المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الإثنين 25 نوفمبر 2024
زواجٌ وعودةٌ للحياة وفواجع.. "ليالي الحجر في مكة" يرويها طبيب: مرت من هنا!
شائع عداوي -سفير غرب
بواسطة : شائع عداوي -سفير غرب 14-08-2021 03:36 مساءً 11.8K
المصدر -  
متابعات-القادم من الصين على مهل، يعبر القارات دون أن نلقي له بالًا، يلطم كل خد يعترض طريقه.. الفيروس الذي أتى في صورة أنفلونزا الخنازير والطيور وغيرها، فيروس حمل معه كارثة عظيمة لم تتوقعها البشرية، استقبلته قلوب طاهرة، ترفع يديها إلى السماء وتقول "اللهم سلّم سلّم"، كونها اعتادت على سابقته من الأمراض الفيروسية التي لم تلبث حتى انقضت سريعًا وأصبحت في طي النسيان.. مجهول الهوية وبلا جواز سفر، يتسلل عبر الجو والبر والبحر، نهضت في مواجهته الجيوش البيضاء، تضامنت ضده كل الأسماء، ليصل أخيرًا إلى مدينة مكة المكرمة، إلى جبالها.. طرقاتها.. طلابها.. معلميها.. ممارسيها الصحيين
بهذه الكلمات دوّن الدكتور قاسم الخطيب رئيس قسم العناية المركزة بمستشفى النور التخصصي بمكة المكرمة تدوينته التي نشرها التجمع الصحي بمكة المكرمة ضمن 13 تدوينة عن الصحة والتحول الصحي.

وفي رحلة التجمع الصحي بمكة المكرمة للتقصي عن تلك الفترة، كانت ذاكرة الأطباء هي قبلتهم الأولى في البحث عن التفاصيل التي لم ترصدها الأخبار؛ عن اليوم في جائحة كورونا كيف يمر؟ عن ليالي الحجر الصحي، عن ضجيج المستشفيات رغم هدوء الشوارع.

يقول الدكتور قاسم الخطيب رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى النور التخصصي ومدير العنايات الحرجة بالتجمع الصحي الأول بمكة المكرمة؛ مجيبًا على تلك التساؤلات: "ما زلت أذكر أول حالة كورونا وصلت لمستشفى النور التخصصي، والقلق الذي شعرنا به أنا والزملاء، عن الزائر الغريب القادم بقوة، وكيف تجاوزنا الأمر مع تصاعد الحالات والعمل كفريق، وبحكم العمل في مكة وفي مواسم الحج والعمرة على وجه الخصوص مررنا بالكثير من التحديات الصحية؛ لكن في هذه الجائحة بدا الأمر بصورة ضبابية.. كان القلق سيد الموقف، وبدأ السؤال يلح: ما هي الخطة؟ الجميع بعد ذلك يعرف الأحداث والجهود التي قامت بها وزارة الصحة؛ لكن على المستوى الشخصي كنت كأي شخص يعمل في القطاع الصحي رغم ضغط العمل والأسرة والأبناء؛ لا مناص من القيام بالواجب والوقوف بمسؤولية لمواجهة الجائحة.

طبيب يموت بكورونا

وعن أكثر المواقف تأثيرًا في ذاكرته، تحدث "الخطيب" عن الدكتور طارق العيدروس الحاضر رغم الغياب، الذي لم يتردد لحظة -رحمه الله- في الذهاب إلى العمل وتحفيز العاملين والممارسين الصحيين لمواجهة هذه الجائحة؛ حيث يقول: "قبل أسبوع من إصابته بفيروس كورونا كنت معه نعمل على ترتيب أفضل الإجراءات والسياسات لوقت التدخل الجراحي لمرضى فيروس كورنا، ولم يشفع له إخلاصه وعطاؤه في محاربة الفيروس، في أن يكون أحد الناجين من هذه الجائحة.. عَمل جاهدًا لمعالجة المرضى، بين السهر وتقديم الاستشارات الصحية والتضحيات الكبيرة".

تقاسم الدكتور طارق العيدروس و"الخطيب" أيامه الأربعين الأخيرة في المستشفى كمريض لا كطبيب كعادته، وتركت وفاته أثرًا كبيرًا في النفوس.

سامية.. التفاني رغم الحزن

ويقول "الخطيب": "إحدى القصص المؤثرة التي عايشتهـا شخصيًّا، وقفت "سامية" على وفاة والدتها المتأثرة بإصابتها المفاجئة بالفيروس ليضعها القدر في مكان الألم والحزن.. كانت تعمل معنا بتفانيها المعهود بالقِسم في اللحظة التي كانت والدتها تُنقل لمستشفى النور التخصصي في حالة حرجة متأثرة بهذا الوباء.. توفيت والدتها، فيما بقيت معنا تسمو بتفانيها في العمل رغم كل المشاعر المرتبكة التي نعتقد أنها تعيشها معنا".

موعد مع الفرح

ويستطرد "الخطيب" بقوله: "في الملمات، في الأيام الاستثنائية؛ لا بد أن نكون مع موعد مع قصة تزهر أيامنا رغم شحوب الليالي، نستفيق لنجد أننا أمام حكاية تقول هناك متسع من الأمل.. إنه وبرغم كل شيء ما زالت الطرقات معبدةً لفرحة غير متوقعة.. د.شهد ود.راكان كان لهما موعد مع القدر قبل الجائحة بشهرين، أصبحا ضمن فريق العمل في قسم العناية المركزة، عَمِلا سويًّا بكل تفانٍ في الإشراف على حالات كورنـا حتى تسللت بينهما كيمياء الود، لتأتي صبيحة إحدى أيام الجائحة بنبأ سعيد عن زواجهما.. تَحلّقنا حولهما كعائلة، واحتفينا وباركنـا لهما، فمع زحام القصص الموجعة كنا متعطشين لخطوة تُلهمنا بدنو الفرج، وتعافي الوطن من الجائحة".

العودة للحياة

إحدى القصص المحفورة في ذاكرة "الخطيب" هي قصة المريض (م. ع)، الذي حضر للمستشفى في حالة حرجة جدًّا، استدعت وضعه على التنفس الصناعي، حتى عاد بإرادة الله من الموت للحياة عندما كتب الله له التعافي، وفي صبيحة أحد الأيام تواصل معي لدعوتي لزفافه.. مثلُ هذه المواقف هي ما يشعرنا بالامتنان والرضى رغم صعوبة العمل.

وعن كيف سرّعت كورونـا من التحول المؤسسي، وفي الجانب الآخر للرصد والعمليات، يحكي "الخطيب" قائلًا: "مستشفيات مكة واجهت التحديات بتوفير عدد أكبر من الأسرّة والعقاقير الطبية اللازمة، مع توجيه الرعاية الصحية للمرضى بالعناية دون التأثر أو التهاون تجاه حالات كورونا المستجد، وبدعم لا محدود من وزارة الصحة، وبتواصل مستمر من وكلاء المباشرة، الذي ساهم بشكل رئيسي في إحداث نقلات نوعية في مستشفيات مكة المكرمة؛ حيث تم توسيع أقسام العناية المركزة في المستشفيات، وتطوير وتخصيص مركز متخصص لأكسجة الدم لحالات كورونـا في مدينة الملك عبدالله الطبية، الذي يعد المركز الأول في مدينة مكة المكرمة، بالإضافة إلى الدعم الإداري والمعنوي الداعم في توحيد السياسات والإجراءات والجهود في جميع مستشفيات وزارة الصحة بالمنطقة، حتى أصبحت الأمور أكثر وضوحًا لنمضي قدمًا وبخطى واثقة في تعزيز صفوفنا وقدراتنا لمواجهة هذا الوباء المخيف".

وأضاف: "كان التفاني في العمل سيد الموقف، عندما تعرض بعض الممارسين الصحيين للإصابة بكورونـا، ثم عادوا فور تعافيهم للعمل كفريق واحد وبروح معطاءة؛ رغم الضغط والخوف والظروف القاسية آنذاك؛ في حين سارعت الخطط المؤجلة في تجهيز خط المواجهة الثاني من الممارسين الصحيين؛ حيث تم تدريب الكثير من الأطباء من تخصصات مختلفة، ليتم تأهيلهم للتعامل مع الحالات الطارئة والحرجة في أقسام العناية المركزة".

وتابع: "تم تزويد المستشفيات بعدد من الأسرّة التي تتيح للممارسين استقبال أكبر عدد ممكن من الحالات لتقديم الرعاية الصحية لها، وتم زيادة عدد أسرّة العناية المركزة والحالات الحرجة إلى حوالى 3 أضعاف".

وختم بقوله: "بفضل الله ثم بفضل دعم الحكومة الرشيدة، ممثلةً في سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله، تلقينا الدعم الذي لم يحدد هوية أو شرطًا أو تخصيصًا؛ فكان السبب الأهم في تجاوز هذه الجائحة التي طالما طاردت الممارسين في أحلامهم، والمواطنين والمقيمين في أفكارهم؛ لذا نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن نكون دائمًا عونًا لهذا الوطن العظيم في أزماته".