استسلمت سميرة لنوبة بكاء هستيرية ،حاولت فاطمة تهدئتها ولكنها ترفض باستمرار اقتراب أي شخص منها . انتهت نوبتها واستلقت على ظهرها وبجانب السرير شخصت ببصرها نحو السقف مكملة حديثها قائلة : - هل تستطيعين إعادة مريم لي ؟أنا فقط من يريدها وأعدك بأني لن أؤذيها مرة أخرى ولن أترك المجال لأحد أن يؤذيها ،أتعلمين طوال حياتي معها لم أفكر يوما بأذيتها ولكني لم أكن أعلم بتجاهلي لها كنت أعذبها نفسيا . كنت ملجأها في الحديث إذا ضاقت بها الدنيا ،وكنت أستشعر كمية الألم الذي تشعر به حين تحدثني لأنها كتومة بطبعها لذلك دائما ما أجاريها وأمثل الإستماع لها وفي الحقيقة أكون مشغولة بأموري الخاصه .
*وفي لحظة* ...
قامت سميرة بشكل مفاجئ وفي صراع مع السلاسل محاولة المشي نحو فاطمة الجالسة بالقرب من زاوية الغرفة المقابلة للباب على كرسي من خشب مطلي بطلاء أزرق يشبه في لونه الورود التي تزين الستائر البيضاء التي تسمح ببصيص من ضوء الشمس التسلل للغرفة.
حاولت أن تصل لفاطمة التي تبعدها بثلاث أمتار ،اقتربت منها لكنها لم تصل ،وعلى الأرض جثت على ركبتيها تتوسل إليها قائلة :
-أرجوك أخبري مريم بأن تعود إلي ،أخبريها بأني سأستمع لكل كلمة تقولها لي ،أخبريها بأني رهن إشارتها ولن أفرط فيها ،قولي لها بأني سأهتم بتعليمها كما طلبت مني ،وبأني سأهتم بجميع أعمالها حين تنتابها نوبة السعال ،وأعدها بأني لن أطلب منها أن تصرف علي سأطلب من زوجي أن يبحث عن عمل لكي يتحمل مسؤوليتي ..
*هنا قطبت فاطمة جبينها وأكتفت بالصمت الذي اتخذته وسيلة منذ أن دخلت الغرفه* .
انتهت سميرة من توسلها ولم تتلق أي إستجابة من فاطمة، ألقت بجسدها على الأرض دون حراك أوكلمة وكأنها تستغيث به .ساد الصمت المكان لفترة ليست قصيرة ، تحركت بجسدها الهزيل بضع خطوات نحو مكانها المعهود ، كانت تتمتع ببشرة سمراء مائلة للإصفرار وعينيها الكبيرتين الناعستين أحاطتها هالة سوداء منذ أن كبلت، وشعرها الغجري يلامس بطوله كتفيها و لم يعهد عنها ذلك لأنها دائما ماكنت تقصه لأذنيها، تهتم برشاقتها كثيرا ولكن نحافتها اﻵن شبه مرضيه ،لا تأكل وﻻ تهتم به حتى وإن جلبوه لها. وصلت لمكانها وتناولت حافظة الماء ، شربت منه مايقارب الثلاث أكواب متصلة دون انقطاع غير مهتمة ببعض الماء المتسرب من الكأس نحو جسدها استدارت بهدوء نحو فاطمة وقالت لها: -اخبريني لم تجلسين هنا؟ ماذا تريدين مني؟ هل أخبرتك مريم بأن تأتي هنا لتشمتي بي؟ هل يعجبك منظري وانا مكبله هكذا ؟
صرخت منادية والدتها : -أمي أين أنت ؟ تعالي وأخرجي هذي الفتاة من هنا ،ﻻ أطيق رؤيتها هنا .
صمتت قليلا ثم قالت :أخبريني عن مريم أكثر ،أعلم بأنك مجرد صديقة لها ولكني أجزم بأنك تعلمين عنها ماﻻ نعلمه جميعا أرجوك أخبريني عنها لعلي أجد طريقة للوصول اليها ،.
نطقت فاطمة أخيرا بعد صمت طويل وقالت: - أخبريني أنت ماهو سر هذا المنزل ؟ دائما ما كانت تحاول مريم أن تخبرني عنه ولكنها تتردد في آخر لحظة ،كنت صديقتها المقربة وكانت تخبرني عن أسرار لاتعلمينها أنت أو باقي أسرتك وكنت أعلم بأن هناك الكثير بداخلها لم تبح به لأحد.. لذلك انا من يطلب منك إخباري .. ماسر هذا البيت ؟
ضحكت سميرة ضحكات متتالية ماجعلت فاطمة تتساءل عن مدى سلامة قواها العقليه ثم صمتت برهة وقالت :