المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الإثنين 23 ديسمبر 2024
بواسطة : 08-06-2016 07:47 مساءً 9.7K
المصدر -    المسجد لغة موضع السجود، وشرعا كل ما أعد ليؤدي فيه المسلمون الصلوات الخمس جماعة، وقد يطلق على ما هو أعم من هذا فيدخل فيه ما يتخذه الإنسان في بيته ليصلي النافلة أو ليصلي فيه الفريضة عند وجود مانع شرعي يمنعه من أدائها جماعة في المسجد الذي يقيم الناس فيه الجماعة، ومن ذلك ما رواه البخاري وغيره عن جابر قال: قال رسول الله «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل..» الحديث. وهنا سأعرض عدد كبيرا من الساجد وتاريخها خلال شهر رمضان المبارك. المسجد القِبلي: الجامع القِبْلي (بكسر القاف وتسكين الباء) هو الجامع المسقوف الذي تعلوه قبة رصاصية، والواقع جنوب المسجد الأقصى المبارك ومن هنا جاءت تسميته بالقبلي، وكان أول من أمر ببنائه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند فتحه للقدس عام 15 للهجرة. وهو المصلى الرئيسي الذي يتجمع فيه المصلون خلف الإمام في صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك. حيث أنشأ الخليفة عمر بن الخطاب بعد فتح مدينة القدس عام 15 هـ مسجداً في منطقة الحرم القدسي، موقعه إلى جنوب الصخرة المقدسة.. وكان بناءً متواضعاً تم بناؤه من عروق خشبية موضوعة على الجدران مباشرة دون عقود، ويقال إن هذا المسجد كان يتسع لثلاثة آلاف مصلي. ثم جددوا عمارة المسجد الأقصى في العهد الأموي في خلافة عبد الملك بن مروان وابنه الوليد بن عبد الملك.. وكان المسجد الأقصى في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان ومن بعده ابنه الوليد يتكون من مساحة مستطيلة بنيت بأحجار صغيرة غلفت بوزرات من الرخام، وكسيت المناطق العلوية منها بالفسيفساء، وقد أمكن تحديد عرض المسجد الأقصى بمقدار 50.8 متر، أما طول المسجد الأقصى فلم يستدل عليه بسبب التوسعات التي قام بها الخليفة المهدي عام 163 هـ، وكان المسجد في العهد الأموي يتكون من مجاز أوسط يعلوه قبة عالية من الخشب المصفح ببلاطات من الرصاص وستة أروقة، وكان للمسجد سبعة أبواب جهة الشمال، ولأن منطقة الشام منطقة باردة جداً في الشتاء ويسقط عليها الثلوج والأمطار الغزيرة، نجد أن المعمار لم يقم بعمل صحن مكشوف يتوسط المسجد. بل المسجد كله مسقوفا بسقف مائل حتى لا تتراكم عليه الأمطار والثلوج وتفسده. وفي أواخر العهد الأموي عام 130 هـ حدث زلزال سقط بسببه شرقي المسجد وغربيه.. وفي عهد الدولة العباسية تهدم جزء من المسجد وسقطت قبته ، وفي عام 163 هـ حدثت زلزلة أخرى أدت إلى تهدم المسجد الأقصى، فقام الخليفة المهدي العباسي بإعادة بنائه من جديد وذهب بنفسه إلى بيت المقدس لافتتاح المسجد الأقصى، وأصبح المسجد الأقصى يبلغ 102 متراً في الطول، و60 متراً في العرض، وأصبح المسجد يتكون من خمسة عشر رواقا تسير عقودها عموديا على جدار القبلة، وللمسجد أسقف خشبية مغطاة من الخارج ببلاطات من الرصاص، والرواق الأوسط يغطيه سقف جمالوني (مائل) يرتفع عن بقية أسقف المسجد وينتهي أمام المحراب بقبة عالية من الخشب مغطاة ببلاط من الرصاص، وكان للمسجد خمسة عشر باباً. وكانت جدران المسجد الداخلية مغطاة بالفسيفساء لا تزال بقاياها فوق صينية المحراب الرئيسي.. وظل المسجد الأقصى تحت رعاية الدولة العباسية حتى انتهت على يد المغول عام 656 هـ. وانتقلت رعاية المسجد الأقصى إلى الدولة الفاطمية، وفي عام 406 هـ تعرض المسجد الأقصى وقبة الصخرة لزلزال شديد تهدمت على إثره أجزاء كبيرة منها، وكان ذلك في عهد الخليفة الحاكم بأمر الله، إلا أن أعمال الترميم والإصلاح لم تتم إلا في عهد الخليفة الظاهر ومن بعده الخليفة المستنصر لدين الله عام 448 هـ. ثم احتل الصليبيون المسجد الأقصى الشريف عام 493 هـ / 1099م، وذلك في عهد الخليفة المستعلي الفاطمي، وظلوا بها لمدة تسعين عاماً أراقوا فيها الدماء وهتكوا الأعراض، واتخذ الملك جود فري الصليبي من مدينة القدس قاعدة حربية لقواته، وحول المسجد الأقصى إلى كنيسة ووضع على قبته صليباً كبيراً بدلا من الهلال واستخدم أقبية المسجد إسطبلات للدواب. وكان السلطان نور الدين محمود دوما يردد أن نصر الله آت قريبا لا شك – عنده- في ذلك. وفى ذات مرة بعد معركة حارم التي أقض فيها مضاجع الصليبيين التفت إلى جلسائه وهو يقول الحمد لله اقتربنا من القدس وسوف ندخله إن شاء الله قريبا نقيم فيه الصلاة لكنه – والحضور- صمت لحظة ثم عاد يقول في تأثر شديد: لكنهم حطموا المنابر فلنستعد بمنبر عظيم يليق بذلك اليوم العظيم يصعد فيه الخطيب ويحيى يوم النصر ويهز الجدران كما ستهتز القلوب. ثم أمر باستدعاء أمهر المهندسين وكان منهم: حميد الدين بن ظافر الحلبي، وسليمان بن معالي وطلب منهما أن يصنعا منبرا فخما مرصعا بالجواهر والدر لم يصنع مثله من قبل.وبالفعل قامت مجموعة من أمهر الصناع بتصنيع منبراً يُعد بحق إحدى أجمل التحف الفنية الإسلامية، وكان مصنوعاً بطريقة التعشيق، ولم يستخدم في تصنيعه أي مسمار أو مواد لاصقة. ولكن المنية عاجلت السلطان المُجاهد نور الدين محمود قبل أن يرى يوم النصر، وظل المنبر مكانه بحلب حتى أتى نصر الله على يد سلفه القائد صلاح الدين الأيوبي في عام 583 هـ فاستطاع المسلمون بقيادته أن يخلصوا مدينة القدس من أيدي الصليبين ويرجعوها إلى حوزة الدولة الإسلامية. وكان الصليبيون قد عبثوا بالمسجد الأقصى وبنوا منبراً ومذبحاً فوق الصخرة كما أنهم حجبوا جدرانه الأصلية وبنوا عليها حوائط جديدة، فأمر بهدم هذه الحوائط وحمل معه إلى المسجد العديد من المصاحف وأوقف عليه أوقافاً لإصلاحه وترميمه، وسجل هذه الأعمال على المحراب الأصلي للمسجد، ثم أمر بإحضار منبر نور الدين محمود من حلب ووضعه في مكانه إلى جوار المحراب. وعلى هذا المنبر نص تأسيسي باسم المنشئ نور الدين محمود، وقد ظل المنبر هناك شامخاً مكانه حتى حريق المسجد الأقصى في زمن الاحتلال الصهيوني للقدس عام 1969 م. أما في العصرين المملوكي والعثماني فقد توالت أعمال الإصلاح والتجديدات على المسجد الأقصى ولكنهم لم يغيروا من معالمه. ومن ذلك ما قام به السلطان الظاهر بيبرس البند قداري حينما زار القدس عام 661 هـ وأمر بترميم كل ما تهدم من حرم المسجد وأوقف عليه خاناً وعقارات يصرف عليه من دخلها، كما اهتم السلطان قايتباي المحمودي بالمسجد الأقصى وبنى بالحرم القدسي سبيلاً لا يزال موجوداً للآن بحالة جيدة كما أنشأ مدرسة لتدريس الفقه الإسلامي. وفي عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون عام 729 هـ تم وضع الرخام في صدر المسجد على يد الأمير ناصر الدين ناظر الحرم القدسي، ثم جددت أبواب المسجد الأقصى الخشبية عام 778 هـ على يد السلطان شعبان والسلطان حسن، وكان آخر تجديد للمسجد الأقصى في العصر المملوكي على يد السلطان الغوري. ترك السلطان سليمان القانوني بصمات واضحة في بيت المقدس عام 969 هـ ـ 1561 م، إلا أن أهم الأعمال التي تمت في المسجد الأقصى كانت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على يد خمسة من السلاطين تركزت أعمالهم في فرش المسجد بالبسط ومده بالشماعد وتغيير النوافذ الزجاجية وإصلاح ما فسد من جدرانه.ومنذ سقوط مدينة القدس وأجزاء من فلسطين في يد الصهاينة، تعرض الجامع القِبْلي لمئات الاعتداءات على أيديهم، كان أضخمها إحراقه في 8/6/1389هـ - 21/8/1969م، فاحترق حينها منبر نور الدين زنكي، كما امتد الحريق لمساحة 1500 متر مربع من الجامع القِبْلي، شملت الأروقة الثلاثة الشرقية منه، إضافة إلى سقفه الخشبي، وبعض الأعمدة الرئيسية التي تحمل قبته. فضلا عن ذلك، تعرض الجامع القِبْلي لمحاولات عدة لتفجيره، بل وقصفه بالصواريخ خاصة عامي 1980م و1984م، كما أن أعمال الحفر التي تقوم بها سلطات الاحتلال في محيط المسجد الأقصى المبارك وتحت أجزائه المختلفة باتت تهدد أساسات الجامع القِبْلي بصفة خاصة، حيث إنه مقام فوق تسوية مقامة فوق الأرضية الأصلية للمسجد الأقصى المبارك، وليس فوق الأرضية الأصلية مباشرة. كما يهدد الحظر المفروض على أعمال الترميم الإسلامية في مختلف أجزاء المسجد الأقصى الأسير بإضعاف بنيان الجامع القِبْلي ومختلف الأبنية الأثرية التاريخية الأخرى داخل الأقصى، بسبب عوامل التعرية وتسرب المياه. كما بدأت بعض أعمدة الجامع القِبْلي وبعض قطع الرخام فيه في التآكل، كما تشوهت بعض زخارف ونقوش قبته القيمة بعوامل التعرية التي مرت سنوات طويلة عليها، وأيضا بأثر الرصاص الذي طالما أمطر به الصهاينة مختلف قباب المسجد الأقصى، خاصة قبة الجامع القِبْلي وقبة الصخرة، منذ احتلالهم المسجد المبارك عام 1967م. كما تأثر الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، مما يلي الجامع القِبْلي، بسبب الحفريات الصهيونية في الجهة الجنوبية من الأقصى. وبينما منعت سلطات الاحتلال الأوقاف الإسلامية من إعماره، أقامت ثكنة عسكرية عنده للإشراف على أعمال التشويه الذي تقوم به، تحت مسمى أعمال التطوير، فارضة سيطرتها على هذا الجزء ضمن غيره من الأجزاء المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك. والمسجد القِبلي الحالي طوله من الداخل 80 مترا وعرضه 55 مترا ومساحته 4500 متر مربع، وهو ممتد من القبلة إلى الشمال في سبعة أروقة أوسعها الرواق الأوسط وأسقفه محمولة على 53 عمودا من الرخام الملون، و49 دعامة من الحجارة، وفي صدر المسجد قبة مصنوعة من الخشب مزينة بالفصوص الذهبية الملونة، وفيها النقوش العربية الجميلة، وتكسو خوذة القبة من الخارج ألواح خشبية مصفحة بالرصاص، وللمسجد حالياً أحد عشر باباً، سبعة منها في الجانب الشمالي للمسجد، وواحد في الجانب الشرقي واثنان في الجانب الغربي وواحد في الجانب الجنوبي. بعد حريق عام 1969م قامت فكرة إعادة إنشاء المنبر من جديد، حيث حاولت جامعة الدول العربية وعدة دول عربية وإسلامية تحقيق هذه الفكرة، لكن تنفيذها لم يكن سهلاً، وفي الأردن وضعت وزارة الأوقاف بالتعاون مع اللجنة الملكية لإعمار القدس مسابقة لأفضل تصميم وتقدَّم لها عددٌ من الخبراء الأكفاء المتخصصون في فن الزخرفةِ في العالم الإسلامي، وفاز بالمسابقة المكتب الهندسي الأردني "المحراب"، وبدأ هذا المكتب بإعداد التصاميم وجمع المعلومات عن المنبر القديم؛ حيث تمَّ الاستناد إلى الصورِ والرسومات القديمة، وبعد ذلك تمَّ إنشاء معهد الفنون الإسلامية التقليدية التابع لجامعة البلقاء في كلية العلوم التطبيقية، ثم شرعت اللجنة والمكتب باستقدام الأيدي العاملة الخبيرة من خلال الإعلانات ثم المقابلات. ووقع الاختيار على مجموعةِ فنيين من تركيا وإندونيسيا ومصر والجزائر والأردن. وتمَّت المباشرة بالعمل في 2002م ، واستغرقت عملية إنشائه أربع سنوات ونصف، ثُم نُقل الى المسجد الأقصى في عام 2007، ومن ثم تجميعه وتركيبه في نفس مكان المنبر القديم، ولم يكن إنجاز هذا العمل سهلاً على الإطلاق؛ حيث تمَّ تجميع 16500 قطعةً بدون مواد مثبتة نهائيًّا؛ الأمر الذي يدلُّ على تقدم الصناعة والفنون والعلوم في تاريخ الإسلام قبل حوالي 800 سنة، والمنبر الجديد هو نسخة طبق الأصل من المنبر القديم.