والدراسات ـ المؤتمر الدولي (المفهوم الصحيح لأهل السنة والجماعة وأثره في الوقاية من الغلو والتطرف) بمشاركة نخبة من علماء أهل السنة والجماعة من مختلف دول العالم، وذلك في رحاب دولة الكويت ـ حرسها الله ـ وأدام عليها توفيقه وأمنه أميرا وحكومة وشعبا، وكان من بواعث ذلك:
1ـ تبصير الأمة بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما كان عليه أئمة العلم والهدى، ومنهم: الأئمة الأربعة، رحمهم الله تعالى. 2ـ الذب عن منهج أهل السنة والجماعة وتبرئته من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. 3ـ أن معرفة هذا المنهج والاستمساك به هو السبيل الأوحد لجمع الأمة وصلاحها؛ إذ إنه لن يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولها. 4ـ أن السبيل الأمثل لجمع الأمة: هو النصيحة والتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما يرمي إليه المؤتمر.
وبعد استعراض أوراق العمل ومناقشتها، قرّر المجتمعون إصدار البيان الآتي:
أولا: أن أهل السنة والجماعة هم المتبعون للكتاب والسنة، المنتمون إليهما، والمسلّمون لما فيهما، والمقدمون لهما على كل ما خالفهما، وهم المجتمعون على هذا الأصل القويم، ومن هنا سُموا أهل السنة والجماعة، ومن ألقابهم: أهل الحديث، وأهل الأثر، والفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، والأمة الوسط، وأهل الحق، والسلفيون، ورؤوسهم: الصحابة، ثم التابعون كسعيد بن المسيب وابن سيرين وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري والزهري، ثم أتباع التابعين كأبي حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد، ومن جاء بعدهم وسار على منهجهم كالإمام الشافعي وأحمد والبخاري وابن خزيمة؛ فهو مذهب عتيق لم تكن نشأته على يد الإمام أحمد ولا ابن تيمية ولا محمد بن عبد الوهاب، بل هو مذهب الصحابة والتابعين وأتباعهم، لكن هؤلاء ممن أحياه وأظهره ونشره، لا سيما بعد ظهور البدع والمحدثات. وهو الدين الذي تكفل الله بحفظه، ودعا الناس إليه، وجعله ظاهرا على ما سواه، وأوجب لأهله كرامته ومغفرته، كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة قوله: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرُّهم مَن خَذَلهم حتى يأتيَ أمْرُ الله وهم كذلك). وفي هذا الموضع نذكر بما قاله الإمام الشافعي رحمه الله ورضي عنه في شأن السلف الصالح ( المدخل إلى السنن 1/109) : ( هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكلِ سبب ينال به علم أو يدرك به هدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا) وبما قاله الحافظ أبو القاسم التيمي رحمه الله في كتابه ( الحجة في بيان المحجة 2 / 410) : ( وأهل السنة والجماعة لم تتعد الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، ولم تتبع المتشابه وتأويله ابتغاء الفتنة، وإنما اتبعوا الصحابة والتابعين وما أجمع المسلمون عليه بعدهم قولاً وفعلاً ).
ثانيا: منهج أهل السنة والجماعة واحد لا تعددية فيه، وشعار وحقيقة وبرهان، وحق لا يشوبه باطل، ووسط لا غلو فيه ولا جفاء، أهله المستمسكون به هم أعلم الناس بالحق، وأرحمهم بالخلق، وأعدلهم في الحكم، وأهداهم سبيلا، لا ينتسبون إلى شخص إلا لنبيهم صلى الله عليه وسلم، ولا يتقدمون بين يديه، ولا يعارضون سنته برأي أو قياس أو عقل أو نظرية فلسفية أو قاعدة منطقية أو ذوق أو وجد أو قول إمام أو اجتهاد مجتهد؛ لأنهم يقطعون أن الحق فيما قاله وفعله وأقره عليه الصلاة والسلام، وأنه عليه الصلاة والسلام لا يعتريه نقص أو خطأ في بلاغه، بل هو معصوم في ذلك، صلوات الله وسلامه عليه، ومن سواه فقوله وعمله معروضان على الكتاب والسنة فما وافق الحق قُبل، وإلا ردّ عليه كائنا من كان، كما لا ينتسبون إلى طائفة أو حزب أو تيار أو جماعة، مكتفين بالانتساب إلى الإسلام والسنة، مقتصرين على الألقاب الشرعية.
ثالثا: يقوم مذهب أهل السنة والجماعة على إخلاص العبودية لله وحده لا شريك له، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجعلون بينهم وبين الله واسطة في عبادته لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا وليا صالحا؛ لأن العبودية محض حق الله، مع إجلال الله وتعظيمه ووصفه بصفات الكمال، وتنزيهه عما لا يليق بجلاله، ولا يجعلون واسطة بينهم وبين الله في البلاغ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا لا يتعبدون الله بعبادة إلا وعليها شاهد من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
رابعا: أئمة المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، من مجتهدي الأمة، وقصدهم ـ فيما نحسب ـ الوصول إلى الحق فيما طرقوه من المسائل، وما أصّلوه من الأصول، والواجب على الأمة: إجلالهم وحفظ مكانتهم، ومعرفة فضلهم وسابقتهم، مع اعتقاد أنهم يصيبون ويخطئون، وهم في كلا الحالين مأجورون، وعلى الناظر في أقوالهم أن يأخذ منها ما أيّده الدليل، مع الدعاء للجميع بالرحمة والمغفرة، والانتسابُ لهم على جهة التعريف لا محظور فيه، ولم يزل علماء الأمة على هذا.
خامسا: الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، كما أنهم أئمة في الفقه ـ كذلك ـ هم أئمة في التوحيد فيما ثبت عنهم في ذلك مما نقله عنهم كبار أصحابهم بالأسانيد الصحيحة، كالذي نقله أبو جعفر الطحاوي في بيان عقيدة أبي حنيفة، وابن أبي زيد القيرواني في عقيدة مالك، والربيع بن سليمان ويونس بن عبد الأعلى في عقيدة الشافعي، وأبو بكر الخلال في عقيدة أحمد، وهم أئمة في السلوك والتزكية أيضا، وقصرُ اتباعهم على الفقه دون العقيدة والسلوك، ومتابعة من جاء بعدهم فيها ممن لم يبلغ شأوهم عين الخطأ، وسبب من أسباب الضلال والانحراف، وهو تجهيل للأئمة أو تضليل وإزراء، يَربأ بهم أهل العلم عن ذلك.
سادسا: المسائل الاجتهادية (وهي التي لا نص فيها ولا إجماع) يجب أن تتسع لها الصدور، ولا يجوز أن تجعل سببا للذم أو الفرقة أو الاختلاف أو إيغار الصدور، فإن الاختلاف في هذه المسائل قائم بين العلماء منذ الصدر الأول؛ فلم يفرق ذلك بينهم، بل جعلوه من الرحمة بالأمة والسعة عليها، لكن لا يمنع ذلك من الحوار والنقد اللذين يقصد بهما الوصول إلى الحق. والخلاف في هذه المسائل لا يوجب الخروج عن السنة، ولا يُسوّغ الافتراق، ولا تسمية المختلفين طوائف وفرقا، ولا وصفهم بالابتداع، كما لا يُسوّغ نسبة التعددية إلى مذهب أهل السنة والجماعة، ولا تقسيم السلفية إلى تيارات، كما يصنعه اليوم الجاهلون والشانئون والمبتغون بالأمّة العنت.
سابعا: ما وقع فيه بعض العلماء المجتهدين من خطأ جانب فيه سبيل أهل السنة والجماعة لا تجوز متابعته عليه، ولا الاحتجاج به فيه، بل يجب ردّه عليه، وفي الوقت نفسه لا يجوز إهدار حسناته، ولا استباحة عرضه، بل يحفظ له مقامه، ويعرف له قدره.
ثامنا: جَعْلُ مذهب السلف مكوّنا من مكوّنات أهل السنة والجماعة خطأ محض، بل هم أهل السنة والجماعة، وما عداهم من الفرق ممن خالفهم في الأصول أو تدثّر بشعارٍ غير شعارهم فرق ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كمن قدم العقل البشري على الوحي: الكتاب والسنة، وجعله حاكما عليهما، أو ردّ أخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد، أو عطّل الله عن صفاته الواردة في الكتاب والسنة وحرَّف معانيها فصرفها عن حقائقها، أو فوضها، بدعوى التنزيه عن مشابهة الخلق، أو نفى استواء الله على عرشه، أو علوه على خلقه، أو غلا في الوعيد، وكفّر بالذنب، وخرج على جماعة المسلمين وأئمتهم، واستحل الدماء المعصومة، أو زعم أن الشريعة تُتلقى من غير طريقه صلى الله عليه وسلم، من الكشوفات والفيوضات والمنامات ومشايخ الطرق، أوتعبد الله بالأوراد المبتدعة والرقص والسماع والغناء والتواجد، أوقسم الدين إلى حقيقة وشريعة، وباطن وظاهر، أو زعم أن الولاية أعلى منزلة من النبوة، أو أنها تكتسب بالرياضات، لا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذُكرت تفاصيل ذلك في البحوث وأوراق العمل المقدمة للمؤتمر.
تاسعا: المشاركون في المؤتمر إذ يسألون الله تعالى جمع كلمة المسلمين على الحق والهدى فإنهم يدعون جميع الطوائف التي انفردت بأصل أو اسم أو شعار إلى التبصر في نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف، ومراجعة النفس، والتجرد للحق، وتذكر المقام بين يدي الله جل جلاله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ حتى يعودوا إلى السنة المحضة، كما رجع الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله عن عقيدته الكلامية إلى عقيدة السلف أهل الحديث، كما في كتابيه ( الإبانة) و (مقالات الإسلاميين).
عاشرا: يُحذر المشاركون من الغلو والتطرف بجميع صوره وأشكاله وتنظيماته، ويستنكرون ما تمارسه جماعات الغلو المعاصر من تبديع المسلمين وتكفيرهم بغير حق، واستباحة الحرمات والدماء المعصومة في البلاد الإسلامية وغيرها، والخروج على ولاة أمور المسلمين بالثورات والمظاهرات، باسم الجهاد في سبيل الله، ويدعوا المشاركون شباب المسلمين على وجه الخصوص إلى اجتناب هذه الأفكار والتنظيمات والحزبيات، وعدم الانسياق وراء هذه الدعوات المضللة، والاستقامة على منهج أهل السنة والجماعة؛ إذ إنهم يعتقدون أن التكفير والتبديع والتفسيق أحكام شرعية لا يجوز الكلام فيها إلا عن علم وبصيرة، ولا يجوز إطلاقها على أحد إلا من عالم بالدليل والواقعة على وجهها، مع تحقق الشروط وانتفاء الموانع، ويحرمون الخروج على الحاكم المسلم ولو كان ظالما، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، كما يؤكد المشاركون على بطلان نسبة جماعات الغلو والتطرف إلى رموز الدعوات الإصلاحية، ولا سيما شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله، وهما براء من ذلك كما تشهد به مؤلفاتهما وواقعهما وما نقله أهل العلم عنهما.
حادي عشر: إن تقسيم السلفية إلى تيارات، ومنها: السلفية الجهادية، والسلفية التكفيرية، محض افتراء، لا يقوله إلا جاهل بمنهج السلف أو صاحب هوى؛ فإن منهج السلف الصالح شيء واحد غير متعدد، هو مذهب أهل السنة والجماعة لا غير، فمن قال غير ذلك فقد افترى وبغى وظلم، والجماعات المتطرفة لا يصح نسبتها إلى السلفية وإن انتسبت إليها، وإنما الحقيق بهذه الجماعات وصف الخوارج؛ لأن الاعتبار بالمضمون والحقيقة لا بالادعاء.
ثاني عشر: يدعو المشاركون ولاة أمور المسلمين إلى تعزيز منهج أهل السنة والجماعة، ونشره، وحمايته والدفاع عنه، فإنه المنهج الذي فيه حياة القلب، وتعظيم الرب، وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته، والقيام بالحقوق، وهو الكفيل بجمع كلمة المسلمين وائتلاف قلوبهم وتوادهم وتراحمهم، وتحصيل مصالح الدين والدنيا، والفوز برضوان الله وجنته.
ثالث عشر: يندد المشاركون في المؤتمر بما تنشره بعض وسائل الإعلام العربية والغربية من نسبة الغلو والتطرف إلى السلفية أهل السنة والجماعة، واتهامهم به مع براءتهم من ذلك، كما تشهد به كتبهم وجهودهم ومواقفهم.
رابع عشر: يدين المشاركون بشدة الجريمة النكراء التي قام بها الحوثيون من استهداف بيت الله الحرام، منتهكين حرمة البيت، مستهينين بالمسلمين ودمائهم وحرماتهم، كما يثمنون الجهود التي يقوم بها التحالف الإسلامي من نصرة المسلمين، وصد العدوان عنهم، ومؤازرة قضاياهم؛ لحفظ بيضة الإسلام. سائلين الله تعالى أن يكلل جهودهم بالتوفيق، وأن يحفظ بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، ويجمعهم على الحق والهدى، إنه سميع قريب مجيب.
وفي الختام يقدم المشاركون شكرهم وتقديرهم إلى منظمي هذا المؤتمر: فريق الربانيين التطوعي ومؤسسة رافد للبحوث والدراسات على جهودهم المباركة بالمبادرة إلى إقامة هذا المؤتمر، مع حسن الإعداد والتنظيم والترتيب والضيافة، سائلين الله تعالى أن يبارك لهم، ويسدد خطاهم، ويجعل ذلك في موازين حسناتهم. كما يتقدم المشاركون بالشكر لسماحة مفتي الجمهورية الإسلامية الموريتانية سماحة العلامة الشيخ أحمد بن المرابط على رئاسته للمؤتمر، ويسألون الله أن يبارك له في علمه وعمله وعمره.
هذا ونسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمع شمل المسلمين، ويؤلف بين قلوبهم، ويبصرهم بالحق، ويأخذ بنواصيهم للخير، ويكفيهم شرر الأشرار، وكيد الفجار، ويتولاهم برعايته ونصره، ومغفرته ورحمته، ويوفق حكامهم للعمل بشرعه، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأجمعين