المصدر -
في حوار أجراه يوسف بن ناجي لصحيفة "غرب" عن "جامع ابن طولون" بالقاهرة مع المهندس استشاري في ترميم الآثار والمقتنيات الفنية م. فاروق شرف قال فيه:
مسجد ابن طولون تحفة معمارية ونموذج فريد تاريخ العمارة الإسلامية بمصر، يجمع بين البساطة فى البناء والإبداع فى الزخارف المتشابكة والمتناسقة التى تدل على عظمة الصانع، الذى آثر بناءه فى مكان مرتفع. كل ذلك يجتمع فى مسجد أحمد بن طولون بمنطقة السيدة زينب.
ولد أحمد بن طولون وترعرع بمدينة سامراء فى العراق، ودرس الفقه والحديث بعد حفظ القرآن، وكانت نقطة التحول الكبرى فى حياته بعد وفاة والده وزواج أمه من باكباك الذى تقلد إمارة مصر من قبل الخليفة العباسى المعتز، والذى أناب أحمد عنه فى ولايتها، فبدأ حاكما للفسطاط، واستطاع بسياساته الهادئة توسيع نفوذه ليشمل مصر كلها، بل وامتد إلى الشام وبرقة أيضاً، حتى استقل بمصر عن الخلافة العباسية مكوناً دولة جديدة بزعامته حكمت مصر منذ عام 254ه/ إلى 292هـ.
ويعد جامع أحمد بن طولون نموذجاً فريداً فى العمارة الإسلامية ودليلًا قوياً على ازدهار الحضارة الإسلامية فى مصر بالعصر الطولونى، تلك الفترة التى استطاع ابن طولون تحويل مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات حكم ذاتى، لذا فإنه يعتبر من الشخصيات المؤثرة فى تاريخ مصر الإسلامية، حيث نقل مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات استقلال ذاتى، حكمها خمس شخصيات طولونية هم أحمد بن طولون، خمارويه، أبوالعساكر حيش، أبوموسى هارون شيبان، وظلت الطولونية تحكم إلى أن أرسل الخليفة العباسى قائده محمد بن سليمان الملقب بـ"الكاتب" فقبض على شيبان وأنهى حكم الدولة الطولونية.
قصة بناء مسجد أحمد بن طولون، تلك الصورة المعمارية المطبوعة على العملة المصرية فئة الخمسة جنيهات، والذى يعد ثالث أقدم المساجد فى مصر، والوحيد الذى لم تتغير ملامحه، بعد مسجدى عمرو بن العاص، الذى تغيرت معظم معالمه بمرور الوقت، ومسجد العسكر الذى زال مع زوال مدينة العسكر، والتى كانت تشغل حى زين العابدين "المدبح"حاليًا.
بعدما فرغ ابن طولون من بناء قصره، قرر بناء المسجد، فاستعان بالمعمارى المصرى القبطى "سعيد بن كاتب الفرغانى"، أحد أمهر مهندسى العمارة بمصر فى ذلك الوقت، وطلب منه أن يشيد له مسجداً جامعاً لا تأتى عليه النيران أو تهدمه مياه الفيضان، فإن احترقت مصر بقى، وإن غرقت بقى، ذكر المقريزى أن بناءه كان على جبل يشكر بن جديلة، الذى كان يشرف على النيل ويتاخم بركة الفيل، وبركة هارون، فحقق المهندس رغبته وبنى الجامع من الآجر، "الحجر الأحمر"، ورفعه على دعامات من الآجر أيضا، ولم يدخل فى بنائه أعمدة الرخام، سوى عمودى القبلة، لأن أعمدة الرخام لاصبر لها على النار.
أن تخطيط الجامع كان على النظام التقليدى للمساجد الجامعة، المكونة من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة، إلا أنه ينفرد بمئذنة معمارية فريدة، وتكاد تكون الوحيدة فى العالم الآن على هذا الشكل، بعدما تهدمت شبيهتها فى سامراء أثناء القصف الأمريكى لبغداد، كما تعتبر المئذنة الوحيدة فى مصر ذات السلم الخارجى، وهى مكونة من 4 طوابق وبنيت على طراز ملوية مسجد سامراء بالعراق، ويبلغ ارتفاعها عن سطح الأرض 40.44م.
وتبلغ مساحة مسجد أحمد بن طولون حوالى 6,5 فدان، وطوله 138 متراً، وعرضه 118 متراً تقريباً، وأنفق على بنائه حوالى 120 ألف دينار، وهو من المساجد المعلقة، أى يصعد إلى أبوابه بدرجات دائرية الشكل، ويتوسط المسجد صحن مربع، أما شبابيك المسجد فتحيط به من جهاته الأربع وعددها 128، وفى وسط الصحن قبة كبيرة ترتكز على 4 عقود، وعدد مداخل المسجد 19 مدخلاً، إلا أن المدخل الرئيسى حاليًّا هو المدخل المجاور لمتحف جاير أندرسون.
ويبقى أن نذكر أن مسجد أحمد بن طولون، والذى تجاوز فى أوقات كثيرة دوره الدينى إلى الدور التنويرى، الذى يجمع المصريين على هدف واحد وفكر واحد، يبقى خير شاهد على الروعة الفنية والمعمارية للحضارة الإسلامية، والتى تجعله من أهم الشواهد التاريخية على ذلك العصر من تاريخ مصر.
وعندما تم ترميم وتدعيم جامع احمد بن طولون كان تابعآ لجهاز القاهرة التاريخية وكان مقاولة مؤسسة أسوان للإنشاء والتعمير ( أحمد هانئ منصور ) وكان مدير المشروع م. احمد سماحة من قبل المؤسسة آنذاك وبحق كان الترميم على أعلى مستوى فقد كان العمل بفكر وعلم واتباع المواثيق الدولية واصول الصناعة ولا انسى ان المهندس احمد هانئ رئيس مجلس إدارة المؤسسة كان يتفق مع دكاترة كليات الآثار بمصر على إعطاء محاضرات بالموقع لجميع العاملين من أخصائى الترميم والفنيين وذلك لصالح العمل ولكافة التخصصات... وأذكر أيضا ما تم بصحن الجامع الطولونى من عمل شبكة من الصرف الصحى بالعزل وعلى أعلى مستوى ولولا ذلك لغرق الجامع خاصة هذه الأيام ..
فتحية عطرة له ولجميع من عملوا فى هذا المشروع .. وتحياتى فاروق شرف.
مسجد ابن طولون تحفة معمارية ونموذج فريد تاريخ العمارة الإسلامية بمصر، يجمع بين البساطة فى البناء والإبداع فى الزخارف المتشابكة والمتناسقة التى تدل على عظمة الصانع، الذى آثر بناءه فى مكان مرتفع. كل ذلك يجتمع فى مسجد أحمد بن طولون بمنطقة السيدة زينب.
ولد أحمد بن طولون وترعرع بمدينة سامراء فى العراق، ودرس الفقه والحديث بعد حفظ القرآن، وكانت نقطة التحول الكبرى فى حياته بعد وفاة والده وزواج أمه من باكباك الذى تقلد إمارة مصر من قبل الخليفة العباسى المعتز، والذى أناب أحمد عنه فى ولايتها، فبدأ حاكما للفسطاط، واستطاع بسياساته الهادئة توسيع نفوذه ليشمل مصر كلها، بل وامتد إلى الشام وبرقة أيضاً، حتى استقل بمصر عن الخلافة العباسية مكوناً دولة جديدة بزعامته حكمت مصر منذ عام 254ه/ إلى 292هـ.
ويعد جامع أحمد بن طولون نموذجاً فريداً فى العمارة الإسلامية ودليلًا قوياً على ازدهار الحضارة الإسلامية فى مصر بالعصر الطولونى، تلك الفترة التى استطاع ابن طولون تحويل مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات حكم ذاتى، لذا فإنه يعتبر من الشخصيات المؤثرة فى تاريخ مصر الإسلامية، حيث نقل مصر من ولاية تابعة للخلافة العباسية إلى دولة ذات استقلال ذاتى، حكمها خمس شخصيات طولونية هم أحمد بن طولون، خمارويه، أبوالعساكر حيش، أبوموسى هارون شيبان، وظلت الطولونية تحكم إلى أن أرسل الخليفة العباسى قائده محمد بن سليمان الملقب بـ"الكاتب" فقبض على شيبان وأنهى حكم الدولة الطولونية.
قصة بناء مسجد أحمد بن طولون، تلك الصورة المعمارية المطبوعة على العملة المصرية فئة الخمسة جنيهات، والذى يعد ثالث أقدم المساجد فى مصر، والوحيد الذى لم تتغير ملامحه، بعد مسجدى عمرو بن العاص، الذى تغيرت معظم معالمه بمرور الوقت، ومسجد العسكر الذى زال مع زوال مدينة العسكر، والتى كانت تشغل حى زين العابدين "المدبح"حاليًا.
بعدما فرغ ابن طولون من بناء قصره، قرر بناء المسجد، فاستعان بالمعمارى المصرى القبطى "سعيد بن كاتب الفرغانى"، أحد أمهر مهندسى العمارة بمصر فى ذلك الوقت، وطلب منه أن يشيد له مسجداً جامعاً لا تأتى عليه النيران أو تهدمه مياه الفيضان، فإن احترقت مصر بقى، وإن غرقت بقى، ذكر المقريزى أن بناءه كان على جبل يشكر بن جديلة، الذى كان يشرف على النيل ويتاخم بركة الفيل، وبركة هارون، فحقق المهندس رغبته وبنى الجامع من الآجر، "الحجر الأحمر"، ورفعه على دعامات من الآجر أيضا، ولم يدخل فى بنائه أعمدة الرخام، سوى عمودى القبلة، لأن أعمدة الرخام لاصبر لها على النار.
أن تخطيط الجامع كان على النظام التقليدى للمساجد الجامعة، المكونة من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة، إلا أنه ينفرد بمئذنة معمارية فريدة، وتكاد تكون الوحيدة فى العالم الآن على هذا الشكل، بعدما تهدمت شبيهتها فى سامراء أثناء القصف الأمريكى لبغداد، كما تعتبر المئذنة الوحيدة فى مصر ذات السلم الخارجى، وهى مكونة من 4 طوابق وبنيت على طراز ملوية مسجد سامراء بالعراق، ويبلغ ارتفاعها عن سطح الأرض 40.44م.
وتبلغ مساحة مسجد أحمد بن طولون حوالى 6,5 فدان، وطوله 138 متراً، وعرضه 118 متراً تقريباً، وأنفق على بنائه حوالى 120 ألف دينار، وهو من المساجد المعلقة، أى يصعد إلى أبوابه بدرجات دائرية الشكل، ويتوسط المسجد صحن مربع، أما شبابيك المسجد فتحيط به من جهاته الأربع وعددها 128، وفى وسط الصحن قبة كبيرة ترتكز على 4 عقود، وعدد مداخل المسجد 19 مدخلاً، إلا أن المدخل الرئيسى حاليًّا هو المدخل المجاور لمتحف جاير أندرسون.
ويبقى أن نذكر أن مسجد أحمد بن طولون، والذى تجاوز فى أوقات كثيرة دوره الدينى إلى الدور التنويرى، الذى يجمع المصريين على هدف واحد وفكر واحد، يبقى خير شاهد على الروعة الفنية والمعمارية للحضارة الإسلامية، والتى تجعله من أهم الشواهد التاريخية على ذلك العصر من تاريخ مصر.
وعندما تم ترميم وتدعيم جامع احمد بن طولون كان تابعآ لجهاز القاهرة التاريخية وكان مقاولة مؤسسة أسوان للإنشاء والتعمير ( أحمد هانئ منصور ) وكان مدير المشروع م. احمد سماحة من قبل المؤسسة آنذاك وبحق كان الترميم على أعلى مستوى فقد كان العمل بفكر وعلم واتباع المواثيق الدولية واصول الصناعة ولا انسى ان المهندس احمد هانئ رئيس مجلس إدارة المؤسسة كان يتفق مع دكاترة كليات الآثار بمصر على إعطاء محاضرات بالموقع لجميع العاملين من أخصائى الترميم والفنيين وذلك لصالح العمل ولكافة التخصصات... وأذكر أيضا ما تم بصحن الجامع الطولونى من عمل شبكة من الصرف الصحى بالعزل وعلى أعلى مستوى ولولا ذلك لغرق الجامع خاصة هذه الأيام ..
فتحية عطرة له ولجميع من عملوا فى هذا المشروع .. وتحياتى فاروق شرف.