المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 23 نوفمبر 2024
الشيخ السديس في خطبة الجمعة: ونحن في غرّة العام الهجري استهلال عام دراسي جديد مفعم بالتطلعات والطموحات
عبدالرحمن بيمه
بواسطة : عبدالرحمن بيمه 05-09-2020 01:01 صباحاً 7.4K
المصدر -  
أمّ المصلين لصلاة الجمعة إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس .

وذكر في مستهل خطبته: أيها المسلمون لقد أظلنا بظلاله عام هجري جديد، فاستفتحوا عامكم بتوبة نصوح من الزلات والسيئات، وداوموا على الأعمال الصالحات، وأكثروا من القربات والطاعات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم"

أمة التوحيد: إن أولى ما ذكرت به النفوس، ووعظت به القلوب في مستهل العام توحيد علام الغيوب، لاسيما في زمن التحولاتِ الفكريةِ واجترافها، والتموّجات العقدية واختلافها، وشُرود النفوس دون صحيح الاعتقاد وانصرافها؛ يجدر بنا أن نقف وقفة جادة، لاستشراف المستقبل ورسم آفاقه، واستنطاق أمدائه وأعماقه، في ضوء عقيدة صافية، مستقرة في أعماق السُّوَيْدَاء، وتنداح بها الروح في ذوائب العلياء، فلقد جاء الإسلام بِعَقِيدَةِ التَّوحِيدِ الخَالِصَةِ؛ لِيُحَرِّرَ القُلُوبَ من رِقِّ العُبُودِيَّةِ لِغَيْرِ الله، ويرفع النُّفُوسَ إلى قِمَمِ العِزِّ وَالشَّرَفِ وَالصَّفَاءِ، وَيَسْمُو بها عن بَوَارِ الوَثَنِيَّةِ والشِّرك وَالشَّقَاءِ، وغَزْوِ الشَّعْوَذَةِ وَالخُرَافَاتِ، *فلا مساومة على العقيدةِ مَهْمَا كانت المُتَغَيِّرَاتُ، ولا تَنَازُلَ عن المبادئِ مهما عَظُمَتِ التحديات والمؤامرات، بهذا تمكن الإيمان في قلوب سلفنا الصالح فعَزَّتِ بهم الأُمَّةُ وسَادَتْ، وانْتَصرت وَقَادَتْ ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

واكمل معاليه : لقد خلق الله عباده حنفاء فاجّتالتهم الشياطين عن دِينهم، وزَيَّنَتْ لهم مسالك الإنحراف والضلال، ففي الحديث القُدُسِيِّ الصحيح، أن الله جل وعلا قال:" إني خلقتُ عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجّتالتهم عن دِينهم، وحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلَتُ لهم، وأَمَرَتْهُم أن يُشْرِكُوا بِي ما لم أُنْزِل بِهِ سُلْطَانَا" (أخرجه مسلم في صحيحه).

فلا غِنَى للعباد عن الدين الحق، والعقيدة الصحيحة التي تُعْلِي راية التوحيد خفاقة، وأن يُفْرَد الله جلَّ وعلا فيما يجب أن يُفرد به، في رُبوبيته، وأُلوهيته، وأسمائِه الحسنى وصفاته العُلَى، كما يجب أن تكون الطاعة له وحده، والتحاكم إلى شريعته لا سواه، ولقد تجسد ذلك في هَدْيِ النبي قولاً وعملاً ؛ فكانت حياته صورة حيّة ناطقة بالخضوع والتضرّع، والافتقار والاِلتجاء إلى الله الواحد الأحد.


وقد أشار معاليه أيضاً أنهُ من التنبيهات المفيدة في مسائل العقيدة عدم الفهم الصحيح في باب الولاء والبراء ووجود اللبس فيه بين الاعتقاد القلبي وحسن التعامل في العلاقات الفردية والدولية، كما هو مقرر في المقاصد المرعيّة والسياسة الشرعية والمصالح الإنسانية، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَاً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، إذ لا يتنافى مع عدم موالاة غير المسلم معاملته مُعَاملة حسنة، تأليفاً لِقَلْبِه، واستمالة لِنَفْسِهِ للدخول في هذا الدين، فيكون المسلم محسناً إليه ليستميل قلبه إلى هذا الدين؛ قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين﴾، وقال سبحانه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، وقال عز وجل: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَا﴾، وفي الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:" قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: وهي راغبة، أفأصل أمي ، قال: "نعم، صِلِي أُمَّكِ"، فتكون في قلبها مُبْغِضَة لِكُفْرِهَا وإشراكها بالله تعالى، لكن تَصِلَهَا، وتحسن إليها، وتعاملها بالحسنى تأليفًا لقلبها، وقد توضأ صلى الله عليه وسلم في مزادة مشركة، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، وعامل يهود خيبر على الشطر مما يخرج من زروعهم وثمارهم، وأحسن إلى جاره اليهودي مما كان سبباً في إسلامه.

وأضاف معاليه فقال أمة الإسلام: من أبرز معالم العقيدة الصحيحة المهمة وأُسُسها لُزُوم الجماعة، وحسن السَّمع للإمام والطاعة، خلافاً لمنهج الخوارج المارقين والبغاة المقيتين والأحزاب الضالة وجماعات العنف المسلحة والطائفية البغيضة الذين يكفرون الولاة ويخرجون على الأئمة، ويسفكون الدماء، ولا يؤمنون إلا بالتفجير والتدمير، وإنك لواجدٌ لهؤلاء رواجاً كبيرا وأجنداتٍ خطيرة تترس خلف مواقع التواصل، فكن أيها المُوفق على حذر وفطنة، وإياك ومسيرة الرُّعاع، وقد كشفت الأزمات، وأظهرت المتغيرات خطورة هذه الأطروحات على الأوطان والمجتمعات، فلطالما انخدع بها الدهماء في اجتزاء وانتقائية للنصوص الشرعية، فعلى الأمة جَمْعَاء شَدَّ ركابها صوب العنايةِ بتصحيح العقيدة الدينية، وتنقيَتِها مما خالطَها من المعتقدات المغلوطةِ والمشبوهة، ألا فاتقوا الله عباد الله، واجعلوا من هذه التنبيهات المفيدة في مسائل العقيدة نبراساً لكم في حياتكم تسعدوا في دنياكم وأخراكم.

ثم استهل معاليه خطبته الثانية بعد الحمد والثناء على الله والصلاة على النبي فقال: إن أصل الأصول، وأساس الملة التذكير والثبات على عقيدة أهل السُّنَّة، فهي طوق النجاة المُوَصِّل إلى بر الأمان، والحصن الحصين من الأفكار الهدامة ومسالك الفُرْقة والخلافات، والتقسيمات والتصنيفات التي تمزِّق الجمع النظيم، وتبدِّد الشمل الكريم، وفي هذه الآونة تعظم الأمانة وتجلُّ المسؤوليّة المناطة بأهل الدَّعْوة والإصلاح السائرين على المنهج الرَّباني الوَّضاح، وكذا القادة والسَّاسة، أن ينتشِلُوا المجتمعات والأجيال من أوهاق الافتئات على العقيدة الإسلامية الصحيحة، والمزايدة على مراميها البلجاء، وأن يتخذوا من التوحيد أطيب سَقْي وغِرَاس، وخير منهاج ونبراس، لإصلاح أحوال الأمة وتوثيق اتحادها، ودَحْر الأرْزاء عنها وتحقيق أجَلّ مُرَادِها، خاصة في قضايا الأمة الكبرى وعلى رأسها؛ قضية فلسطين والمسجد الأقصى الأسير، فهي قضيتنا الإسلامية الأولى التي يجب ألا تُنسى في جديد الصراعات، دون مزايدات إعلامية، أو مبالغات صحفية، أو معارك إلكترونية.

ومما يعين على معرفة العقيدة، وصحيح الاعتقاد، والعناية بالعلم، ويحقق البشائر والتفاؤل والآمال، ونحن في غرّة عام هجري؛ استهلال عام دراسي جديد مفعم بالتطلعات والطموحات، إذ إنه في ظل هذه الجائحة المستجدّة يُقْبِلُ أبناؤنا وفتياتنا من طلابنا وطالباتنا على مقاعد الدراسة، غير أنها في مثل هذه الظروف الإحترازية تكون بالمقاعد الإفتراضية، وهنا تبرز أهمية التعليم عن بعد، وضرورة الإستفادة من وسائل العصر التقنية، والمنصات الإفتراضية، والتحولات الرقمية في جمع بين لغة الحاضر والرؤية المستقبلية في خدمة المسيرة التعليمية، كما تبرز أهمية تعاون البيت والأسرة مع المدرسة والجامعة في تحقيق ذلك.

فيا أحبتنا من الآباء والأمهات، وأعزاءنا من المعلمين والمعلمات، إننا وبقدر فخرنا بكم، وشكرنا لجهودكم، نتطلع - حرصاً على مسيرة الأجيال الصاعدة - أن تبذلوا مزيداً من الجهود التعليمية والتنسيقية والتربوية؛ حفاظاً على صحة وسلامة طلابنا وطالباتنا، وشَكَرَ الله للجميع تجاوبهم وتعاونهم في خدمة دينهم ووطنهم، في ظل توجيهات ولاة الأمر - حفظهم الله - ، والشكر موصول لرجالات التعليم وكفاءات المعرفة الذين يدأبون في إيصال رسالة التعليم في ظل الأوضاع الراهنة، والله المسؤول أن يرزق الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا التمسك بالكتاب والسنة بمنهج سلف الأمة، وأن يرفع الغمة عن هذه الأمة، فهو ذو الفضل والمنة.