محمد سعيد الغامدي -جدة*
ألقى فضيلة الشيخ*الشيخ الدكتور رائد بن فواد باجوري عضو هيئة التدريس جامعة أم القرى وامام وخطيب جامع الفيصلية بجدة - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "*الأمن الفكري"، والتي تحدَّث فيها باسهاب وذكر*أبرَز مخرجات الامن بالمفهوم الاسلامي قال فيها :*-*
*أما*بعد: فأوصيكم ـ عبادَ الله ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجل، فهُدَى النفوسِ بتقواها،* يِـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
أيّها المسلمون،َّ الأمنَ بمفهومِه الشامل مطلَبٌ رئيس لكلِّ أمّة إذ هو ركيزَة استقرارِها وأساسُ أمانها واطمئنانها إلاَّ أنَّ هناك نوعًا يُعدَ أهمَّ أنواعِه وأخطرَها، فهو بمثابةِ الرأس من الجسَد لِما له من الصِّلة الوثيقةِ بهويّة الأمّة وشخصيّتِها الحضارية، حيث لا غِنى لها عنه، ولا قيمةَ للحياة بدونه، فهو لُبّ الأمنِ ورَكيزتُه الكبرى، ذلكم ـ يرعاكم الله ـ هو الأمنُ الفكريّ. فإذا اطمأنَّ الناس على ما عندهم من أصولٍ وثوابِت وأمِنوا على ما لدَيهم من قِيَم ومثُلٍ ومبادئ فقد تحقَّق لهم الأمنُ في أَسمى صوَرِه وأجلَى معانيه وأَنبلِ مَراميه، وإذا تلوَّثت أفكارُهم بمبادئَ وافِدة ومناهجَ دخيلة وأفكارٍ منحرِفة وثقافاتٍ مستورَدَة فقد هوت الأفكار وحارت العقول لذلك حرصت شريعتُنا الغرّاء على تعزيز جانِبِ الأمن الفكريّ لدى الأفراد والمجتمعِ والأمّة، وكان لها قَصَب السبقِ في ذلك عن طريقِ تحقيق وسائلَ متعدِّدة أسهمَت في حمايته والحفاظِ عليه من كلِّ قرصَنَة فكريّة أو سَمسَرة ثقافيّة تخدِش قِيَمه وتمسّ ثوابته.
إخوةَ الإيمان، إنّ الأمنَ الفكريَّ لدى هذه الأمّةِ يعني أن يعيشَ أهل الإسلام في مجتمَعِهم آمنين مطمئنِّين على مكوِّنات شخصيّتِهم وتميُّز ثقافتِهم* وبضدِّها تميز الأشياء، فإذا غدَت مبادِؤهم وثوابتُهم محلاًّ للمساومَاتِ والمزايدات* وما سلكَت فئامٌ في الأمّة مسالِكَ العنفِ والإرهاب والقتلِ والإرعاب والتدمير والتفجير إلاَّ لما تشبَّعت أفكارُها وغسِلَت أدمِغتها بما يسوِّغ لها تنفيذَ قناعاتها وتحسينَ تصرّفاتها، وذلك راجعٌ إلى رصيدٍ فكريّ ومخزون ثقافيّ أفرَزَ عملاً إجراميًّا وسلوكًا عدوانيًّا.
لذا فإنّ الحاجة ماسّة إلى التذكير بقضيّة الأمنِ الفكريّ، لا سيما في هذا العصرِ الذي هبَّت فيه رياحُ الجنوحِ عن منهجِ الوسطيّة والاعتدال وتعدَّدت فيه أسبابُ الانحراف ووسائلُ الانحلال، خاصّةً في تلك الحقبةِ العصيبة والمنعَطف الخطير الذي تمرّ به مجتمعاتُنا وأمّتُنا ويُكادُ فيه لأجيالِنا ناشئتِنا وشبابنا، مما يحتِّم المسؤوليةَ العظمى على جميع شرائحِ المجتمع وأطيافِ الأمّة في الحفاظِ على أمنِ الأمة الفكرِي،
أمَّة الإسلام، إنَّ المتأمّلَ في واقعِ الأمن الفكريِّ في الأمّة يُصاب بالذّهول وهو يرَى كثرةَ الأسباب والعوامِل التي تسعَى إلى تقويض بنيانِه وزعزَعة أركانِه والعملِ على إغراقِ سفينته وَ مِن ألوان الغزوِ الفكريّ المركَّز والتحدّي الثقافيّ المعلَن. ولعل أخطرَ تلك الأسبابِ القصورُ في جوانبِ العقيدة وتطبيقِ الشريعة، يقول الله عز وجل: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ* وأيُّ بركةٍ أعظمُ مِن تحقيق الأمن؟! وكذلك التساهُل في مجالاتِ الدعوة والحسبة، وهما صِمام الأمانِ في تحقيق الأمنِ الفكريّ. ومن ذلك التزهيدُ في علماءِ الشريعة وتركُ الرجوعِ إليهم خاصّةً في النوازل والمستجدّات التي يتطلَّب النظر فيها إلى فهمٍ دقيق واستنباطٍ صحيح
لقد أوجَدَ الغزوُ الثقافيّ مناخًا يتَّسِم بالصراع الفكريّ الذي يجرّ إلى نتائجَ خطيرةٍ وعواقبَ وخيمة على مقوِّمات الأمّة وحضارتها، وكان من نتيجةِ ذلك أن تُسمَع أصوات تتَعالى عبرَ منابرَ إعلاميّةٍ متعدّدة تدعو وبكلِّ بجاحةٍ إلى التخلّي عن كثيرٍ من الأمور الشرعية والثوابِتِ المرعيّة والمعلومَةِ من دين الإسلامِ بالضّرورة أعوذبالله من الشيطان الرجيم"الذين ءآمنوا ولم يلبسوا ايمنهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
*
