المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الإثنين 23 ديسمبر 2024
عودة الضجيج السياسي بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الملء الثالث ينتظر سيناريو يرضي جميع الأطراف.
بواسطة : 29-05-2022 12:19 مساءً 6.6K
المصدر -  
تحول مشروع سد النهضة الإثيوبي إلى ما يشبه الأزمة الموسمية بين مصر والسودان وإثيوبيا، ويزداد سخونة كلما اقتربت الأخيرة من تدشين مرحلة جديدة في التشييد أو الملء، وبعد أن أوشكت على الانتهاء من مرحلة البناء الصعبة دخلت معركة كسر العظم الخاصة بالملء ومراحله المختلفة، وهو ما ظهرت معالمه في العامين الماضيين، مع المرحلتين الأولى والثانية لملء خزان سد النهضة.

واقتربت إثيوبيا من الدخول في المرحلة الثالثة في شهري أغسطس وسبتمبر المقبلين، وبدأ صوت الضجيج يرتفع من جانب كل من القاهرة وأديس أبابا، ويحاول كل طرف التذكير بثوابته الفنية والسياسية، بينما يكاد يكون الصوت السوداني مختفيا في ظل انشغاله بالأزمات الداخلية التي قللت من الانهماك في تفاعلات سد النهضة.

وقذف مدير مشروع سد النهضة كيفلي هورو بالكرة أخيرا، وبدأ بورصة المزايدات الجديدة عندما أكد في تصريحات له الجمعة أن بلاده “لن تسمح بوقف تشييد المشروع ولن تسمح بتعطيله”، داعيا القاهرة والخرطوم إلى “التحلي بالعقلانية”.

وأثار الرجل علامات استفهام في القاهرة عند إشارته إلى “احتمال عدم تضرر مصر والسودان من عملية الملء.. وأن بلاده تبادلت المعلومات معهما”، لأن هناك دراسات أشارت إلى وقوع أضرار على البلدين إذا تم تشييد السد بالمواصفات والطريقة الفنية التي أعلنت عنها أديس أبابا، وأن القاهرة والخرطوم أعلنتا أكثر من مرة تقاعس أديس أبابا عن تبادل المعلومات معهما.
وتوقف مراقبون في القاهرة عند إشارة هورو بشأن “احتمال التضرر” و”التحلي بالعقلانية”، واتخذوا منهما دليلا على ازدواجية الموقف الإثيوبي وغطرسته، حيث أنكر مسؤولون كبار في الدولة وقوع أي ضرر على دولتي المصب، ولذلك أُخذ تصريح هورو على أنه علامة على المراوغة في التعامل مع الأزمة.

ويعطي هذا التصريح لمصر المبرر الكافي لتأكيد أحقيتها في رفض تشغيل المشروع بهذه الصورة، ودعم طلبها من عدد من القوى الإقليمية والدولية تجنب الضرر على الرغم من انحياز بعضها لإثيوبيا في مسألة بناء السد كمشروع تنموي ومصدر للطاقة.

وقبل كلام كيفلي هورو بأيام (الثلاثاء الماضي) اعترف وزير الخارجية المصري سامح شكري في تصريحات له على هامش مؤتمر دافوس أن “الجهود الدبلوماسية لم تسفر عن اتفاق”، مشددا على أن قضية السد وجودية ومرتبطة بأمن مصر ومواطنيها و”ستظل توليها الأهمية والتركيز اللازمين”.

وتشير التصريحات السابقة إلى أن الأزمة على وشك العودة إلى مسلسل التراشقات، والذي خفت نسبيا مع انخراط إثيوبيا في صراعاتها الداخلية، وعدم وقوع ضرر مباشر في الوقت الراهن على مصر، وتركيز السودان على همومه السياسية، فضلا عن تدخلات قوى خارجية حثت الدول الثلاث على الهدوء وضبط النفس، مع التأكيد على تجنب التوجه نحو خيار التصعيد العسكري.

ويرى الكثير من المتابعين للأزمة أن حالة “شبه الصمت” بين مصر وإثيوبيا التي سادت في الفترة الماضية لا تعني أن هناك حلولا كان يجري طبخها أو توجد مؤشرات حقيقية يتم اتخاذها كدليل على التفاهم الخفي بين البلدين، لكنها تعكس ارتياحا لما وصلت إليه الأوضاع وعدم الرغبة في الانسياق وراء المزيد من التصعيد.

ويمضي كل طرف في الطريق الذي رسمه لنفسه، فإثيوبيا تسير ببطء في الملء وتوليد الكهرباء دون أن تقدم تنازلات، ومصر تعلن عن التمسك بالحلول الدبلوماسية وترهن التصعيد بوقوع أضرار عليها وأخرجت الحلول الخشنة من خططها للتعامل مع الأزمة، والسودان يراوح مكانه حتى الآن بما لا يؤدي إلى تفجير الموقف مع أديس أبابا أو يحيد عن المسار الذي اقترب فيه من القاهرة.

ويعبر الضجيج الجديد عن استمرار التمسك بالمواقف التقليدية ويعيد التذكير بها تمهيدا للمرحلة التي ستعود فيها الأزمة إلى الأضواء، والتي لا تتوقف على ما تعلنه إثيوبيا من تطورات فقط، بل على ما تتخذه من خطوات في عمليات استكمال تركيب التوربينات وتوليد الكهرباء وكمية المياه التي سوف يتم تخزينها مع الشروع في الملء الثالث.

وأكدت الخطوات التي اتخذتها إثيوبيا على مدار عامين شهدت فيهما العلاقة بين القاهرة وأديس أبابا تحديد توترا عاليا، وجود قصور في المجالات الثلاثة (التوربينات والكهرباء والتخزين). قصور لا أحد يعلم هل كان وليد النقص في الإمكانيات والخبرات والوفرة في الصعوبات أم كان متعمدا من قبل القيادة السياسية لتفادي الصدام المباشر مع مصر وتوسيع نطاق التوترات الإثيوبية في الداخل والخارج.

ومهما كانت الإجابة، فإن أديس أبابا والقوى الداعمة لها نجحت في تحقيق غرضها في تشييد مشروع السد بصورة منفردة وبلا تقيد باتفاق مُلزم أرادته مصر والسودان استنادا إلى مرجعية الاتفاق الإطاري الموقع في الخرطوم في مارس 2015، وهو ما يشي بأنها قادرة على مواصلة سلوكها وهي متمسكة بمعادلة تقوم على الوصول إلى هدفها في التنفيذ والتشغيل الأحاديين ومنع وقوع أضرار عاجلة.

ومن المتوقع أن يتكرر سيناريو الملء الثالث، كما حدث في المرحلتين الأولى والثانية، خاصة أن الإنشاءات التي بلغها السد لا تكفي لمضاعفة كمية المياه في بحيرة السد، فلم يتم تركيب سوى توربين واحد، بما يحد من القدرة على توليد الكهرباء كعنوان رئيسي لسد جرى تسويقه داخليا وخارجيا من هذا المنطلق والحصول على تأييد واسع له كمشروع تنموي خاص بالدولة الإثيوبية.

وسوف يتكرر السيناريو السابق لأنه حقق نسبيا أهداف مصر وإثيوبيا والسودان، وأبعد عن المنطقة شبح أزمة كان يمكن أن تهدد السلم والأمن الإقليميين مع انسداد الحلول المنتجة على مستوى المفاوضات المباشرة بين الدول الثلاث، وجهود الوساطة التي قامت بها أطراف إقليمية ودولية، ورمادية الموقف داخل مجلس الأمن عندما لجأت إليه القاهرة في مرتين من دون أن تحصل على نتيجة تؤيد رؤيتها في مواجهة إثيوبيا.

يأتي الملء الثالث مصحوبا بالضجيج المعتاد بلا طحين سياسي هذه المرة، ففي المرتين السابقتين أسفر الضجيج عن حركة دؤوبة في مستوى الوساطة الأفريقية والجهود الدولية، بينما هذه المرة قد يختفي الحديث عن تحركات يمكن أن يقوم بها الاتحاد الأفريقي الذي استنزف كل الحيل لتقريب المسافات، وتغيب جهود الدول التي تدخلت أو أبدت استعدادا للتدخل في ظل الاهتمام الكبير بالأزمة الأوكرانية.

وأصبحت مصر وإثيوبيا والسودان بلا غطاء إقليمي أو دولي وبلا جهود مشتركة لإيجاد حل مناسب، ولن يجد كلاهما أمامه سوى العودة إلى الضجيج ليوحي بالتمسك بموقفه وعدم التنازل عن ثوابته المركزية ويدغدغ مشاعر شعوب راهنت على قياداتها السياسية والعسكرية لتحقيق أهدافها بالنسبة إلى وقف المشروع إلى حين التوقيع على اتفاق مُلزم، أو من رأوا فيه بارقة أمل للخروج من ظلمات الكهرباء إلى النور.