المصدر -
لم يكد ينتهي من ارتداء ملابسه حتى صاح بزوجته، "هل قمتِ بإعداد القهوة؟" جاءه صوتها يخرج بصعوبة، "ريثما تتناول فطورك أكون قد انتهيت من إعدادها." اندفع كثورٍ هائج خارجًا من الغرفة متوجهًا صوب المائدة، "ومن ثم أتجرعها ساخنة، ماسخة، لاذعة كالسم!" ..
التقم الطعام بتسرع ولم يكد يبتلع ما في فمه حتى استدار متأهبًا لمعاودة الصياح مصوبًا نظرة حانقة تجاه المطبخ ... جاءت مهرولة يتمايل فنجان القهوة في يديها ويتراقص قلبها راضيًا إذ أتمت مهمتها قبل نفاذ صبر ثورها الجامح ...
عاد يقذف الطعام في فمه ... كاد يختنق ... أسعف نفسه بكوب الماء فتجرعه دفعة واحدة .. استقر أمامه الفنجان ... انتزعه بيد وانتزع بالأخرى سيجارة ثم قداحة ... نفث وارتشف فاختلطت الأنفاس ببخار الفنجان بنار أنفاسه اللاهثة الغاضبة والشرار المنطلق من عينيه ....
بعد أقل من دقيقة، كان موسى يفتح باب الشقة بعنف ويلقى بنفسه خارجها مُشيعًا بنظرة ذاهلة من مريم التي صاحت به، "لا تنس أن ....." قبل أن تبتلع كلماتها .. اختفى كلمح البصر ... أحست بسهم يخترق أذنيها مع انغلاق الباب بقوة بالغة ...
أدار سيارته ... لم تعينه سخونة أعصابه على انتظار المحرك حتى يسخن أو الصبر حتى تتحرك سيارة أخرى كانت تسد الطريق عليه .. ضغط بقوة على بوق السيارة ... أفسح له الآخر طريقًا فصاح وهو ينطلق، "لا أعلم من أي سبيل يأتينا القدر بالحمقى؟!"
بعد مسافةِ، أوقف السيارة ونزل منها إلى كشك السجائر ... مد يمناه بالنقود ويسراه تتلقف علبة من الرف ... ابتسم له البائع لكن وجهه ظل جامدًا مكفهرًا ... قال البائع في تردد وهو يتفحص المال الذي لديه، "في وقت مبكر كهذا ...." قاطعه مادًا يده تلتقط علبة أخرى، "تذكر ما تبقى ليّ عندك"
جاء مندفعًا إلى مكان عمله ... تقدم الحارس نحوه في عجاله وألقى التحية ... كان جوابه أن ألقى بالمفاتيح في يد الرجل وقال وهو يمضي داخلًا المبنى، "حذار أن أجد سيارة تسد طريقي حين أعود!"
جلس إلى مكتبه وبدأ العمل ... جاء ساعي المكتب بالقهوة ... قال بهدوء:
- المدير ... يطلب رؤيتك ...
- قال مشيرًا إلى الفنجان:
- ألا يمكنك الانتظار حتى أتجرع سمومك؟ أتقوم القيامة إن قابلت المدير بعد عشرة دقائق من الآن؟
- رفع الساعي حاجب الدهشة وقال محتفظًا بهدوءه:
- وهل تقوم إن أبلغتك الآن ثم تقابله أنت وقتما يحلو لك؟!
كظم غيظًا كبيرًا أمام مديره، قال له بتوسل:
- مُهلة أخرى وستكون الأخيرة ...
- أسبوع واحد فحسب، بعده يكون الكلام غير الكلام ...
- أحتاج أسبوعين ..
- في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم أتسلم الملفات منك .. لن أسمح بدقيقة واحدة فوق هذا ..
عاد إلى مكتبه يستشيط غضبًا ... انكب على الأوراق ... جاء الساعي فرفع الفنجان الفارغ وسأله إن كان يريد شيئًا ....
- أتراني رائقًا لحد أن أسمع صوتك المقزز بين الفينة والأخرى؟ والله لن أحتسي شيئًا من صنعك في يومي هذا وإن كان به أكسير الحياة ...
عاد يقلب في الأوراق بعشوائية .. اشتعل وجهه غضبًا فأشعل سيجارة ... قال في نفسه، "أحتاج إلى معجزة" ... هاتفته زوجته ... ضغط الزر بعصبية ... صاح بها دون أن ينتظر منها كلامًا، "لعلك بحاستك السادسة تعرفين أنني الآن ألهو وأمرح بمزاج سعيد فهاتفتيني كيما تزيدين مرحي!" ... أغلق الهاتف وألقاه جانبًا وراح ينفث الدخان في شره فعبّق الغرفة بالسحائب الرمادية ... جاءه صوت رنين رسائل الهاتف، رفعه وقرأ الرسالة ... قال وفحيح غضبه يخترق حلقات الرماد المحلقة حوله، "أيتها الحمقاء ... يا ليت ألم أسناني يصيب أسنانك فتتيقنين من أن مواعيد الأطباء لا تُنسى ..."
لأول مرة منذ وقت طويل يصطحب أوراق العمل إلى منزله ... قد يجد حلًا لمعضلته في هدوء الليل، هكذا اعتقد ... تعطل المرور في الطريق ... نصف ساعة مرت ولا انفضاض لهذا التزاحم ...
قالت سكرتيرة الطبيب في خجل، "تستطيع أن تنتظر حتى يدخل كل من بالقائمة وقد تكون تميمة حظك حاضرة فيتغيب أحدهم عن موعده كما حدث معك" ...
- كم تتوقعين أن أنتظر؟
- ثلاث ساعات على الأقل، فكما تعرف ......
طفق خارجًا من المكان دون أن يسمع ما ودت أن تقول ..
دخل شقته وهو كاظم لغيظه ... ألقى المفاتيح في ناحية والحقيبة في ناحية أخرى .. صاح بجنون، "اللعنة على المدير وعلى العمل المتراكم وعلى ألم الأسنان ... اللعنة على المرور والزحام والحياة ... أين أنتِ يا مريم؟"
لم تأته استجابة ... راح يبحث عنها في كل أركان الشقة ... أخرج هاتفه ... فجأة سمع صوت مفتاح الباب من الخارج ... دخلت مريم تتّكىء على ذراع جارتهما ... لونها شاحب وحركتها بطيئة ... قالت والأخرى تُجلِسها:
- شعرت بإعياء شديد .. خشيت أن أعطلك عن عملك ... فاستدعيت ... استدعيت السيدة عليّة ...
- قال طبيب المشفى أنها بحاجة إلى راحة كاملة لثلاثة أيام على الأقل ..
ثم مدت يدها له بورقة:
- أوصى أيضًا ببعض الأدوية ..
شكرتها مريم بنظرة ... انصرفت الجارة ...
في إشفاق نظر موسى للواهنة الجالسة أمامه ... شرد برهة ثم تبدلت نظرته ... قال معاتبًا:
- كان عليكِ بالصبر حتى أعود ... هكذا جعلتِ للناس في أمورنا نصيبًا ... كيف لم تتحملين؟!
التقم الطعام بتسرع ولم يكد يبتلع ما في فمه حتى استدار متأهبًا لمعاودة الصياح مصوبًا نظرة حانقة تجاه المطبخ ... جاءت مهرولة يتمايل فنجان القهوة في يديها ويتراقص قلبها راضيًا إذ أتمت مهمتها قبل نفاذ صبر ثورها الجامح ...
عاد يقذف الطعام في فمه ... كاد يختنق ... أسعف نفسه بكوب الماء فتجرعه دفعة واحدة .. استقر أمامه الفنجان ... انتزعه بيد وانتزع بالأخرى سيجارة ثم قداحة ... نفث وارتشف فاختلطت الأنفاس ببخار الفنجان بنار أنفاسه اللاهثة الغاضبة والشرار المنطلق من عينيه ....
بعد أقل من دقيقة، كان موسى يفتح باب الشقة بعنف ويلقى بنفسه خارجها مُشيعًا بنظرة ذاهلة من مريم التي صاحت به، "لا تنس أن ....." قبل أن تبتلع كلماتها .. اختفى كلمح البصر ... أحست بسهم يخترق أذنيها مع انغلاق الباب بقوة بالغة ...
أدار سيارته ... لم تعينه سخونة أعصابه على انتظار المحرك حتى يسخن أو الصبر حتى تتحرك سيارة أخرى كانت تسد الطريق عليه .. ضغط بقوة على بوق السيارة ... أفسح له الآخر طريقًا فصاح وهو ينطلق، "لا أعلم من أي سبيل يأتينا القدر بالحمقى؟!"
بعد مسافةِ، أوقف السيارة ونزل منها إلى كشك السجائر ... مد يمناه بالنقود ويسراه تتلقف علبة من الرف ... ابتسم له البائع لكن وجهه ظل جامدًا مكفهرًا ... قال البائع في تردد وهو يتفحص المال الذي لديه، "في وقت مبكر كهذا ...." قاطعه مادًا يده تلتقط علبة أخرى، "تذكر ما تبقى ليّ عندك"
جاء مندفعًا إلى مكان عمله ... تقدم الحارس نحوه في عجاله وألقى التحية ... كان جوابه أن ألقى بالمفاتيح في يد الرجل وقال وهو يمضي داخلًا المبنى، "حذار أن أجد سيارة تسد طريقي حين أعود!"
جلس إلى مكتبه وبدأ العمل ... جاء ساعي المكتب بالقهوة ... قال بهدوء:
- المدير ... يطلب رؤيتك ...
- قال مشيرًا إلى الفنجان:
- ألا يمكنك الانتظار حتى أتجرع سمومك؟ أتقوم القيامة إن قابلت المدير بعد عشرة دقائق من الآن؟
- رفع الساعي حاجب الدهشة وقال محتفظًا بهدوءه:
- وهل تقوم إن أبلغتك الآن ثم تقابله أنت وقتما يحلو لك؟!
كظم غيظًا كبيرًا أمام مديره، قال له بتوسل:
- مُهلة أخرى وستكون الأخيرة ...
- أسبوع واحد فحسب، بعده يكون الكلام غير الكلام ...
- أحتاج أسبوعين ..
- في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم أتسلم الملفات منك .. لن أسمح بدقيقة واحدة فوق هذا ..
عاد إلى مكتبه يستشيط غضبًا ... انكب على الأوراق ... جاء الساعي فرفع الفنجان الفارغ وسأله إن كان يريد شيئًا ....
- أتراني رائقًا لحد أن أسمع صوتك المقزز بين الفينة والأخرى؟ والله لن أحتسي شيئًا من صنعك في يومي هذا وإن كان به أكسير الحياة ...
عاد يقلب في الأوراق بعشوائية .. اشتعل وجهه غضبًا فأشعل سيجارة ... قال في نفسه، "أحتاج إلى معجزة" ... هاتفته زوجته ... ضغط الزر بعصبية ... صاح بها دون أن ينتظر منها كلامًا، "لعلك بحاستك السادسة تعرفين أنني الآن ألهو وأمرح بمزاج سعيد فهاتفتيني كيما تزيدين مرحي!" ... أغلق الهاتف وألقاه جانبًا وراح ينفث الدخان في شره فعبّق الغرفة بالسحائب الرمادية ... جاءه صوت رنين رسائل الهاتف، رفعه وقرأ الرسالة ... قال وفحيح غضبه يخترق حلقات الرماد المحلقة حوله، "أيتها الحمقاء ... يا ليت ألم أسناني يصيب أسنانك فتتيقنين من أن مواعيد الأطباء لا تُنسى ..."
لأول مرة منذ وقت طويل يصطحب أوراق العمل إلى منزله ... قد يجد حلًا لمعضلته في هدوء الليل، هكذا اعتقد ... تعطل المرور في الطريق ... نصف ساعة مرت ولا انفضاض لهذا التزاحم ...
قالت سكرتيرة الطبيب في خجل، "تستطيع أن تنتظر حتى يدخل كل من بالقائمة وقد تكون تميمة حظك حاضرة فيتغيب أحدهم عن موعده كما حدث معك" ...
- كم تتوقعين أن أنتظر؟
- ثلاث ساعات على الأقل، فكما تعرف ......
طفق خارجًا من المكان دون أن يسمع ما ودت أن تقول ..
دخل شقته وهو كاظم لغيظه ... ألقى المفاتيح في ناحية والحقيبة في ناحية أخرى .. صاح بجنون، "اللعنة على المدير وعلى العمل المتراكم وعلى ألم الأسنان ... اللعنة على المرور والزحام والحياة ... أين أنتِ يا مريم؟"
لم تأته استجابة ... راح يبحث عنها في كل أركان الشقة ... أخرج هاتفه ... فجأة سمع صوت مفتاح الباب من الخارج ... دخلت مريم تتّكىء على ذراع جارتهما ... لونها شاحب وحركتها بطيئة ... قالت والأخرى تُجلِسها:
- شعرت بإعياء شديد .. خشيت أن أعطلك عن عملك ... فاستدعيت ... استدعيت السيدة عليّة ...
- قال طبيب المشفى أنها بحاجة إلى راحة كاملة لثلاثة أيام على الأقل ..
ثم مدت يدها له بورقة:
- أوصى أيضًا ببعض الأدوية ..
شكرتها مريم بنظرة ... انصرفت الجارة ...
في إشفاق نظر موسى للواهنة الجالسة أمامه ... شرد برهة ثم تبدلت نظرته ... قال معاتبًا:
- كان عليكِ بالصبر حتى أعود ... هكذا جعلتِ للناس في أمورنا نصيبًا ... كيف لم تتحملين؟!