المصدر -
يحتفل العالم خلال هذا الشهر بالعديد من المناسبات الصحية ومنها (يوم البصر العالمي) في الخميس الثاني من أكتوبر 2020م وتحتفل بعض الدول في 15 أكتوبر باليوم العالمي للعصا البيضاء وكلاهما مرتبطتان بالتوعية عن التعامل مع العمى وضعف البصر وكيفية الوقاية منهما، والتعامل الإيجابي مع الحالات التي لا يمكن علاجها. وبهذه المناسبة قام باحث الدكتوراة في البصريات بجامعة ليفربول ببريطانيا الدكتور هاني الرحيلي باستقراء لكتاب (حصاد الظلام) لمؤلفه محمد توفيق بلو قال فيه:
قرأت مؤخراً كتاب حصاد الظلام لمؤلفه الاستاذ محمد توفيق بلو الذي صدر في طبعته الثانية عن دار سيبويه للطباعة والنشر والتوزيع، ومن وجهة نظري كمختص في مجال البصريات والعناية الإكلينيكية بضعفاء البصر وجدته نافذة إلهام للمعاقين بصريا ومن حولهم، ومرجع للمختصين في الاعاقة البصرية والقائمين على رعايتهم، فهو ليس مجرد رواية لقصة أو تجربه مع عالم فقدان البصر، بل هو مرجع مفصل لماهية خدمات العناية بضعف البصر وإعادة التأهيل والخطوات والجوانب الادارية والتنظيمية والطبية اللازمة للخدمة من واقع تجربة المؤلف الذي يلقي على عاتقنا مسؤوليه كبيره جداً تجاه ذوي الإعاقة البصرية في بلادنا، فعندما نقارن التجربة الأمريكية التي تحدث عنها في مجال رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية بواقعنا وما يعانيه المعاقون بصريا من نقص الخدمات في مجتمعاتنا، سنستخلص أن وضع استراتيجيات واضحة والاستثمار في التدريب للطرفين "المعاقين بصريا والعاملين في المجال" كفيل بأن يضع اللبنات للتغيير الدائم للتغلب على الانعكاسات السلبية المترتبة من فقدان البصر كما رأينا ذلك جليا في التجربة التي رواها المؤلف.
فقد روى المؤلف من خلال 4 أبواب تضمنت 18 فصلاً جانب من قصة حياته اليومية والمهنية أثناء عمله ملاحاً جوياً في الخطوط السعودية وظهور أعراض لحالة بصرية لمرض وراثي لم يعلم عنه، ترتبت عليها صعوبات في الرؤية عند الانتقال من النور إلى الظلام والتأخر في التأقلم مع الضوء والحركة ليلاً خصوصاً أثناء التنقل بين الطائرة وصالة المطار بالإضافة إلى معاناته أثناء قيادة السيارة ليلاً أو في وهج الشمس وعدم رؤية جوانب الطريق خصوصا في المناطق المظلمة.
ولفت المؤلف إلى أن الاعتقاد السائد آنذاك إن الحل ارتداء النظارة الطبية، وبعد الفحص الدقيق لشبكيته في العيادة تبين أنه مصاب بالتهاب الشبكية الصبغي وهو المتسبب في كل تلك الاعراض والصعوبات التي عانا منها، وأن لديه قصر نظر بحاجة إلى نظارة طبية ولكن الأعراض الأخرى ستبقى مستمرة، وهذا حال الأمراض المؤدية لضعف البصر التي لا تكون النظارة الطبية فيها كل الحل.
تلك الظواهر عبارة عن أعراض لمرض وراثي في العين تسبب له في إعاقة بصرية تدرجية يكتشفها لاحقا ويترتب عليها تغيير مسار حياته ليعيش في عالم آخر بعد أن اجتهد وبحث وتدرب وتأهل ليتكيف معها، وينقل الينا خلاصة تجربته بمبادرة لفكرة رائدة في مجال العناية بالإعاقة البصرية.
فلقد تسببت تلك الاعراض البصرية في تعرضه لارتباك وحرج في حياته اليومية والعملية بحكم الحالة البصرية التي وصل إليها، فقد كان يعاني من رؤية انبوبية أي لا يرى إلا ما يقع أمام عينه فقط وهذا ما لا يفهمه أو يشعر به الأخرون، ويفسر ما رواه عن سبب خوفه وتوتره أثناء قيادته للسيارة وعدم القيادة بمفرده، والصعوبات التي واجهته في العمل مثل صعوبة التنقل داخل مقصورة الطائرة والاصطدام بالمسافرين وامتعتهم وكسر الكاسات والاواني وعند المصافحة لا يستطيع رؤية يد الذي يصافحه. وغالباً ما تحاصر مثل هذه المشاكل مريض ضعف البصر وتجعله تحت شبح الظلام والعزلة وتتسبب في آثار اقتصادية منها فقد عمله أو توقفه عن الدراسه.
ويلفت المؤلف الانتباه إلى أن ضعف البصر في تلك الفترة من التسعينات الميلادية كان مبهماً ومجهولاً للكثير فإما كفيف وإما مبصر، ولا توجد خدمات او عيادات لضعف البصر الا مركز صغير في الظهران وذهب اليه وتمت فيه تطبيق المنهج العالمي والمتعارف عليه في عملية فحص ضعف البصر من اخذ تاريخ الحالة المرضية والاجتماعية بالتفصيل والاعراض والاهداف التي يسعى لتحقيقها وتم تحديد حدة الابصار ومجال الرؤيا والبقايا البصرية وقدر الضوء اللازم للرؤية وتم تحديد الأدوات البصرية اللازمة لمساعدته على القراءة والكتابة بالعدسات والمكبر الالكتروني المكتبي التي كانت جميعها غير متوفرة وعليه ان يوفرها من الخارج وهذه المشكلة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا في عدم توفر بعض المكبرات ناهيك عن الاسعار لبعض المكبرات التي تعتبر معضلة للكثير.
ولعل المؤلف كان أول من تحدث وكتب عن صعوبات المسافر الكفيف أو ضعيف البصر داخل صالات المطار مثل الوصول للموظفين المختصين وعدم وجود مطبوعات خاصه بهم، وصعوبة التعامل مع صينيات وجبات الطعام على الطائرة وتساقط الأكل على الثياب، وبحكم خبرته في مجال خدمة الطعام بادر بطرح اقتراح لحل تلك المشاكل التي كان يعاني منها من هم في مثل حالته، فابتكر فكرة خدمة وجبة الراكب الكفيف التي حصدت بموجبها الخطوط السعودية جوائز عالميه في الوقت الذي أحيل إلى التقاعد المبكر بحكم حالته البصرية وما ترتب عليه من انعكاسات اقتصادية واجتماعية.
رحلات إعادة التأهيل
استعرض المؤلف تجربة مهمه لزيارته مركز لايت هاوس الدولي (lighthouse international) لخدمة ضعف البصر وإعادة التأهيل بمدينة نيويورك الامريكية، الذي تغير اسمه إلى (lighthouse guild)، وكان شعاره آنذاك "فقدان البصر لا يعني فقدان العمل".
وصف المؤلف بدقة تفاصيل تلك الزيارة وأثرها عليه وكيف كان لتلك الرحلة اثراً بالغاً على حياته بعد حصوله على خدمة تقويم ضعف البصر بالعيادة مكنته من العودة للقراءة باستخدام المكبر بعد انقطاعه عنها لأكثر من سنتين.
وانبهاره بالمبنى الذي كان مكوناً من أربعة عشر طابقا مخصصة لجميع احتياجات خدمة الاعاقة البصرية وإعادة التأهيل ضمت عيادات لتقويم ضعف البصر، مركز تدريب وإعادة تأهيل، مدرسة للأطفال المعاقين بصريا بإعاقات إضافية، قاعة مؤتمرات، متجر لبيع أدوات ومستلزمات الإعاقة البصرية والمتخصصين في المجال، ومرفق سكني. وكانت عامة مرافق المبنى ميسرة بسهولة الوصول الشامل مثل الخدمات الصوتية، تباين الألوان، الاضاءات المناسبة للحد من العوائق التي تعيق الحركة والرؤية لضعفاء البصر.
وصلنا هنا في المراجعة
وكيف جعلته منبهراً بما رأه وما حصل عليه من خدمات، وقارن بين ما كان يعانيه في عمله من عدم التقدير والفهم لوضعه وبين الاهتمام والتقدير الذي التمسه لتمكين المعاقين بصرياً من الاندماج في المجتمع وممارسة حياتهم بصورة مستقلة وطبيعية بعيداً عن نظرة العطف والشفقة أو التهميش
ثم انتقل للحديث عن برنامج إعادة التأهيل الذي التحق به في معهد الجمعية الامريكية الوطنية للمكفوفين بمنيابلس مينيسوتا وكيف كان لشهر واحد قضاه في ذلك البرنامج التأهيلي المكثف المبني على اسس علمية أثراً في جعله إنسان آخر مختلف في فكره وقناعته وطموحه ومهاراته بدء بتخطي حاجز الإعاقة النفسي بالعيش في مبنى سكني به أخرون من نفس الحالة، في شقة بمفرده لرفع كفاءة الاستقلال الذاتي في الحياة اليومية حسب نظام المعهد والانخراط في برنامج تدريب يومي بمقر المعهد يتضمن مهارة الادراك والتنقل بالعصا البيضاء، الحاسب الآلي، وطريقة برايل، مهارات حرفية كالقياس واستخدام المناشير ودق المسامير وتعليق البراويز، والخروج للتسوق واستخدام وسائل النقل العامة، الادارة المنزلية ومهارة الحياة اليومية مثل (استخدام أداوت ومعدات المطبخ، الطبخ، معرفة الوقت، تنظيم النقود، التعامل مع البريد، الهدايا، البنوك، كتابة الشيكات، لظم إبرة الخياطة واستخدامها لتركيب إزرار القميص).
وشرح بإسهاب كيفية الانتهاء من البرنامج واجتيازه بأنه لابد على المتدرب أن يجتاز أصعب اختبارات الاستقلال الذاتي حيث يتوجب عليه الوصول إلى المعهد من بعد إثني عشر ميلا وهو معصوب العينين وبالعصا البيضاء بدون مساعده وسيرا على الاقدام، وأيضاً اعداد مأدبة غداء لـ 60 شخص داخل المعهد بدء بشراء مستلزمات الحفل والتحضير والطبخ وخدمة الضيوف على طاولة الطعام ثم تنظيف وترتيب المكان، وفي الغالب يستطيع المتدربين اجتيازه بعد مدة تدريب لا تقل عن تسعة أشهر فيندمجون في المجتمع بسهولة.
ومما اضفى على تلك التجربة إثارة وتشويقاً هو وصفه لمشهد انبهار وتعجب المشاركين في البرنامج من المدربين والمكفوفين من تكريم المكفوفين في الدين الاسلامي وحثهم على الاستقلال الذاتي عندما قص عليهم قصة الصحابي الجليل عبد الله ابن ام مكتوم الذي كرمه الله في سورة عبس وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولى على المدينة المنورة واستشهد وهو يحمل الراية في معركة القادسية، وتبلغ ذروة الإثارة في الكتاب بسرد المؤلف العديد من القصص الملهمة للمكفوفين الذين شاركوه البرنامج خلال الفترة التي قضاها وكيف أنهم كانوا مندمجين في المجتمع ويعيشون حياه مستقله بعيداً عن نظرة الشفقة.
واختتم المؤلف كتابة بطرح منظور فكري وفلسفي متكامل لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية مستنبط من تعاليم الشريعة الإسلامية مستشهداً بقصة الصاحبي ابن ام مكتوب في سورة عبس.
حقيقة إن مثل هذه البرامج التدريبية الشاملة لجميع الجوانب المرتبطة بالمعاق بصرياً والمهارات التي تحدث عنها المؤلف (مهارة الادراك والتنقل بالعصا البيضاء، الحاسب الآلي، طريقة برايل، مهارات حرفية، الاقتصاد المنزلي ومهارات الحياة اليومية، والنشاطات الاجتماعية) مهمه جداً لجعل المعاق بصرياً مستقل ذاتياً ومعتمداً على نفسه في حياته اليومية بعيداً عن الشعارات الرنانة التي تجعله يدور في حلقة مفرغة خارج عن واقعه، كما أنها عنصر أساسي مكمل لخدمات عيادات ضعف البصر ولابد أن تكون ملازمة لها.
وعلى النطاق الشخصي من واقع اختصاصي أكدت لي التجربة أن إعادة التأهيل هي العلاج السحري والفوري للمعاق بصريا فعندما يتلقى تلك البرامج التأهيلية بالتأكيد سيصبح شخصا فائق القدرات ومنافسا للأشخاص المبصرين يندمج في المجتمع بصورة طبيعية وينخرط في مجالات العمل المختلفة، أما في حالة عدم توفر البنية التحتية الملائمة للخدمات (الفحص، إعادة التأهيل التدريب) والمركز الملائم لها سيبقى المعوق بصرياً عبئا على نفسه ومجتمعه ويعيش واقعاً أليما وحبيس منزله في الوقت الذي بإمكانه الانطلاق.
قرأت مؤخراً كتاب حصاد الظلام لمؤلفه الاستاذ محمد توفيق بلو الذي صدر في طبعته الثانية عن دار سيبويه للطباعة والنشر والتوزيع، ومن وجهة نظري كمختص في مجال البصريات والعناية الإكلينيكية بضعفاء البصر وجدته نافذة إلهام للمعاقين بصريا ومن حولهم، ومرجع للمختصين في الاعاقة البصرية والقائمين على رعايتهم، فهو ليس مجرد رواية لقصة أو تجربه مع عالم فقدان البصر، بل هو مرجع مفصل لماهية خدمات العناية بضعف البصر وإعادة التأهيل والخطوات والجوانب الادارية والتنظيمية والطبية اللازمة للخدمة من واقع تجربة المؤلف الذي يلقي على عاتقنا مسؤوليه كبيره جداً تجاه ذوي الإعاقة البصرية في بلادنا، فعندما نقارن التجربة الأمريكية التي تحدث عنها في مجال رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية بواقعنا وما يعانيه المعاقون بصريا من نقص الخدمات في مجتمعاتنا، سنستخلص أن وضع استراتيجيات واضحة والاستثمار في التدريب للطرفين "المعاقين بصريا والعاملين في المجال" كفيل بأن يضع اللبنات للتغيير الدائم للتغلب على الانعكاسات السلبية المترتبة من فقدان البصر كما رأينا ذلك جليا في التجربة التي رواها المؤلف.
فقد روى المؤلف من خلال 4 أبواب تضمنت 18 فصلاً جانب من قصة حياته اليومية والمهنية أثناء عمله ملاحاً جوياً في الخطوط السعودية وظهور أعراض لحالة بصرية لمرض وراثي لم يعلم عنه، ترتبت عليها صعوبات في الرؤية عند الانتقال من النور إلى الظلام والتأخر في التأقلم مع الضوء والحركة ليلاً خصوصاً أثناء التنقل بين الطائرة وصالة المطار بالإضافة إلى معاناته أثناء قيادة السيارة ليلاً أو في وهج الشمس وعدم رؤية جوانب الطريق خصوصا في المناطق المظلمة.
ولفت المؤلف إلى أن الاعتقاد السائد آنذاك إن الحل ارتداء النظارة الطبية، وبعد الفحص الدقيق لشبكيته في العيادة تبين أنه مصاب بالتهاب الشبكية الصبغي وهو المتسبب في كل تلك الاعراض والصعوبات التي عانا منها، وأن لديه قصر نظر بحاجة إلى نظارة طبية ولكن الأعراض الأخرى ستبقى مستمرة، وهذا حال الأمراض المؤدية لضعف البصر التي لا تكون النظارة الطبية فيها كل الحل.
تلك الظواهر عبارة عن أعراض لمرض وراثي في العين تسبب له في إعاقة بصرية تدرجية يكتشفها لاحقا ويترتب عليها تغيير مسار حياته ليعيش في عالم آخر بعد أن اجتهد وبحث وتدرب وتأهل ليتكيف معها، وينقل الينا خلاصة تجربته بمبادرة لفكرة رائدة في مجال العناية بالإعاقة البصرية.
فلقد تسببت تلك الاعراض البصرية في تعرضه لارتباك وحرج في حياته اليومية والعملية بحكم الحالة البصرية التي وصل إليها، فقد كان يعاني من رؤية انبوبية أي لا يرى إلا ما يقع أمام عينه فقط وهذا ما لا يفهمه أو يشعر به الأخرون، ويفسر ما رواه عن سبب خوفه وتوتره أثناء قيادته للسيارة وعدم القيادة بمفرده، والصعوبات التي واجهته في العمل مثل صعوبة التنقل داخل مقصورة الطائرة والاصطدام بالمسافرين وامتعتهم وكسر الكاسات والاواني وعند المصافحة لا يستطيع رؤية يد الذي يصافحه. وغالباً ما تحاصر مثل هذه المشاكل مريض ضعف البصر وتجعله تحت شبح الظلام والعزلة وتتسبب في آثار اقتصادية منها فقد عمله أو توقفه عن الدراسه.
ويلفت المؤلف الانتباه إلى أن ضعف البصر في تلك الفترة من التسعينات الميلادية كان مبهماً ومجهولاً للكثير فإما كفيف وإما مبصر، ولا توجد خدمات او عيادات لضعف البصر الا مركز صغير في الظهران وذهب اليه وتمت فيه تطبيق المنهج العالمي والمتعارف عليه في عملية فحص ضعف البصر من اخذ تاريخ الحالة المرضية والاجتماعية بالتفصيل والاعراض والاهداف التي يسعى لتحقيقها وتم تحديد حدة الابصار ومجال الرؤيا والبقايا البصرية وقدر الضوء اللازم للرؤية وتم تحديد الأدوات البصرية اللازمة لمساعدته على القراءة والكتابة بالعدسات والمكبر الالكتروني المكتبي التي كانت جميعها غير متوفرة وعليه ان يوفرها من الخارج وهذه المشكلة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا في عدم توفر بعض المكبرات ناهيك عن الاسعار لبعض المكبرات التي تعتبر معضلة للكثير.
ولعل المؤلف كان أول من تحدث وكتب عن صعوبات المسافر الكفيف أو ضعيف البصر داخل صالات المطار مثل الوصول للموظفين المختصين وعدم وجود مطبوعات خاصه بهم، وصعوبة التعامل مع صينيات وجبات الطعام على الطائرة وتساقط الأكل على الثياب، وبحكم خبرته في مجال خدمة الطعام بادر بطرح اقتراح لحل تلك المشاكل التي كان يعاني منها من هم في مثل حالته، فابتكر فكرة خدمة وجبة الراكب الكفيف التي حصدت بموجبها الخطوط السعودية جوائز عالميه في الوقت الذي أحيل إلى التقاعد المبكر بحكم حالته البصرية وما ترتب عليه من انعكاسات اقتصادية واجتماعية.
رحلات إعادة التأهيل
استعرض المؤلف تجربة مهمه لزيارته مركز لايت هاوس الدولي (lighthouse international) لخدمة ضعف البصر وإعادة التأهيل بمدينة نيويورك الامريكية، الذي تغير اسمه إلى (lighthouse guild)، وكان شعاره آنذاك "فقدان البصر لا يعني فقدان العمل".
وصف المؤلف بدقة تفاصيل تلك الزيارة وأثرها عليه وكيف كان لتلك الرحلة اثراً بالغاً على حياته بعد حصوله على خدمة تقويم ضعف البصر بالعيادة مكنته من العودة للقراءة باستخدام المكبر بعد انقطاعه عنها لأكثر من سنتين.
وانبهاره بالمبنى الذي كان مكوناً من أربعة عشر طابقا مخصصة لجميع احتياجات خدمة الاعاقة البصرية وإعادة التأهيل ضمت عيادات لتقويم ضعف البصر، مركز تدريب وإعادة تأهيل، مدرسة للأطفال المعاقين بصريا بإعاقات إضافية، قاعة مؤتمرات، متجر لبيع أدوات ومستلزمات الإعاقة البصرية والمتخصصين في المجال، ومرفق سكني. وكانت عامة مرافق المبنى ميسرة بسهولة الوصول الشامل مثل الخدمات الصوتية، تباين الألوان، الاضاءات المناسبة للحد من العوائق التي تعيق الحركة والرؤية لضعفاء البصر.
وصلنا هنا في المراجعة
وكيف جعلته منبهراً بما رأه وما حصل عليه من خدمات، وقارن بين ما كان يعانيه في عمله من عدم التقدير والفهم لوضعه وبين الاهتمام والتقدير الذي التمسه لتمكين المعاقين بصرياً من الاندماج في المجتمع وممارسة حياتهم بصورة مستقلة وطبيعية بعيداً عن نظرة العطف والشفقة أو التهميش
ثم انتقل للحديث عن برنامج إعادة التأهيل الذي التحق به في معهد الجمعية الامريكية الوطنية للمكفوفين بمنيابلس مينيسوتا وكيف كان لشهر واحد قضاه في ذلك البرنامج التأهيلي المكثف المبني على اسس علمية أثراً في جعله إنسان آخر مختلف في فكره وقناعته وطموحه ومهاراته بدء بتخطي حاجز الإعاقة النفسي بالعيش في مبنى سكني به أخرون من نفس الحالة، في شقة بمفرده لرفع كفاءة الاستقلال الذاتي في الحياة اليومية حسب نظام المعهد والانخراط في برنامج تدريب يومي بمقر المعهد يتضمن مهارة الادراك والتنقل بالعصا البيضاء، الحاسب الآلي، وطريقة برايل، مهارات حرفية كالقياس واستخدام المناشير ودق المسامير وتعليق البراويز، والخروج للتسوق واستخدام وسائل النقل العامة، الادارة المنزلية ومهارة الحياة اليومية مثل (استخدام أداوت ومعدات المطبخ، الطبخ، معرفة الوقت، تنظيم النقود، التعامل مع البريد، الهدايا، البنوك، كتابة الشيكات، لظم إبرة الخياطة واستخدامها لتركيب إزرار القميص).
وشرح بإسهاب كيفية الانتهاء من البرنامج واجتيازه بأنه لابد على المتدرب أن يجتاز أصعب اختبارات الاستقلال الذاتي حيث يتوجب عليه الوصول إلى المعهد من بعد إثني عشر ميلا وهو معصوب العينين وبالعصا البيضاء بدون مساعده وسيرا على الاقدام، وأيضاً اعداد مأدبة غداء لـ 60 شخص داخل المعهد بدء بشراء مستلزمات الحفل والتحضير والطبخ وخدمة الضيوف على طاولة الطعام ثم تنظيف وترتيب المكان، وفي الغالب يستطيع المتدربين اجتيازه بعد مدة تدريب لا تقل عن تسعة أشهر فيندمجون في المجتمع بسهولة.
ومما اضفى على تلك التجربة إثارة وتشويقاً هو وصفه لمشهد انبهار وتعجب المشاركين في البرنامج من المدربين والمكفوفين من تكريم المكفوفين في الدين الاسلامي وحثهم على الاستقلال الذاتي عندما قص عليهم قصة الصحابي الجليل عبد الله ابن ام مكتوم الذي كرمه الله في سورة عبس وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولى على المدينة المنورة واستشهد وهو يحمل الراية في معركة القادسية، وتبلغ ذروة الإثارة في الكتاب بسرد المؤلف العديد من القصص الملهمة للمكفوفين الذين شاركوه البرنامج خلال الفترة التي قضاها وكيف أنهم كانوا مندمجين في المجتمع ويعيشون حياه مستقله بعيداً عن نظرة الشفقة.
واختتم المؤلف كتابة بطرح منظور فكري وفلسفي متكامل لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية مستنبط من تعاليم الشريعة الإسلامية مستشهداً بقصة الصاحبي ابن ام مكتوب في سورة عبس.
حقيقة إن مثل هذه البرامج التدريبية الشاملة لجميع الجوانب المرتبطة بالمعاق بصرياً والمهارات التي تحدث عنها المؤلف (مهارة الادراك والتنقل بالعصا البيضاء، الحاسب الآلي، طريقة برايل، مهارات حرفية، الاقتصاد المنزلي ومهارات الحياة اليومية، والنشاطات الاجتماعية) مهمه جداً لجعل المعاق بصرياً مستقل ذاتياً ومعتمداً على نفسه في حياته اليومية بعيداً عن الشعارات الرنانة التي تجعله يدور في حلقة مفرغة خارج عن واقعه، كما أنها عنصر أساسي مكمل لخدمات عيادات ضعف البصر ولابد أن تكون ملازمة لها.
وعلى النطاق الشخصي من واقع اختصاصي أكدت لي التجربة أن إعادة التأهيل هي العلاج السحري والفوري للمعاق بصريا فعندما يتلقى تلك البرامج التأهيلية بالتأكيد سيصبح شخصا فائق القدرات ومنافسا للأشخاص المبصرين يندمج في المجتمع بصورة طبيعية وينخرط في مجالات العمل المختلفة، أما في حالة عدم توفر البنية التحتية الملائمة للخدمات (الفحص، إعادة التأهيل التدريب) والمركز الملائم لها سيبقى المعوق بصرياً عبئا على نفسه ومجتمعه ويعيش واقعاً أليما وحبيس منزله في الوقت الذي بإمكانه الانطلاق.