المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 27 أبريل 2024

عندما تكون الشكاوى الجسدية غريبة ومتكررة وبدون سبب عضوي يجب العلاج النفسي.

استشارى الطب النفسي : التوهمات المرضية  مرض (نفسي) بلا مرض (عضوي)!!
يوسف بن ناجي- سفير غرب
بواسطة : يوسف بن ناجي- سفير غرب 07-04-2019 10:38 صباحاً 39.1K
المصدر -  
كثير من الناس يشكون من أعرض جسمانية متنوِّعة وبعد اللف والدوران على الأطباء وعمل الفحوصات والتحاليل والأشعة وحتى أخذ الكثير من الأدوية وتبقى المشكلة كما هي وتظل الشكوى والمعاناة قائمة والأعراض المرضية موجودة ولا تتحسن والمصاريف المادية تزداد ويبقى أمل الشفاء بعيد المنال .. وعلى الرغم من تأكيد الأطباء على عدم وجود أي مرض عضوي يفسر هذه المشكلة فهل هناك سر خفي وراء هذه الشكاوى الجسدية بدون سبب مرضي واضح ؟ أم أن المشكلة وراءها الجانب النفسي الذي يغفله ويتناساه الجميع، ومن هنا حاولنا إلقاء الضوء على هذه المشكلة لمرض وشكوى من مريض ولكن بلا مرض عضوي يفسر هذه الشكوى فكان لنا هذا اللقاء مع الأستاذ الدكتور عزت عبد العظيم أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق المصرية واستشاري الطب النفسي بمستشفى الحمادي بالرياض ،وذلك لإلقاء هذا الضوء.

بداية كيف نفسر إحساس المريض بأعراض في جسمه وفي نفس الوقت لا يوجد خلل أو مرض عضوي يفسر لك؟


إن الإنسان عبارة عن جسد ونفس يتكاملان معاً يتفاعلان بعضهما مع البعض ويؤثَّر كل منهما في الآخر أيضاً فإذا أصيب الجسد بمرض نجد نفسية المريض تتأثر بهذا المرض ويصاب الشخص بالاكتئاب والقلق النفسي مثلاً ، وفي المقابل إذا كان الشخص يعاني من القلق والاكتئاب النفسي فقد نجده يعاني من أعراض جسمانية مثل القولون العصبي أو الصداع وما إلى ذلك من أعرض منشؤها العامل النفسي الذي يعطي الإحساس بالألم أو اضطراب وظيفة العضو بدون سبب أو تغير باثولوجي واضح في الفحوص والتحاليل أو مثل العنة (عدم القدرة على الانتصاب) رغم أن كل الأمور البدنية على ما يرام ولكن الكدر النفسي الذي تسبب في ذلك لأن العقل هو المتحكم والقائد الأعلى لكل وظائف الجسم والذي يتأثر بالحالة الانفعالية للإنسان ، ولكن معظم الناس يتناسون هذا الدور النفسي المهم وتفسر هذه الأمور غيباً على أنه حسد أو سحر وما إلى ذلك على الرغم من أن الاكتئاب النفسي قد أصاب سيدنا يعقوب عليه السلام عندما فقد فلذة كبده سيدنا يوسف وقد ذكر المولى سبحانه وتعالى ذلك في قرآنه الكريم* ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) .

ما هي الاضطرابات الجسدية التي ترتبط بالحالة النفسية للإنسان؟


إن الارتباط بين الأمراض الجسمانية والعامل* النفسي معقد للغاية ولكن للتبسيط توجد عدة أنواع منها:* الأمراض العضوية بسبب المعاناة النفسية مثل حدوث مرض السكر أو الضغط أو قرحة المعدة وتساقط الشعر وأنواع كثيرة من الحساسية وأمراض المناعة، حيث إن السبب الرئيسي لحدوثها هو تعرض المريض لضغوط ومعاناة نفسية تؤدي لحدوث هذه الأمراض العضوية وكذلك انتكاساتها المتكررة أو حتى تدهور الحالة الصحية الجسمانية مع زيادة المشاكل النفسية، وهناك أيضاً بعض الأعراض الجسمانية فقط، حيث يوجد إحساس فقط ببعض التغيرات المرضية من جانب المريض ولكن عضوياً لا توجد مشكلة باثولوجية تفسر ذلك مثل الصداع أو الإحساس بالاختناق وضيق التنفس أو آلام بالصدر شبيهه بالذبحة الصدرية ، تكرار التبول أو اضطراب الجهاز الهضمي من تجشؤ أو سوء هضم وانتفاخات وتهيج القولون وربما إحساس بالسخونة أو البرودة بالجسم أو تنميل وخذلان بالأطراف بدون أسباب عضوية ولكنه نتيجة لمشكلة نفسية ، هناك أيضاً ما يسمى نوبات الهلع أو الخوف الحاد الذي يصاحبه إحساس غريب بالاختناق وزيادة بضربات القلب مع رجفة ورعشة بالجسم وهذا مما قد يفسر بأنه علامات موت مفاجئ ، وبالتالي الخوف والذهاب لأطباء القلب والصدر ومعظم التخصصات الأخرى مع عمل الفحوصات والتحاليل وكل هذه الأمور تثبت عدم وجود خلل عضوي يسبب هذه المشكلة ولكنه العامل النفسي أيضاً ، وأخيراً هناك بعض الناس من يصاب بالخوف من أمراض معينة قد تصيبه أو حتى يتوهم أنها قد أصابته بالفعل مثل الأورام والإيدز وخلافه وهذا نوع من الوساوس المرضية التي لا تستند على أدلة منطقية تفسر وجود هذه الأمراض لدى المريض ولكنه مقتنع بوجودها على الرغم من عدم ثبوتها بالفحوصات.

إذاً لماذا لا يذهب هؤلاء المرضى للطبيب النفسي للتخلص من معاناتهم؟ وما هي المشاكل المترتبة على التأخر في طلب المساعدة النفسية؟


هناك عدة أسباب لعدم طلب العلاج لدى الطبيب النفسي لمن يعاني من أعراض جسمانية نفسية؛ أهمها هو أن الأعراض الجسمانية التي يشعر بها المريض (على الرغم من غرابتها وارتباطها بالعامل النفسي) إلا أن المريض وربما الطبيب أيضاً يضع الاحتمال الأكبر أنه مرض عضوي ولذا يلجؤون للفحوصات اللازمة لتشخيص هذا الاحتمال ولكن على الرغم من عدم ثبوت أي سبب عضوي لتلك الأعراض يأتي السبب الآخر وهو عدم اقتناع المريض بأن هذه الأحاسيس والشكاوى التي يعاني منها منشؤها سبب نفسي وليس عضوياً ، ولأن المرض النفسي غير مقبول في المجتمع الشرقي لأسباب عديدة مثل وصمة العار أو أن المرض النفسي لا يعني سوى الجنون أو الإدمان فإن معظم الناس لا تفضل الذهاب للطبيب النفسي أو ربما لأسباب أخرى منها الخوف من العلاج النفسي والاعتقاد الخاطئ بأنه نوع من المخدرات وما إلى ذلك، وكذلك صعوبة إقناع الطبيب للمريض بالذهاب للطبيب النفسي لنفس الأسباب أو أن الطبيب لا يزال يعتقد بإمكانية وجود مرض عضوي يفسر أعراض المريض ويستمر في عمل الأشعات والتحاليل والمناظير واستشارة الزملاء والآخرين دون التفكير في الاحتمال النفسي، وبالطبع هذا يزيد من إنفاق الأموال وخسارة المريض مادياً بطريقة مباشرة أو خسارة الدولة لمجهود المريض الذي لا يواظب على العمل بطريقة إيجابية وكذلك استمرار معاناة المريض وربما يأسه من الشفاء.

هل يمكن لهؤلاء المرضى التخلص من هذه المشكلة والشفاء منها، وما هو دور الطب النفسي في ذلك؟ وكيف يمكن إقناع الناس بهذا الدور؟


بالطبع يمكن لهؤلاء الناس التخلص تماماً من هذه المشكلة والشفاء بإذن الله والخروج من دوامة الفحوصات والتحاليل والأشعة وحمل أكياس الأدوية باستمرار كما لو كانت صيدلية متنقلة ووقف نزيف الأموال وإضاعة الوقـت وذلك لو تمت مراجعة الطبيب النفسي ليتم تشخيص الحالة بدقة ومعرفة سبب ونوع الاضطراب النفسي المؤدي لهذه الأعراض الجسمانية بدون سبب عضوي يفسره وبالتالي وصف بعض الأنواع من الأدوية النفسية التي تساعد الشخص في التخلص من معاناته الطويلة بأقل أدوية وأوفر مالاً وأحسن نتائج بإذن الله ولا داعي للخوف من الأدوية النفسية لأنها مثل أي علاج آخر كأدوية الضغط أوالسكر وأقول للإخوة المرضى والسادة الزملاء من الأطباء إن الطب النفسي تقدم بصورة مذهلة وليس هو ما نراه في الأفلام القديمة من عقد نفسية وجلسات التحليل النفسي بالكلام فقط ؛ لأن وسائل تشخيص الأمراض النفسية تقدمت وكذلك طرق العلاج وأنواع الأدوية تعددت وتم معرفة أسباب كل مرض وما يحدث في المخ من تغيرات كيميائية للناقلات العصبية وما يناسب كل مرض من علاج يؤدي إلى ضبط هذه المواد الكيميائية والتي تجعل المريض قابلاً للشفاء بإذن الله وبالطبع فالطبيب النفسي فقط هو الذي يستطيع التشخيص الصحيح وعلاج مثل هذه الحالات وكفانا مضيعة للوقت والمال، ولا داعي للتأخر للوراء واللجوء للأساليب البدائية في العلاج مثل عصور الجهل في الماضي واللجوء للدجل والشعوذة وتفسير أي مرض نفسي على أنه بسبب السحر والعين وما إلى ذلك رغم اعترافنا التام بمثل هذه الأمور الغيبية ولكن هذا لا يمنع أن هناك تغيرات كيميائية تحدث في المخ للمريض النفسي وبالتالي حدوث أعراض المرض وهي بذلك في حاجة للعلاج ولهذا يجب على الجميع الاقتناع بدور الطب النفسي في علاج مثل هذه الأمور التي تبدو مستعصية على الجميع ولكنها بإذن الله يمكن للطبيب النفسي مساعدة المريض وتخليصه من كل هذه المعاناة ولكن فقط يجب على الزملاء وباقي الناس الاقتناع بذلك وتوجيه المريض للطبيب النفسي وهذا ليس عيباً وانتقاصاً في حق أي شخص ، فالمرض النفسي مثل أي مرض عضوي آخر ، ولمَ لا يجرب المريض وطبيبه أيضاً الطب النفسي ولو مرة بعد آلاف المرات من الفحوصات والأشعة ومحاولات العلاج الأخرى وليروا النتيجة وليحكموا بعدها أين يكون علاج المشكلة ولن يندم أحد بعد ذلك، بل سيكون الشكر والامتنان لله سبحانه وتعالى أولاً ثم للطبيب النفسي.