بواسطة :
07-04-2015 09:30 مساءً
23.7K
المصدر - مسفر الخديدي - الطائف:
يطرح خلال الأسابيع القليلة القادمة كتاب الملك فهد بن عبد العزيز (عقد على الغياب), في الأسواق تزامناً مع الذكرى العاشرة لوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله -, ويقع الكتاب الذي أعده الزميل نايف البقمي وأخرجت تصاميمه مؤسسة وهج الإعلامية في أربع مئة وثلاثين صفحة من الحجم الكبير, وقد تطرق البقمي لسيرة المليك الراحل منذ ولادته وحتى وفاته, مستعرضاً أهم المنجزات التي تحققت في عهده, لاسيما توسعة الحرمين الشريفين, وحرب تحرير الكويت, وما أحدثه الملك فهد من تغييرات على مستوى إدارة البلاد بإصدار النظام الأساسي للحكم ونظام المناطق ونظام مجلس الشورى, ونظام مجلس الوزراء.
وأشار البقمي في مقدمة الكتاب إلى أن شخصية الملك فهد شخصية متفردة بما تحمله من صفات قيادية نادرة الأمر الذي لا يجد المفكرون والكتّاب أمامه القدرة على الإلمام بكافة جوانبها وهو ما حدا بالبقمي على حد قوله إلى الاكتفاء بالتطرق لأبرز منجزاتها على الصعيدين المحلي والدولي.
ويضيف البقمي بأن فكرة الكتاب كانت تراوده منذ فترة من الزمن, ولكنه فضل أن يكون إصدار الكتاب بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الملك فهد بن عبد العزيز والذي يوافق السادس والعشرين من الشهر الحالي, مشيراً إلى أنه لم يكن لديه نية للمشاركة بالكتاب في ندوات ومعرض الملك فهد روح القيادة لعدم علمه بموعد المعرض حين بدأ العمل على إعداد الكتاب أولاً, ولعدم توافق موعد المعرض مع ذكرى وفاة المليك الراحل ثانياً, وذلك قبل أن يتم تأجيل موعد الاحتفال بعد إعلان وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مطلع شهر ربيع الثاني.
كما أشار الزميل البقمي إلى أن التظاهرة الثقافية المقامة حاليا للاحتفاء بتاريخ الملك فهد زاخرة بكم كبير من المعلومات, وتتناول سيرة الملك فهد بشيء من التفصيل, رغم أن حياة حياته ومنجزاته يرحمه الله تحتاج إلى الكثير من التظاهرات والندوات لتحيط بسيرته العطرة, والجهود التي بذلها خلال مسيرته للسير ببلاده نحو آفاق رحبة من التطور والنمو.
وفيما يلي ننشر لقرائنا الكرام مقتطفات من الكتاب.
مولد الملك فهد ونشأته:
ولد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود بمدينة الرياض عام 1340هـ / 1921م ، وتلقى تعليمه الأولي على يد عدد من العلماء بمتابعة مباشرة من والده الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي أولى تربية أبنائه وتنشئتهم جل عنايته على الرغم من كثرة مشاغله السياسية والإدارية. وعرف عن الملك فهد بن عبدالعزيز حبه للاطلاع والمعرفة منذ صغره، كما عرف عنه تحمله للمسؤوليات منذ سنوات مبكرة من عمره.
ويرجح المؤرخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد ولادة الملك فهد في* عام 1340هـ الموافق 1921م في الرياض في قصر الديرة، الذي أنشأه الملك عبدالعزيز عام 1328هـ الموافق 1910 م**فكان لذلك المولود الميمون موعداً مع العظمة، وكانت ولادته بشارة خير ومقدم سعد في دنيا الملك عبدالعزيز، فقد كانت فترة مولده فترة بداية استتباب الأمن والسلام، وتعزيز أحلام الوحدة الشاملة، وتوالي الانتصارات في معارك التوحيد الحاسمة.
ويذكر المؤرخ الرويشد أن نشأة خادم الحرمين الشريفين كانت نشأة* قائد وزعيم بالفطرة، فقد ولد ونشأ في بيئة محملة بعناصر الخير والسؤدد، ولم يتعرض للتأثيرات المضادة بحمد الله.
ولد هذا الملك من أم سليلة أمجاد هي الأميرة المرحومة حصة بنت أحمد بن محمد بن أحمد السديري، وكانت امرأة بالغة الحنان والحب، فقد وهبت نفسها بإخلاص لتنشئة هذا الابن الأول منها للملك عبدالعزيز، وكانت رحمها الله قد أنجبت ولداً ذكراً قبل الملك فهد من أخ الملك عبدالعزيز الأمير محمد بن عبدالرحمن الذي فارقها بعد إنجابها لابنه الأمير عبدالله*بن محمد فاستعادها الملك عبدالعزيز إلى عصمته، وكان قد تزوجها وهي صغيرة، ففارقها، وبعد استعادتها أنجبت له هذه السلسلة المباركة من البنين والبنات.
كانت الأميرة حصة والدة الملك فهد من فضليات النساء، ومن أعقلهن وأقربهن إلى قلب الملك عبدالعزيز، وقد أشار إلى احترامه لهذه السيدة والإشادة بعظمتها وحصافة رأيها ودينها في أكثر من مناسبة.
وكانت لهذه السيدة العظيمة طريقتها الخاصة في تنشئتها لأبنائها تنشئة صالحة، كانت تعقد معهم ذكوراً وإناثاً اجتماعات خاصة تستعرض فيها معهم حسن سير تقدمهم في دراستهم وشؤون حياتهم وتناقش معهم بصراحة ووضوح كل ما يهمهم.
كانت شديدة الاهتمام بالغة الحرص في تنشئة أبنائها على الدين القويم، والولاء الشديد لأسرتهم ووالدهم، وقد كان الملك عبدالعزيز يحب هذه السيدة ويقدرها حق قدرها حتى آخر رمق في حياته.
كانت تلك السيدة فخورة أيما افتخار بأبنائها جميعاً، وكانت تعتز بتقدمهم ونجاحهم في حياتهم وبذلهم نشاطهم في خدمة والدهم الملك عبدالعزيز، فكان من ثمار ذلك الاعتزاز وتلك التنشئة أن أصبح أبناؤها من عبدالعزيز في مقدمة حاملي مسئوليات الحكم في عهد والدهم وفي عهد الملوك من إخوتهم إلى أن آل الأمر إلى أكبرهم سناً الملك فهد خادم الحرمين الشريفين.
*** شب وترعرع الملك فهد في حقل تلك البيئة الصالحة، شامخ القامة يعمر قلبه الإيمان، ومحبة والديه وعائلته الكريمة، وكان لأخيه الأمير عبدالله بن محمد الذي يكبره بأكثر من أربع سنوات فضل توجيهه إلى الشموخ ، وكان يلازمه وكل إخوته الآخرين ويعيش معهم في دار واحدة، كما كان لهذا الفتى الملك حاشية من أترابه منهم من يكبره والبعض الآخر في مثل سنه، وقد اختيروا بعناية وصحبوه وطالت بهم الصحبة ولازال بعضهم يصحبه حتى وفاته, ويذكر المؤرخ الرويشد من بين أولئك الرجال: إبراهيم بن حماد، وسليمان المطوع، والمرحوم فيصل بن رشيد بن محيسن الجبر آل رشيد، ومحمد وعبدالعزيز آل دحام، والهيلم أبو وردة العجمي، وأخوان من آل دغيم، وعبدالله وثنيان آل ثنيان، وسليمان بن عرفج، ومحمد بن نايف العتيبي، ومحمد الملقب ب«الدخيخين» وطويل بن طويل، وراشد بن عبدالرحمن بن رويشد، وغيرهم .
*** وكان الفتى الملك وأخوه عبدالله**بن محمد يستقبلان الناس في مجلس واحد، ويزوران الوالد العظيم الملك عبدالعزيز ويجتمعان به وبوالدتهما في وقت واحد مع إخوتهما ممن يصغرهما سناً، بل كانت مجموعة المرافقين والحاشية لهما ولإخوتهما الصغار واحدة فكان ذلك مما يلفت الانتباه ويثير الدهشة لدى والدهما ولدى الآخرين.
دراسته وأساتذته:
*** وعندما بلغ الفتى السادسة من عمره وشب عن الطوق ألحقه والده بمدرسة القصر، وهي عبارة عن غرفة واسعة الأرجاء يدعم سقفها ثلاثة أعمدة وتقع غرف منافعها خارجها، وكانت في الطابق العلوي إلى جوار مكاتب الملك عبدالعزيز، وهي غير المدرسة القديمة التي أسست في نهاية قصر الديرة من الغرب بجوار مخازن القصر، وتقع في الدور الأرضي من القصر، والتي أنشئت حين أنشىء قصر الديرة عام 1328هـ الموافق 1910م ، وقد درس بها الجيل الأول من أبناء الملك عبدالعزيز، الأمير محمد والملك خالد والأمير سعد والأمير ناصر والأمير عبدالله ، وعدد من الأمراء من الأسرة المالكة وبعض الأتباع.
*** كان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة المغفور لهم بإذن الله محمد بن عقيف، وعبدالرحمن ابن عقيف وناصر بن حمدان، وهم من حفظة القرآن الكريم ومن طلبة العلم الشريف. وهذه المدرسة غير مدرسة الأمراء الأخيرة التي أنشأها الملك عبدالعزيز لأنجاله، وأحضر لها عدداً من المدرسين المجيدين بإدارة أحمد العربي وصالح خزامي، وأخيراً إدارة عبدالله خياط، وأحمد علي الكاظمي، وحامد الحابس.
أما المدرسة التي نشير إليها فهي مدرسة وسط بين الأولى والأخيرة وكان يقوم بالتدريس فيها أستاذ يتقن فنون التدريس والخط وتعليم الفنون الشائعة آنذاك، وهو المرحوم« محمد الحساوي» وهو من أهل الرياض، وكان يطلق عليه لقب«الحساوي» لكثرة زياراته وأسفاره للإحساء وبلدان الخليج، إلى جانب مدرسي المدرسة الأولى : محمد بن عقيف وعبدالرحمن ابن عقيف.
*** لازم الفتى الملك الدراسة في هذه المدرسة ومعه بعض إخوته ممن يكبره سناً، وبعضهم أصغر منه، ومنهم الأمير ناصر بن عبدالعزيز والأمير منصور بن عبدالعزيز، والأمير سعد بن عبدالعزيز، والأمير عبدالله بن عبدالعزيز، والأمير بندر بن عبدالعزيز، والأمير مساعد بن عبدالعزيز، والأمير مشعل بن عبدالعزيز، والأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز، والأمير سلطان بن عبدالعزيز، والأمير فيصل بن تركي، وبعض أبناء أصدقاء الملك عبدالعزيز والملتحقين بالقصر أمثال الشيخ عبدالله بن نافع بن فضلية، والشيخ محمد بن فضلية، والعم راشد بن رويشد، والشيخ عبدالعزيز بن شلهوب، والشيخ سليمان بن حمد السليمان.
وكان يقوم بتدريس المواد الرياضية والخط وبعض الفنون الأخرى الأستاذ المغفور له إن شاء الله الشيخ محمد بن عبدالله العماني الملقب ب«السناري» وهو أستاذ كبير في شؤون التربية والتعليم، ويتقن العديد من الفنون المعرفية استمر هذا الأستاذ يعطي الدروس في المدرسة فترة طويلة، وكان الفتى الملك من بعض تلامذته، ورغم شدته وقسوته فإن خادم الحرمين الشريفين عندما يتذكره يثني عليه ويعترف بفضله الكبير عليه لإتقانه بعض العلوم.
وكان الشيخ السناري أول من أدخل في تلك المدرسة طريقة تعليم الكسور في الرياضيات، وهي طريقة تختلف عن الطرق الحديثة في الكسور الاعتيادية والعشرية، حيث كانت تلك الطريقة تضع مصطلحاً خاصاً لأرقام النصف والربع والثلث والعشر..الخ وذلك قبل تطور علم الرياضيات في بلادنا، وكانت الطريقة شائعة في الحجاز وفي بلدان الخليج بعامة، وقد هجرت تلك الطريقة في عهدنا الحاضر.
ويظهر أن الشيخ السناري لم يستمر في تلك المدرسة وأعطاه الملك عبدالعزيز إذناً بفتح مدرسة خاصة في مدينة الرياض، فكان أن أسس مدرسة السناري المشهورة في «دخنة» مع الشيخ المرحوم ناصر بن عبدالله بن مفيريج وذلك في حدود عام 1354هـ الموافق 1935م .
ومنذ ذلك الحين تغير وضع مدرسة الأمراء بالرياض حيث أمر الملك عبدالعزيز عام 1354هـ الموافق 1935م*بتنظيم مدرسة الأمراء في الرياض، وعهد بالقيام بأمرها إلى الأستاذين أحمد العربي، وحامد الحابس، وفي عام 1356هـ الموافق 1937م**أسندت إدارة تلك المدرسة إلى الشيخ المرحوم عبدالله خياط فاختار معه عدداً من الأساتذة منهم الأستاذ أحمد علي الكاظمي، والأستاذ صالح خزامي، وقد استقبلهم الملك عبدالعزيز بنفسه عند افتتاح المدرسة بنظامها الجديد، وتحدث معهم بصراحة عما يريده لتعليم أبنائه، وأنه يريد قبل كل شيء الاهتمام بالقرآن الكريم والكتابة وبعد ذلك بقية الدروس، ثم أوضح لهم جلالته كيف يحسن أن يكون سيرهم مع الأمراء وأن يبدءوا معهم باللين والحسنى، وألا يتشددوا ويشددوا عليهم في أول الأمر فينفروا من التعليم.
*** وكان موقع المدرسة الجديد في الدور الثاني من قصر الديرة قريباً من الشعبة السياسية فهي عبارة عن عدد من الغرف ومنافعها.
***وكان الملك فهد الطالب في تلك المدرسة هو الابن التاسع للملك عبدالعزيز من بين أبنائه الذكور البالغ عددهم ستة وثلاثين ذكراً.
*** وكان الملك عبدالعزيز يزور أبناءه في تلك المدرسة، وقد لاحظ تقدم هذا الشاب في دراسته، وأعجب بذكائه وإدراكه ورغبته في الحصول على المزيد من العلم والمعرفة. وفي إحدى المرات لزيارات جلالته لتلك المدرسة ألقى على جلالته الفتى الملك ارتجالاً مجموعة من الأمثال والحكم والمقطوعات الأدبية شعراً ونثراً فسأله الوالد من أين أخذت هذه المختارات التي ألقيتها حفظاً؟ فأجابه الفتى بصدق: أخذتها من كتاب«دروس التهذيب» وهي مادة كانت تدرس في المدارس الابتدائية آنذاك قبل أن يستغنى عنها بمادة المطالعة، فسر الملك عبدالعزيز لجوابه، وشكر مدرسيه على عنايتهم.
*** بعد ذلك انتقل الفتى الملك إلى المعهد السعودي العلمي وهو معهد أنشأه الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة عام 1344هـ الموافق 1925م**على إثر ضم الملك عبدالعزيز الحجاز إلى بقية أجزاء المملكة، وكان الغرض من إنشائه سد احتياج المدارس الابتدائية من المعلمين والمؤهلين، فهو أول مؤسسة تعليمية سعودية خرّجت عدداً من الأفراد الذين لعبوا دوراً جيداً في تطور التعليم في المملكة فيما بعد، وقد أعلن عن افتتاح هذا المعهد في الجريدة الرسمية عام 1345هـ الموافق 1926م**وكان هذا المعهد يشتمل على أقسام ليلية للموظفين الذين لا تسمح ظروف عملهم بمواصلة دروسهم نهاراً، وكان منهج هذا المعهد يشتمل على دراسة القرآن الكريم والتجويد ودروس العقيدة والإملاء والحساب والقراءة والمحادثة والإنشاء وقواعد اللغة العربية والخطابة ومسك الدفاتر والجغرافيا والأخلاق، وسنن الكائنات «أي العلوم» وغير ذلك.
*** فكان من الطبيعي أن يضم عبدالعزيز أبناءه إلى مجلسه الخاص في مثل تلك المناسبة ، وهناك حاول الشاب إرواء نهمه إلى المعرفة حيث كان مجلس والده يضم نخبة من رجال العلم من فقهاء وعلماء وأدباء من مواطنين وغيرهم. فكان مهمة الفتى الملك في تلك الجلسات هي الإصغاء بعناية إلى ما يتحدث عنه جلالة والده، وكان دوماً في مستوى المهمات والأحداث، وقد التحق بالمعهد السعودي العلمي في مكة، وأعجب والده بخطواته الأولى التي قطعها كما سر من ثناء أساتذته وإشادتهم بذكائه وشغفه الشديد بالعلم، وحب الاستطلاع، واستيعاب التعليم الديني، واهتمامه بدروسه مما كان له الأثر العظيم في مستقبل أيامه.
*** وكان الشاب الملك ملازماً لمجالس والده حريصاً على أن يطلع مباشرة على طرق والده في إدارة الحكم وتناول شؤون الناس والأساليب الحكيمة التي يتبعها ذلك القائد في تسوية الخلافات ومعالجة مشكلات مواطنيه، مما أكسبه خبرة عظيمة فيما بعد في معالجة شؤون الحياة.
*** وقد انعكست هذه التربية العلمية على حياته حيث كان يتعامل مع أبنائه وهم الأمير المرحوم فيصل وبه يكنى، ومحمد، وسعود، وسلطان، وخالد، وعبدالعزيز بعطف وود وإخلاص، كما كان ـ رحمه الله ـ محباً لعائلته الكبرى التي تشمل مواطنيه فهو الأخ لكبيرهم والأب لصغيرهم فالجميع يتطلع إليه كقائد وأب عطوف، ومصدر خير وراع للمحبة والإخلاص والألفة.
*** كان من أثر دروسه العلمية التي تلقاها عن والده إغداقه على أبنائه حبه العميق وتعاطفه المليء بالحكمة، ومثالية السلوك، وكان يذكر أبناءه دائماً بأنهم لم يعانوا الظروف التي عاشها، وأن عليهم أن يكونوا مستعدين لمواجهة مصاعب الحياة وأن يتعودوا ولا يستسلموا.
*** كان يقول لهم بصريح العبارة: أنتم أحرار في تحديد مستقبلكم، لكني أذكركم بأن الصالحين والأقوياء من الناس هم الذين يعرفون كيف يخططون لمستقبلهم، وليكن معلوم لديكم أنها لا تتحقق الأهداف ما لم تدعموها بالعلم والمعرفة والخبرة والخلق القويم، وفوق كل هذا بالإيمان بالله وكتبه ورسله.
*** وقد عزز الفتى الملك تعليمه وثقافته بمختلف العلوم وبالرحلات العديدة إلى الخارج وحبه لعلم التاريخ، وعلم تاريخ العرب وتقاليد أسرته، وقبل ذلك تفهمه لتعاليم الدين الحنيف وفضائله، وبدأ ذلك واضحاً كما يقول من عرفه في استفساراته المستمرة من والده ومن كبار معاوني والده، فكان الفتى النابغة يحضر مجلس والده ويتعلم خفايا الحياة.
كان ذلك الشاب محباً للقراءة والمعرفة وملماً منذ طفولته بدقائق الحياة السياسية ليس في المملكة فقط بل في العالم العربي والإسلامي والدولي، وذلك من خلال حضوره لقاءات والده مع ضيوفه العرب والمسلمين والأجانب، وقد تميز بين أقرانه برغبة شديد في خوض تجارب الحياة العلمية في سن مبكرة.
*** شب الفتى الملك هادئاً رصين التفكير، لطيف المعشر، سريع البديهة، وعرف منذ ذلك الحين وهو في سن الصبا بالتعلق بوالده الملك عبدالعزيز، فكانت تميزه خصلتان كريمتان عرفهما كل من عرفه فيما بعد صبياً وشاباً وكهلاً، تلك الخصلتان هما: الحزم في غير شطط أو عنف واللين دون تراخٍ أو تسيب.
*** وقد أبدى منذ طفولته الأولى شغفاً كبيراً بالحفاظ على التقاليد المرعية للأسرة السعودية الكبيرة، فكان شغوفاً إلى حد كبير بحب الخيل والتعلق بها، وإعداد مرابط لها إلى درجة أنه لا يذكر له فرس أصيل إلا حاول أن يشتريه وأن يغري مالكه بالتخلي عنه بأي ثمن، وكان وهو في سن مبكرة يمتطي الخيل، ويشارك إخوته وأعمامه في السباق الذي يقام بين فترة وأخرى بين يدي والده في مضمار الخيل القديم والذي يقع خلف بوابات الرياض الشرقية مباشرة، وكان مضمار السباق حينذاك يمتد ما بين مدخل بناء بستان الشمسية شمال الرياض الواقع في قلب أسواق الشمسية اليوم، إلى أن ينتهي بنهاية أسوار بساتين البطيحاء جنوب الرياض القديمة، و«البطيحاء» بستان نخيل واسع يمتلكه أبناء المرحوم سعد بن عبدالرحمن أخو جلالة الملك عبدالعزيز، ويقع نهاية المضمار اليوم بالقرب من كلية البنات جنوبي البطيحاء.
*** وكان الملك فهد في صغره يشارك إخوته الكبار وأبناء عمومته وعدداً من الفرسان في السباق، وكان الأمراء آنذاك والفرسان يمتطون صهوات جيادهم بأنفسهم عند انطلاق السباق في منظر أخاذ، حيث تصطف الخيول جنباً إلي جنب عند بدء السباق على مدى المضمار الشمالي، يستعرضون بها مهاراتهم الفروسية، حيث يطلقون تلك الرماح والبنادق في الهواء ثم يلتقطونها وهم على ظهور الجياد، قبل أن تهوي إلى الأرض عند صرخات المشجعين والمشاهدين، وبلغ من حب الملك فهد للفروسية وتعلقه باقتناء الخيل آنذاك أن أصبح يملك مربطاً مشهوراً في جنوبي الرياض، يملكه مع أخيه الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن، ويقع ذلك المربط قرب مربط الأمير محمد بن عبدالعزيز، وكلا المربطين يقعان فيما يعرف اليوم بمسجد العيد جنوبي الرياض.
*** وكان يملك فرساً مشهورة بلغت شهرتها حداً كبيراً وقد أقيم في حياة الملك عبدالعزيز حفل سباق حافل كسبت به تلك الفرس فوز السبق بين خيول كثيرة لها شهرتها وكان يمتطيها في ذلك السباق أحد أتباعه ويدعى «الهيلم» من فرسان العجمان من آل سفران، فأجزل الملك عبدالعزيز رحمه الله لصاحبها الجائزة لتميزها فتبرع بالجائزة للفارس، وانهالت على الفارس من المشاهدين والمعجبين بتلك الفرس الجوائز الكثيرة إعراباً عن إعجابهم بالفرس وحركات الفارس.
*** وعندما بلغ الفتى الملك السادسة عشرة من عمره سنة 1356هـ الموافق 1937م**اختار له والده ابنة عمه الجوزاء ويدعونها «جوزاء» بنت الأمير عبدالله بن عبدالرحمن أخي الملك عبدالعزيز فتم زواجه منها، لكن ذلك الزواج لم يدم طويلاً، ثم تزوج بعد فترة من ابنة عمه تركي بن عبدالله بن سعود آل فيصل ثم تزوج أخرى بعدها من أخواله آل السديري الكرام، وأخيراً تم زواجه من ابنة عمه العنود بنت عبدالعزيز بن مساعد ابن جلوي التي أنجبت له عدداً من البنين والبنات وهم: فيصل الرئيس العام السابق لرعاية الشباب رحمه الله، ومحمد أمير المنطقة الشرقية السابق، وسعود نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق، وسلطان الرئيس السابق لرعاية الشباب، وخالد وهو رجل أعمال، أما ابنه الأخير الأمير عبدالعزيز فهو من الأميرة جواهر بنت الأمير إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم، وقد شغل منصب رئيس ديوان مجلس الوزراء قبل أن يعفى من هذا المنصب بناءً على طلبه ويكتفي بعضويته في مجلس الوزراء.
*** وما دمنا بصدد الحديث عن طفولة هذا العاهل فلابد أن يمتد بنا الحديث إلى عهد الشباب عنده، وقبل أن يشغل مناصبه الرفيعة في عهد والده ثم في عهد إخوته الملوك: سعود وفيصل وخالد، الذين شغل في عهودهم مختلف المناصب الحساسة وحمل مسئوليات جساما ما جعله الملك الأكثر خبرة واستعداداً في تاريخ هذه الدولة.
*** فقد كان في شبابه يقوم بمعالجة الكثير من شؤون البادية والحاضرة بأمر من والده مما أكسبه خبرة ظهرت قيمتها عند تولي مسئولياته الجسام بعد ذلك.. وكان وهو شاب لم يتجاوز الرابعة والعشرين من العمر إلا بقليل قد كلفه والده بمرافقة أخيه الأمير فيصل إلى الاجتماع التأسيسي لهيئة الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية في 16 رجب عام 1364ه الموافق 26 يونيو 1945م ثم بعد ذلك بعثه والده الملك عبدالعزيز ليمثل المملكة العربية السعودية في حفل تتويج ملكة بريطانيا، وعندما توفي الملك عبدالله بن الحسين مغدوراً به في القدس سنة 1367هـ 1948م بعثه الملك عبدالعزيز نيابة عنه ليحضر الصلاة عليه ويشارك في العزاء مع رؤساء الوفود العربية التي شاركت في دفنه وتقديم العزاء لذويه، ثم بعث في مهمة مماثلة عند وفاة الشيخ أحمد الجابر الصباح نيابة عن والده للتعزية وتهنئة الحاكم الجديد.
أول وزير للمعارف :
وعندما تولى الملك سعود يرحمه الله الحكم عين الشاب الأمير فهد أول وزير للمعارف في* 18/4/1373ه, وذلك بالتزامن مع استحداث وزارة المعارف ومنذ ذلك الوقت أصبح الملك فهد رائداً**للتطور التربوي والنهضة التعليمية الذين أرسوا معالمها الأساسية.
وهكذا أخذت مسيرة العلو والصعود تجتذب ذلك الطفل المهذب ثم الشاب الذي عرف بتواضعه وتسامحه إلى درجة أذهلت كافة من عرفه سواء من المواطنين السعوديين أو من رفاق والده، أو من الضيوف الأجانب الذين التقى بهم والتقوا به، لكنهم مع ذلك يعترفون أنه مع ذلك التواضع والتسامح رجل المواقف الصعبة التي تظهر عندها عزيمته ويبدو حزمه للعيان، كما يعرفون جيداً وبعد ممارسة طويلة مدى قدرته الفائقة على اتخاذ القرارات الحازمة في المواقف التي يتردد عندها الكثيرون وتأخذهم الحيرة. وما من شك أن ما يميز ذلك العاهل في طفولته وشبابه وكهولته تلك المقدرة على الإحساس بآلام الآخرين، وهمومهم، وهذه الصفة بالذات تعد قاعدة أساسيه لديه مع مجموعة أخرى من الصفات النبيلة.
ولعل من أبرز صفاته طفلاً وشاباً وكهلاً أنه من الخطباء المعدودين في المملكة بل وفي العالم العربي، كما أنه ممن لا يقرأون من ورقة أو يخطب من سجل معد مسبقاً، بل إنه يتحدث دائماً إلى مستمعيه بشكل تلقائي، وعلى الرغم من ارتجاله للكلمات فإنها تجيء آية في البلاغة والإحكام، ويقول الذين يعرفونه حق المعرفة إن كلامه العادي مليء بالملاحظات الذكية والأمثال والاستطرادات التي تجعل سامعه يود ألا يتوقف عن الحديث، وله من الكلمات المتألقة ذات الدلالة على عمق صلته بثوابت أمته في شؤون الدين والمجتمع والحكم والسياسة ما هو مبثوث في خطبه ومقابلاته. وما من شك أن ذلك مرده إلى النشأة الأولى التي تلقاها على يد والده الملك عبدالعزيز.
*** وقد ورث عن والده عبدالعزيز شخصية جذابة وقوية شديدة الهيبة سواء في المملكة أو خارجها وقد أعرب العديد من القادة والزعماء الذين التقى بهم في العديد من المناسبات عن قوة شخصيته في المباحثات والمفاوضات.
وقد عبر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله- عن تلك المرحلة التي تولى فيها مهام الوزارة قائلاً : " هكذا كان الأمر الذي لا يعرفه كثيرون أنني أنا الذي طلبت أن أتولى وزارة المعارف. إنني وأنا أتطلع إلى السنوات التي مرت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم أبصر ضخامة الإنجاز الذي تحقق عبر وزارة المعارف ومن تولاها بعدي من الوزراء...".
ويستمر خادم الحرمين في حديثه وذكرياته عن بدايات وزارة المعارف بقوله: "كانت لدينا بالتحديد ثلاث وأربعون مدرسة ابتدائية وأربع مدارس ثانوية ومدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي وكان التحدي ألكبير الذي واجهناه هو نشر العلم والتعليم في جميع أنحاء المملكة دون استثناء وكان إنشاء جامعة سعودية هو شغلي الشاغل... إنني أعتبر السنوات السبع التي قضيتها في وزارة المعارف من أجمل وأعز أيام حياتي وما زلت أذكرها بالشوق والحنين وأن أسعد أيامي عندما أجد رجال العلم والتعليم من حولي أستمع إليهم وأناقشهم... ".
"إن من فضل الله علينا وتوفيقه أن أصبح لدينا الآن سبع جامعات (سابقاً) وآلاف المدارس في مختلف مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مختلف أنحاء البلاد وأصبح أبناؤنا يتخرجون من الكليات العليا في مختلف التخصصات مثل الشريعة والعقيدة والطب والهندسة والاقتصاد وكل مجالات التعليم والتطور ما هو مدعاة لاعتزازنا وتقديرنا".
وزير الداخلية :
في عام 1382هـ عُين – رحمه الله - وزيراً للداخلية كما كلف برئاسة اللجنة العليا لسياسة التعليم عام 1385هـ,* ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء عام 1387هـ، بالإضافة إلى منصبه وزيراً للداخلية. وخلال تلك الفترة قام بإعادة تنظيم الوزارة وأنشأ كلية الملك فهد الأمنية, ومعهد ضباط الصف والجنود, معهد المرور, معهد اللغات, معهد الرماية الدولي, معهد التربية البدنية ومعهد قيادة السيارات والميكانيكا.
وتولت وزارة الداخلية مسؤوليات متعدد خلال الفترة التي تولى فيها الملك فهد مهام منصب وزير الداخلية فقد كانت الوزارة تتولى مهام الأمن العام وخفر السواحل والدفاع المدني والجوازات والشؤون الجنائية والشؤون البلدية وإمارات المناطق وما يتفرع منها من تنظيمات.
ولي عهد البلاد :
وعندما بويع الملك خالد بن عبدالعزيز بالحكم في عام 1395هـ/ 1975م أصبح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء. وفي عام 1397هـ أضيفت إلى مهامه رئاسة مجلس إدارة الخدمة المدنية.
المهمات الرسمية المبكرة :
كلف الملك عبدالعزيز ابنه الأمير فهد بالعديد من الأعمال السياسية والإدارية ، وذلك من خلال إشراكه في مهمات ووفود رسمية للمملكة العربية السعودية ؛ وكلفه برئاسة بعضها واستمر تكليفه في عهد إخوانه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد - رحمهم الله - بكثير من الأعمال الدبلوماسية والمشاركات السياسية والمناصب الحكومية. وقد أكسبه ذلك خبرة وتوفيقاً في اتخاذ القرار السديد في الشؤون الداخلية والخارجية ؛ ومن أبرز تلك المشاركات :
مشاركته مع الوفد السعودي الذي رأسه الأمير فيصل للمشاركة في المؤتمر الأول لمنظمة الأمم المتحدة ، وللتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة الذي عقد في (سان فرانسيسكو) بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1364هـ / 1945م.
مشاركته مع والده الملك عبدالعزيز لدى زيارته مصر في 10/2/1365هـ حيث قلده الملك فاروق الوشاح الأكبر من نيشان النيل.
تمثيله للملك عبدالعزيز في حضور حفل تتويج الملكة (إليزابيث) ملكة بريطانيا في عام 1372هـ /1953م.
مرافقته للرئيس اللبناني (كميل شمعون) أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية في عام 1372هـ/1952م.
مشاركته في الدورة التاسعة للمؤتمر الثقافي لجامعة الدول العربية وافتتاحه للاجتماع الذي انعقد بجدة في 21/5/1374هـ الموافق 15/1/1955م.
رئاسته للوفد السعودي إلى اليمن في 13/8/1374هـ الموافق 6/4/1955م.
رئاسته وفد المملكة العربية السعودية للمشاركة في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية بالدار البيضاء في 27/2/1379هـ الموافق 31/8/1959م.
رئاسته للوفد السعودي المشارك في حضور اجتماعات مؤتمر وزراء الخارجية العرب في 1/3/1380هـ الموافق 23/8/1960م.
رئاسته للوفد السعودي المشارك في مؤتمر رؤساء حكومات الدول العربية المنعقد في جامعة الدول العربية بالقاهرة في 6/9/1384هـ الموافق 8/1/1965م.
رئاسته للوفد السعودي في المؤتمر الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة بتاريخ 16/12/1384هـ الموافق 18/4/1965م.
رئاسته للوفد السعودي في الدورة الثانية لمؤتمر رؤساء الحكومات العربية المنعقد في القاهرة بتاريخ 26/1/1385هـ الموافق 27/5/1965م.
رئاسته للوفد السعودي خلال زيارته إلى فرنسا بهدف توثيق العلاقات السعودية الفرنسية بتاريخ 2/7/1387هـ الموافق 5/10/1967م.
رئاسته للوفد السعودي في زيارته إلى الصومال في 4/4/1388هـ الموافق 29/6/1968م.
رئاسته للوفد السعودي في زيارته إلى تركيا في 4/5/1388هـ الموافق 29/7/1968م.
رئاسته للوفد السعودي في زيارته إلى لبنان في 9/5/1388هـ الموافق 3/8/1968م.
رئاسته للوفد السعودي في زيارته إلى بريطانيا في 28/7/1389هـ الموافق 9/10/1969م.
رئاسته للوفد السعودي عند زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 2/8/1389هـ الموافق 13/10/1969م.
رئاسته للوفد السعودي إلى بريطانيا للمشاركة في المحادثات المتعلقة بمستقبل منطقة الخليج العربي بعد انسحاب بريطانيا منها عام 1389هـ / 1969م.
رئاسته للوفد السعودي في المباحثات السعودية اليمنية بجدة في 17/5/1390هـ الموافق 20/7/1970م.
رئاسته للوفد السعودي في المحادثات السعودية البريطانية بلندن في 7/10/1390هـ الموافق 5/12/1970م.
افتتاحه لمؤتمر ميثاق التضامن الإسلامي في 27/4/1391هـ الموافق 20/6/1971م.
رئاسته للوفد السعودي إلى ليبيا في زيارة رسمية في 25/12/1393هـ الموافق 18/1/1974م.
رئاسته للوفد السعودي خلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 14/5/1394هـ الموافق 4/6/1974م.
رئاسته للوفد السعودي إلى الإمارات العربية المتحدة في 8/11/1395هـ الموافق 11/11/1975م.
رئاسته للوفد السعودي إلى جمهورية مصر العربية في 29/11/1395هـ الموافق 2/12/1975م.
رئاسته للوفد السعودي في مؤتمر القمة العربية الحادي عشر بالأردن في 18/1/1401هـ الموافق 25/11/1980م.
موقفه من القضية الفلسطينية :
تظل القضية الفلسطينية إحدى أبرز القضايا التي شغلت بال الملك فهد منذ وقت مبكر من حياته, فقد عاصر نكسة 1967م, وسقوط المسجد الأقصى, وتابع أعمال القتل والقمع والمجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني على يد قوات الكيان الصهيوني, ورصد عمليات التوسع الممنهج من الكيان الصهيوني ببناء المستوطنات, في الأراضي العربية المعغتصبة, وأمام هذه المعاناة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني الشقيق لم يترك الفهد سبيلاً من السبل التي رأى فيها ولو بصيص أمل بسيط بأن توقف أو تحد من قوة الألم التي يعانيها أهله في فلسطين, ولعل مبادرته يرحمه الله التي أُعلنت في قمة فاس عندما كان ولياً للعهد عام 1981م خير دليل على أن القضية الفلسطينية تعيش في ضميره, وقد تكونت هذه المبادرة من ثمانية أسس لإحلال السلام في المنطقة, وينص البند الأول من المبادرة على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967م, بما فيها مدينة القدس العربية, فيما نص البند الثاني على إزالة جميع المستوطنات التي أقامتها "إسرائيل" في الأراضي العربية المحتلة بعد عام ١٩٦٧ م, وأكد البند الثالث على ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة, فيما تضمن البند الرابع تأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتعويض من لا يرغب العودة, وفي البند الخامس دعت المبادرة إلى أن تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأُمم المتحدة، ولمدة لا تزيد عن بضعة أشهر, كما حرص الملك فهد في مبادرته أن يكون قيام الدولة الفلسطينية بشكل مستقل وأن تكون عاصمتها القدس الشريف وقد جاء هذا في البند السادس من بنود المبادرة, ولأن المبادرة تنطلق من رؤية الملك فهد الرامية إلى إحلال السلام في المنطقة, وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني التي يواجهها مع العدو الصهيوني, وتجنيب دول المنطقة أسباب الصراع, فقد دعت المبادرة في البند السابع إلى تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام, على أن تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ بنود المبادرة وهو ما تضمنه البند الثامن.
وقد اصطدمت المبادرة بإصرار سوريا والجزائر وليبيا والعراق إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية على حذف البند السابع من الخطة الذي يتحدث عن اعتراف ضمني بإسرائيل.
ولم ييأس الملك فهد رغم إصرار المعترضين فأعاد طرح المبادرة من جديد على قمة عربية ثانية عقدت في ذات المكان التي عقدت في القمة السابقة وكان ذلك عام 1982. حيث تم إقرارها رسميا من قبل القمة بعد أن رأى المشاركون في القمة لاسيما سوريا ضرورة ألا تتضمن المبادرة أي تنازل عن الحقوق العربية.
ولم تتوقف مسيرة الملك فهد في دعم القضية الفلسطينية عند هذه المبادرة فكان رحمه الله كثيراً ما يدعو إلى عقد المؤتمرات والعمل على أن تخرج بنتائج تدعم القضية الفلسطينية, كما عمل على نبذ الخلافات وسعى للتوسط بين الدول العربية والإسلامية حرصاً منه على وحدة الصف العربي والإسلامي للوقوف أمام طموحات الصهاينة, واستعادة الأراضي الفلسطينية, ولم يكن الملك فهد ليسمح بأن تستمر الخلافات والتوترات بين الفصائل والمنظمات والحركات الفلسطينية فسعى إلى رأب الصدع فيما بينها وإعادة الوفاق إليها, وتمثل شعيرة الحج أهمية بالغة للملك فهد فهي فضلاً عن أنها خامس أركان الإسلام, فقد كان يرى رحمه الله أن لها أهمية في تذكير العرب والمسلمين بقضية الشعب الفلسطيني ومحنته مع الاحتلال.
وكان الملك فهد لا يفوت أي فرصة في التأكيد على دعمه الكامل للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في استعادة أراضيه وتقرير مصيره.
واستمر الملك فهد بن عبد العزيز في دعمه للقضية الفلسطيني سياسياً ومادياً ومعنوياً, وقد تدخل للتأثير على الرأي العالمي لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية من أجل حل القضية الفلسطينية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني, وظل يؤكد على شرعية القضية ويدعمها في كل المجالات والمحافل الدولية إلى أن توفاه الله عام 1426هـ.
*ووقف الملك فهد بكل صدق وإخلاص مع قضية الشعب الفلسطيني منذ أن رشُد وأدرك, ولعل موقفه من تمادي وزير الخارجية الأمريكية في تصريحاته المؤيدة لإسرائيل بالعدوان على لبنان خير دليل على ذلك الإيمان الراسخ لديه بعدالة القضية وحتمية العودة، فقد بذل الملك فهد جهوده أمام تلك التصريحات المؤيدة بالضغط على الإدارة الأمريكية لوقف وزير خارجيتها عن تماديه في دعم العدوان الإسرائيلي, فكانت النتيجة استقالة هيج وزير الخارجية الأمريكي في 13 شعبان 1402هـ / 5 يونيو 1982م.
وعندما تمت صفقة تهجير اليهود من الاتحاد السوفيتي بين إسرائيل وأمريكا من جهة، وبين الاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، وقفت المملكة العربية السعودية ضد هذه الصفقة، وأعلنت عبر مندوبها في مجلس الأمن شجبه وإدانته لها في كلمة ألقاها غرة رمضان 1410هـ.
وكان خادم الحرمين الشريفين من أول القادة العرب الذين اعترفت حكوماتهم المملكة بالدولة الفلسطينية التي أعلن عنها في الخامس عشر من شهر نوفمبر عام 1988م، وقد قدّم الملك فهد أرضاً ومبنى لسفارة دولة فلسطين بالرياض، وأعلن أنها هدية من الشعب السعودي لشعب فلسطين.
واستمرت المساعي على مستوى السياسة الخارجية للمملكة بِحثِّ الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا على القيام بدور فاعل في دفع عملية السلام وتحقيق العدالة بعودة الحق الفلسطيني لأهله, كما استمرت المملكة في دعمها المادي لصندوق القدس, وصندوق الانتفاضة.
مؤتمر مدريد
وقد تواصلت مواقف المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بعد توليه مقاليد الحكم لنصرة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية, وتعتبر مشاركة المملكة العربية السعودية في* مؤتمر مدريد عام 1991م, أحد المرتكزات المهمة في عملية الدعم السياسي الذي تلقاه القضية الفلسطينية من قبل المملكة العربية السعودية وقيادتها, وقد عقد المؤتمر على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات مجلس الأمن( 242 و338 و425), واعتبرت المملكة ما تمخض عن المؤتمر من اتفاقات نقطة تحول نحو تأمين حقوق الفلسطينيين, وقد شاركت المملكة في جميع المحادثات والمفاوضات الثنائية مع إسرائيل وآزرت دول المواجهة العربية بالرأي والمشورة بما يكفل عودة الحق لأهله.
ترميم الأقصى
ومما يُظهر اهتمام الملك فهد بالمقدسات الإسلامية في القدس فقد أصدر رحمه الله في عام 1992م أمراً بأن تتولى المملكة كافة نفقات أعمال الترميم والإصلاح بالمسجد الأقصى, ومسجد قبة الصخرة, ومسجد عمر بن الخطاب ومسجد عبد الملك بن مروان, وقد تضمنت أعمال الترميم كسوة قبة مسجد الصخرة بالنحاس المذهب, وكسوة الأروقة بالرصاص, وتجديد الكسوة الرخامية الخارجية لجدران المسجد وإقامة شبكة إنذار وإطفاء للحرائق كما شملت الترميمات الداخلية للرخام والزخارف والأخشاب والفسيفساء، على أن تكون الأولوية لكسوة القبة والأروقة ولشبكة الإنذار والإطفاء من الحريق تحسبا لأية جرائم متعمدة أو حوادث أخرى.
كما وافقت المملكة على طلب اليونسكو لتمويل إنشاء مختبر علمي لصون وترميم المخطوطات القديمة للقرآن الكريم في المسجد الأقصى، ولبت طلباً آخر لليونسكو لتمويل برنامج تدريبي لخمسة من المختصين الفلسطينيين لمدة سنتين في معهد الفنون والصور بإيطاليا، ليتولى عملية ترميم وصيانة المخطوطات الإسلامية القديمة، بتكلفة تبلغ خلال عامي 2000/2001م، بمبلغ ثلاث مائة ألف دولار أمريكي.
كما تكلفت المملكة بترميم سوق القطانين، وحمام العين، وحمام الشفاء، وبعض المواقع الأثرية في القدس, واستقدمت عمالاً مهرة في العمران الإسلامي من المغرب، وقامت بتدريب فنيين فلسطينيين، وإيفاد بعضهم للتدريب بالمغرب، بهدف القيام بترميم المواقع الإسلامية في القدس,
ولم يقف دعم خادم الحرمين الشريفين وحكومة المملكة عند هذا الحد بل تعداه إلى تمويل عدد من المهمات والدراسات التي قام بها بعض خبراء اليونسكو للتحري عن الأضرار التي تتعرض لها الآثار والمقدسات الإسلامية, كما غطت العديد من المصروفات الإدارية التي قامت بها اليونسكو لإعداد تقارير الخبراء، التي ساعدت في إصدار العديد من القرارات من منظمة اليونسكو لإنقاذ وصيانة وحماية الآثار والمقدسات الإسلامية في فلسطين.
واستمرارا لنهجه الثابت في خدمة الإسلام والمسلمين فقد تبرع رحمه خلال انعقاد المؤتمر الحادي والعشرين لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في كراتشي في ابريل عام 1993م بمبلغ عشرة ملايين دولار لدعم صندوق القدس.
وفى فبراير عام 1994م وجه الملك فهد شقيقه الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين برعاية حملة تبرعات شعبية على مستوى جميع مناطق المملكة يخصص ريعها لإغراض اعمار وإنقاذ الأماكن الإسلامية في القدس الشريف.
وفي عام 1407هـ أرسل الملك فهد سجاداً فاخراً لفرش كامل مساحة المسجد الأقصى، وكان لذلك عظيم الأثر في قلوب الفلسطينيين وخدمة قضيتهم.
وفى مؤتمر القمة العربي الاستثنائي الذي عقد في القاهرة في شهر أكتوبر من عام 2000م قدمت المملكة اقتراحاً بإنشاء صندوقين برأس مال قدره مليار دولار من اجل المحافظة على الهوية العربية والإسلامية للقدس ولدعم انتفاضة الأقصى المباركة أعلنه الملك عبد الله بن عبد العزيز إبان ولايته عهد البلاد كما أعلن بعد تبني المقترح مساهمة المملكة العربية السعودية بمبلغ 250 مليون دولار لدعم الصندوقين. إضافة إلى تكفل المملكة بدعم ألف أسرة فلسطينية من أسر شهداء وجرحى انتفاضة الأقصى.
وفي ذات الشهر أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أمراً لأمراء المناطق بالمملكة لفتح باب التبرعات لأبطال الانتفاضة الفلسطينية.
وفي كلمة المملكة العربية السعودية في مجلس الأمن 1/9/1410هـ طالبت بضرورة قيام منظمة الأمم المتحدة بمنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وبناء المستوطنات، والتنديد بها، وأنها انتهاك صريح لحقوق الشعب الفلسطيني في ظروفه الصعبة.
كما أمر الملك فهد بإرسال أطباء وفنيين طبيين ومتخصصين في الأعمال الإغاثية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة لعلاج المصابين وتقديم المساعدات الطبية لهم, وفي المقابل استقبلت مستشفيات المملكة المصابين الفلسطينيين في الاعتداءات الإسرائيلية حيث نقلتهم إلى المملكة بطائرات الإخلاء الطبي السعودي.
وقد بلغ حجم المساعدات الطبية المقدمة للفلسطينيين من عام 1400 إلى 1409هـ حوالي 245 طنّا من الأدوية واللقاحات العلاجية، بقيمة ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف ريال. كما عولج (530) مريضا في المستشفيات السعودية العامة, وتم علاج 1229 مريضا في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون.
يُضاف إلى هذه المساعدات قيمة معونات ومواد طبية ومعدات أخرى بلغت مئتي مليون وثمانية وثلاثين مليون ريال، وست مئة وخمسين ألف ريال وتسعة وعشرين ريالا.
وبعد الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي عام 1993م، دعمت المملكة الاقتصاد الفلسطيني، فحولت لمشاريع البنية التحتية في الأراضي العربية المحتلة جزءاً كبيراً من المبالغ التي التزمت بها في مؤتمرات الدول المانحة في الأعوام التي تلت الاتفاق.
وقد أشرف الصندوق السعودي للتنمية على تنفيذ هذه المشاريع التي خصص مبلغ 72.5 مليون دولار لتنفيذ مشاريع في قطاعات الطرق والمياه والصرف الصحي والتعليم والصحة.
كما حرصت المملكة على دعم السلطة الفلسطينية لتمكينها من أداء مهامها الجديدة، فقدمت لها *أكثر من تسعة ملايين دولار أمريكي.
وقد قُدر إجمالي ما تلقته الحكومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من المملكة العربية السعودية حتى عام 1422هـ, بتسعة مليار ريال.
الخدمات التعليمية
وفرت المملكة لأبناء الشعب الفلسطيني فرص التعليم في مدارسها وجامعاتها، وعاملتهم معاملة الطلبة السعوديين، سواء داخل المملكة العربية السعودية أو الذين اُبتعثوا على حسابها للخارج. وكان ذلك بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بعد توليه الحكم في عام 1982م.
وقد بلغ عدد الطلاب الفلسطينيين المقيدين بجامعات المملكة بين عامي 1400 و 1410هـ خمسة آلاف ومئة وأربعة وعشرين طالبا وطالبة يتمتعون بما يتمتع به الطالب السعودي من ميزات السكن والطعام والمكافآت النقدية التي تصرف لهم، هذا بالإضافة إلى طلاب وطالبات يدرسون في الكليات المتوسطة ومعاهد المعلمات. وقد قُدرت نسبة الزيادة في أعداد الطالبات الفلسطينيات في مراحل التعليم العام بين عامي 1400هـ و 1410هـ بـ (35%)، فعلى سبيل المثال نجد أن عدد الطالبات المقيدات في سجلات المدارس الابتدائية في عام 1410ه بلغ (10448) طالبة بينما كن في عام 1400 (6915) طالبة. وفي المرحلة المتوسطة بلغ عددهن عام 1410ه (4215) طالبة بينما كان في عام 1400ه (2627) طالبة. وتطور العدد في المرحلة الثانوية من (1555) طالبة عام 1400ه إلى (2954) طالبة عام 1410هـ.
وكانت الوزارات المعنية تصرف للطالبات الفلسطينيات مكافآت شهرية، وهناك إحصائية تثبت ما صرف للطالبات الفلسطينيات بمعاهد المعلمات بين عامي 1400 و1410ه، إذ بلغ مجموع المكافآت 4,811,400 ريال سعودي لـ 297 طالبة طيلة هذه المدة.
ونال آلاف الطلاب الفلسطينيين الشهادات الجامعية في مختلف التخصصات العلمية من الجامعات السعودية، كما نال الكثيرون منهم شهادات الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه.
وقد قامت حكومة خادم الحرمين الشريفين في هذا الجانب بتسديد نسبة المملكة المقررة في المساهمة العادية في ميزانية الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأنروا، التي بلغ مجموع المبالغ التي ساهمت بها المملكة العربية السعودية حتى عام 2000م نحو 126.655.522 دولاراً أمريكياً، وكانت اليونسكو قد عقدت اتفاقاً مع وكالة الغوث الدولية تتولى بموجبه الوكالة تنفيذ البرامج التعليمية لأبناء الشعب الفلسطيني, كما أسهمت المملكة في إنشاء صندوق تمويل الدراسات العليا للطلبة الفلسطينيين، حيث صدرت الموافقة السامية في شوال عام 1411ه على تبرّع المملكة العربية السعودية للصندوق بمبلغ ثلاث مئة ألف دولار أمريكي. وقد استفاد من منحة المملكة العربية السعودية لهذا الصندوق (85) طالباً فلسطينياً أنهوا برامجهم التعليمية في دول العالم في تخصصات مختلفة.
وعلى مستوى المساهمة في دعم البرامج والمشروعات التربوية والتعليمية والثقافية التي وضعتها اليونسكو بناء على طلب السلطة الفلسطينية للنهوض بالمؤسسات التربوية والتعليمية في فلسطين، وللاستجابة للاحتياجات المتعددة التي كانت تواجه السلطة الفلسطينية، فقد صدر توجيه خادم الحرمين في شهر جمادى الثاني من عام 1414هـ بالتبرع بمليونين وخمس مئة ألف دولار أمريكي لترميم وتجهيز عدد من المدارس لاستقبال الطلبة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي 15 محرم عام 1416هـ صدرت موافقة الملك فهد على التبرع بمبلغ آخر قدره مليونان وخمس مئة ألف دولار أمريكي لتنفيذ مشروعات تربوية وتعليمية أخرى في فلسطين تقوم فيها اليونسكو بترميم وتجهيز عدد آخر من المدارس والمؤسسات التعليمية في الأراضي التي تشرف عليها السلطة الوطنية الفلسطينية.
*وتشير الإحصاءات إلى أن هيئة الإغاثة الإسلامية تلقت مساعدات للشعب الفلسطيني من قبل قيادة المملكة وشعبها بلغ في مجملها خلال عشرة أعوام (82.087.675) ريالاً، اثنان وثمانون مليوناً وثمانية وسبعون ألفاً وستمائة وخمسة وسبعون ريالاً.
وعندما انطلقت انتفاضة الأقصى عام 2000م، قامت الهيئة بتنفيذ عدد من المشروعات لإغاثة المتضررين، خُصص لأحدها مبلغاً قدره (10.659.912) ريالاً صرفت لرعاية وكفالة الأيتام ولدعم الجمعيات واللجان الخيرية, ومساعدة الفقراء, ودعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم.
أما على الصعيد المحلي فالفلسطينيون المقيمون في المملكة يتلقون العلاج المجاني في أرقى المستشفيات السعودية, مثلهم مثل المواطن السعودي, حتى ممن لا يتوفر لهم العلاج في المملكة العربية السعودية يرسلون إلى الخارج على نفقة المملكة.
*
*
*
*
*
نساند شعب فلسطين لتأمين حقوقه الكاملة
وجه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رسالة في 30 / 3 / 1407هـ إلى رئيس لجنة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وفيما يلي نص رسالة خادم الحرمين الشريفين:
سعادة رئيس لجنة ممارسة الشعب الفلسطيني للحقوق غير القابلة للتصرف..
يسرني في هذا اليوم، اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني أن أعرب لكم ولأعضاء لجنة ممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف التي ترأسونها عن تقديرنا الكبير وتأييدنا لجهودكم الفعالة والدور الذي تقومون به وزملاؤكم لنصرة قضية حقوق الشعب الفلسطيني الكاملة ولتعبئة جهود المجموعة الدولية في مؤازرته.
وأود أن أكرر بمناسبة هذا اليوم أيضًا تأكيد موقف المملكة العربية السعودية الثابت في دعم الحق العربي الفلسطيني في فلسطين والقدس ، وفي مساندة شعب فلسطين لتأمين حقوقه الكاملة بما في ذلك حقه في العودة وفي تقرير المصير وفي إقامة دولته على ترابه الوطني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي الوحيد.
سعادة الرئيس.. حين نعالج قضية فلسطين ومشكلة العدوان الصهيوني على فلسطين على الساحة الدولية لا بد أن نضع القضية في إطارها الحقيقي الصحيح بادئ ذي بدء.
قضية فلسطين هي قضية عدوان أجنبي وغزو استيطاني خارجي لبلد الشعب العربي الفلسطيني ، هي قضية احتلال غير مشروع من قبل الصهيونية العالمية لأرض يملكها شعب عربي حي عاش على أرض بلاده وتملكها آلاف السنين ، كما يمتلك كل شعب في هذه المنظمة العالمية أرض بلاده ووطنه.
وإن الدعم غير المشروع الذي نالته وتناله الصهيونية العالمية وساعدها في الوصول إلى ما وصلت إليه ظلمًا وعدوانًا ، لا يمنحها حق سلب حقوق الشعوب الأخرى ، ولا يجوز لها تعطيل مسيرة التعاون الدولي وتهديد السلام العالمي ولا أن تتمادى في عدوانها على أمن الشعوب، ضاربة بالمواثيق والإرادة الدوليين عرض الحائط في النصف الثاني من هذا القرن، زمن تطبيق الشرعية الدولية، واحترام المواقف الأخلاقية والإنسانية والقانونية، وأود أن أعبر عن تقديرنا لجهود لجنتكم في تقرير ممارسات الظلم الذي تقوم به الصهيونية تحديًا للمجتمع العالمي بكل قيمه ومواثيقه وأعرافه.. وإننا إزاء هذا التحدي للمجتمع الدولي مطالبون جميعًا كل دولة عضو في الأمم المتحدة، باتخاذ الموقف الحازم الذي يتطلبه الميثاق لحقن دماء أهل البلاد وحفظ حقوقهم، وتأمين سلامة المنطقة.
سعادة الرئيس..
إن الممارسات الإسرائيلية في فلسطين وفي الأراضي العربية الأخرى التي احتلتها القوات الإسرائيلية والتي تتزايد بلا رادع ، تعطى البرهان المقنع على نوايا إسرائيل العدوانية وعزوفها عن أية رغبة في سلام عادل.
ولا بد للمجتمع الدولي أن يقرر موقفًا فعالًا يردع فيه إسرائيل مما ترتكبه ويعيد الحقوق إلى أهلها.. إن الطريق الذي تسير فيه سلطات إسرائيل هو طريق محفوف بأشد المخاطر للمنطقة ولشعوبها ، ولا بد للأمم المتحدة عامة وللجمعية العامة ولمجلس الأمن بصورة خاصة من القيام بمسؤولياتهما تجاه هذه الأخطار ، وأن تدرك الدول الأعضاء خصوصًا التي تدعم إسرائيل في باطلها، بأنها إذ تحجم عن اتخاذ الموقف الحازم الآن، فإنها تشجع اللامسؤولية الإسرائيلية على ارتكاب الأعمال التي بلا شك ستعود بسوء النتائج.
إن إنكار الحق العربي بأن القوة وحدها تستطيع تغيير طبيعة وطن وإعادة رسم خريطة المنطقة في هذا الزمان وتحت الظروف العالمية التي تعيشها ، إنما هو إفراط في التفكير غير المسؤول على حساب حياة الشعوب وأرواح الأبرياء، ولن تجني منه المنطقة غير الخراب والدمار..
إن المنطقة العربية في حرصها الوصول إلى حل عادل للمشكلة وضعت إطارًا لأمن المنطقة وسلامة شعوبها في مشروع السلام العربي الذي أقرته قمة فاس عام 1982 وما زال هذا أمل المنطقة إن كانت السلطات الإسرائيلية تريد حقيقة الأمن والسلام العادل ولم تصدر عنها بوادر تشجيع على ذلك إلى الآن.
إن ضرورة تأمين الحق العربي والإسلامي في فلسطين والقدس أمر لا جدال فيه ، ولن نجد عربيًا أو مسلمًا يتخلى عنه ، وهو طريق تحقيق السلام في المنطقة ، ولا بد من الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي العربية بما فيها مدينة القدس التي يتطلع إليها العالم الإسلامي بلهفة تزداد قوة مع كل طلوع الشمس ، وهذه مقومات أساسية للأمن والسلام في المنطقة فلا بد لي من التعبير عن تقديرنا وشكرنا للأمم المتحدة ككل ممثلة في الدول التي لا تتردد في الدفاع عن الشرعية الدولية وتأييد الحق العربي والإسلامي في فلسطين والقدس ودعم الجهود العربية للوصول إلى سلام عادل.
إن دعم الأمم المتحدة للحق العربي والإسلامي في فلسطين والقدس ، إنما هو تعزيز لميثاق الأمم المتحدة ولمصداقية دولها ، ودليل على أن الضمير العالمي لن يحيد عن جادة الحق مهما كانت العقبات التي نشاهدها الآن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*
الشعب الفلسطيني يتطلع لتقديركما لحقوقه وقضيته العادلة
خطاب خادم الحرمين الشريفين للرئيس رونالد ريجان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وجورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي في 18 / 4 / 1408هـ عن الأوضاع في المنطقة وكانت فلسطين ضمن أولى اهتماماته
صاحب الفخامة الرئيس رونالد ريجان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية .
معالي السيد ميخائيل جورباتشوف السكرتير العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي .
تحية طيبة وبعد:
فيسرني بمناسبة انعقاد القمة الأمريكية السوفياتية أن أبعث لكما بالغ تحياتي وتمنياتي ، راجيا لمؤتمركما كل التوفيق في خدمة السلام والأمن الدوليين اللذين تتحمل بلداكما الصديقان مسؤولية عظمى تجاهها.
وفي هذه المناسبة أود أن أقول: إن السلام والأمن الدوليين أمر يهم كل دول العالم ، كبيرها وصغيرها ، وعلى اختلاف مناهجها ونظمها ، وذلك بعد أن أصبح الترابط والاتصال الدولي حقيقة هذا العصر وسمته البارزة ، ولهذا فإن الشعوب في مختلف دول العالم تتطلع إلى مؤتمركما التاريخي بثقة وأمل كبيرين ، راجين أن يسود الأمن والاستقرار في أرجاء العالم.
وفي هذه المناسبة أود أن أشير إلى ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط من مشكلات ومصاعب عديدة ، أثق أن سيادتكما تعرفونها وتقدرونها حق قدرها ، ومن هذه المشكلات قضية الشعب العربي الفلسطيني ، فقد مضت سنوات عديدة وهذا الشعب يقاسي ويعاني من حرمانه من حقوقه التي كفلتها له جميع القواعد والقرارات الدولية ، وفي طليعتها قرارات الأمم المتحدة.. إن هذا الشعب يتطلع بأمل كبير إلى حكمتكما وتقديركما لحقوقه وقضيته الإنسانية العادلة ، ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أشير إلى مشكلة الحرب العراقية الإيرانية، فلقد مضى على هذه الحرب سنوات طويلة خلفت الدمار وعانى منها الإنسان في البلدين ، وأصبحت تتجاوز كل أبعاد الصراع بين الدولتين ، بل تهدد أمن المنطقة وسلامتها واستقرارها ، كما تهدد أمن العالم كله بسبب انعكاساتها الدولية ، مما يقتضي وضع حد لها، ولهذا فإن أملنا كبير في مساعيكما العظيمة بما يكفل تنفيذ قرارات مجلس الأمن لإيقاف هذه الحرب ودرء مخاطرها الحالية والمتطورة.
ولا يفوتني أيضًا أن أشير إلى أن قضية الشعب الأفغاني قضية إنسانية وعادلة تتعلق بحقه الطبيعي وكرامته ، وإني واثق بأن سيادتكما ستوليان هذه القضية ما تستحقه من رعاية.
يا صاحبي السيادة..
إن الأمل كبير في إقامة نظام عالمي جديد يقوم بواسطتكما على مبادئ التكافل والتعاون مع جميع الأمم والشعوب بما يكفل لهذا العالم الأمن والاستقرار والرخاء.
وفي الختام أكرر تمنياتي لمؤتمركما التاريخي بالتوفيق ولسيادتكما دوام الصحة والسعادة.
فهد بن عبدالعزيز آل سعود
*
*
*
*
فخورون بانتفاضة الشعب الفلسطيني
ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رئيس المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية هذا الخطاب بمناسبة بدء أعمال الدورة الثامنة للمجلس في 8 / 5 / 1408هـ.
إن المجلس الأعلى لمجلس التعاون ينعقد اليوم وهو يسمع ويرى بكل اعتزاز، انتفاضة إخوانه في فلسطين العربية المحتلة، وما يقومون به من نضال متواصل ومقاومة باسلة للإرهاب الإسرائيلي ، يدفعهم إلى ذلك إيمانهم بالله عز وجل وترقبهم لنصره فيما وعد به عباده الصالحين.
إن ما تشهده فلسطين هذه الأيام، مدنها وقراها وسهولها وجبالها من رفض قاطع للاحتلال، وتصميم على مقاومته بكل الوسائل، يدل بكل وضوح على إيمان أمتنا بالله عز وجل، كما يدل على أصالتها والإيمان برسالتها.
إننا جميعًا نحيي صمود الشعب الفلسطيني العزيز، ومقاومته للاحتلال، ونؤكد وقوفنا معه ، ونرجو من الله القدير الرحمة لشهدائه من أبنائه الأبرار. ونناشد المجتمع الدولي الوقوف مع هذا الشعب، ومناصرة قضيته العادلة تحقيقًا لمبادئ الأمن والسلام التي أقرتها جميع المواثيق الدولية.
إن شعوبنا تعيش اليوم مرحلة من أدق مراحلها، حيث تحيط بها ظروف تجعلها أحوج ما تكون فيها إلى السلام والأمن والاستقرار، وهي أمور حيوية ومهمة بالنسبة لنا جميعاً، لكي نستمر بإذن الله في مسيرة التطور والبناء التي قطعنا منها مراحل قياسية، مما يستدعي منا وقفة جادة وحكيمة لمواجهة هذه الظروف والأخطار، بروح المسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه شعوبنا وأوطاننا والأجيال القادمة من أمتنا.
إننا كنا ولا نزال نواجه خطر الاستيطان والتوسع الصهيوني، وأصبحنا اليوم نواجه خطرًا آخر من إخوان لنا في العقيدة، يوجهون سهامهم إلى صدورنا، بدلًا من مساعدتنا على تحرير القدس الشريف والأراضي العربية الإسلامية في فلسطين من سيطرة الاستعمار الصهيوني، لا لسبب سوى الرغبة في التوسع والسيطرة وتصدير الأفكار الغربية إلى مجتمعنا العربي الإسلامي.
إن التطورات والأبعاد الخطيرة التي شهدتها الأحداث الأخيرة ، أزمة الشرق الأوسط إلى جانب الممارسات اللا إنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في القدس وفي الأراضي المحتلة ولا سيما مواصلة إقامة المستعمرات ، لأبلغ دليل على أنه لا يمكن إقامة سلام عادل ودائم في المنطقة ما دامت إسرائيل تخطط للعدوان والتوسع ، وما دام المجتمع الدولي لا يواجه مخططاتها بأكثر من قرارات الرفض والإدانة والاستنكار.
ونحن من جانبنا كعرب قد أثبتنا أننا دعاة سلام ، وما فتئنا نكرر جنوحنا للسلم القائم على العدل وليس السلم المفروض بالقوة والقهر .
فقد أكد مؤتمر القمة العربي في فاس توجه العرب الأكيد نحو السلام القائم على العدل.. السلام الذي يضمن أمن وسلامة جميع دول المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية ، ويكفل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، بما في ذلك حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على أرضه. السلام الذي لن ترسى قواعده وتشيد دعائمه دون مشاركة الشعب الفلسطيني ممثلًا في منظمة التحرير الفلسطينية ، الممثل الشرعي والوحيد له.
وقد توج هذا التوجه أخيرًا بالقرارات الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بفلسطين والذي عقد مؤخرًا في جنيف والذي أكد المسؤولية الرئيسية الملقاة على عاتق مجلس الأمن بإحلال الأمن والسلام.
وناشدت هذه المقررات المجتمع الدولي وقف مساعدة إسرائيل عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا لمنعها من الاستمرار في عدوانها.. إن أمام الجمعية العامة هذه السنة كما هو الحال في السنوات الأخيرة الماضية سلسلة طويلة من قضايا العدوان والإجرام الصهيوني للنظر فيها واتخاذ مواقف وقرارات بشأنها.
وإننا نأمل في أن تثبت المجموعة الدولية موضوعيتها وحرصها على إلزام كل عضو فيها بتنفيذ قراراتها أو تطبيق العقوبات التي ينص عليها الميثاق.
كما أننا نطالب الدول الكبرى التي يدين لها الكيان الصهيوني بأسباب وجوده واستمرار بقائه، ونطالب الولايات المتحدة الأمريكية بالذات وهي الدولة التي تمنح إسرائيل الكثير من أسباب القوة وتمنح إسرائيل الكثير من أسباب الحياة ، بالعمل على ردع إسرائيل بعد أن استفحل الخطر، مما أصبح يشكل تهديدًا للأمن والاستقرار ليس في المنطقة فحسب بل في العالم بأسره) .
*
*
من خطاب الملك فهد بن عبدالعزيز الذي ألقاه في مؤتمر القمة الخامس للدول الإسلامية المنعقد في الكويت في الفترة بين 26 - 29 جمادى الأولى 1407هـ / 26 - 29 يناير 1987م،
"إن مثل هذا السلوك المشين من جانب إسرائيل يعتبر مصدر تهديد مستمر لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والسلام العالمي برمته، وعلينا أن نعمل بكل ما نملك من طاقات لدعم ومناصرة الكفاح الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ونهيب بالدول التي تدافع عن الحرية وحقوق الشعوب إلى أن تكون عادلة في موقفها بالنسبة لقضية الشعب الفلسطيني العادلة".
*
*
إننا نؤكد مجددًا للمجتمع الدولي، بصفة عامة وخاصة الدول التي تساند إسرائيل وتدعمها، أنه إذا أريد أن يسود السلام بمنطقة الشرق الأوسط فلا بد من العمل على تنفيذ خطة السلام العربية، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة على أراضيه بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد، وانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة، وأن تتخذ من الإجراءات ما هو كفيل بردع الاعتداءات الصهيونية المتكررة.
*
من كلمة ألقاها خادم الحرمين الشريفين
مفتتحاً بها مؤتمر القمة الإسلامية الرابعة
( الدار البيضاء 11/4/1404هـ ـ 11/1/1984م )
*
*
نولي قضايا الأمة الإسلامية والعربية كل اهتمامنا من خلال العمل المشترك، وفي طليعتها القضية الفلسطينية التي نخشى أن تكون اليوم في حالة حيرة على منعطفات الدروب.
*
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
إلى حجاج بيت الله الحرام
( جـدة 5/12/1406هـ ـ 10/8/1986م )
*
*
قضيتنا الأولى - تحرير القدس - تنتظر منا الاعتصام بحبل الله جميعًا، كي يعود أبناء فلسطين إلى وطنهم مع حقهم في تقرير المصير.
*
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
إلى إخوانه المواطنين وأبناء الأمة الإسلامية
بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك
( مكة المكرمة 20/9/1407هـ ـ 27/5/1987م )
*
لقد آمنت المملكة العربية السعودية دائمًا بأنه لا يمكن أن يقوم سلام حقيقي في الشرق الأوسط ما لم يتم إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية التي هي جوهر الصراع الدائر في المنطقة. إن الذين يتصورون أن مرور الزمن كفيل بأن يصبح الأمر الواقع أمرًا مقبولاً يتناسون أن حقوق الشعوب في أوطانها، لا تسقط بالتقادم ولا يطويها النسيان. إن الفلسطينيين بعد أن صبروا أربعين عامًا أو تزيد دون بارقة أمل في السلام العادل لم يجدوا إلا حجارة أرضهم يعبرون بها عن حقوقهم وعن رفضهم القهر الإسرائيلي.
إن المملكة العربية السعودية سبق أن أعربت مراراً عن تأييدها التام ودعمها المتواصل لكل ما تراه منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، سيحقق التوصل إلى استعادة حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على أرضه وحقّ تقرير مصيره. وستواصل المملكة جهودها في هذا الاتجاه وفق ما تقرره منظمة التحرير الفلسطينية، وتجده محققاً لهذه الأهداف.
وإذا كانت قضية فلسطين هي قضيتنا الأولى، فإن موضوع القدس الشريف يشكل في نظرنا قلب المشكلة الفلسطينية، وإن المملكة العربية السعودية تجدّد في هذا الصدد تأكيدها على ضرورة المحافظة على طابع القدس الإسلامي العربي، وعلى إعادة المدينة المقدسة إلى السيادة العربية، حتى تعود كما كانت دائماً ملتقى للمؤمنين من جميع الأديان السماوية، وموئلاً للتسامح والتعايش بين مختلف الأديان.
*
من خطاب ألقاه خادم الحرمين الشريفين
في الأمم المتحدة
( نيويورك في 20/2/1409هـ ـ 1/10/1988م )
*
*
هذه الانتفاضة التي استطاعت أن تفرض واقعاً جديداً يحتم الإسراع في عقد المؤتمر الدولي للسلام برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة جميع الأطراف المعنية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعلى قدم المساواة، وبحضور الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، باعتبار المؤتمر الوسيلة الوحيدة المناسبة لتسوية النزاع العربي الصهيوني تسوية سلمية عادلة وشاملة.
*
من كلمة ألقاها خادم الحرمين الشريفين
في مؤتمر القمة العربي الطارىء
( الدار البيضاء 22/10/1409هـ ـ 27/5/1989م )
*
*
*
إن القضية الفلسطينية في حاجة إلى موقف عربي وإسلامي ودولي موحّد وملتزم مع أولئك المجاهدين الأبطال الذين كانت انتفاضتهم الشجاعة الباسلة ولا تزال جرس إنذار يتأكد للرأي العام العالمي معه عنف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ورفض أبناء الشعب الفلسطيني لعمليات التجزئة وفصل الهوية وإذابة الشخصية الفلسطينية من جهة أخرى.
لعل من حق الشعب الفلسطيني على المجتمع الدولي ألا يكتفي بمباركة جهاده فحسب، بل يهيىء جميع الإمكانات، ويبحث عن كل السبل الكفيلة بأن يعم السلام الشامل العادل أرض فلسطين، ويتمكن شعبها من إقامة دولته المستقلة وينال حقوقه الثابتة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد له.
لقد شهدت القضية الفلسطينية أخيراً مولد الدولة الفلسطينية المستقلة واعتراف معظم دول العالم بها، فضلاً عن أن الانتفاضة الشعبية الفلسطينية ما زالت تثبت للرأي العام العالمي قدرتها على مقاومة تصرفات العدو الإسرائيلي غير الإنسانية، وممارساته الخطيرة بحقّ الشعب الفلسطيني.
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
إلى حجاج بيت الحرام
( منى في 11/12/1409هـ ـ 14/7/1989م )
*
*
*
إن قدر هذه الأمة هو العمل المخلص والبناء لمواجهة البغي والعدوان بكل صوره وألوانه. وإن من أوجب الواجبات على أبناء هذه الأمة أن يتعاونوا، وأن يتضامنوا، وأن يتكاتفوا لمواجهة الأخطار المحدقة بهم من كل صوب، وهي أخطار تزيد احتمالات تدميرها لكيان هذه الأمة كلما اتسعت دائرة الفرقة والانقسام بيننا. وإلا فكيف يمكن لهذه الأمة أن تهنأ، ولضمائرها أن ترتاح والشعب الفلسطيني مشرّد، وما زال يعاني من ويلات الاحتلال، ومحاولات طمس الهوية الفلسطينية، حيث يتعرّض لأنواع وصنوف من العذاب والتنكيل والهوان؛ لأنه يبحث عن حقوقه المشروعة، عن أرضه التي اغتصبت ظلماً وبهتاناً وزوراً. ولا نرى مخرجاً لعودة الأمور إلى نصابها إلا من خلال تطبيق قرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها القراران 242 و338. والمملكة العربية السعودية - أيها الإخوة المسلمون - انطلاقاً من مسؤولياتها الإسلامية والتاريخية والإنسانية والأخلاقية لم تتردد لحظة واحدة في القيام بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني، وتجاه المساجد التاريخية في مدينة القدس.
إننا نقف اليوم هنا لنشكر لكم جميعاً قيادات ودولاً وشعوباً ما عبرتم عنه بطرق مختلفة لتجاوبنا مع نداء القدس ولأداء الواجب تجاه المقدسات الإسلامية هناك، وسوف نستمر بمشيئة الله في أداء هذا الواجب لا لهدف سياسي، ولا لمقصد دعائي، بل ابتغاء مرضاة الله، وخدمة بيوته.
*
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
إلى حجاج بيت الله الحرام
( منى في 11/12/1412هـ ـ 12/6/1993م )
*
إن بلادنا تتميز في علاقاتها الخارجية بالحفاظ على روابط الأخوّة والمحبة القائمة بيننا وبين إخواننا في العالمين العربي والإسلامي. ويولي بلدكم كل الاهتمام للقضايا العربية والإسلامية والدفاع عنها والتشاور مع إخواننا في كل ما يهم هذه القضايا، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني والقدس الشريف، ودعم المسيرة السلمية وتعديلها في منطقة الشرق الأوسط وبما يكفل عودة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين.
كما أن علاقات بلادنا مع أصدقائنا في العالم تتميّز بالوضوح والثبات والعلاقات الحسنة في ظل الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والعمل معاً على تحقيق العدل، وتعزيز أسس الأمن والاستقرار لما فيه خير البشرية جمعاء.
*
من كلمة ألقاها خادم الحرمين الشريفين
بمناسبة الجلسة السنوية لمجلس الشورى
( الرياض في 13/9/1417هـ ـ 22/1/1997م )
*
*
*
لمّا كانت حقوق الشعب الفلسطيني هي أساس النزاع العربي الإسرائيلي فإن المعنيين بالأمر قابلوا بعدم الارتياح تقهقر الانفراج على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، ولقد شاهدنا جميعاً خلال الفترة الماضية ما بذله الشعب الفلسطيني من جهود جادة ومتواصلة في سبيل السلام الذي التزمت به الأطراف المعنية، وكان ذلك على أمل أن يقوم الطرف الآخر في النزاع بما يجب عليه، ولكن بالرغم من كل التعهدات والمواثيق التي أبرمت، فإن الشعب الفلسطيني ما زال يحرم من حقوقه، وفي مقدمة ذلك التعدي والتحدي على أرضه ببناء المستوطنات في المدن والأراضي الفلسطينية عامة، وفي القدس بصفة خاصة، الأمر الذي استنكره العالم ونستنكره جميعاً، ونأمل أن تستمر جهود الدول المحبة للسلام في التصدي لبناء المستوطنات وعدها تحدياً سافراً لكل المواثيق والقرارات الدولية.
*
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
إلى حجاج بيت الله الحرام
( منى 11/12/1417هـ ـ 18/4/1997م )
*
إن بلادنا تتميز دائماً في علاقاتها الخارجية بالحفاظ على روابط الأخوة والمحبة بيننا وبين إخواننا، والعلاقة الطيبة مع أصدقائنا، فنحن دائماً نعمل على توحيد الكلمة ووحدة الصف والدفاع عن القضايا الإسلامية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني الشقيق وحقه في أرضه وممارسة حقوقه المشروعة، وأن من أهم القضايا التي نواجهها قضية مدينة القدس وحقّ أهلها الشرعيين فيها، وقد أكدنا دائماً الموقف الثابت لهذه البلاد تجاه هذه المدينة وتجاه المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين، وأكدنا دائمًا تأييدنا وحرصنا على عملية السلام وتعزيزها، وأن السلام الحقيقي في نظرنا لا يتأتى إلا بعودة الحقوق لأصحابها، وعودة مدينة القدس لأهلها الشرعيين.
*
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
بمناسبة افتتاحه الدورة الثانية لمجلس الشورى
( جدة 10/3/1418هـ ـ 14/7/1997م )
*
*
إن منطقة الشرق الأوسط بحكم أهميتها وموقعها الإستراتيجي بين الشرق والغرب أخذت صفة الأولوية حتى تبقى بمنأى عن التوترات والصراعات التي مردها الأطماع التوسعية الإسرائيلية على حساب الأراضي العربية، وإن هذا التوجه العدواني القائم على العنصرية والقهر والاستبداد يجب إخضاعه لما تقضي به الأعراف المرعية وكذلك الشرعية الدولية، وما صدر عنها من قرارات ملزمة لاستعادة الأراضي العربية المحتلة كافة، ويأتي في مقدمة ذلك إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، على أن يتم ذلك على وجه السرعة دون مماطلة أو تسويف، حتى يتسنى لجميع دول المنطقة تركيز جهودها لتحسين تنميتها وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، ولا شك أن تحقيق ذلك رهن بأن تخلو المنطقة من جميع أسلحة الدمار الشامل الذي يجب أن يشمل جميع الدول.
*
من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين
إلى حجاج بيت الله الحرام
( منى في 12/12/1418هـ ـ 9/4/1998م )
*