المصدر -
منذ إعلان الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران، منحت الولايات المتحدة العراق مدة زمنية أقصاها 90 يوماً لإعداد خطة شاملة قبل حلول شهر مايو المقبل وإعلانها بديلاً عن التعامل بالدولار مع إيران في مجال الطاقة، في حال أراد استمرار الاستفادة من الإعفاء من العقوبات. وتؤكد وزارة الخزانة الأميركية أن هذه الخطة ستعرض على الوكالات الأميركية لضمان اتفاق مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة ومجتمع الاستخبارات وإدارة الطاقة على الهدف نفسه، وهو عدم تسرب الدولارات لإيران عبر العراق.
من هذا المنطلق بدأ العراق رحلة البحث عن بدائل استثمارية واقتصادية ناجحة مستقرة وواعدة تجنبه العقوبات في الوقت نفسه. وأطلق إطار عمل لفترة أمدها عشر سنوات لإعادة إعمار البلاد وإنمائها يتضمّن مجموعة من الإصلاحات الحكومية، والاستثمارات في القطاع الخاص. وفي هذا السياق، تعهّدت أكثر من 25 دولة ومنظمة متعددة الأطراف، بتقديم قروض ومنح ومشاريع استثمارية بقيمة 30 مليار دولار، علماً بأن مساهمات الدول المجاورة للعراق كانت مشجعة بشكل خاص، حيث عرضت المملكة العربية السعودية 1.5 مليار دولار. إلا أن العراق لا يمكنه الوفاء باحتياجاته طويلة الأمد لإعادة الإعمار من خلال المساعدات الإنسانية والمنح النقدية والمساعدات المالية الدولية وحدها، بل عليه إصلاح اقتصاده وتنميته من خلال الاستثمار الخاص ليضع بذلك حجر الأساس لخلق فرص العمل والتعافي المستدام.
وكان وفد سعودي يضم 9 وزراء و100 شخصية سياسية واقتصادية، زار العراق الأسبوع الماضي لعقد اتفاقيات وبحث المشاريع الاقتصادية ومنها بناء ملعب رياضي في بغداد، وتم الإعلان عن انعقاد الدورة الثانية لمجلس التنسيق السعودي العراقي، كما افتتح الجانبان القنصلية السعودية في بغداد، على أن يتم افتتاح 3 قنصليات أخرى في الفترة المقبلة. وإذ يسعى العراق إلى تعزيز 5 قطاعات رئيسة، هي القطاع المصرفي، الطاقة، البنى التحتية، التنمية الاجتماعية والأمن، تفهمت السعودية التطلعات العراقية، وبدت مشاريعها الاستثمارية في العراق، مدركة تماماً لأوجه النقص اليومية في حياة العراقيين، فاستهدفت الاستثمار في تطوير جميع القطاعات السابقة.
وأكد مسؤولون عراقيون وسعوديون وخبراء دوليون لـ«الاتحاد» أن الاستثمارات السعودية في العراق مدفوعة إلى حدّ بعيد بأواصر عدة مشتركة بين البلدين الشقيقين، وأن العراق اليوم ليس عراق 2006، فهناك وعي عالٍ جداً من قبل الحكومة العراقية والشعب بضرورة إيجاد مخرج من الارتباط بإيران الذي تحول إلى حجرة ثقيلة تجره إلى القاع، موضحين أن المملكة لا تستهدف تحقيق أرباح اقتصادية على حساب العراقيين، بل النهوض بالعراق وشعبه وإعادته إلى حضنه العربي على خلاف الاستثمارات الإيرانية التي وصفها خبراء دوليون بأنها واجهة لتمويل الإرهاب، تورط العراق، وتمنعه من الانسجام مع المجتمع الدولي، ووسيلة يستخدمها النظام الإيراني لاستغلال الثروات العراقية وامتصاصها إلى أقصى حد ممكن في ظل العقوبات على إيران، مؤكدين أن العقوبات الأميركية على إيران، تمنح العراق فرصة للتحرر من الهيمنة الإيرانية على اقتصاده، ومن شأنها أن تؤسس لحقبة واعدة مبنية على الشراكات الاستثمارية ذات المنفعة المتبادلة إقليمياً ودولياً والنفع الداخلي للعراق، وبما يخدم أهدافه التنموية واستقراره وأمنه وتطوره علمياً واجتماعياً وليس على الصعيد الاستثماري فقط، مغلقاً بذلك حقبة النفع أحادي الجانب في الاستثمارات الإيرانية في العراق والتي لطالما صبت في مصلحة إيران وحدها.
شراكة واعدة
وأكد رئاسة الجمهورية العراقية أن العراق تربطه بالمملكة العربية السعودية روابط تاريخية، وأكد بيان المكتب الإعلامي للرئاسة لـ«الاتحاد» أن العراق وبعد تحقيق النصر الناجز على الإرهاب المتمثل بعصابات «داعش» بات محطة جاذبة للمستثمرين، وآفاق الاقتصاد فيه واعدة، خصوصاً مع توجه الحكومة العراقية للانفتاح على جوارها العربي. وقال الرئيس العراقي الدكتور برهم صالح: «إن الأخوة بين العراق والمملكة لها جذور تنمو وتتعزز بما ينسجم وتطلعات قادة وشعبي البلدين الشقيقين»، مشيداً بمواقف «السعودية ملكاً وشعباً الداعمة للشعب العراقي ومساهمتها في إعادة إعمار مناطقه المحررة».
من جهته، أكد وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي، رئيس الوفد في اجتماع مجلس التنسيق السعودي العراقي في تصريح لـ«الاتحاد»: «إن السعودية والعراق سيوقعان اتفاقيات بين البلدين تشمل مذكرة تفاهم في مجال الطاقة الكهربائية، وأخرى في المجال الزراعي، واتفاقية تعاون في مجال النقل البحري، ومذكرة تفاهم في مجال الصناعة والثروة المعدنية، ومذكرة تفاهم في مجال النفط والغاز، ومذكرة تعاون علمي وتعليمي، ومذكرة تفاهم في مجال الثقافة، ومذكرة تفاهم في تشجيع وحماية الاستثمار». وقال القصبي: «تم الاتفاق على إنشاء مجلس أعمال سعودي عراقي، وتقديم فريق الصناعة العراقي 186 فرصة استثمارية للقطاع الخاص السعودي سيتم دراستها واتخاذ ما يلزم بشأنها»، مضيفاً: «بموجب الاتفاقيات، قدم الجانب السعودي أفكاراً استثماريةً في العراق مقترحة من شركات سعودية عدة مثل سابك و(أرامكو)، ومعادن، و(أكوا باور)، لتطوير مجالات الطاقة في العراق، كما اقترح القطاع الخاص إقامة منطقة تجارة حرة على الحدود بين البلدين وستتم دراسة الاقتراح واتخاذ القرار بشأنه، كما تم الخميس الماضي افتتاح قنصلية للمملكة في بغداد، والعمل جار على افتتاح ثلاث قنصليات أخرى في ثلاث مدن عراقية قريباً، وحرصت المملكة على دعم المشاريع التنموية في العراق وخصصت مليار دولار كقروض لهذه المشاريع، ومنها مشروع مدينة الملك سلمان بن عبدالعزيز الرياضية، كما قدمت 500 مليون دولار دعماً للصادرات، وسوف تقدم المملكة منحاً تعليمية سنوية للعراقيين للدراسة في جامعات المملكة. ويتوقع أيضاً افتتاح منفذ عرعر الحدودي في شهر أكتوبر المقبل، وهو يعد خطوة كبيرة في طريق تعزيز العلاقات التجارية ورفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين».
ترجمة فورية
سرعان ما ترجمت الاتفاقيات العراقية السعودية على أرض الواقع. وخلص اجتماع مجلس التنسيق المشترك إلى جملة اتفاقات ومعاهدات أمنية وتجارية واقتصادية ومصرفية واستثمارية وسياحية. وذكر بيان لأمانة مجلس الوزراء العراقي أمس أن السعودية قدمت قائمة تضمنت891 سلعة من منتجاتها لغرض التخفيض أو الإعفاء من الرسوم الجمركية، إضافة إلى مقترح لإقامة منطقة حرة في منفذ عرعر بعد افتتاحه خلال الأشهر الستة المقبلة. وأوضح البيان، أن الاجتماعات تضمنت تطوير العلاقات المالية، وحث المصارف السعودية على فتح فروع لها في العراق، إضافة إلى فتح فرع لمصرف التجارة العراقي في الرياض منتصف الشهر المقبل، فضلاً عن دراسة تصدير التمور العراقية والقمح وغيرها من المنتجات الوطنية وتحقيق التكامل في الأمن الغذائي بين البلدين والاستثمار في الدواجن والإصلاح الزراعي.
وأبرمت الوزارات المعنية اتفاقات خاصة باستثمار خبرات المملكة في المجالات العلمية والتبادل في مجالات الهندسة والعلوم والجودة ورعاية واكتشاف الموهوبين، فضلاً عن تنظيم زيارات متبادلة للطلبة وزيادة المنح الدراسية وفقاً لاختصاصات الطاقة والعلوم وغيرها من الاختصاصات المهمة، وتطوير المناهج التربوية. وفي مجال الاستثمارات اتفقت لجان مجلس التنسيق العراقي السعودي على فتح باب الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والصناعة والكهرباء، والصناعات التحويلية، وإنتاج الطاقة الكهربائية والمتجددة، بالإضافة إلى الاستثمار في الفوسفات والبتروكيمياويات. وتابع البيان: «إن أهم قرارات المجلس جاءت باتفاق على وضع خطة لمشروع الربط السككي بين البلدين وتبادل الدراسات بشأن تطوير الموانئ والنقل الجوي«. وناقش المجلس آليات البدء بتنفيذ مشروع الملعب الرياضي المهدى إلى العراق خلال الأشهر المقبلة. وفي قطاع السياحة والزيارات الدينية أكدت الأطراف المعنية بالحج والعمرة والزيارات الدينية في المدن العراقية على إعادة تأهيل طريق الحج القديم الذي يمتد بين الكوفة والديار المقدسة، وزيادة حصة العراقيين الراغبين بأداء مناسك الحج، إضافة إلى فتح افق للمجاميع السياحية والاطلاع على المعالم التراثية والأثرية، والحفاظ على الآثار,والمخطوطات والمتاحف.
وأعلنت وزارة الخارجية العراقية أن السعودية ستسمح للعراقيين بإمكانية الحصول على تأشيرة للدخول إلى أراضيها، لجميع الراغبين بزيارتها، عبر قنصليتها الجديدة في بغداد. وقال المتحدث باسم الوزارة، أحمد الصحاف، إن القنصلية التي افتتحت في بغداد تأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتوسيع رقعة الاستفادة من الخدمات. وأضاف، أن القنصلية ستعمل على دعم المستثمرين وتيسير منح تأشيرات الدخول (فيزا) إلى السائحين والوافدين للمملكة، والمعتمرين والحجاج، ومن بغداد مباشرة، وأكد أن تأشيرات الدخول ستكون مفتوحة لكل العراقيين وبإمكانهم التقديم مباشرة عبر القنصلية السعودية في بغداد.
وذكرت وزارة الكهرباء العراقية، أن إنتاج الكهرباء سيرتفع إلى مستوى قياسي عند 18 ألف ميجاواط مقابل 15 ألفاً حالياً بحلول الصيف المقبل، بعد طرح حلول سعودية لزيادة الإنتاج. ووقعت الوزارة، محضر اجتماع للتعاون في مجال الطاقة، مع الجانب السعودي. وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية مصعب المدرس، إن محضر اجتماع الجانبين، تضمن تفاهمات عدة منها الربط الكهربائي وتنفيذ استثمارات في مجال الطاقة بين البلدين. ويحتاج العراق إلى أكثر من 23 ألف ميجاواط من الطاقة الكهربائية، لتلبية احتياجات السكان والمؤسسات دون انقطاع. وبحسب الأرقام التي تعلنها الوزارة، فقد بلغ إنتاج البلاد في أغسطس 15 ألفاً و700 ميجاواط. ويعاني العراق نقصاً حاداً في إمدادات الطاقة الكهربائية على الرغم من إنفاق الحكومات المتوالية نحو 50 مليار دولار على هذا القطاع منذ عام 2003. كما اتفق الجانبان، على حث المصانع والشركات السعودية العاملة في مجال الطاقة الكهربائية، على التعاون مع الجانب العراقي لتغطية الطلب من المعدات والمنتجات الكهربائية. وقال «دعونا السعوديين للاستثمار والمشاركة في تمويل مشروعات توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية (المتجددة والتقليدية) في البلاد».
خطوات متلاحقة
بدأت السعودية والعراق خطوات متلاحقة مُرحّباً بها من الطرفين لتحسين العلاقات في عام 2015 بعد توترات على مدى ربع قرن والتي بدأت مع الغزو العراقي للكويت في عام 1990.
وبات تقارب السعودية والعراق تجارياً في الآونة الأخيرة، وخاصة في ما يتعلق بالطاقة، أحد أبرز التطورات اللافتة دولياً، ولم يعد ينصب الاهتمام الدولي على محاولات تقليص النفوذ الإيراني على الرغم من أهمية الملف، بل يُنظر إلى العلاقات السعودية العراقية المستقرة والاستثمارية بوصفها صمام أمان للسوق النفطي والمنطقة برمتها، ما ينعكس على العراق والسعودية إيجاباً على حد سواء، خاصة أنّ البلدين عضوان بارزان في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
وكان البلدان قد بدآ تتويج هذا التقارب بحزمة من الاتفاقيات المشتركة في قطاع الطاقة، في خطوة جرت في ديسمبر عام 2017. ووقعت آنذاك 14 شركة سعودية وعراقية اتفاقيات تتعلق بمجالات الطاقة المتنوعة والصناعات المرتبطة خلال افتتاح مؤتمر ومعرض العراق الدولي السابع للنفط والغاز في البصرة، الذي شاركت فيه أكثر من 60 شركة سعودية شكّلت أكبر جناح للدول المشاركة في هذه الفعالية الدولية، كما قامت شركة الخطوط الجوية السعودية أواخر أكتوبر 2016، بتسيير أولى رحلاتها إلى العراق بعد توقف استمر لسنوات طويلة.
وبلغ حجم التبادل التجاري السعودي مع العراق العام الماضي حوالي 643 مليار ريال (171.3 مليار دولار) كان للقطاع الخدمي النصيب الأكبر منها بنسبة 57 بالمئة، و38 بالمئة للقطاع الصناعي، أما الزراعي فنسبته 5 بالمئة. أما أعلى القطاعات من حيث قيمة الواردات في العراق فهي المنتجات الغذائية، وفق البيانات السعودية الرسمية، إذ بلغت قيمتها 21 مليار ريال (قرابة 6 مليارات دولار)، تليها المعدات الثقيلة والإلكترونيات بحوالي 20.3 مليار ريال (نحو 5.4 مليار دولار). وتأتي مواد البناء في المركز الثالث بأكثر من 15.8 مليار ريال (4.2 مليار دولار)، الأمر الذي يجعل العراق فرصة سوقية ووجهة تصدير جيدة للمنتجات السعودية. كما يتشارك البلدان في قرارات تمديد اتفاقيات خفض إنتاج النفط أو رفعه بحسب حاجة السوق العالمي، كاتفاقهما على خفض إنتاج النفط الخام أوائل 2018 لمدة 9 أشهر إضافية حتى نهاية ديسمبر 2018.
من هذا المنطلق بدأ العراق رحلة البحث عن بدائل استثمارية واقتصادية ناجحة مستقرة وواعدة تجنبه العقوبات في الوقت نفسه. وأطلق إطار عمل لفترة أمدها عشر سنوات لإعادة إعمار البلاد وإنمائها يتضمّن مجموعة من الإصلاحات الحكومية، والاستثمارات في القطاع الخاص. وفي هذا السياق، تعهّدت أكثر من 25 دولة ومنظمة متعددة الأطراف، بتقديم قروض ومنح ومشاريع استثمارية بقيمة 30 مليار دولار، علماً بأن مساهمات الدول المجاورة للعراق كانت مشجعة بشكل خاص، حيث عرضت المملكة العربية السعودية 1.5 مليار دولار. إلا أن العراق لا يمكنه الوفاء باحتياجاته طويلة الأمد لإعادة الإعمار من خلال المساعدات الإنسانية والمنح النقدية والمساعدات المالية الدولية وحدها، بل عليه إصلاح اقتصاده وتنميته من خلال الاستثمار الخاص ليضع بذلك حجر الأساس لخلق فرص العمل والتعافي المستدام.
وكان وفد سعودي يضم 9 وزراء و100 شخصية سياسية واقتصادية، زار العراق الأسبوع الماضي لعقد اتفاقيات وبحث المشاريع الاقتصادية ومنها بناء ملعب رياضي في بغداد، وتم الإعلان عن انعقاد الدورة الثانية لمجلس التنسيق السعودي العراقي، كما افتتح الجانبان القنصلية السعودية في بغداد، على أن يتم افتتاح 3 قنصليات أخرى في الفترة المقبلة. وإذ يسعى العراق إلى تعزيز 5 قطاعات رئيسة، هي القطاع المصرفي، الطاقة، البنى التحتية، التنمية الاجتماعية والأمن، تفهمت السعودية التطلعات العراقية، وبدت مشاريعها الاستثمارية في العراق، مدركة تماماً لأوجه النقص اليومية في حياة العراقيين، فاستهدفت الاستثمار في تطوير جميع القطاعات السابقة.
وأكد مسؤولون عراقيون وسعوديون وخبراء دوليون لـ«الاتحاد» أن الاستثمارات السعودية في العراق مدفوعة إلى حدّ بعيد بأواصر عدة مشتركة بين البلدين الشقيقين، وأن العراق اليوم ليس عراق 2006، فهناك وعي عالٍ جداً من قبل الحكومة العراقية والشعب بضرورة إيجاد مخرج من الارتباط بإيران الذي تحول إلى حجرة ثقيلة تجره إلى القاع، موضحين أن المملكة لا تستهدف تحقيق أرباح اقتصادية على حساب العراقيين، بل النهوض بالعراق وشعبه وإعادته إلى حضنه العربي على خلاف الاستثمارات الإيرانية التي وصفها خبراء دوليون بأنها واجهة لتمويل الإرهاب، تورط العراق، وتمنعه من الانسجام مع المجتمع الدولي، ووسيلة يستخدمها النظام الإيراني لاستغلال الثروات العراقية وامتصاصها إلى أقصى حد ممكن في ظل العقوبات على إيران، مؤكدين أن العقوبات الأميركية على إيران، تمنح العراق فرصة للتحرر من الهيمنة الإيرانية على اقتصاده، ومن شأنها أن تؤسس لحقبة واعدة مبنية على الشراكات الاستثمارية ذات المنفعة المتبادلة إقليمياً ودولياً والنفع الداخلي للعراق، وبما يخدم أهدافه التنموية واستقراره وأمنه وتطوره علمياً واجتماعياً وليس على الصعيد الاستثماري فقط، مغلقاً بذلك حقبة النفع أحادي الجانب في الاستثمارات الإيرانية في العراق والتي لطالما صبت في مصلحة إيران وحدها.
شراكة واعدة
وأكد رئاسة الجمهورية العراقية أن العراق تربطه بالمملكة العربية السعودية روابط تاريخية، وأكد بيان المكتب الإعلامي للرئاسة لـ«الاتحاد» أن العراق وبعد تحقيق النصر الناجز على الإرهاب المتمثل بعصابات «داعش» بات محطة جاذبة للمستثمرين، وآفاق الاقتصاد فيه واعدة، خصوصاً مع توجه الحكومة العراقية للانفتاح على جوارها العربي. وقال الرئيس العراقي الدكتور برهم صالح: «إن الأخوة بين العراق والمملكة لها جذور تنمو وتتعزز بما ينسجم وتطلعات قادة وشعبي البلدين الشقيقين»، مشيداً بمواقف «السعودية ملكاً وشعباً الداعمة للشعب العراقي ومساهمتها في إعادة إعمار مناطقه المحررة».
من جهته، أكد وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي، رئيس الوفد في اجتماع مجلس التنسيق السعودي العراقي في تصريح لـ«الاتحاد»: «إن السعودية والعراق سيوقعان اتفاقيات بين البلدين تشمل مذكرة تفاهم في مجال الطاقة الكهربائية، وأخرى في المجال الزراعي، واتفاقية تعاون في مجال النقل البحري، ومذكرة تفاهم في مجال الصناعة والثروة المعدنية، ومذكرة تفاهم في مجال النفط والغاز، ومذكرة تعاون علمي وتعليمي، ومذكرة تفاهم في مجال الثقافة، ومذكرة تفاهم في تشجيع وحماية الاستثمار». وقال القصبي: «تم الاتفاق على إنشاء مجلس أعمال سعودي عراقي، وتقديم فريق الصناعة العراقي 186 فرصة استثمارية للقطاع الخاص السعودي سيتم دراستها واتخاذ ما يلزم بشأنها»، مضيفاً: «بموجب الاتفاقيات، قدم الجانب السعودي أفكاراً استثماريةً في العراق مقترحة من شركات سعودية عدة مثل سابك و(أرامكو)، ومعادن، و(أكوا باور)، لتطوير مجالات الطاقة في العراق، كما اقترح القطاع الخاص إقامة منطقة تجارة حرة على الحدود بين البلدين وستتم دراسة الاقتراح واتخاذ القرار بشأنه، كما تم الخميس الماضي افتتاح قنصلية للمملكة في بغداد، والعمل جار على افتتاح ثلاث قنصليات أخرى في ثلاث مدن عراقية قريباً، وحرصت المملكة على دعم المشاريع التنموية في العراق وخصصت مليار دولار كقروض لهذه المشاريع، ومنها مشروع مدينة الملك سلمان بن عبدالعزيز الرياضية، كما قدمت 500 مليون دولار دعماً للصادرات، وسوف تقدم المملكة منحاً تعليمية سنوية للعراقيين للدراسة في جامعات المملكة. ويتوقع أيضاً افتتاح منفذ عرعر الحدودي في شهر أكتوبر المقبل، وهو يعد خطوة كبيرة في طريق تعزيز العلاقات التجارية ورفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين».
ترجمة فورية
سرعان ما ترجمت الاتفاقيات العراقية السعودية على أرض الواقع. وخلص اجتماع مجلس التنسيق المشترك إلى جملة اتفاقات ومعاهدات أمنية وتجارية واقتصادية ومصرفية واستثمارية وسياحية. وذكر بيان لأمانة مجلس الوزراء العراقي أمس أن السعودية قدمت قائمة تضمنت891 سلعة من منتجاتها لغرض التخفيض أو الإعفاء من الرسوم الجمركية، إضافة إلى مقترح لإقامة منطقة حرة في منفذ عرعر بعد افتتاحه خلال الأشهر الستة المقبلة. وأوضح البيان، أن الاجتماعات تضمنت تطوير العلاقات المالية، وحث المصارف السعودية على فتح فروع لها في العراق، إضافة إلى فتح فرع لمصرف التجارة العراقي في الرياض منتصف الشهر المقبل، فضلاً عن دراسة تصدير التمور العراقية والقمح وغيرها من المنتجات الوطنية وتحقيق التكامل في الأمن الغذائي بين البلدين والاستثمار في الدواجن والإصلاح الزراعي.
وأبرمت الوزارات المعنية اتفاقات خاصة باستثمار خبرات المملكة في المجالات العلمية والتبادل في مجالات الهندسة والعلوم والجودة ورعاية واكتشاف الموهوبين، فضلاً عن تنظيم زيارات متبادلة للطلبة وزيادة المنح الدراسية وفقاً لاختصاصات الطاقة والعلوم وغيرها من الاختصاصات المهمة، وتطوير المناهج التربوية. وفي مجال الاستثمارات اتفقت لجان مجلس التنسيق العراقي السعودي على فتح باب الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والصناعة والكهرباء، والصناعات التحويلية، وإنتاج الطاقة الكهربائية والمتجددة، بالإضافة إلى الاستثمار في الفوسفات والبتروكيمياويات. وتابع البيان: «إن أهم قرارات المجلس جاءت باتفاق على وضع خطة لمشروع الربط السككي بين البلدين وتبادل الدراسات بشأن تطوير الموانئ والنقل الجوي«. وناقش المجلس آليات البدء بتنفيذ مشروع الملعب الرياضي المهدى إلى العراق خلال الأشهر المقبلة. وفي قطاع السياحة والزيارات الدينية أكدت الأطراف المعنية بالحج والعمرة والزيارات الدينية في المدن العراقية على إعادة تأهيل طريق الحج القديم الذي يمتد بين الكوفة والديار المقدسة، وزيادة حصة العراقيين الراغبين بأداء مناسك الحج، إضافة إلى فتح افق للمجاميع السياحية والاطلاع على المعالم التراثية والأثرية، والحفاظ على الآثار,والمخطوطات والمتاحف.
وأعلنت وزارة الخارجية العراقية أن السعودية ستسمح للعراقيين بإمكانية الحصول على تأشيرة للدخول إلى أراضيها، لجميع الراغبين بزيارتها، عبر قنصليتها الجديدة في بغداد. وقال المتحدث باسم الوزارة، أحمد الصحاف، إن القنصلية التي افتتحت في بغداد تأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتوسيع رقعة الاستفادة من الخدمات. وأضاف، أن القنصلية ستعمل على دعم المستثمرين وتيسير منح تأشيرات الدخول (فيزا) إلى السائحين والوافدين للمملكة، والمعتمرين والحجاج، ومن بغداد مباشرة، وأكد أن تأشيرات الدخول ستكون مفتوحة لكل العراقيين وبإمكانهم التقديم مباشرة عبر القنصلية السعودية في بغداد.
وذكرت وزارة الكهرباء العراقية، أن إنتاج الكهرباء سيرتفع إلى مستوى قياسي عند 18 ألف ميجاواط مقابل 15 ألفاً حالياً بحلول الصيف المقبل، بعد طرح حلول سعودية لزيادة الإنتاج. ووقعت الوزارة، محضر اجتماع للتعاون في مجال الطاقة، مع الجانب السعودي. وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية مصعب المدرس، إن محضر اجتماع الجانبين، تضمن تفاهمات عدة منها الربط الكهربائي وتنفيذ استثمارات في مجال الطاقة بين البلدين. ويحتاج العراق إلى أكثر من 23 ألف ميجاواط من الطاقة الكهربائية، لتلبية احتياجات السكان والمؤسسات دون انقطاع. وبحسب الأرقام التي تعلنها الوزارة، فقد بلغ إنتاج البلاد في أغسطس 15 ألفاً و700 ميجاواط. ويعاني العراق نقصاً حاداً في إمدادات الطاقة الكهربائية على الرغم من إنفاق الحكومات المتوالية نحو 50 مليار دولار على هذا القطاع منذ عام 2003. كما اتفق الجانبان، على حث المصانع والشركات السعودية العاملة في مجال الطاقة الكهربائية، على التعاون مع الجانب العراقي لتغطية الطلب من المعدات والمنتجات الكهربائية. وقال «دعونا السعوديين للاستثمار والمشاركة في تمويل مشروعات توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية (المتجددة والتقليدية) في البلاد».
خطوات متلاحقة
بدأت السعودية والعراق خطوات متلاحقة مُرحّباً بها من الطرفين لتحسين العلاقات في عام 2015 بعد توترات على مدى ربع قرن والتي بدأت مع الغزو العراقي للكويت في عام 1990.
وبات تقارب السعودية والعراق تجارياً في الآونة الأخيرة، وخاصة في ما يتعلق بالطاقة، أحد أبرز التطورات اللافتة دولياً، ولم يعد ينصب الاهتمام الدولي على محاولات تقليص النفوذ الإيراني على الرغم من أهمية الملف، بل يُنظر إلى العلاقات السعودية العراقية المستقرة والاستثمارية بوصفها صمام أمان للسوق النفطي والمنطقة برمتها، ما ينعكس على العراق والسعودية إيجاباً على حد سواء، خاصة أنّ البلدين عضوان بارزان في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
وكان البلدان قد بدآ تتويج هذا التقارب بحزمة من الاتفاقيات المشتركة في قطاع الطاقة، في خطوة جرت في ديسمبر عام 2017. ووقعت آنذاك 14 شركة سعودية وعراقية اتفاقيات تتعلق بمجالات الطاقة المتنوعة والصناعات المرتبطة خلال افتتاح مؤتمر ومعرض العراق الدولي السابع للنفط والغاز في البصرة، الذي شاركت فيه أكثر من 60 شركة سعودية شكّلت أكبر جناح للدول المشاركة في هذه الفعالية الدولية، كما قامت شركة الخطوط الجوية السعودية أواخر أكتوبر 2016، بتسيير أولى رحلاتها إلى العراق بعد توقف استمر لسنوات طويلة.
وبلغ حجم التبادل التجاري السعودي مع العراق العام الماضي حوالي 643 مليار ريال (171.3 مليار دولار) كان للقطاع الخدمي النصيب الأكبر منها بنسبة 57 بالمئة، و38 بالمئة للقطاع الصناعي، أما الزراعي فنسبته 5 بالمئة. أما أعلى القطاعات من حيث قيمة الواردات في العراق فهي المنتجات الغذائية، وفق البيانات السعودية الرسمية، إذ بلغت قيمتها 21 مليار ريال (قرابة 6 مليارات دولار)، تليها المعدات الثقيلة والإلكترونيات بحوالي 20.3 مليار ريال (نحو 5.4 مليار دولار). وتأتي مواد البناء في المركز الثالث بأكثر من 15.8 مليار ريال (4.2 مليار دولار)، الأمر الذي يجعل العراق فرصة سوقية ووجهة تصدير جيدة للمنتجات السعودية. كما يتشارك البلدان في قرارات تمديد اتفاقيات خفض إنتاج النفط أو رفعه بحسب حاجة السوق العالمي، كاتفاقهما على خفض إنتاج النفط الخام أوائل 2018 لمدة 9 أشهر إضافية حتى نهاية ديسمبر 2018.