المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 28 نوفمبر 2024
قصة حجرة بلا نافذة  "الجزء التاسع والأخير"
بواسطة : 03-06-2016 09:00 صباحاً 25.1K
المصدر -  

السبب يعود لسنوات مضت منذ أن تقدم والدك لطلبي من أبي وكنت حينها أعيش مع عمتي زوجة أبي في قريته ، لم تكن تحبني أبدا بسبب والدتي المتوفاة والتي عندما كانت على قيد الحياة كانت السبب في أن طلقها والدي لأول مرة قبل أن يعيدها لذمته كما تقول وﻻ أعرف صحة قولها ، فكانت تحاول أن تقهر أسرة أمي بتعذيبها لي ، لم تكن هذه مشكلة بالنسبة لي ، لأني كنت أتحمل كل ماكانت تفعله، ولكني لم أكن أتوقع بأنها تعد لي مكيدة كبيرة ، بعد أن تقدم لي والدك أستطاعت عمتي أن تقنع والدي بأنه ﻻ جدوى لعمل حفلة عرس ، وتحججت بعدم توفر المال وأقتنع والدي نوعا ما ، ثم أقنعت والدك بذلك وأقتنع بل وأخبرته بأنها جهزت له غرفة لدينا ليقيم معنا إلى أن تتيسر أموره وذلك كله بالسر حيث لم يعلم به أهل القرية ولم يكن لي علم بذلك كنت صغيرة حينها ،تم عقد الزواج بيننا و حملت بمريم وعند وصولي للشهر الرابع قررت عمتي أن تقيم حفل زواج لنا أقنعت والدي بحجة أن الناس سيتحدثون عنها بسوء إن لم تقم لي حفل عرس، بحكم أني لست إبنتها ولذلك ستضطر لعمله . حاولت أن أقنع والدك بأن يرفض هذا العرس فلا يصح أن أكون عروس وحامل ، فهذا عيب كبير وجرم لا يغتفر لدى أهل القرية ،ولكن كما تعلمين بأن والدك لا يحرك ساكنا. وأقيم الحفل كما أرادت زوجة أبي ، وحصل ما كانت تخطط له ، حيث لم يبقى شخص في القرية إلا وتحدث عني بسوء ،إذ كيف لي أن أكون عروس وأنا بالشهر الرابع من حملي ، نعتوني بأبشع الصفات ، عاملوني بأسوء الطرق كالمنبوذة ، وحتى إن ذهبت إلى السوق، الجميع يتحدث عني ويشير إلي ، عانيت بشكل لن تتخيلنه، فمشاعر الرفض قاتله لا سيما إن صدرت من مجتمع برمته ،فليس هناك من تلجئين له.

قاطعتها سميرة قائلة : وماذنب مريم حتى تعيش مشاعر الرفض من أقرب الناس لها كما عانيتي ؟ لم تعلق جميلة على سؤالها فأكملت قائلة : - كرهت حملي بكل ما تعنيه الكلمة ،حاولت مرارا إسقاطه دون جدوى، كنت أقفز كالمجنونة وأتعمد ضرب بطني بإستمرار دون فائدة ، كنت أشعر بأنه السبب في كره المجتمع لي، دون وعي مني كرهت مريم قبل أن تولد ، أسقطت الخطأ الذي حملني به المجتمع عليها ، نفثت عن ألم الرفض الذي تلقيته منهم فيها وأمتد هذا الرفض تجاهها حتى بعد أن ولدت ،أصبحت لا شعوريا أتعامل معها بقسوة ، فالفرد منا لا يعي عاداته في التصرفات مالم يوسع إدراكه لذلك أو ينبهه عليه أحد. أتذكر ذات مرة وكانت تبلغ من العمر أربع سنوات، أخذت حافظة الماء وسكبته على الأرض ، مدركة اﻵن بأنه كان شغب أطفال طبيعي ولكن حينها لم أكن أعي ذلك، فضربتها و كنت قد أشعلت الحطب إستعدادا للطبخ فأخذتها فرصة لعقابها فقيدت يديها ثم أجلستها أمام النار لمدة لا تتجاوز العشر دقائق ، هددتها إن لم تتقيد بما أقوله لها سأحرقها ، كانت تبكي بحرقة ،فمنذ ذلك الوقت شعرت منها خوفا مبالغ تجاهي ولا تتردد في فعل أي شئ أطلبه منها ، أعلم بأنه ليس طبيعيا وتصرفي كان خاطئا جدا .

أعلم بأني لم أكف عن تعذيبها وأني سلبت شخصيتها . مريم كانت بلا هوية أو أهداف ، بلا رغبات أو ربما لديها ولكنها لا تجرؤ على إخباري.

صرخت باكية ثم قالت ، أعلم بأني أجرمت بحقها ، ولكنكم جميعكم تشاركوني هذا الجرم .

أتسعت عينا فاطمة قائلة : - ماذا تقصدين ؟ - أقصد بأنكم شاركتوني الجرم لأنكم لم تنبهوني بتصرفاتي تجاهها ، لا أحد منكم أخبرني بأني على خطأ أو حتى نبهني بما أفعله - حاولت مرارا ولكن لم تكن مريم تسمح لي بذلك خوفا منك

نظرت إليها سميرة قائلة : - وهل ستحملينا نحن أيضا ذنب مريم ؟ - نعم سأحملكم ، لا سيما أنت ، فمريم لم تكن تتحدث إلا معك ، تعلمين حجم معاناتها ، أنا أعلم بأني بحقها أخطأت ، ولكن صدقوني لم أكن واعية لتصرفاتي ،وكأن تعاملي معها بذلك الشكل هو الصحيح ، تلقائيا يصدر مني ، ربما قهر مدفون بداخلي يخرج بتلك السلوكيات ، لم لم تنبهوني على ذلك؟ لم تركتموني أفعل ما فعلت ؟ ألسنا مرءآت بعضنا ؟ ألست بشر مثلكم؟ آلا يتوقع مني الخطأ؟

أتجهت لفاطمة وقالت : أنت يا فاطمة عشت مشاعر الأمومه وتعلمين كم يصعب على الأم تعذيب أبناءها أليس كذلك؟ -أومأت فاطمة بالإيجاب أكملت جميلة قائلة : نعم نعم تعلمين أليس كذلك ؟ فالأم وإن ظهر أنها تعذب أبناءها صدقوني غالبا لها دوافع خفية وإن كانت هذه الدوافع ليست مقبولة فهي تحتاج لمن يوعيها صدقوني لم أقصد تعذيبها ، ولا أعلم كيف أمضت تلك السنين معنا بهذا العذاب . بكت لبرهة ثم قالت : فاطمة أرجوك أخبريني ، ماذا أفعل لتسامحني مريم ، أخبريني كيف أجعلها ترضى عني ؟

لم أتخيل أبدا بأني سأفتقدها ، ذلك اليوم كالعادة رأيتها ترتب مﻻبسها في حقيبتها لتبدأ أسبوع عملها المعتاد ، ذلك اليوم لم أكن مرتاحه ولكني لم ألق للموضوع باﻻ ،ودعتني وذهبت ،و فوجئت بعد ثﻻثه أيام بإتصال صاحبة العمل ،تخبرني بعدم حضور مريم لها ،دهشت مما قالته ،وشرعنا في البحث عنها في الطرقات والمستشفيات وحتى عند صديقاتها اللاتي أعرفهن ، وعندما هم أحمد ووالدك بالتبليغ عن فقدها قمت بمنعهم خشية أن نفضح بين الناس بأن إبنتنا هربت .

قالت فاطمة : - ألا يمكن أن تخبريهم بأنها فقدت ؟ لم أعتقدت بأنها هربت ؟ - لأن صاحبة العمل أخبرتني بأن مريم بآخر يوم معها لمحت لها بعض الشئ بأنها لن تأتي مرة أخرى وأن تسامحها إن بدر منها تقصير - وماذا بعد ؟! - كثفنا بحثنا دون جدوى وبعد مضي أسبوعين من إختفاءها تلقينا إتصاﻻ من أحد الأشخاص وسألنا هل نحن أسرة مريم ؟ قلنا له نعم أين هي ؟صمت برهة ثم قال أعزيكم في إبنتكم ،وجدناها مستلقية على أحد مقاعد الإنتظار بالمطار ويبدو أنها كانت تنتظر رحلتها ولكن القدر كان أسبق ،نقلناها بأحد المستشفيات القريبة وأنتظرنا لمدة أسبوع ولم يسأل عنها أحد واضطررنا لدفنها واﻵن بعد البحث أستطعنا الوصول إليكم وبإمكانكم التواصل معي بأي وقت لإستﻻم شهادة الوفاة، لم أستطع حينها أن أنطق بكلمة واحده ،تسمرت ولم أصدق وفاتها أبدا كانت سميرة تجلس بالقرب مني وكانت قد أخبرتني بخبر حملها قبل أن نفقد مريم بيوم ولكن الوقت لم يسعفنا لنفرح ، فالبال على مريم مشغول ، يا إلهي سامحني ،فاطمة أقبلي رجاءا فإني أرى فيك مريم أقتربت فاطمة من جميله فأسندت الأخيرة رأسها عليها بإنكسار ، لم تحتمل فاطمة رؤية جميلة منهارة بهذا الشكل وهمت بأن تخبرها أمرا لولا أن رن هاتفها ، تفاجئت من رقم المتصل فاضطرت لأن تستأذن جميله للمغادرة قائلة : - أعتذر جدا فزوجي يتصل لأعود فأنت تعلمين بأني هنا منذ الظهيرة والشمس اﻵن أوشكت على الغروب ولدي رضيع ﻻ أستطيع التأخر عنه .

نظرت الأم إلى ابنتها المقيدة التي أستسلمت لنوم عميق بعد عناء نفسي طويل . - لا بأس يابنتي فماذا بشأن سميرة ؟ - ألم تخبريني بأن رقية غادرت اليوم ؟ وأحمد من ساعدك على تقييدها؟ -نعم - أولا أفتحو عنها القيود ، وأخبري رقية بأن تعود مجددا لترافق سميرة ،وحاولوا أن تأخذوها لأقرب طبيب نفسي ،وﻻ تجعلوها تتناول أي دواء وحتى المسكنات لأنها ربما تؤثر عليها ، وسأحاول زيارتكم بين فينة وأخرى ،أعتذر إلى اللقاء .

عاد الهاتف يرن مرة أخرى ، أسرعت فاطمة خارج البيت فأجابت قائلة: - مرحبا - مرحبا ، لم تأخرتي عن الرد؟ -أعتذر كنت مشغولة ، طمئنيني على حالك؟ -أنا بخير، أخبرني الطبيب بأن لدي إلتهاب حاد وأخبرني بأن أدوام على العﻻج لمدة شهر دون إنقطاع حتى نتخطى هذه المرحلة من المرض ،لأنها خطرة وأقرب للمرحلة الأخيرة ،وبخني كثيرا لعدم الخضوع للعﻻج مبكرا ،والحمدلله ، زواجي تحدد سيوافق الشهر القادم ، أتمنى أن تحجزي تذكرتك من اﻵن. - حسنا سأحاول بإذن الله وسأبذل جهدي .. ولكن أخبريني مريم ،متى ستنتهي هذه التمثيلية ؟ - قد ﻻ تنتهي وربما تنتهي ﻻ أحد يعلم. - أﻻ تعتقدين بأننا أكثرنا عليهم ؟ أتعلمين؟ قبل قليل كدت أخبرهم بكل شئ كدت أقول لهم بأنك مازلت على قيد الحياة وسافرتي لموطنك لتتعالجي وستتزوجين قريبا من أخ صديقتك التي بالعاصمة . - آمل بأن ﻻ يكون ذلك هو خطؤك الذي لن أغفره لك أبدا - سميرة مريضة جدا يا مريم منذ أن سمعت بالخبر ووالدتك أيضا وقد ندمت أشد الندم على مافعلته لك - مسكينة سميرة كانت أحن قلب علي ،ولكن مريم ماتت بأذهانهم وربما ستموت بقلوبهم ما أدراك،عموما شكرا لمساعدتك لي بهذه التمثيليه وأشكري زوجك عني . - حاضر ، ولكن أخبريني متى الوقت المناسب لإخبارهم - ﻻ أعلم ، حين يحين وقته ، مضطرة لأستأذنك اﻵن ،الى اللقاء -إلى اللقاء

انتهت