المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 28 نوفمبر 2024
قصة "حجرة بلا نافذة" الجزء الثاني
بواسطة : 26-05-2016 08:06 مساءً 8.2K
المصدر -  بقلم:سعادسناكوا

خلف البرميل أراقب مريم وأبكيها ،وبعد نوبه السعال أسرعت نحو دوائها وتناولته ثم بإحدى زوايا البيت إلتفت حول نفسها واستسلمت لنوم عميق،كان المﻻذ الوحيد لها والحضن الدافئ الذي يريحها من عناء حياة لم تبتدئ ويعيشها أحلاما*تمنت أن تراها واقعا،ابنة الخامس عشر التي لم تدلل ابدا مريم والتي تخاف أمها بشكل مبالغ ،ﻻﻻ ليس مبالغا بل يوازي كمية التعذيب التي عاشته. كثيرا ماكنت أتساءل لم مريم هي الوحيدة التي تعامل بهذا الشكل ؟! ولكن دون جدوى ،ولم أكن أجرؤ على سؤالها أو أمي. تستيقظ صباحا لتحضر حلقات منزلية للتعليم ، تدرس كباقي الفتيات اللاتي تعدت أعمارهن سن الدراسة آنذاك وكان المتنفس الوحيد لها، ثم بمنتصف الصباح تعود لتذهب هي وبعض صديقاتها اللواتي تجمعهن ظروف مشابهة للتنقل بين البيوت المجاورة ومعرفة ما إن كانت هناك أعمالا منزلية يقومون بها مقابل مبلغ ما من شأنه أن يساعدهن في إعالة أسرهن. لم تكن والدتي بحاجة لهذا المال كثيرا بقدر حاجتها لممارسة أشد أنواع العنف على مريم ولم تتمن لها الراحة أبدا .

والدتي وعند رؤيتها لي مختبئة خلف البرميل والخوف باد علي ، أقبلت علي واحتضنتني محاولة تهدئتي . في تلك اللحظة ،مشاعر الأمان لم أستطع أن أعيشها معها ،فما أراه بعيني يختلف تماما عما تقوم به حاليا وكيف لقلب واحد أن يصدر مشاعر متناقضة بنفس اللحظة ؟

أذكر ذات مرة تأخرت مريم عن موعد عودتها من حلقة التعليم بدقائق معدودة وكان السبب أنها لم تحفظ الجزئية المكلفة بها فكلفتها المعلمة وكانت تدعى ( *الفقيهة*) بقطف أوراق الملوخيه وكانت تعتبر صورة من صور العقاب ، وعند عودتها إلى البيت استقبلتها والدتي بأشد أنواع الضرب دون معرفة سبب تأخرها.

أتعلمين! إنه سلوك طبيعي من أي انسان يتعرض للأذى أن يرفع يديه محاولا حماية نفسه من الأذى الواقع عليه . هل تتخيلين بأنها كانت تعاقب لحماية نفسها بتلك الطريقه وعليها فقط أن تستسلم لضربها دون أي دفاع وحين تضرب عليها أن تتحمل الألم دون بكاء ، وأن بكيت يجب أن يكون دون صوت أو دموع،وإن اعترتها نوبة السعال، عليها أن توقفه بأي شكل . ذلك اليوم لم تتوقف والدتي عن ضربها إﻻ بعد أن صرخت من قلبي حزنا عليها ، فأنا العنقود وكثيرا ما أدلل من قبلها . منذ ذلك اليوم حرمت مريم من التعليم وأصبح يومها يمضي بين أعمال البيت والأعمال الخارجية.

وبمرور الأعوام كنت أزداد حيرة فأختي التي تكبرني بسبعة أعوم "رقية " لم التمس منها حزنا على تصرفات والدتي نحو مريم وﻻ حتى أحمد الذي يكبرني بخمسة أعوام . لم أستطع تفسير ذلك إﻻ أن تبلدا أصابهما تجاه تصرفات أمي لذلك ﻻ يتأثران أقنعت نفسي حينها و اقتنعت اﻵن بواقعية الفكرة وصدقتها لأني لم أعد أتضايق من أفعال والدتي، بل وأعتبرها خطوات روتينية من البداهة القيام بها .

*صمتت سميرة لبرهة ،وكأنها تلتقط أنفاسها ،حركت تلك السﻻسل مرة أخرى حاولت إبعادها عنها دون جدوى* .

هذه المرة أطلقت بصرها نحو المرأة التي تجلس أمامها ، قائلة لها: - أنت الوحيدة التي تعلم بأسرار مريم وخباياها ،لم لم تحاولي منع والدتي من تعذيبها ؟! قبل أن تجيب فاطمة أكملت سميرة حديثها قائلة : آه تذكرت كم كانت تخاف أمي ، أتعلمين بأنه لغز أيضا لم أجد له تفسير؟ كان خوفها خارج الإطار الطبيعي ،و بقدر التعذيب التي تتلقاه تخافها . لم أعرف مريم إﻻ فتاة إنطوائية كتومة تعتريها نوبة ذعر بمجرد التفكير في الإمتناع عن تنفيذ أوامر والدتي ، لم أعرفها سوى فتاة تقوم مقام رجل،هي التي تعول البيت منذ أن كنا صغارا وحتى اﻵن وﻻ يمكن أن تمتنع عن ذلك ، وحتى أبي لم يعد يهتم بمسؤولياته مادامت مريم تقوم مقامه وإن كان عنوة، هي الوحيدة التي ظلت تعمل ليل نهار من أجلنا ،وﻻ تبق والدتي بيدها شيئا ، رغم مرضها المستمر إﻻ أني لم أجدها يوما زارت طبيب فكل ماتفعله هو شربها لذلك الدواء الشعبي .

*توقفت سميرة قليلا واستسلمت لنوبة بكاء هستيرية ثم أستلقت بجانب السرير شاخصة ببصرها نحو السقف مكملة حديثها* قائلة :