لَيْلَةِ الْقَدْرِ***وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
*قال الله تعالى في فضل ليلة القدر: ﴿*إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ***وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ***لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ***تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ***سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ*﴾
ليلة القدر ليلة شريفة، خصَّها الله بخصائص عظيمة، تُنبِئ عن فضلها ورفعة شأنها، منها:
1-*أنها الليلة التي أُنزِل فيها القرآن؛ كما قال - تعالى -: ﴿*إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ ، ففي تخصيصها بذلك تنبيهٌ على شرفها وتنويهٌ بفَضلِها، حيث أنزَلَ الله - تعالى - فيها أعظمَ الذِّكر وأشرَف الكُتُب، ففي قراءته فيها أخذٌ بسببٍ من أعظم أسباب الهُدَى ودواعي التُّقى.
2-*وصف الله - تعالى - بأنها مباركة، بقوله: ﴿*إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ...﴾ فهي مُبارَكةٌ لكثرة خيرها وعظم فضلها، وجليل ما يُعطِي الله مَن قامَها إيمانًا واحتِسابًا، من الخير الكثير والأجر الوفير.
3-إخباره - تعالى - عنها، بقوله: ﴿*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ*﴾ أي: يفصل من اللوح المحفوظ إلى صحف الكتَبَة من الملائكة من الأمور المحكَمة ممَّا يتعلَّق بالعِباد من أمر المعاش والمعاد إلى مثلها من العام القابل، من الأرزاق والأعمال والحوادث والآجَال، ونحو ذلك من الأمور المحكمة المتقَنة بمقتضى علم الله - تعالى - وحكمته ومشيئته وقدرته، وذلك كلُّه ممَّا يبيِّن شرفَ تلك الليلة وعظم شأنها.
4- ما يُفِيده قوله - تعالى -: ﴿*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*﴾ من التنبيه على فضل قيامها وكثرة الثواب على العمل فيها، مع مُضاعَفة العمل، فإنَّ عبادة الله - تعالى - وما يَنالُه العبدُ من الثواب عليها خيرٌ من العِبادة في ألف شهر خالية منها، وذلك يُنيِّف على ثمانين سنة، وإذا كان العمل الصالح يُضاعَف في رَمضان ويُضاعَف ثوابه،*فكيف إذا وقَع في ليلة القدر؟*فلا يعلم إلا الله - تعالى - ما يَفُوز به مَن قامَها إيمانًا واحتِسابًا من الأجر العظيم والثواب الكريم.
5- تنزَّل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة لأهل الإيمان؛ كما قال - تعالى -: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ***سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ*﴾ *ولذا فهي ليلةٌ مطمئنة، تَكثُر فيها السلامة من العذاب، والإعانة على طاعة الغفور التواب.
6-*ما ثبَت في الصحيحين عن النبي*- صلى الله عليه وسلم -*أنَّه قال: ((مَن قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)) ، فهي ليلةٌ تُغفَر فيها الذُّنوب، وتُفتَح فيها أبواب الخير، وتعظم الأجور، وتُيسَّر الأمور.
فلهذه الفضائل العظيمة وغيرها تواتَرت الأحاديث الصحيحة عن النبي*- صلى الله عليه وسلم -*في الحثِّ على تحرِّي هذه الليلة في ليالي العشر الأخيرة من رَمضان، وبيان فضلها، وفي سنَّته*- صلى الله عليه وسلم -*في قيامها، وهدي أصحابه - رضِي الله عنْهم - من الاجتِهاد في التِماسها ما يبعث همم طلاب الآخِرة والراغِبين في العتق والمغفرة مع وافر الأجر وكريم المثوبة، إلى اتِّباعهم على ذلك بإحسان، التِماسًا لرضا الرحمن، والفوز بفَسِيح الجِنان
وممَّا ينبَغِي التفطُّن له تربيةُ الأهلِ على العناية بهذه الليالي الشريفة، وإظهار تعظيمها، والأَخْذ بسُنَّة النبي*- صلى الله عليه وسلم -*فيها، فقد كان يوقظ أهله’ وكلُّ مَن يُطِيق القيامَ للصلاة والذِّكر، والتنافس فيما ينال به عظيم الأجر من خِصال البِرِّ؛ حرصًا على اغتِنام هذه الليالي المُبارَكة، فيما يُقرِّب إلى الله - تعالى - فإنها من فرص العمر وغنائم الدهر.
وممَّا يدعو إلى القلق وعظيم الحزن تَساهُل بعضِ الناس - هدانا الله وإيَّاهم - فيها،*وزهدهم في خيرها؛ حيث يظهر منهم الكسل فيها أكثر ممَّا سبَقَها من الشهر، حتى يَتَخلَّفون عن الفرائض ويهجرون المساجد، ويَزدَحِمون في الأسواق، ويَرتَكِبون بعض خِصال النِّفاق، نسأل الله تعالى لنا ولهم العفوَ والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا من المُسارِعين إلى المغفرة والجنَّات، المُتنافِسين في الخيرات، الفائزين بعظيم الأجور وأعالي الجنَّات، إنه سبحانه سميع مجيب الدعوات..
*