المصدر -
بنى الإسلام نماذج يفخر بها كل مسلم، ولا تقف أمام هذه النماذج أي عوائق مثل العُمر وعدد السنين، وغيرها من قلة الحيلة وقلة ذات اليد، ونقص الخبرة، وغيرها من الأعذار والتبريرات.
شباب المسلمين صنعوا نماذج وأمجادًا، يجب أن يعرفها جميع المسلمين؛ كبيرهم وصغيرهم، وفي كل الأزمان، حيث أبدعوا في مجالات شتى، بل قادوا الكبار، وتقدموا عليهم، ونالوا احترامهم وتقديرهم.
حديثنا عن الفتى الفاتح العظيم "محمد بن القاسم الثقفي"، فهو من "ثقيف" المشهورة بقوة الدهاء وسعة الحيلة ومضاء العزيمة، ولد نحو سنة 73هـ وتوفي عام 96 هـ، حمل السيوف وأسمع العدو صليلها، وأصبح وهو في السابعة عشرة من عمره "أشرف ثقفي" في زمانه، كما يقول صاحب كتاب "الأغاني"، حيث كلف بغزو بلاد السند في السابعة عشرة من عمره، وأتمه ولم يتجاوز الثالثة والعشرين، فأدخل ملايين البشر من أهل الهند والسند في الإسلام، فقد عرف هذه البلاد عرب شرقي الجزيرة منذ الجاهلية، وطالما ركبوا البحر إلى شواطئها تجارًا.
وأرض السند عبارة عن حوض نهر السند العظيم، تنزلها قبائل كثيرة قوية، وكان بالسند بلدان كثيرة منتشرة في الأودية ورؤوس الجبال، منها عاصمتهم الحصينة "الديبل"، وكانت هذه البلدان قوية بمعابدها البوذية القديمة، وخصوصًا معبد "الملتان".
وأعد "محمد بن القاسم" لغزو الري، وعلى حدود السند كانت هذه القوة مؤلفة من جيشٍ وأسطول، أما الجيش فكانت عدته زهاء 20 ألف مقاتل، منهم ستة آلاف فارس من جند الشام الذين كانوا عدة الدولة الأموية. وأما الأسطول فكان يحمل المشاة والمؤن وعدد الحرب الثقيلة، ومن هذه خمسة مجانيق ضخام يقال لأكبرها "العروس".
خرج "محمد بن القاسم" بجيشه من شيراز عام سنة 90 هـ، فسار مشرقًا متبعًا ساحل البحر يطوي الأودية والسهول، وبلغ "الديبل" سالمًا، ولم يكد يحط رحاله حتى كان الأسطول قد وافاه بها، فشرع في مهاجمة المدينة. قال صاحب "فتوح البلدان": "فقدم الديبل يوم جمعة، ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة، وركزت الرماح على الخندق، ونشرت الأعلام، ثم إن محمدًا ناهضهم وقد خرجوا إليه، فهزمهم حتى ردهم، وأمر بالسلالم فوضعت، وصعد عليها الرجال وهرب ملك داهر عنها".
وأنزل المسلمين بها، وبنى مسجدًا، وأنزلها أربعة آلاف، وصار كثير من قبائل السند عونًا له في حربه مع "داهر".
ثم عبر نهر مهران، والتقى بداهر وجيشه، وكان على فيلٍ عظيم، وانتشب بين الفريقين قتال هائل انجلى عن قتل "داهر" وتمزق جيشه، واقتفي "محمد" أثر تلك الفلول فاستولى على مدينة "رور" و"برهمنا باذ" نفسها، ثم قطع نهر بياس إلى (الملتان) أعظم بلدان السند العليا، فامتنعت عليه أول الأمر، ثم استولى عليه بممالأة رجل من أهلها له، ووضع يده على أموال جسيمة كانت بمعبدها البوذي.
وكانت "الملتان" أقصى ما وصل إليه "ابن القاسم" من ناحية الشمال، وعلى إثر ذلك عاد نحو الجنوب مستوليًا في طريقه على مدن لملوك آخرين غير داهر، وكان آخر ما فتح مدينة يقال لها "الكنوج" بالقرب من كراتشي حاليًا، أعظم إمارات الهند، والتي كانت تمتد من السند إلى البنغال، وبينما هو على أتم الاستعداد لذلك كخطوة أولى نحو الوصول إلى "كشمير"، وإتمام فتح كل السند والهند، إذ وصله موت الحجاج (95 هـ)، ومن بعده بستة أشهر الخليفة الوليد بن عبد الملك (96 هـ)، وفور تولي سليمان بن عبدالملك الخلافة، عزل محمد بن القاسم عن ولاية السند، وعاد إلى دمشق، وتوفي في الطريق.
ويعلق الدكتور عبدالله جمال الدين، الباحث التاريخي في "فتح بلاد السند والهند"، على أعمال محمد بن القاسم الثقفي بقوله: "لقد تضاءلت أمام أعماله الحربية والسياسية عظمة الإسكندر "المقدوني" وشهرته، إذ بينما عجز الإسكندر قبل ألف عام عن الاستيلاء على قسم ضئيل من الهند كان سكانه أقل من ربع السكان زمن ابن القاسم؛ استطاع هذا الفتى أن يخضعها ويلحقها بالدولة الإسلامية من غير كبير عناء".
وقال مؤرخ إنجليزي: "لو أراد ابن القاسم أن يستمر بفتوحاته حتى الصين لما عاقه عائق، ولم يتجاوز أحد من الغزاة فتوحاته إلى أيام الغرنويين، لقد كان واحدًا من عظماء الرجال في كل العصور".
رثاء الفاتح
وطفق الشعراء يرثون "محمدًا"، ويذكرون فضائله، فمن ذلك قول بعضهم:
أنَّ المروءة والسماحة والندى
لمحمد بن القاسم بنِ محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة
يا قرب ذلك سؤددا من مولد
تلك خاتمة فتى فتيان العرب والطائف وسيد فرسانهم غير مدافع، فمن مبلغ مسلمي الأرض عامة والهند خاصة، أن الدوحة الإسلامية العالية التي أظلت بلاد الهند طوال العصور الوسطى إنما كانت غرس ذلك الفتى العربي النبيل.
شباب المسلمين صنعوا نماذج وأمجادًا، يجب أن يعرفها جميع المسلمين؛ كبيرهم وصغيرهم، وفي كل الأزمان، حيث أبدعوا في مجالات شتى، بل قادوا الكبار، وتقدموا عليهم، ونالوا احترامهم وتقديرهم.
حديثنا عن الفتى الفاتح العظيم "محمد بن القاسم الثقفي"، فهو من "ثقيف" المشهورة بقوة الدهاء وسعة الحيلة ومضاء العزيمة، ولد نحو سنة 73هـ وتوفي عام 96 هـ، حمل السيوف وأسمع العدو صليلها، وأصبح وهو في السابعة عشرة من عمره "أشرف ثقفي" في زمانه، كما يقول صاحب كتاب "الأغاني"، حيث كلف بغزو بلاد السند في السابعة عشرة من عمره، وأتمه ولم يتجاوز الثالثة والعشرين، فأدخل ملايين البشر من أهل الهند والسند في الإسلام، فقد عرف هذه البلاد عرب شرقي الجزيرة منذ الجاهلية، وطالما ركبوا البحر إلى شواطئها تجارًا.
وأرض السند عبارة عن حوض نهر السند العظيم، تنزلها قبائل كثيرة قوية، وكان بالسند بلدان كثيرة منتشرة في الأودية ورؤوس الجبال، منها عاصمتهم الحصينة "الديبل"، وكانت هذه البلدان قوية بمعابدها البوذية القديمة، وخصوصًا معبد "الملتان".
وأعد "محمد بن القاسم" لغزو الري، وعلى حدود السند كانت هذه القوة مؤلفة من جيشٍ وأسطول، أما الجيش فكانت عدته زهاء 20 ألف مقاتل، منهم ستة آلاف فارس من جند الشام الذين كانوا عدة الدولة الأموية. وأما الأسطول فكان يحمل المشاة والمؤن وعدد الحرب الثقيلة، ومن هذه خمسة مجانيق ضخام يقال لأكبرها "العروس".
خرج "محمد بن القاسم" بجيشه من شيراز عام سنة 90 هـ، فسار مشرقًا متبعًا ساحل البحر يطوي الأودية والسهول، وبلغ "الديبل" سالمًا، ولم يكد يحط رحاله حتى كان الأسطول قد وافاه بها، فشرع في مهاجمة المدينة. قال صاحب "فتوح البلدان": "فقدم الديبل يوم جمعة، ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة، وركزت الرماح على الخندق، ونشرت الأعلام، ثم إن محمدًا ناهضهم وقد خرجوا إليه، فهزمهم حتى ردهم، وأمر بالسلالم فوضعت، وصعد عليها الرجال وهرب ملك داهر عنها".
وأنزل المسلمين بها، وبنى مسجدًا، وأنزلها أربعة آلاف، وصار كثير من قبائل السند عونًا له في حربه مع "داهر".
ثم عبر نهر مهران، والتقى بداهر وجيشه، وكان على فيلٍ عظيم، وانتشب بين الفريقين قتال هائل انجلى عن قتل "داهر" وتمزق جيشه، واقتفي "محمد" أثر تلك الفلول فاستولى على مدينة "رور" و"برهمنا باذ" نفسها، ثم قطع نهر بياس إلى (الملتان) أعظم بلدان السند العليا، فامتنعت عليه أول الأمر، ثم استولى عليه بممالأة رجل من أهلها له، ووضع يده على أموال جسيمة كانت بمعبدها البوذي.
وكانت "الملتان" أقصى ما وصل إليه "ابن القاسم" من ناحية الشمال، وعلى إثر ذلك عاد نحو الجنوب مستوليًا في طريقه على مدن لملوك آخرين غير داهر، وكان آخر ما فتح مدينة يقال لها "الكنوج" بالقرب من كراتشي حاليًا، أعظم إمارات الهند، والتي كانت تمتد من السند إلى البنغال، وبينما هو على أتم الاستعداد لذلك كخطوة أولى نحو الوصول إلى "كشمير"، وإتمام فتح كل السند والهند، إذ وصله موت الحجاج (95 هـ)، ومن بعده بستة أشهر الخليفة الوليد بن عبد الملك (96 هـ)، وفور تولي سليمان بن عبدالملك الخلافة، عزل محمد بن القاسم عن ولاية السند، وعاد إلى دمشق، وتوفي في الطريق.
ويعلق الدكتور عبدالله جمال الدين، الباحث التاريخي في "فتح بلاد السند والهند"، على أعمال محمد بن القاسم الثقفي بقوله: "لقد تضاءلت أمام أعماله الحربية والسياسية عظمة الإسكندر "المقدوني" وشهرته، إذ بينما عجز الإسكندر قبل ألف عام عن الاستيلاء على قسم ضئيل من الهند كان سكانه أقل من ربع السكان زمن ابن القاسم؛ استطاع هذا الفتى أن يخضعها ويلحقها بالدولة الإسلامية من غير كبير عناء".
وقال مؤرخ إنجليزي: "لو أراد ابن القاسم أن يستمر بفتوحاته حتى الصين لما عاقه عائق، ولم يتجاوز أحد من الغزاة فتوحاته إلى أيام الغرنويين، لقد كان واحدًا من عظماء الرجال في كل العصور".
رثاء الفاتح
وطفق الشعراء يرثون "محمدًا"، ويذكرون فضائله، فمن ذلك قول بعضهم:
أنَّ المروءة والسماحة والندى
لمحمد بن القاسم بنِ محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة
يا قرب ذلك سؤددا من مولد
تلك خاتمة فتى فتيان العرب والطائف وسيد فرسانهم غير مدافع، فمن مبلغ مسلمي الأرض عامة والهند خاصة، أن الدوحة الإسلامية العالية التي أظلت بلاد الهند طوال العصور الوسطى إنما كانت غرس ذلك الفتى العربي النبيل.