الكاتبة: سعاد سناكوا
أمام الباب يقف شابا في مقتبل العمر متوسط الطول مفتول العضلات*بقميصه الأسود الملتصق على جسده وبنطاله العريض الذي يحمل مزيج من لونين الأرجواني والأسود، يضع على معصمه مجموعة أساور ملونه وفي رقبته سلسلة طويلة تصل لسرته ،باد عليه تأثره الشديد بالثقافة الغربية ، نظرت إليه سميرة مندهشة ومن شدة رغبتها بالكﻻم تلعثمت أكثر من مرة عند نطق أسمه وأخيرا قالت : - صالح !!! أين كنت منذ يومين ؟ أنسيت أن لك زوجة تطمئن عليها؟ - اعتقد أنك بجانب والدتك،وهي أحرص عليك مني، وهل تتوقعين أن أشارككم هذا الجو الكئيب؟ وبإزدراء قال: -ماهذه السلاسل*التي تقيدك هكذا ،أمجنونة أنت ؟ قبل أن تعلق سميرة بكلمة سبقتها فاطمة بعد أن تلثمت قائله: -أأنت صالح؟! -نعم أنا هو ماذا لديك أنت الأخرى؟ - لم أتوقع أن تكون بهذا الخبث لدرجة أن تبتز أخت زوجتك . - توقعي أكثر من ذلك ،وماشأنك أنت لتتحدثي بهذا الموضوع ،ثم أني سمعت كل ماقلته لسميرة ،وأؤكد على كلامك كل ماقالته مريم صحيح . -وهل تتوقع بأنها ستسامحك؟ - لا يهمني صرخت سميرة قائله : أيها النذل المخادع كيف تجرؤ على إبتزاز أختي؟ وبدأت تقذفه بقارورة الماء التي بجانبها والكأس الذي تشرب منه
تحرك صالح قليلا حتى لا يتأذى بما ترميه سميرة ثم قال: - أيتها المجنونة ،لا ألوم أسرتك عندما قيدوك هكذا ،ثم من منكم يستطيع أن يتحدث عن مريم ومايحدث لها بينكم؟ فأنا لم أقدم على أي شئ يثير الغرابة ،فلم أفعل أي شئ يختلف عنكم ،جميعكم تكرهونها ،تعذبونها وتستغلونها ،لديها من المال الكثير أﻻ يحق لي اﻻستفادة منه أيضا؟ -أيها النذل الخبيث ،كم أعانتك في مسؤليتك ،كم أعطتك وأنقذتك من سجن مؤكد بسبب قروضك ،هل هذا جزاءها ؟ هل هكذا تكافئها؟؟ -مريم لم تقصر على أي منا هنا ،وإن كنت رأيت منكم تقديرا لجهودها لما ترددت في ذلك ،ولكنكم تشبهونني في هذا الأمر فﻻ أحد يﻻم الآن . - أصمت وأغرب عن وجهي ﻻ تأتي إلى هنا ﻻ أريد رؤيتك . -سأغرب عن وجهك إلى الأبد ، أنظري لنفسك كم تثيرين الشفقة، وﻻ يمكن أن أعيش مع مجنونة مثلك ،إذهبي فأنت طالق .
صرخت فاطمة قبل أن يذهب قائلة: -توقف صالح، كيف تطلقها هكذا؟ أﻻ تعلم بأنها تحمل لك طفﻻ؟؟
تسمر صالح بمكانه برهة،ثم ألتفت ونظر لسميرة التي أنهارت تبكي دون وعي ،ثم غادر المكان دون أن ينطق بكلمة واحدة.
ظلت سميرة تصرخ باكية حتى أختفى صوتها ، أقتربت منها فاطمة تحاول تهدئتها دون جدوى ،وأخيرا قالت : - أين أمي أين هي هذا كله بسببها ،هي السبب ،أريدها هنا ثم صرخت قائلة وهي تضرب بيديها الأرض :لن أصمت أبدا إن لم تأتوني بها أين هي أين هي ؟ يجب أن تخبرني لم كانت تعذب مريم،ومالذنب الذي أقترفته لتستحق هذا العقاب ؟ قالت فاطمة : - أهدئي أرجوك ،ﻻ أعلم أين هي ،فمنذأن اتصلت بي وطلبت مني المجيئ لأجلك لم أرها إﻻ عندما استقبلتني ودلتني لحجرتك ،وحتى عندما كنت أتفقد البيت كما طلبتي مني،لم أجدها في أي غرفة. -بﻻ موجودة، مختبئة في غرفتها على الجانب اﻵخر من السرير ،مستلقية على السجادة، فمنذ أن سمعت *بخبر وفاة مريم* وهي هكذا تلتزم السجادة تصلي وتستغفر علها تكفر عن ذنبها .
صمتت برهة ثم قالت باكية : ﻻ أصدق أحقا *توفيت مريم* ؟؟ نظرت لفاطمة قائلة ؟ أخبريني فاطمة رجاء قولي الحقيقة هل ماتت مريم؟ هل ماتت ؟هل ماتت ؟ وضعت رأسها على الأرض تصرخ بلا*توقف
أسرعت فاطمة نحو الغرف تبحث عن جميلة والدة مريم ،علها تهدأ سميرة ،فهي تحمل في أحشاءها جنينا فﻻ يصح أن تعرض نفسها لضغوط كهذه ، وذلك سبب تقييدها بالسﻻسل ، فمنذ أن سمعت بوفاة مريم تؤذي نفسها بالضرب،والقفز والصراخ ، ودون وعي بواسطة حيلة الإنكار تختلق لنفسها وهم بأنها لم تمت لكي تخفف عن نفسها وطأة الألم ،وتعتقد بأفعالها تلك أنها قادرة على إستعادتها أو تحقيق الوهم، والحل الوحيد لحمايتها من أذية نفسها هو تقييدها بالسﻻسل مؤقتا ، وﻻ تعرف والدتها ممن يستطيعون مساعدتها في هذه الأزمة سوى فاطمة صديقة ابنتها .
فتحت فاطمة الحجرة ولم تر أحدا في بادئ الأمر ولكنها تذكرت ماقالته سميرة بأنها في الجانب اﻵخر من السرير مستلقية ، اقتربت فاطمة خطوات ،سمعت أنينا يصدر من هناك ،تتبعت الصوت فوجدتها تبكي ، جلست بجانبها ثم قالت لها ، أرجوك ،إهدئي ،سميرة بحاجتك جدا ،أقسمت أﻻ تهدأ إن لم تذهبي إليها ،أرجوك من أجلها فقط .
قامت جميلة بتثاقل شديد ودمعها ﻻ يتوقف ،تمشي ببطئ حتى وصلت لسميرة . رأتها سميرة ،واعتدلت بجلستها ثم قالت بعينين ﻻمعتين وبصوت مخنوق العبرة : - أتعلمين يا أمي ،أننا نعيش اﻵن نتاج مافعلتيه، هل تعلمين بأن صالح كان يبتز مريم لأخذ المال منها ؟ مريم لم تجد لدينا اﻵمان وإﻻ لما أستطاع صالح إبتزازها أو حتى صمتها عن ما قام به تجاهها . هل تعلمين بأن صالح طلقني اﻵن ،واستهزأ بي ؟ أمي أخبريني ماذا فعلت بنا؟ سؤال لم أجرؤ في حياتي أن أسألك به ،ها أنا أسألك الآن بعد أن انتهى كل شئ ،ماذا فعلت مريم لتستحق منا هذا العذاب ؟ما الذنب الذي اقترفته لتكون بين أسرتها غريبة وحيدة حزينة وبعيدة
جميلة صامتة تنظر لحال إبنتها المنهارة وحتى ﻻ تضعف حولت بصرها نحو الجدار ، مسحت دمعها الذي لم يتوقف منذ سماعها الخبر ثم قالت: - *السبب يعود لسنين مضت* ، *منذ أن تقدم والدك لطلبي من عمتي* ..
يتبع