جالسة بطريقة مهملة ، تحرك يديها بشكل عشوائي وكأنها تريد الخلاص*من السلاسل* التي تقيد معصميها والتي تسمح لها بالحراك لمسافه تقارب المترين، مثبته على طرف السرير الذي يصعب أن تحركه لثقله ،باءت محاوﻻتها بالفشل و استسلمت لمصيرها الآني . *تنهدت ثم أطلقت بصرها نحو اللاشئ،قائلة بانكسار*: - بين أزقة حينا القديم وبين مختلف البيوت وكانت آنذاك تسمى ب(الصندقه) والتي بإختلافها تعكس طبقات الناس الإجتماعية، بيوت من درف وبيوت مبنية من صفائح معدنية تكونت أجزائها من مجموعة علب الزيت الحديدية وبيوت من طين سكانها هم أغنى افراد الحي حينها . رغم ذلك إلا أنهم يتشابهون في كل شئ سوى جنسياتهم،جمعتهم الغربة والرغبة في العيش بشكل أفضل ومجاورة البيت الحرام ، دفعوا ثمن هذه الرغبة بتركهم الأهل والأصدقاء وتحملهم مشقة السفر لمسافات طويلة والتي كانت السبب لفقدان الأبناء أثناء المجيء أو الموت الذي كان يختطف بعضا منهم جراء تعرضهم للصوص الطريق . وصلو وتجمعو في بيئة مشابهة ،تجمعهم طيبة القلب وطهر الأرواح وصفاء النوايا،والبساطه كانت جزء لا يتجزأ من حياتهم في الملبس والمأكل وحتى المناسبات .
*صمتت لبرهة ثم أكملت قائلة* :
كنت حينها في الخامس من عمري أرافق والدتي في كل مكان، فهي تحب زيارة جاراتها كل مساء حينما يخرج والدي وقبل أن تغرب الشمس تعود ، استمتع كثيرا بهذه المرافقة ،فهي فرصة لأشاهد المارة والأطفال الذين يلعبون بالطرقات وبعضهم في طريقهم لدراسة القرآن ،ومختلف الباعة الذين يتجولون طوال المساء . كانت لدي عادة أقوم بها بلا شعور حين أسير في منعطفات الحي وبجانب البيوت كنت أمد يدي أثناء سيري لألمس الصفائح المعدنية التي بنيت منها البيوت او حتى الدرف ودائما ما كانت تنهاني والدتي عن ذلك ،ولكن العادة تحكمنا حين لا نلقي لها بالا. حتى ذلك اليوم الذي جرحت فيه حين كنت أرافقها في عودتنا من إحدى الزيارات و بسبب درفه بارزة من بيوت أحد المجاورين نزفت كثيرا وبكيت، وبختني لعدم طاعتها ،بررت بأن مريم هي من علمتني ذلك وكان تبريرا عفويا. أذكر حينها كمية الغضب الذي استشعرته فيها حتى أني ندمت لإخبارها الأمر، مريم أختي التي تكبرنا جميعا ،بكر والدتي، تكبرني بعشر أعوام ، مريم التي تخسر لنكسب نحن، تبكي لنفرح، تضرب لنرضى، تعمل لنرتاح ، كانت تعامل من قبل والدتي بطريقة لم أفهم مغزاها حتى الان ووالدي لا يحرك ساكنا .
كانت والدتي تسير بسرعة شديدة حتى وصلنا بيتنا المتواضع ،أسرعت نحو غرفتها لتأخذ قطعة خشب عرضها ﻻ يتجاوز اﻷربع سنتيمترات وطولها بحدود المتر ،هذه القطعة خاصه لتأديب مريم كما تقول دائما . اتجهت نحوها وكانت حينها تنظف أحد أركان البيت ، فاجأتها بالضرب وانهالت عليها بالسباب بشكل لا يوازي الموقف ،كنت أختبئ خلف برميل الماء الذي كان جزءا من مساحة مخصصة للطبخ في الفناء الخارجي للبيت . أراقب الموقف عن بعد ،كنت خائفة من تصرف والدتي ، ومريم كانت تصرخ باستمرار ، توقفت والدتي عن ضربها لكن مريم لم تتوقف عن البكاء ، ووالدتي تصرخ وتتوعدها بمضاعفة الضرب إن لم تصمت. صمتت مريم عنوة تبكي دون صوت ترتجف بشكل مستمر ، ولم تكتف والدتي بما قامت به بل أرغمتها على إكمال العمل .
قامت بثقل شديد وشهقات متقطعه مخنوقة العبرة لتكمل عملها وإذا بها تدخل في نوبة سعال مستمر.. وكالعادة سمعت صوت والدتي من غرفتها قائلة لها بضجر: - خذي دوائك ،ﻻ أحتمل هذا الإزعاج . *ومازلت خلف البرميل أراقب مريم وأبكيها* .