المصدر - خيرالله خيرالله : إعلامي لبناني
ليس سرّا في واشنطن أنّ الإدارة الأميركية لا تريد حربا عسكرية مع إيران. ستحاول الإدارة الذهاب بعيدا في حربها الاقتصادية من أجل تحقيق الأهداف التي تسعى إليها. على رأس هذه الأهداف عودة إيران إلى دولة طبيعية تحصر همومها في الاهتمام برفاه شعبها.
هذا لا يعني في طبيعة الحال أن الولايات المتّحدة جمعية خيرية، لا همّ لها سوى رفاه الشعب الإيراني وتخليصه من نظام دكتاتوري لا علاقة له بما هو حضاري في هذا العالم، بمقدار ما يعني أنّ لدى القوّة العظمى الوحيدة في العالم مصالح تريد حمايتها لا أكثر.
من سوء حظّ إيران أن مصالح أميركا تلتقي إلى حدّ كبير هذه الأيّام مع مصالح الأكثرية العربية التي تشكو من التصرّفات الإيرانية التي تصبّ في خدمة مشروع توسّعي لا علاقة له بالواقع.
ما زالت الولايات المتحدة مهتمّة بالاستقرار بالمنطقة. هذا يعود إلى أنّ النفط ما زال مهمّا على الرغم من كلّ التطورات التي حصلت في السنوات العشر الأخيرة، بما في ذلك تطوير تقنية استخراج النفط من الصخور. هذه تقنية مكلفة لا تعود بالفائدة على الذين استثمروا فيها إلّا عندما يتجاوز سعر برميل النفط سعرا معيّنا.
من هذا المنطلق، لا يمكن الاستخفاف بالموقف الأميركي من إيران ولكن من دون الرهان على أن الحرب العسكرية واقعة لا محال. مثل هذه الحرب مكلفة كما أنّها ستؤدي إلى تدمير كبير في المنطقة.
لا يختلف عاقلان على أنّ التدمير الأكبر يمكن أن يلحق بإيران التي تعرف قبل غيرها أن الشعارات التي تطلقها شيء، فيما الحقيقة وموازين القوى شيء آخر.
يظلّ رهان إيران، في مواجهة الحرب الاقتصادية التي تتعرّض لها والتي تستهدف تغيير سلوكها، على أن واشنطن تريد تفادي مواجهة عسكرية شاملة. هناك أيضا رهان إيراني على أنّ إدارة ترامب لن تستمرّ طويلا وأن تغييرا سيحصل قريبا وأن كلّ ما في الأمر هو القدرة على الصمود حتّى الانتخابات الرئاسية المقبلة في السنة 2020 ستؤدي إلى انقلاب في واشنطن وعودة سياسي يشبه باراك أوباما إلى البيت الأبيض.
تتجاهل إيران في رهانيها عوامل عدّة في مقدّمها أنّ الحرب الاقتصادية لا تقل فعاليّة عن الحرب العسكرية.
لكنّ أبرز ما تتجاهله يتمثّل في أنّ الحرب العسكرية تظلّ واردة بسبب وجود إدارة تعرف تماما ما هي إيران وما فعلته في السنوات الأربعين الماضية منذ سقوط الشاه وقيام “الجمهورية الإسلامية” التي أسّسها آية الله الخميني.
ما تفعله الولايات المتحدة اليوم ليس وليد هوس لدى دونالد ترامب أو الفريق المحيط به. تكفي قراءة متأنّية لخطابات ترامب وكبار المسؤولين الأميركيين للتأكّد من أنّ هذه الإدارة تعرف “الجمهورية الإسلامية” بأدقّ التفاصيل وكيف أن احتجاز دبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران في تشرين الثاني – نوفمبر 1979 كان جزءا لا يتجزّأ من الانقلاب الذي نفّذه الخميني.
استهدف الخميني عبر انقلابه التخلّص من كلّ معارضيه، من ليبراليين وإسلاميين معتدلين ووطنيين ينتمون إلى “حركة تحرير إيران” التي قاومت الشاه ونظامه وأجهزته، بغية التفرّد بالسلطة. لم يكن صدفة أن يترافق احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية مع الانتهاء من حكومة مهدي بازركان الذي كان شخصية إيرانية غير عادية وذات تاريخ نضالي طويل في الوقوف في وجه نظام الشاه، بكلّ ما كان يمثّله، من منطلق الدعوة إلى اعتماد دستور عصري يضمن الحريات للأفراد والأحزاب وقيام دولة القانون.
هناك بكلّ بساطة نظام إيراني يؤمن بالقدرة على تكرار تجربة احتجاز الرهائن كلّ يوم. انتقل الآن من لعبة خطف دبلوماسيين وأشخاص عاديين وجعلهم رهائن في داخل إيران… إلى لعبة من نوع آخر. تقوم هذه اللعبة على خطف دول وتحويلها إلى رهائن إيرانية. أليس لبنان في هذه الأيّام رهينة إيرانية، على سبيل المثال وليس الحصر؟
يعتبر النظام الإيراني أنّ هذه اللعبة حققت دائما الأهداف المرجوة، على رأسها حماية النظام القائم ونقل المعركة إلى خارج الأراضي الإيرانية.
مع مرور الوقت وبعد نجاح تجربة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية، التي سميّت “عش الجواسيس”، طوّرت إيران أساليبها وصارت تعتمد على أدوات لها. أدخلت إلى المنطقة ما يسمّى التعاطي مع الآخرين عبر الميليشيات المذهبية التي تعمل في خدمة مشروع توسّعي لا أفق له.
ليست الشكوى من إيران شكوى أميركية فقط. إنّها شكوى عربية أيضا بعد كلّ ما فعلته “الجمهورية الإسلامية” في العراق وسوريا ولبنان واليمن وبعد كلّ ما حاولت أن تفعله في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية نفسها التي حاولت غير مرّة جعل النظام الإيراني يعتمد لغة العقل والتعقّل.
الأكيد أن في الإمكان الإتيان على أمثلة أخرى عن التصرّفات الإيرانية غير المسؤولة، خصوصا إذا عدنا إلى ما حاولت إيران القيام به في المغرب أو في مصر وحتّى في فلسطين التي تمثّل بالنسبة إليها مادة للتجارة لا أكثر.
خطفت إيران قضيّة فلسطين من العرب وخطفت القدس من دون أن نعرف ما الذي أدّت إليه عملية الخطف هذه غير ضمّ إسرائيل للقدس الشرقية ونقل الولايات المتحدة سفارتها من تلّ أبيب إلى المدينة المقدّسة لدى الأديان التوحيدية الثلاثة…
تظن إيران أن في استطاعتها الصمود أمام الحرب الاقتصادية نظرا إلى أن هذه الحرب لن تستمرّ طويلا ما دام التغيير في واشنطن قريبا.
من المستبعد أن يكون هذا الحساب في محلّه لأسباب كثيرة من بينها أنّ السياسة الأميركية تجاه إيران ليست سياسة ترامب وحده، بل سياسة فريق كبير في الولايات المتحدة يضمّ جمهوريين وديمقراطيين في مجلسيّ الكونغرس.
الأهمّ من ذلك، أنّ ليس ما يضمن بقاء الحرب اقتصادية في حال اعتقدت طهران أنّ التحرّش بدول الخليج العربي مسموح به ضمن شروط معيّنة تظنّ أنّها تعرفها جيّدا. ففي الإمكان إطلاق صاروخ في اتجاه المنطقة التي تقع فيها السفارة الأميركية في بغداد ما دام لا يوجد طرف مرتبط بإيران يعلن مسؤوليته عن إطلاق هذا الصاروخ.
في الإمكان إطلاق صواريخ حوثية أو طائرات مسيّرة، ليست في الواقع سوى صواريخ وطائرات إيرانية، في اتجاه السعودية، ما دامت هذه الصواريخ تطلق من الأراضي اليمنية. وفي الإمكان مهاجمة سفن قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي ما دامت المنطقة التي وقعت فيها الهجمات خارج مضيق هرمز.
ما ليس ممكنا هو الاستمرار في هذه الممارسات إلى ما لا نهاية، لا لشيء سوى لأنّ خطأ صغيرا في التقدير يمكن أن يحوّل الحرب الاقتصادية إلى حرب عسكرية.
ما لا مفرّ من أخذه في الاعتبار أن هناك إدارة أميركية لا تستبعد مثل هذا الاحتمال كونها تعرف ماذا يعني الانتقال من خطف دبلوماسيين وجعلهم رهائن إلى خطف دول بكاملها وتحويلها إلى رهائن لدى إيران.
ليس سرّا في واشنطن أنّ الإدارة الأميركية لا تريد حربا عسكرية مع إيران. ستحاول الإدارة الذهاب بعيدا في حربها الاقتصادية من أجل تحقيق الأهداف التي تسعى إليها. على رأس هذه الأهداف عودة إيران إلى دولة طبيعية تحصر همومها في الاهتمام برفاه شعبها.
هذا لا يعني في طبيعة الحال أن الولايات المتّحدة جمعية خيرية، لا همّ لها سوى رفاه الشعب الإيراني وتخليصه من نظام دكتاتوري لا علاقة له بما هو حضاري في هذا العالم، بمقدار ما يعني أنّ لدى القوّة العظمى الوحيدة في العالم مصالح تريد حمايتها لا أكثر.
من سوء حظّ إيران أن مصالح أميركا تلتقي إلى حدّ كبير هذه الأيّام مع مصالح الأكثرية العربية التي تشكو من التصرّفات الإيرانية التي تصبّ في خدمة مشروع توسّعي لا علاقة له بالواقع.
ما زالت الولايات المتحدة مهتمّة بالاستقرار بالمنطقة. هذا يعود إلى أنّ النفط ما زال مهمّا على الرغم من كلّ التطورات التي حصلت في السنوات العشر الأخيرة، بما في ذلك تطوير تقنية استخراج النفط من الصخور. هذه تقنية مكلفة لا تعود بالفائدة على الذين استثمروا فيها إلّا عندما يتجاوز سعر برميل النفط سعرا معيّنا.
من هذا المنطلق، لا يمكن الاستخفاف بالموقف الأميركي من إيران ولكن من دون الرهان على أن الحرب العسكرية واقعة لا محال. مثل هذه الحرب مكلفة كما أنّها ستؤدي إلى تدمير كبير في المنطقة.
لا يختلف عاقلان على أنّ التدمير الأكبر يمكن أن يلحق بإيران التي تعرف قبل غيرها أن الشعارات التي تطلقها شيء، فيما الحقيقة وموازين القوى شيء آخر.
يظلّ رهان إيران، في مواجهة الحرب الاقتصادية التي تتعرّض لها والتي تستهدف تغيير سلوكها، على أن واشنطن تريد تفادي مواجهة عسكرية شاملة. هناك أيضا رهان إيراني على أنّ إدارة ترامب لن تستمرّ طويلا وأن تغييرا سيحصل قريبا وأن كلّ ما في الأمر هو القدرة على الصمود حتّى الانتخابات الرئاسية المقبلة في السنة 2020 ستؤدي إلى انقلاب في واشنطن وعودة سياسي يشبه باراك أوباما إلى البيت الأبيض.
تتجاهل إيران في رهانيها عوامل عدّة في مقدّمها أنّ الحرب الاقتصادية لا تقل فعاليّة عن الحرب العسكرية.
لكنّ أبرز ما تتجاهله يتمثّل في أنّ الحرب العسكرية تظلّ واردة بسبب وجود إدارة تعرف تماما ما هي إيران وما فعلته في السنوات الأربعين الماضية منذ سقوط الشاه وقيام “الجمهورية الإسلامية” التي أسّسها آية الله الخميني.
ما تفعله الولايات المتحدة اليوم ليس وليد هوس لدى دونالد ترامب أو الفريق المحيط به. تكفي قراءة متأنّية لخطابات ترامب وكبار المسؤولين الأميركيين للتأكّد من أنّ هذه الإدارة تعرف “الجمهورية الإسلامية” بأدقّ التفاصيل وكيف أن احتجاز دبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران في تشرين الثاني – نوفمبر 1979 كان جزءا لا يتجزّأ من الانقلاب الذي نفّذه الخميني.
استهدف الخميني عبر انقلابه التخلّص من كلّ معارضيه، من ليبراليين وإسلاميين معتدلين ووطنيين ينتمون إلى “حركة تحرير إيران” التي قاومت الشاه ونظامه وأجهزته، بغية التفرّد بالسلطة. لم يكن صدفة أن يترافق احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية مع الانتهاء من حكومة مهدي بازركان الذي كان شخصية إيرانية غير عادية وذات تاريخ نضالي طويل في الوقوف في وجه نظام الشاه، بكلّ ما كان يمثّله، من منطلق الدعوة إلى اعتماد دستور عصري يضمن الحريات للأفراد والأحزاب وقيام دولة القانون.
هناك بكلّ بساطة نظام إيراني يؤمن بالقدرة على تكرار تجربة احتجاز الرهائن كلّ يوم. انتقل الآن من لعبة خطف دبلوماسيين وأشخاص عاديين وجعلهم رهائن في داخل إيران… إلى لعبة من نوع آخر. تقوم هذه اللعبة على خطف دول وتحويلها إلى رهائن إيرانية. أليس لبنان في هذه الأيّام رهينة إيرانية، على سبيل المثال وليس الحصر؟
يعتبر النظام الإيراني أنّ هذه اللعبة حققت دائما الأهداف المرجوة، على رأسها حماية النظام القائم ونقل المعركة إلى خارج الأراضي الإيرانية.
مع مرور الوقت وبعد نجاح تجربة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية، التي سميّت “عش الجواسيس”، طوّرت إيران أساليبها وصارت تعتمد على أدوات لها. أدخلت إلى المنطقة ما يسمّى التعاطي مع الآخرين عبر الميليشيات المذهبية التي تعمل في خدمة مشروع توسّعي لا أفق له.
ليست الشكوى من إيران شكوى أميركية فقط. إنّها شكوى عربية أيضا بعد كلّ ما فعلته “الجمهورية الإسلامية” في العراق وسوريا ولبنان واليمن وبعد كلّ ما حاولت أن تفعله في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية نفسها التي حاولت غير مرّة جعل النظام الإيراني يعتمد لغة العقل والتعقّل.
الأكيد أن في الإمكان الإتيان على أمثلة أخرى عن التصرّفات الإيرانية غير المسؤولة، خصوصا إذا عدنا إلى ما حاولت إيران القيام به في المغرب أو في مصر وحتّى في فلسطين التي تمثّل بالنسبة إليها مادة للتجارة لا أكثر.
خطفت إيران قضيّة فلسطين من العرب وخطفت القدس من دون أن نعرف ما الذي أدّت إليه عملية الخطف هذه غير ضمّ إسرائيل للقدس الشرقية ونقل الولايات المتحدة سفارتها من تلّ أبيب إلى المدينة المقدّسة لدى الأديان التوحيدية الثلاثة…
تظن إيران أن في استطاعتها الصمود أمام الحرب الاقتصادية نظرا إلى أن هذه الحرب لن تستمرّ طويلا ما دام التغيير في واشنطن قريبا.
من المستبعد أن يكون هذا الحساب في محلّه لأسباب كثيرة من بينها أنّ السياسة الأميركية تجاه إيران ليست سياسة ترامب وحده، بل سياسة فريق كبير في الولايات المتحدة يضمّ جمهوريين وديمقراطيين في مجلسيّ الكونغرس.
الأهمّ من ذلك، أنّ ليس ما يضمن بقاء الحرب اقتصادية في حال اعتقدت طهران أنّ التحرّش بدول الخليج العربي مسموح به ضمن شروط معيّنة تظنّ أنّها تعرفها جيّدا. ففي الإمكان إطلاق صاروخ في اتجاه المنطقة التي تقع فيها السفارة الأميركية في بغداد ما دام لا يوجد طرف مرتبط بإيران يعلن مسؤوليته عن إطلاق هذا الصاروخ.
في الإمكان إطلاق صواريخ حوثية أو طائرات مسيّرة، ليست في الواقع سوى صواريخ وطائرات إيرانية، في اتجاه السعودية، ما دامت هذه الصواريخ تطلق من الأراضي اليمنية. وفي الإمكان مهاجمة سفن قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي ما دامت المنطقة التي وقعت فيها الهجمات خارج مضيق هرمز.
ما ليس ممكنا هو الاستمرار في هذه الممارسات إلى ما لا نهاية، لا لشيء سوى لأنّ خطأ صغيرا في التقدير يمكن أن يحوّل الحرب الاقتصادية إلى حرب عسكرية.
ما لا مفرّ من أخذه في الاعتبار أن هناك إدارة أميركية لا تستبعد مثل هذا الاحتمال كونها تعرف ماذا يعني الانتقال من خطف دبلوماسيين وجعلهم رهائن إلى خطف دول بكاملها وتحويلها إلى رهائن لدى إيران.