المصدر - متابعة - مسفر الخديدي :
أصدرت دارة الملك عبدالعزيز كتاباً جديداً يضم مختارات من خطب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وكلماته، ابتداء من عام 1980 وحتى 2012. وكان لهذه الخطب والكلمات مناسبة عدة، في داخل المملكة وخارجها، في دول عربية وأخرى صديقة. وفي هذه الخطب والكلمات يحث على التمسك بالعقيدة الإسلامية ويبين وسطية الإسلام وعدم الغلو والتطرف، ويوضح اهتمام الدولة بالتعليم والبحث العلمي، وكذلك الاهتمام بالاقتصاد وتنمية الدولة، ورعاية الفرد والأسرة والمجتمع ورفع المستوى الاقتصاد والخلقي والديني، وأيضاً تتضمن اهتماماً بقضايا العرب والمسلمين، وبالإعلام والكلمة وخطورتها… وحرصت دارة الملك عبدالعزيز على ترتيب هذه الكلمات والخطب ترتيباً تاريخياً «لتكون سجلاً ومصدراً تاريخياً وثقافياً ينفع ويوجه الأجيال المقبلة على مر الزمان»، هنا مقتطفات من بعض هذه الخطب والكلمات حسب ما ورد بموقع “الحياة”.
سيد القوم خادمهم
إن هذه الأسرة منذ بدايتها… خادمة لهذا الشعب، فالواقع أن هناك من يسهر على مصالح شعبه، ويضحي في سبيل مصالح شعبه، ومن يعمل بحفظ كيانه، وحفظ تراثه، وتهيئة سبل الرخاء والعيش السعيد لشعبه فهو خادمهم، وقد قيل في المثل: «سيد القوم خادمهم»، وهذا ما هو حاصل الآن.
القلق معناه أننا نريد الأفضل
أنا والحمد لله مرتاح للقلق. القلق معناه أننا نريد الأفضل. لن نكتفي على الإطلاق بما لدينا، ولم نعتقد ولن نعتقد إطلاقاً أننا وصلنا إلى ما يجب أن نصل إليه، أقول هذا الكلام لأنني عايشت كما عايش كثير منكم أوضاعنا السابقة، وهي أوضاع مشرفة ولله الحمد في كل شيء، في عقيدتنا، في تقاليدنا، في عروبتنا، في كرامتنا، في كل أمورنا.
مسؤولية الإعلام
لا نتصور إطلاقاً أن الصحف دائماً تنتقد الدولة، لا، حقيقية لا، لكن هل نحن نقول: إن صحافتنا كاملة أو من المثالية؟ لا، ولكن أقول: حمداً لله أنها تخلو من النقد لأجل النقد – كما يقال الفن لأجل الفن – فالنقد لأجل النقد ليس هدفاً، والحقيقة أنه ليس هناك رقيب على رؤساء التحرير وهم من أهل هذا البلد يعرفونها، كما يعرف كل إنسان حدوده. أما أن نقول: إن كل ما تكتبه الصحف يرضينا فلا، هناك أشياء يرضى عنها الإنسان وأشياء لا يرضى عنها. لكن لكل مجتهد نصيب… لقد أصبح عندنا وعي والحمد لله، والتربة قابلة للوعي عندنا، ولذلك فإن مسؤولية الإعلام مقروءاً ومسموعاً ومرئياً مسؤولية خطيرة يجب أن يعيها كل من يعمل فيه، لأن التأثير والتوجيه الذي أصبح للإعلام في الوقت الحاضر في العالم كله، إنما يفرض على كل من تولى مسؤولية إعلامية أن يشعر نفسه بأنه أستاذ في مدرسة. فكما أن الأستاذ ينشئ أجيالاً، كذلك المحرر والمسؤول في كل وسائل الإعلام.
الشكر لي يأتي في كل عمل صالح
إنني وأي مسؤول يعمل في حدود واجبه وإمكانياته لا يشكر، وإن كان الشكر واجباً، ولكن ليس لي طبعاً، ولا أريد شكراً، ولكن الشكر لله عز وجل، والشكر لي يأتي في كل عمل صالح وخير في هذه البلاد في الرياض أو في مدن المملكة كلها. وإذا كان هذا التكريم لي فإن هذا يعني تكريماً لهذه الأسرة التي شرفها الله لخدمة دينه قبل كل شيء، ثم خدمة بلادنا.
إنني لا أمثل نفسي فأنا كما قال الشاعر: «وما أنا إلا من غزية إن غوت/ غويت وإن ترشد غزية أرشد». وغزية – الحمد لله – لم تغو ولن تغوي، إن شاء الله، بل راشدة.
تاريخنا تاريخ عظيم
… وكان الشعر أكثر شيء يمكن أن يوثق الأدوار التاريخية، سواء الشعر العربي المقفى، أو الشعر المسمى الشعبي، ونحن نسميه النبطي، وهذه في الحقيقة مصادر غير كافية للتوثيق، وليس هناك شك أن الاهتمام رجع إلى أواسط المملكة بعد قيام هذه الدعوة وذلك لأهميتها، ولتحريك الركود الذي كان موجوداً في هذه البلاد، ولأهميتها في العالم الإسلامي بين مؤيد ومحب ومتطلع لإحياء الدعوة الإسلامية، وبين حاقد وحاسد، وكل الفئتين مهتمتان بهذه الدعوة.
ولقد عاد الاهتمام بتاريخ هذه البلاد من هذه الفترة، لكن بكل أسف نجد كتباً معينة عندنا الآن، اثنين أو ثلاثة أو أربعة هي التي يعتمد عليها في فترة تاريخنا الحديث، أو على بعض كتب المستشرقين، أو على بعض نسخ صغيرة من كتب تطوع بعض الأخوة واجتهد وحققها.
ابن الوطن مشدود إلى أرضه
… وإن اهتمام الدولة بالمواطنين جعل ابن الوطن مشدوداً إلى أرضه ودولته، لأن دولته ترعى وطنه وتعطيه الفرصة حتى ينمو دخله في كل المجالات، وكل هذا في الماضي كان حلماً وأملاً يراود كل مخلص في هذه البلاد، أما الآن، والحمد لله، نرى الأحلام والآمال تتحقق في مجالات عديدة، وكل يوم من الأيام نشاهد عملية ترسية مشروعات ضخمة، وافتتاح مشروعات أخرى، وفي بلاد غير بلادنا واحد من هذه المشروعات يمكن أن تتحدث عنه وسائل الإعلام لشهور أو سنة كاملة، والحمد لله، لأنه أصبحت عندنا هذه المشروعات بصفة مستمرة نجد أنها طبيعية، وتحصيل حاصل، وهذا خير دليل على ثقة المواطن بدولته وتعاونه معها في سبيل الإنشاء والتعمير.
الشعب الفلسطيني يسطر
أشرف معارك الجهاد
إن دعمنا للشعب الفلسطيني ومؤازرتنا وتأييدنا له على المستويات والأصعدة كافة نابع من أواصر الدين والإخوة والمحبة، القائمة على أساس من عقيدتنا الإسلامية التي تلزمنا بالمشاركة في نصرة إخواننا أبناء شعب فلسطين في محنتهم وجهادهم وكفاحهم في سبيل استرداد حقوقهم ورفع ما حاق بهم من ظلم من جراء العدوان والاحتلال الصهيوني المستمر الجاثم على بيت المقدس وأرض فلسطين… إن شعباً يستمر في الجهاد لجدير بالمشاركة والمناصرة وحري بنا أن نلازمه الطريق بكل وسائل الدعم كلما سنحت لنا فرص العطاء، وهذه شيمة من شيمنا نحن المسلمين الموحدين بالله الواحد القهار.
نريد أن تثبت براءة البريء
نحن كدولة، والحمد لله، ملكاً وحكومة لا نريد أن تلفق التهم، بل نريد أن تثبت براءة البريء كما تثبت الجريمة على من ارتكب جريمة في حدود الله، أو في دماء الناس أو أعراضهم أو أموالهم، أو أمن هذه الدولة، الذي هو أمن المواطن، ودون أمن الدولة لن يستطيع بحال من الأحوال أن يحقق الأمن للمواطن والمقيم في هذه البلاد في دمه وماله وعرضه. كما أننا نبحث ونحقق في الجرائم المرتكبة، وأنتم تحرصون على أن يكون هناك حسم في تحديد من هو المجرم، ومن يرتكب هذه الجريمة والادعاء عليه.
مطلوب منا أن نباشر العمل بأيدينا
نعم، هناك شباب يحتاجون للتوظيف، وهذه حقيقة، لكن هل كل ما يعرض من وظائف لكل الأماكن يقبلها شبابنا، منهم من يقبل وهذا مفهوم، وفيهم من يريد العمل على ما يريد هو على رغبته في المكان الذي يريد هو، وهنا المشكلة. نحن بلد تحتاج لليد العاملة في كل الجهات، واليد العاملة من الوزير إلى أصغر عامل هو يد عاملة، الإنسان منا يجب أن يكيف نفسه مع ظروف العمل الذي يوكل إليه، وكذلك المطلوب من القطاع الخاص والقطاع الأهلي أن يسعى لتوظيف أبنائنا الذين هم عندنا يعملون، فيها فائدة أيضاً للقطاع الأهلي، معناها أن ما يأخذونه من رواتب أو مكافآت سيرجع إلى بلدهم، وينشط الاقتصاد الوطني لبلادهم.
نحن لسنا بالبترول نحن بالرجال
أنا أحب أن أعيد هذا وأكرره مرات ومرات، فنحن لسنا بالبترول، نحن بالرجال، نحن بقلب يمشي بالعقيدة، ثم بالرجال الذين سعوا وعملوا حتى توحدت هذه البلاد، وعلى رأسهم قائدهم وزعيمهم الملك عبدالعزيز. لم يكن عند عبدالعزيز ورجاله وكل أبناء الوطن شغف حكم أو نزعة تسلط، بل كان الهدف قبل كل شيء تحكيم كتاب الله وسنة رسوله، ثم جمع الشمل والوحدة والتآخي.
الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر جزء من العقيدة
… والخطأ يرجع الإنسان عنه، أي واحد منا يخطئ يجب أن يرجع عن خطئه، من يخطئ يعتذر عن خطئه، ومن يخطئ كذلك يكون له درس، وأنا أقول هذا وليس معنى ذلك أنكم تخطئون، لا.
نحن كبشر أي واحد منا، في عمله، في بيته، أو في أي مكان آخر يخطئ ويصيب، ولكن يا أخوان يجب أن تعرفوا أنكم مثال، أنا أقول مثال للآخرين، لأن كل واحد ينتسب لطلب العلم والعمل الشرعي هو مثال لغيره، الجاهل أو شبه الجاهل أو متعمد الجهل هذا شيء آخر، إنما طالب العلم وبالأخص الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر يجب أن يكون مثالاً لغيره بالصبر والتحمل ومراعاة ظروف الناس، والستر.. الستر.. الستر يا إخوان قدر الإمكان، لأن كثيراً من الأمور يصلحها الستر أكثر من العقاب، وتعرفون كذلك درجات العقاب، كلها تتدرج من الستر إلى العقاب الشرعي الموجود بكتاب الله وسنة رسوله.
انتشار المكتبات أمر مهم
… عندما شاهدت اليوم الأجهزة الفنية كالإنترنت وما شابهها التي يستطيع الإنسان بها أن يأخذ المعلومات وهي في أقصى الأرض في لحظات، تذكرت كيف كان طلبة العلم يرحلون من الشرق إلى الأندلس، ومن الأندلس إلى الشرق حتى يكتسبوا العلم وينسخوا الكتب، فأين نحن منهم الآن؟ إذ الوسائل مهيأة والحمد لله لأبنائنا حتى يدرسوا ويتأملوا وينتجوا كل في مجاله، ولا شك في أن المكتبات وانتشارها في كل أنحاء البلاد من الأشياء المهمة، التي تقوم وزارة التعليم العالي والجامعات ووزارة التربية والتعليم بواجبها فيها، وأطلب منها المزيد، وكذلك تقوم مكتبة الملك فهد الوطنية، وتقوم مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وتقوم دارة الملك عبدالعزيز، بجهودها في هذا المجال، وهنا كذلك مكتبات أهلية يجب أن تشكر على مجهوداتها، وألاحظ في السنوات الأخيرة نمو انتشار الكتاب ورواجه في هذه البلاد، وازدياد الإنتاج الوطني من مفكريه في هذه المجال، وهذا شيء يجب أن نشجعه ونعمل له.
علاقات مبنية على الاحترام المتبادل
إن التعارف بين شعوب الأمم هو السبيل نحو صداقة دائمة، وتعاون مثمر وتعايش في أمن وسلام، وهذه جميعاً تبنى على قواعد المعرفة عن حضارات هذه الأمم وثقافاتها وتجاربها وتطلعاتها، ولأننا على أبواب قرن جديد فإن التحدي الأعظم الذي يواجهنا هو التحدي الأقدم، ألا وهو بناء صرح سلام ثابت وعادل للمنطقة والعالم.
نحن أمة وسط
لقد تحدث المتحدثون قبلي وقالوا عن اعتدال كتاب الله وسنة رسوله، فلا غلو في القرآن، ولا تفريط، بل نحن أمة وسط نفهم الوسطية بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله، ولا نغلو في ديننا ولا نفرط فيه.. ويجب ألا يكون هناك دستور لهذه البلاد إلا كتاب الله وسنة رسوله.. لكني أقول بكل صراحة: هل كتاب الله وسنة رسوله تمنعنا من إصدار الأنظمة أو التنظيمات؟ أبداً بل تدعونا لتنظيم أمور دنيانا بما لا يتعارض مع الكتاب والسنة… الأنظمة تتطور.. الأنظمة يعمل بها في كل وقت وتتطور مع تطور الزمن، لكن الذي لا يتغير أبداً هو كتاب الله وسنة رسوله، فلا شيء مقبول غير ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، والحمد الله أن هذا نهج هذه الدولة منذ أن أسست، ونهج هذا الشعب غلا من غلا أو فرط من فرط، فالأكثرية الغالبة في هذه البلاد هم أمة الوسط.
المملكة منطق الثقافة
إن الثقافة العربية والإسلامية تأثرت ونقلت الثقافة الإغريقية والرومانية، وكانت أوروبا في ذلك الوقت لا ينظر إليها كما ينظر إليها الآن، وقد انصهرت هذه الثقافات، وبدأت مع الأندلس، وكل منكم يقرأ ويعرف تأثير هذه الثقافة في العالم… إن من يدعو إلى الجمود والتوقف ينسى أن الدين دين متطور في غير ثوابته، ومن يدعو إلى نبذ أو استبعاد معطياتنا وكل تراثنا، فإنه يشترك معه في بوتقة واحدة، والأحرى بالمثقفين أن يعلموا هذا… إننا نحن كعرب ومسلمين أثرنا في مستقبل العالم بالثقافات، وشاهدنا ما قام به المفكرون في القرون الأولى من ترجمة وبحث حتى حققوا الكثير في ثقافات العالم.
وأؤكد أن هذه البلاد قامت على الدعوة ولم تقم على العصبية أو القبلية أو الإقليمية، وتوسعت بالدعوة، وليس هنالك دعوة قامت إلا ويرافقها فكر وقوة، ولا يوجد دولة لم تقم بالقوة، ولكن هل القضية قضية تسلط أو تحقيق مصلحة شخصية؟ لا، لأن القوة تقوم لتحقيق العدل ولجمع شتات البشر من كل إقليم.
*