المصدر - تمكن الشاعر السعودي صالح الهنيدي من ابتكار بحر جديد من بحور الشعر العربي يضاف إلى بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي والأخفش وقد نشر الهنيدي عبر حسابه في الفيس بوك قصيدتين وقال لـ"صحيفة زهران " : بين أيديكم نصّان شعريان جديدان أزعم أنهما من بحر جديد غير بحور الشعر الستة عشر المشهورة فقد حاولت وحاول غيري ممن استشرتهم في نسبته إلى بحور الشعر فعجزنا ولكم قبول التحدي ونشرهما في وسائل التواصل لديكم فإما أن أكسب الرهان ويصبح هناك بحر جديد رقمه ( سبعة عشر ) أو أكسب تفاعلكم البنَّاء وإثراء ذوائقنا العروضية . كما اتت ردود الأفعال كبيرة جدا من متابعي الهنيدي فقد أيّده فيما ذهب إليه مجموعة كبيرة من الأكاديميين والنقاد والأدباء وباركوا له هذا الابتكار وطالبوه بالمسارعة في تسجيله كبراءة اختراع ، فيما توقف البعض وحاولوا التشكيك في سلامة الأبيات من حيث الوزن فكان ردّ الهنيدي صارماً حين نشر مقطعا صوتيا للأبيات منشدة ومنضبطة الوزن .
https://www.youtube.com/watch?v=fABOPIR_uVk
وفي نص أدبي آخر مليئ بالدروس الشعرية ، إبتكر الشاعر والاديب صالح بن سعيد الهنيدي في نصه الأدبي " السماء الثامنة " بحراً ثامن لشعر ، ظهر كتابتاً وسماعاً . اذ يُعتبر ذلك النص مفترق لحيرة النُقاد حول عنوانه وأكاديمية مضمونة .
ويعتبر ماقدمه الشاعر الهنيدي نقلة إلى مدرسة التجديد ومافيها من تفعيلة محررة من قيود القافية رغم أنه ابتعد عن الغموض ودهاليز المتاهة . بذكاء سار الشاعر على خطى المدرستين . فقليل جداً ما تطرق الى الغزل بشعره سوى بعض قصائد مثل رائعته "لوعة خافق" في قريته ظهر تأثير هاتين المدرستين من خلال كتابه "من وحي القرية" واستمر في إشباع مثقف الباحة بجميل شعره برز في ديوانه الأول المسمى "مرافئ الوجدان" وأتى ديوانه الوطني ليوثق مرحلة مهمة في مشواره الشعري . اذ يعتبر ماقدمه الشاعر الأديب الهنيدي اخيراً هو خلاصة المدرستين التي سار عليها حتى استحدث مدرسة جديدة هي مدرسة "السماء الثامنة".القراءة في نص ( السماء الثامنة ) :
سأرحل
نحو المدار البعيد
وأترك خلفي
هوى الشخصنة
سأعبر بحر الحروف
العميق
وأنفض عني
لظى الألسنة
سأحثو على الحانقين
الغبار
وأتركهم في شجا الأمكنة
***
ألا أيها السامقُ
انظر أمامك
وإياك أن تنثني للوراء
هناط ستمتدُّ خضرة قلبك
وتخضرُّ أحرفك الموهنة
هناك
ستورق كلّ الدروب
وتُشرق كلُّ الخطى الممكنة
***
ألا أيها الراحلُ
اركب جوادك
وأسرج خيولك
نحو الخلود
سنابكها تسبق الأزمنة
سيأتيك وجهٌ
كصرحاء يومك
فلا تلتفت نحوه
إنه راية للسقوط
ورمز لآلامنا المزمنة
سيقذف نحوك
ألفاظا سوء تخبئها روحه المنتنة
***
سيأتيك وجه بحجم
المآسي
تسنّم أورقة آسنة
أتى يحمل الفقر
في جعبة ملمَّعة بيد السلطنة
إذا أبصرته
خيولك هاجت وماجت
وجادت
قرائحها المذعنة
فلا تنظرنّ إليه
ودعه يذبْ في متاهاته المعلنة
له ألف أيقونة في الخفاء
تشير لها هذه العينة
إذا أبصرته خيولك يوماً
فحينئذٍ حان وقت الوصول
إلى درجات السما الثامنة
شعر : صالح بن سعيد الهنيدي
حينما تقرأ العنوان لهذه القصيدة لن تستطيع أن نتجاوزها حتى تسبر أغوارها من خلال ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: "دلالة لفظة السماء"
دائماً تعتبر لفظة السماء عن الصفاء والنقاء وهذا ينقلنا الى العفة والطهر وسيأتي كيف عبّر الهنيدي عن هذا المعني في قادم النص!
النقطة الثانية : "دلالة "أل"
وأقصد بها تعريف الشاعر لكلمتي سماء وثامنه وهنا توحي لقارئ العنوان شيئاً من الحميمية والتقرب والتخصص أي قرب روحانية السماء للقارئ او المستمع..
النقطة الثالثة: "الاستحالة والممكن"
على أرض الواقع استحالة أن يكون للسماء ثامنه! وبنفس الاستحالة امكانية ان يكون لسماء ثامنة .. كيف؟!
في عقل ووجدان الشاعر : "خلاصة النقاط الثلاث"
"السماء الثامنه" بوابة العبور للمتلقي أو بمعنى أدق النافذة التي نطلّ على النص بأعين الشاعر وهذه تحسب للهنيدي من خلال اختيار الكلمة ومن ثم تموجها بالعنوان وهنا يظهر "تناص ضمني" أولاً في قوله تعالى وقال فرعون ياهامان ابني لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب اسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبل وماكيد فرعون إلا في تباب"* وهنا تكمن سر الكلمة المعنى الأول والذي عناه الشاعر أي السخرية وتشبيهه خصمه بفرعون "عليه من الله مايستحق! والآخر في قول الشاعر:
فإن جنحت إليه فاتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في الجو فاعتزل وهنا يفتح باب الاستحالة والسخرية معاً والمعني واضح لايحتاج إلى تفسير! وهذا ما عناه الهنيدي بهذا العنوان الاستحاله لخصمه من الوصول إلى سماء إبداعه وإن وصل "مثلاً" سيتحداه لأنه هو من يصل إلى ثامنته وأيضا السخرية منه! والشيء الأخير في العنوان أن الهنيدي ينقلنا عنوةً إلى ركوب سفية الشعر والتحليق إلى فضاءات الرحلة المكوكية. لكي ننقد هذا النص لابد لنا من هذه الرحلة والتي أجبرنا الهنيدي عليها بحبٍ وعذوبةٍ وتذوقٍ من محطات لاستجلاء الإبداع واستمطار المعاني ومن ثم مواصلة التألق والسمو من خلال الآتي :
1- دلالة حرف "السين"
تتبعتُ كل حروف السين في هذا النص فوجدتها قرابة "18" حرفاً بل بدأ الهنيدي نصه بقوله :
سأرحل
نحو المدار البعيد
وختمه أيضا بحرف السين بقوله :
فحينئذٍ حان وقت الوصول
إلى درجات السماء الثامنة
وهنا دلالة العبور والزرع والاخضرار والديمومه فبدأ بالرحيل وانتهى به المطاف في السماء الثامنة.
2- "دلالة مفرد كلمة "حرف" لم أجد في النص سوى كلمتين في قوله:
سأعبر بحر الحروف
- وقوله في موضوع آخر
وتخضر أحرفك الموهنة
- ودلالتهما تكمن في روح الأمل من الاخضرار والتحدي في السباحة والعبور.
3- "نداءان وحيدان "أيها"" ولم أجدُ في النص سوى نداءين ..
برأه بقوله :
ألا أيها السامق
وقوله أيضاً في نفس النص
ألا أيها الراحل
وهنا يتقافز في الوهن صورة فن " التجريد" وهو نداء النفس كما فعلت خنساء العرب في رائعتها:
قذىً بعينيك أم بالعين عوار
أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
بينما في نص الهنيدي إشباع النفس بنداء الطموح والشموخ وكان هذا مايكفيه لرغبته في فهم الملتقي مسبقاً واتهامه بالغرور!
4- "زجّ الخيل في النص ودلالتها" وحصرها في:
اركب جوادك
وأيضاً :
وأسرج خيولك
وأخيراً من قوله:
إذا أبصرته خيولك يوماً
قال صلى الله عليه وسلم "الخيلُ معقود بنواصيها الخير" لكن الهنيدي هنا ركب جواداً ، وأسرج خيولاً ؟! لأن ركوب الجواد فن ومسرج سلفاً لايجيدُ ركوبه سوى الشجعان والأبطال من أمثال الشاعر غير دلالة الجود والكرم من الجواد فهو دائم مستعد لأي سباق! أما سرج الخيول تكون شبه مستعدة وعلى أهبةِ الاستعداد حتى لما عبر الهنيدي عنه في آخر النص بقوله:
إذا أبصرته خيولك..
وهنا جمال على جمال والتفاته بديعة من الشاعر وتكمن في أنه مهما مدحت الخيل من سرعة وخفة كما قال امرئ القيس في معلقته:
مكر مفر مقبل مدبر معاً
كجلمود صخرً حطه السيل من علِ
فهو من مدح صاحبه أو خيّاله !
5- "الاستعداد من كل الجهات الزمانية والمكانية"
مفردة الظروف الزمانية والمكانية عددتها قرابة "10" ظروف ومن حق الشاعر وقرّائه أن أذكرها:
أ- سيقذفك نحوك
ب- إذا أبصرته خيولك يوماً
ج - سيأتيك وجه كصحراء يومك
د- وإياك أن تنثني للوراء
هـ- انظر أمامك
و- وأتركهم في شجا الأمكنه
ز- سأرحل نحو
المدار البعيد
وأترك خلفي
هوى الشخصنة
ك- من قوله:
فحينئذٍ حان وقت الوصو
ل- سيقذفك نحول
سنابكها تسبق الأزمنة
ودلالتها هي "خلفي، أمامك، نحوك، للوراء، الأمكنة هذه الظروف المكانية توحي بالضدّية والاتساق . وهناك هي "يوماً، يومك، حان، وقت، الأزمنة " أما الزمانية فتوحي بالصيرورة والانتباه.
خلاصة "الأزمنة والأمكنة"
السماء الثامنة . وهذه الخيول المسرجة وهذا الخصم "ربما خصوم" وهذه الرحلة المكوكية التي بدأت من الأرض ثم مروراً بالسابعة والإرساء على شاطئ الثامنة مستقبلاً ماهي إلا إرهاصات فيلسوف مفكر مبدع وأديب غريب قفز بنا عبر سمائنا الثامنة عبر المستحيل وبنفس الغرابة إمكانية اللحظة الشاعرة في الوصول لها هنا يمكن سرّ ثورة هذا النص وعمق فكرته وجمال خياله وخصوبته . بعد السماء الثامنة هل الأديب صالح الهنيدي أصبح أمام مأزقٍ حقيقي! لمنازعته أكثر من ثقافة . وهو ينتمي الى مدرستين شعرتيتين الكلاسيكي ومافيها من صدق ووضع والاخرى المدرسة الرومانتيكية وأهم مبادئها الإحساس القلبي والعودة إلى الطبيعة.
/n