المصدر -
كأي دولة تتحول إلى طور الامبراطورية، تسعى إيران جاهدة لخلق موطأ قدم في كل دولة عربية، تارة عبر نشر مذهبها الشيعي بين أهل السنة، وأخرى عبر بسط نفوذها على دولا بأسرها، وثالثة عن طريق الترويج لنفسها عبر حفنة من رجالها السنة، أو في أحسن الأحوال، استمالة قلوب وعقول البسطاء والمخدوعين من أهل السنة لمشروعها المغلف كذبا وزورا بغطاء دعم المقاومة في المنطقة وحلف الممانعة.
إيران حاليا تحاول أن تتخذ خطوات جادة من أجل توسيع نفوذها ضمن حلم الامبراطورية الذي تسعى إلى تحقيقه "من كراتشي إلى بيروت".
ولأن إيران دولة قائمة على الشعوبية الفارسية المصدرة زورا بغلاف "العقيدة"، للضحك على الشيعة، ولما كانت كافة امبراطوريات التاريخ تعتمد بشكل رئيس على ركن "العقيدة" قبل أي شيء آخر، كان لزاما على إيران السعي نحو نشر عقيدتها بين الدول الرامية إلى ضمها ضمن نطاق امبراطوريتها، متخذة من أجل ذلك كافة الإجراءات التي تسهل لها هذه المهمة.
لكن إيران تعلمت جيدا من دروس بناء الامبراطوريات، وتعلمت جيدا من دروس التدخل الغربي في المنطقة، فراحت تتلاعب مع كل دولة من دول حلم الامبراطورية بما يتناسب مع شخصية وتركيبة وهوية هذه الدولة وشعبها، ولم يقتصر بسط النفوذ الإيراني على الجانب العقدي فقط، بل اعتمدت أيضا على جوانب أخرى أهمها نشر مذهبها سياسيا، أو ما يطلق عليه البعض "التشيع السياسي"، وكذلك التشيع الثقافي والإعلامي والاقتصادي بل والعسكري، مستخدمة في ذلك طابور طويل من عملائها في دول المنطقة الذين اشترتهم بالأموال والرحلات والامتيازات وتمويل الأحزاب ومراكز الأبحاث وشركات لنشر التشيع الإعلامي..
منذ ثورة الهالك آية الشيطان الخميني في أواخر سبعينات القرن الماضي، برزت إيران في الشرق الأوسط، بل وفي العالم قوةَ مادية، ووجوداً شعبياً عريضاً، وفكراً سياسياً متميزاً، حتى أطلق بعض الكتاب الغربيين على الفترة التي تلت الثورة ولهذه اللحظة بـ (الحقبة الشيعية)، وهي تسمية قد تحمل الكثير من المعاني الباطنية، كما أنها تسمية مبالغ بها إلى حد ما، ولكن لا تخلو من حقيقة، وحقيقة كبيرة. فإيران قوة إقليمية، وشيعة العراق اليوم يتصدرون العملية السياسية بالمساندة والدعم الإيراني والأمريكي الغير محدود، وفي البحرين يحاول الشيعة بالدعم الإيراني الإطاحة بالحكم السني، وفي لبنان يشكل الشيعة أهم عوامل المصير الذي ينتظر البلد لقوة حزب اللات المدعوم بلا حدود من إيران، وفي الكويت بروز شيعي مؤثر وكبير من خلال تجار ونواب بمجلس الأمة هم مؤسسين لحزب اللات في الكويت، ومتهمين سابقين في أحداث مكة ومحاولة اغتيال الأمير، وفي الخليج شيعة متمكنون ولهم علاقات وطيدة بالدولة.
هذا الظهور الطاغي غير المسبوق للشيعة الصفويين أفرز قضية واضحة نستطيع أن نسميها بـ (حلم الإمبراطورية الفارسية)، وقد تداخلت في شأنها التصورات والمواقف، حتى باتت قضية معقدة وشائكة للغاية، ففي الوقت الذي تحذر فيه بعض الجهات من سيطرة شيعية مطلقة على المنطقة، وتتنادى المخاوف من قنبلة (شيعية) واجتياح شيعي عقدي يلف العالم الإسلامي، نرى من جهة أخرى الشيعة أنفسهم يعلنون بصراحة أنهم معرضون لحملة إعلامية تشويهية مدروسة، وأنهم دعاة سلام، ويؤكدون على أنهم مكون جوهري من مكونات العالم الإسلامي، ويعملون لخير هذا العالم وتحرره.
لا يخفى على أحد أن إيران منذ نجاح ثورتها عام 1979م وهي تسعى جاهدة لتصدير هذه الثورة سياسياً ومذهبياً، إلا أن اندلاع الحرب بينها وبين العراق، ووقوف العرب كلهم، ومعهم الولايات المتحدة وأوروبا، مع العراق ضد إيران ساهم في وقف تصدير الثورة، وكشف صورة إيران الحقيقية إلى حد كبير، وبعد الحرب الأخيرة بين الكيان الصهيوني وحزب اللات بدأت إيران تجني مكاسبها، وتستغل سوء الأوضاع في الدول العربية السنية لكي تنفذ أحلامها وطموحاتها على أنغام (المقاومة) و (الممانعة).
استثمار الولاء المذهبي :
ويعتمد الإيرانيون في تنفيذ مخططاتهم على حالة الولاء المذهبي المطلق للمرتبطين بالمشروع الإيراني الفارسي من شعوب المنطقة في العراق والخليج العربي، وقد لمسنا دور هؤلاء الأتباع في عراق ما بعد الشهيد صدام حسين ، كما لمسناه في حقب تاريخية ماضية ليست ببعيدة أيام التفجيرات في بعض دول الخليج العربي في الثمانينيات.
لقد استثمرت إيران - بأنانية شديدة، وبدرجة عالية من النفعية والبراجماتية - النفوذ الواسع لحزب اللات اللبناني في المعادلة اللبنانية الداخلية غير المتوازنة، لتحرق لبنان بأسره وتستعمله كخزان وقود متفجر، لتحقيق أهدافها بأيدي غير إيرانية وبخبث شديد، ولو أرادت إيران محاربة "الغرب المستكبر" فعلاً كما تقول، فإن أمام سواحلها تقف البوارج والقواعد الأمريكية، التي يمكنها منازلتها مباشرة إن أرادت أو رغبت، لكن الأمر الواضح للجميع هو أن عقلية النظام السياسي الإيراني تحاول تحقيق المكاسب دون دخول ساحة الوغى.
إن الذين يتحدثون عن أن إيران تستغل لبنان وشعبه منذ أكثر من 20 عامًا، تحت شعار الدفاع عن المستضعفين لبناء إمبراطوريتها العقائدية، مستغلة ضعف السلطة المركزية في هذا البلد، هو كلام لا يمكن تكذيبه، بل تشهد عليه دلائل وشواهد الواقع. فقد استطاعت إيران أن تبني قواعدها العسكرية وتنقل صواريخها وكل ما تريد من تجهيزات لتأسيس امتداد لها في لبنان، ولهذا الغرض تم تكديس أطنان من السلاح الإيراني لحساب حزب اللات.
ونجحت إيران في تسليح طائفة وميليشيا تابعة لها وجعلتها أكبر وأقوى من الدولة اللبنانية بأسرها، وتلك معادلة غريبة ومشوّهة، فمهما بالغ أهل الخطاب الوطني في الدفاع عن استقلالية ووطنية قرارات قادة حزب اللات فإن ذلك كذب لأن مرجعية حزب اللات هي في طهران وقم أولاً وأخيرًا، وأن كلمات وتوجيهات خامنئي هي أوامر مقدسة لا ترد مهما كانت الذرائع.
لقد كان الصهاينة قد انسحبوا من الجنوب، وما بقي من جيوب هنا أو هناك كان يمكن بالمفاوضات إنهاء ملفاتها وحسمها دون الحاجة لدورات رهيبة من التدمير.
وللأسف الشديد، فإن ما حدث في لبنان مع "حزب اللات"، هو نفس الذي يحدث اليوم في العراق، فالميليشيات الطائفية في العراق موجودة، ولكنها لا تمتلك مشروعًا فكريًا ووطنيًا أصيلاً، وهي لا تمتلك سوى الفوضى، وتتخفى أيضًا تحت طائلة عجز السلطة المركزية، فجيوش الصدر "جيش المهدي " وجيوش الحكيم "فيلق بدر" جميعها مشاريع إيرانية صرفة قلبًا وروحًا وولاءً تاريخيًا، ولكنها في الحالة العراقية لا تمتلك المبادرة الكاملة في ظل الوجود الدولي في العراق، والذي يستطيع وحده لو أراد توجيه الأمور الوجهة السليمة، ولن تموت رءوس الفتنة الشيعية الصفوية الإيرانية إلا بعد تجريد الميليشيات من كل أسلحتها.
حلم وتخطيط :
منذ نشأة حزب اللات في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، والعلاقة معه تخضع للعديد من المشاورات والمناقشات بين الأجنحة السياسية في الدولة الإيرانية، فقد أرادت إيران من ظهور حزب اللات كقوة عسكرية ضمان موطئ قدم لها في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي، بما يجعلها تمتلك من الأدوات الإقليمية الكثير لتوظيفها حين تسنح فرص ذلك ووفق المصلحة الإيرانية، وأرادت أيضًا إقامة نقطة وثب لتصدير مشروع الثورة إلى المحيط العربي المجاور.
فعلى صعيد المسألة النووية فقد استطاع النظام الإيراني التحوّل من الدفاع عن برنامجه النووي إلى الهجوم في معركته مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن نجح في تغيير ساحة المعركة، وأن يحقق مكاسب عديدة من حرب الصهاينة ضد حزب اللات اللبناني بإيعاز وتنسيق مع طهران؛ ليثبت للأمريكيين أن إيران تملك أوراقًا عديدة من شأنها تفجير المنطقة في وجه واشنطن.
إن صعود الشيعة الصفويين في المنطقة العربية، أصبح واقعًا لا يمكن إنكاره، فالشيعة يعيشون حالة صعود في كثير من الجوانب، صعود عقدي، وسياسي واقتصادي، صعود قوى في حالة نادرة منذ قرون.
إن الدول العربية السنية لديها إمكانات أكبر من إيران لم تستفد منها، والسنة أكثر عددًا وثروة ومواقع، وعلى الرغم من حصار إيران والتهديد العسكري الذي تواجهه ومشكلات الفقر الذي تعانيه، فإنها تسعى لبناء إمبراطوريتها الفارسية.
إيران لا تنكر :
وللإيرانيين وجهة نظر في قضية الهلال الشيعي، ومحاولات التوسع الإيرانية يطرحها د. كمران التريمي ، الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة طهران، والذي يقول : إنه منذ قيام النظام الديني في إيران، تمثّل واحد من الأهداف الرئيسة لسياسته الخارجية في مساعدة الشيعة في كلّ مكان على المطالبة بحصّتهم في السلطة السياسية. وذلك هو السياق الذي عملت فيه إيران طوال 25 عامًا على إيواء، وتنظيم، وتدريب، وتسليح الجماعات الشيعية العراقية المعارضة لـصدام حسين . ولذلك وعلى الرغم من التكذيب المتكرر، فإنَّ الحكومة الإيرانية عملت على فوز شيعة العراق في الانتخابات، حيث سيمكّن ذلك من إدماج العراق في المحور القائم الآن الذي يضمّ طهران ودمشق وبيروت. فلطالما كانت العراق تلك الحلقة المفقودة في هذا الحلف، واعتقاد طهران أنَّ احتلال بغداد موقعها في هذا المحور سوف يضاعف قوته ونفوذه.
رجال دين شيعة يفضحون مخطط إيران
هناك العديد من رجال الدين الشيعة الذين كشفوا حقيقة المخطط الإيراني الفارسي لبسط نفوذه على المنطقة من أجل حلم الامبراطور ية.
فقد اتهم المرجع الشيعي حسين المؤيد ، إيران، بأنها "أكثر خطراً على الدول العربية من أمريكا وإسرائيل"، وأضاف أن لديها "مشروعاً قومياً"، يهدف إلى السيطرة على المنطقة، حسب رأيه.
وشن المؤيد ، الذي قرأ في مدارس قم الإيرانية وعاش فيها قرابة العقدين من الزمن، هجوماً عنيفاً على النظام الإيراني، واصفاً إياه بأنه نظام "يسعى لتحقيق مطامع قومية على حساب شعوب المنطقة، وتحت يافطة الدين والمذهب".
ونفى أن يكون لإيران أي "مشروع شيعي أو إسلامي"، وأن مشروعها "قومي ينطلق من سيكولوجية تحتقر العرب وتكرههم.. وأن خطر التمدد الإيراني على العراق والمنطقة العربية أكبر من الخطر الأمريكي والإسرائيلي"، على حد اتهامه.
وكشف المؤيد عن وجود خلايا نائمة في الوطن العربي، قال: "هم من العرب وتم تجنيدهم من قبل النظام الإيراني، وكشفنا بعضها، كما أن هناك مقاراً إيرانية في العراق يتم فيها تخزين السلاح وتهريبه إلى تلك الخلايا النائمة في الوطن العربي"، حسب وصفه.
ويعد الشيخ حسين المؤيد ، من رجال الدين الشيعة البارزين، والسياسيين الذين لديهم موقف علني في تأييد المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي، والرافضين بشدة لأي تدخل إيراني في العراق.
ولقد انشقت عن تنظيم مقتدى الصدر الذي سلم تنظيمه للإيرانيين أربع مجموعات في مدينة الصدر لوحدها، أما تلميذ أبيه البار محمود عبد الرضا الحسني فانشق هو الآخر وأسس تنظيم «الولاء الإسلامي» وهو تنظيم مسلح يسيطر على كربلاء، وهناك تنظيم آخر باسم «الفضيلة» يسيطر على البصرة. وكلا التنظيمين يزعمان تمثيل الشيعة العرب في العراق بمقابل تنظيمات مثل المجلس الأعلى وحزب الدعوة الموالية لإيران.
والشيعة في لبنان بصفة عامة هم من أعدل مجتمعات الشيعة ، بحكم أن المجتمع اللبناني نفسه شعب معتدل، طوائف وأديان ألفت التعايش عبر السنين، والذي يتأمل في مؤلفات بعض مشايخهم مثل محمد حسين فضل الله يجد أن صفات الاعتدال هي السائدة إذا قيسوا ببعض المجتمعات الشيعية الأخرى المتطرفة (مع مراعاة أن حزب اللات اللبناني تسليحه ودعمه وميزانيته ورعايته السياسية وتدريب كوادره من إيران، ويستحيل أن تكون هذه بدون ثمن، ويستحيل أن تكون هذه بدون أثر) وقد حاول محمد حسين فضل الله أن ينتقد تاريخ الشيعة وأثبت أن الشيعة هم قتلة الحسين وهم من خذلوه فشنت عليه مرجعية إيران حملة ظالمة وأعلنت كفره فلم يحتمل الرجل الحملة الشعواء ضده فاعتذر عن اجتهاداته.
ومن علمائهم الذين نقدوا كثيراً من ضلالاتهم موسى الموسوي في عدة كتب منها كتابه الشيعة والتصحيح، وحسين الموسوي في كتاب (لله... ثم للتاريخ)!!.
وكذلك أحمد الكاتب في كتابه (تطور الفكر الشيعي) ومن قبلهم الإمام السيد أبي الحسن الأصفهاني أكبر أئمة الشيعة من بعد عصر الغيبة الكبرى وإلى اليوم، وسيد علماء الشيعة بلا منازع، وعندما أراد تصحيح منهج الشيعة ونبذ الخرافات التي دخلت عليه، فلم يرق لهم ذلك، فذبحوا نجله كما يذبح الكبش ليصدوا هذا الإمام عن منهجه في تصحيح الانحراف الشيعي، كما قتلوا قبله السيد أحمد الكسروي عندما أعلن براءته من هذا الانحراف، وأراد أن يصحح المنهج الشيعي فقطعوه إرباً إرباً.
الشرق الأوسط الجديد.. خطوة نحو الحلم
كما قلنا من قبل، إيران دولة تجيد اقتناص الفرص واستغلالها لصالح مشروعها الفارسي التوسعي، في ظل حالة الغفلة العربية المقيتة التي تسيطر على دول المنطقة حكاما وشعوبا.
ومن أبرز أدلة هذا الاستغلال، ما فعلته إيران مع دعوة "الشرق الوسط الجديد" الذي أطلقته وزيرة خارجية أمريكا السابقة كوندليزا رايس.
علي أكبر ولايتي الرجل الذي كان وزير خارجية إيران لمدة (16) عاماً، الذي يعمل الآن مستشاراً لـ«المرشد الأعلى»، ويعتبر ولايتي صوتاً أساسياً في صياغة السياسة الخارجية لطهران.
وفي خطاب ألقاه في طهران الأسبوع الماضي قال ولايتي : إنه بإطاحة نظام طالبان في كابل ودكتاتورية البعث في بغداد، خلقت الولايات المتحدة فرصة تاريخية لإعادة صياغة الشرق الأوسط.
وفعلاً شاركت إيران في تقسيم بلاد العرب على أساس طائفي كما في العراق والذي يطالب فيه بعض رجال إيران بعزل الجنوب في إقليم شيعي واحد.
من الضروريات -وحسب التفكير الأمريكي والإيراني- أن إقامة مثل هذه المناطق إنما تتم بعد إشاعة مساحة من الفوضى والدمار، وهذا لن يكون إلاّ بعد إيقاظ وتسعير الفتنة الطائفية، وقد تطوّع الصفويون بهذه المهمة القذرة.
أن يكون هناك مشروع أميركيّ للمنطقة، شرق أوسطي جديد أو كبير، فهذا ما لا يرقى إليه الشكّ. بيد أنه مشروع متعثّر متناقض، وفي بعض البلدان متهاوٍ. وإذا كانت الأقلام تجرّب فيه حبرها، والأصوات تجرّب فيه حناجرها، فهذا لا يلغي وجود مشروع ناشئ آخر لا يقلّ، في حال من الأحوال، خطراً: إنه المشروع الإيرانيّ.
إيران حاليا تحاول أن تتخذ خطوات جادة من أجل توسيع نفوذها ضمن حلم الامبراطورية الذي تسعى إلى تحقيقه "من كراتشي إلى بيروت".
ولأن إيران دولة قائمة على الشعوبية الفارسية المصدرة زورا بغلاف "العقيدة"، للضحك على الشيعة، ولما كانت كافة امبراطوريات التاريخ تعتمد بشكل رئيس على ركن "العقيدة" قبل أي شيء آخر، كان لزاما على إيران السعي نحو نشر عقيدتها بين الدول الرامية إلى ضمها ضمن نطاق امبراطوريتها، متخذة من أجل ذلك كافة الإجراءات التي تسهل لها هذه المهمة.
لكن إيران تعلمت جيدا من دروس بناء الامبراطوريات، وتعلمت جيدا من دروس التدخل الغربي في المنطقة، فراحت تتلاعب مع كل دولة من دول حلم الامبراطورية بما يتناسب مع شخصية وتركيبة وهوية هذه الدولة وشعبها، ولم يقتصر بسط النفوذ الإيراني على الجانب العقدي فقط، بل اعتمدت أيضا على جوانب أخرى أهمها نشر مذهبها سياسيا، أو ما يطلق عليه البعض "التشيع السياسي"، وكذلك التشيع الثقافي والإعلامي والاقتصادي بل والعسكري، مستخدمة في ذلك طابور طويل من عملائها في دول المنطقة الذين اشترتهم بالأموال والرحلات والامتيازات وتمويل الأحزاب ومراكز الأبحاث وشركات لنشر التشيع الإعلامي..
منذ ثورة الهالك آية الشيطان الخميني في أواخر سبعينات القرن الماضي، برزت إيران في الشرق الأوسط، بل وفي العالم قوةَ مادية، ووجوداً شعبياً عريضاً، وفكراً سياسياً متميزاً، حتى أطلق بعض الكتاب الغربيين على الفترة التي تلت الثورة ولهذه اللحظة بـ (الحقبة الشيعية)، وهي تسمية قد تحمل الكثير من المعاني الباطنية، كما أنها تسمية مبالغ بها إلى حد ما، ولكن لا تخلو من حقيقة، وحقيقة كبيرة. فإيران قوة إقليمية، وشيعة العراق اليوم يتصدرون العملية السياسية بالمساندة والدعم الإيراني والأمريكي الغير محدود، وفي البحرين يحاول الشيعة بالدعم الإيراني الإطاحة بالحكم السني، وفي لبنان يشكل الشيعة أهم عوامل المصير الذي ينتظر البلد لقوة حزب اللات المدعوم بلا حدود من إيران، وفي الكويت بروز شيعي مؤثر وكبير من خلال تجار ونواب بمجلس الأمة هم مؤسسين لحزب اللات في الكويت، ومتهمين سابقين في أحداث مكة ومحاولة اغتيال الأمير، وفي الخليج شيعة متمكنون ولهم علاقات وطيدة بالدولة.
هذا الظهور الطاغي غير المسبوق للشيعة الصفويين أفرز قضية واضحة نستطيع أن نسميها بـ (حلم الإمبراطورية الفارسية)، وقد تداخلت في شأنها التصورات والمواقف، حتى باتت قضية معقدة وشائكة للغاية، ففي الوقت الذي تحذر فيه بعض الجهات من سيطرة شيعية مطلقة على المنطقة، وتتنادى المخاوف من قنبلة (شيعية) واجتياح شيعي عقدي يلف العالم الإسلامي، نرى من جهة أخرى الشيعة أنفسهم يعلنون بصراحة أنهم معرضون لحملة إعلامية تشويهية مدروسة، وأنهم دعاة سلام، ويؤكدون على أنهم مكون جوهري من مكونات العالم الإسلامي، ويعملون لخير هذا العالم وتحرره.
لا يخفى على أحد أن إيران منذ نجاح ثورتها عام 1979م وهي تسعى جاهدة لتصدير هذه الثورة سياسياً ومذهبياً، إلا أن اندلاع الحرب بينها وبين العراق، ووقوف العرب كلهم، ومعهم الولايات المتحدة وأوروبا، مع العراق ضد إيران ساهم في وقف تصدير الثورة، وكشف صورة إيران الحقيقية إلى حد كبير، وبعد الحرب الأخيرة بين الكيان الصهيوني وحزب اللات بدأت إيران تجني مكاسبها، وتستغل سوء الأوضاع في الدول العربية السنية لكي تنفذ أحلامها وطموحاتها على أنغام (المقاومة) و (الممانعة).
استثمار الولاء المذهبي :
ويعتمد الإيرانيون في تنفيذ مخططاتهم على حالة الولاء المذهبي المطلق للمرتبطين بالمشروع الإيراني الفارسي من شعوب المنطقة في العراق والخليج العربي، وقد لمسنا دور هؤلاء الأتباع في عراق ما بعد الشهيد صدام حسين ، كما لمسناه في حقب تاريخية ماضية ليست ببعيدة أيام التفجيرات في بعض دول الخليج العربي في الثمانينيات.
لقد استثمرت إيران - بأنانية شديدة، وبدرجة عالية من النفعية والبراجماتية - النفوذ الواسع لحزب اللات اللبناني في المعادلة اللبنانية الداخلية غير المتوازنة، لتحرق لبنان بأسره وتستعمله كخزان وقود متفجر، لتحقيق أهدافها بأيدي غير إيرانية وبخبث شديد، ولو أرادت إيران محاربة "الغرب المستكبر" فعلاً كما تقول، فإن أمام سواحلها تقف البوارج والقواعد الأمريكية، التي يمكنها منازلتها مباشرة إن أرادت أو رغبت، لكن الأمر الواضح للجميع هو أن عقلية النظام السياسي الإيراني تحاول تحقيق المكاسب دون دخول ساحة الوغى.
إن الذين يتحدثون عن أن إيران تستغل لبنان وشعبه منذ أكثر من 20 عامًا، تحت شعار الدفاع عن المستضعفين لبناء إمبراطوريتها العقائدية، مستغلة ضعف السلطة المركزية في هذا البلد، هو كلام لا يمكن تكذيبه، بل تشهد عليه دلائل وشواهد الواقع. فقد استطاعت إيران أن تبني قواعدها العسكرية وتنقل صواريخها وكل ما تريد من تجهيزات لتأسيس امتداد لها في لبنان، ولهذا الغرض تم تكديس أطنان من السلاح الإيراني لحساب حزب اللات.
ونجحت إيران في تسليح طائفة وميليشيا تابعة لها وجعلتها أكبر وأقوى من الدولة اللبنانية بأسرها، وتلك معادلة غريبة ومشوّهة، فمهما بالغ أهل الخطاب الوطني في الدفاع عن استقلالية ووطنية قرارات قادة حزب اللات فإن ذلك كذب لأن مرجعية حزب اللات هي في طهران وقم أولاً وأخيرًا، وأن كلمات وتوجيهات خامنئي هي أوامر مقدسة لا ترد مهما كانت الذرائع.
لقد كان الصهاينة قد انسحبوا من الجنوب، وما بقي من جيوب هنا أو هناك كان يمكن بالمفاوضات إنهاء ملفاتها وحسمها دون الحاجة لدورات رهيبة من التدمير.
وللأسف الشديد، فإن ما حدث في لبنان مع "حزب اللات"، هو نفس الذي يحدث اليوم في العراق، فالميليشيات الطائفية في العراق موجودة، ولكنها لا تمتلك مشروعًا فكريًا ووطنيًا أصيلاً، وهي لا تمتلك سوى الفوضى، وتتخفى أيضًا تحت طائلة عجز السلطة المركزية، فجيوش الصدر "جيش المهدي " وجيوش الحكيم "فيلق بدر" جميعها مشاريع إيرانية صرفة قلبًا وروحًا وولاءً تاريخيًا، ولكنها في الحالة العراقية لا تمتلك المبادرة الكاملة في ظل الوجود الدولي في العراق، والذي يستطيع وحده لو أراد توجيه الأمور الوجهة السليمة، ولن تموت رءوس الفتنة الشيعية الصفوية الإيرانية إلا بعد تجريد الميليشيات من كل أسلحتها.
حلم وتخطيط :
منذ نشأة حزب اللات في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، والعلاقة معه تخضع للعديد من المشاورات والمناقشات بين الأجنحة السياسية في الدولة الإيرانية، فقد أرادت إيران من ظهور حزب اللات كقوة عسكرية ضمان موطئ قدم لها في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي، بما يجعلها تمتلك من الأدوات الإقليمية الكثير لتوظيفها حين تسنح فرص ذلك ووفق المصلحة الإيرانية، وأرادت أيضًا إقامة نقطة وثب لتصدير مشروع الثورة إلى المحيط العربي المجاور.
فعلى صعيد المسألة النووية فقد استطاع النظام الإيراني التحوّل من الدفاع عن برنامجه النووي إلى الهجوم في معركته مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن نجح في تغيير ساحة المعركة، وأن يحقق مكاسب عديدة من حرب الصهاينة ضد حزب اللات اللبناني بإيعاز وتنسيق مع طهران؛ ليثبت للأمريكيين أن إيران تملك أوراقًا عديدة من شأنها تفجير المنطقة في وجه واشنطن.
إن صعود الشيعة الصفويين في المنطقة العربية، أصبح واقعًا لا يمكن إنكاره، فالشيعة يعيشون حالة صعود في كثير من الجوانب، صعود عقدي، وسياسي واقتصادي، صعود قوى في حالة نادرة منذ قرون.
إن الدول العربية السنية لديها إمكانات أكبر من إيران لم تستفد منها، والسنة أكثر عددًا وثروة ومواقع، وعلى الرغم من حصار إيران والتهديد العسكري الذي تواجهه ومشكلات الفقر الذي تعانيه، فإنها تسعى لبناء إمبراطوريتها الفارسية.
إيران لا تنكر :
وللإيرانيين وجهة نظر في قضية الهلال الشيعي، ومحاولات التوسع الإيرانية يطرحها د. كمران التريمي ، الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة طهران، والذي يقول : إنه منذ قيام النظام الديني في إيران، تمثّل واحد من الأهداف الرئيسة لسياسته الخارجية في مساعدة الشيعة في كلّ مكان على المطالبة بحصّتهم في السلطة السياسية. وذلك هو السياق الذي عملت فيه إيران طوال 25 عامًا على إيواء، وتنظيم، وتدريب، وتسليح الجماعات الشيعية العراقية المعارضة لـصدام حسين . ولذلك وعلى الرغم من التكذيب المتكرر، فإنَّ الحكومة الإيرانية عملت على فوز شيعة العراق في الانتخابات، حيث سيمكّن ذلك من إدماج العراق في المحور القائم الآن الذي يضمّ طهران ودمشق وبيروت. فلطالما كانت العراق تلك الحلقة المفقودة في هذا الحلف، واعتقاد طهران أنَّ احتلال بغداد موقعها في هذا المحور سوف يضاعف قوته ونفوذه.
رجال دين شيعة يفضحون مخطط إيران
هناك العديد من رجال الدين الشيعة الذين كشفوا حقيقة المخطط الإيراني الفارسي لبسط نفوذه على المنطقة من أجل حلم الامبراطور ية.
فقد اتهم المرجع الشيعي حسين المؤيد ، إيران، بأنها "أكثر خطراً على الدول العربية من أمريكا وإسرائيل"، وأضاف أن لديها "مشروعاً قومياً"، يهدف إلى السيطرة على المنطقة، حسب رأيه.
وشن المؤيد ، الذي قرأ في مدارس قم الإيرانية وعاش فيها قرابة العقدين من الزمن، هجوماً عنيفاً على النظام الإيراني، واصفاً إياه بأنه نظام "يسعى لتحقيق مطامع قومية على حساب شعوب المنطقة، وتحت يافطة الدين والمذهب".
ونفى أن يكون لإيران أي "مشروع شيعي أو إسلامي"، وأن مشروعها "قومي ينطلق من سيكولوجية تحتقر العرب وتكرههم.. وأن خطر التمدد الإيراني على العراق والمنطقة العربية أكبر من الخطر الأمريكي والإسرائيلي"، على حد اتهامه.
وكشف المؤيد عن وجود خلايا نائمة في الوطن العربي، قال: "هم من العرب وتم تجنيدهم من قبل النظام الإيراني، وكشفنا بعضها، كما أن هناك مقاراً إيرانية في العراق يتم فيها تخزين السلاح وتهريبه إلى تلك الخلايا النائمة في الوطن العربي"، حسب وصفه.
ويعد الشيخ حسين المؤيد ، من رجال الدين الشيعة البارزين، والسياسيين الذين لديهم موقف علني في تأييد المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي، والرافضين بشدة لأي تدخل إيراني في العراق.
ولقد انشقت عن تنظيم مقتدى الصدر الذي سلم تنظيمه للإيرانيين أربع مجموعات في مدينة الصدر لوحدها، أما تلميذ أبيه البار محمود عبد الرضا الحسني فانشق هو الآخر وأسس تنظيم «الولاء الإسلامي» وهو تنظيم مسلح يسيطر على كربلاء، وهناك تنظيم آخر باسم «الفضيلة» يسيطر على البصرة. وكلا التنظيمين يزعمان تمثيل الشيعة العرب في العراق بمقابل تنظيمات مثل المجلس الأعلى وحزب الدعوة الموالية لإيران.
والشيعة في لبنان بصفة عامة هم من أعدل مجتمعات الشيعة ، بحكم أن المجتمع اللبناني نفسه شعب معتدل، طوائف وأديان ألفت التعايش عبر السنين، والذي يتأمل في مؤلفات بعض مشايخهم مثل محمد حسين فضل الله يجد أن صفات الاعتدال هي السائدة إذا قيسوا ببعض المجتمعات الشيعية الأخرى المتطرفة (مع مراعاة أن حزب اللات اللبناني تسليحه ودعمه وميزانيته ورعايته السياسية وتدريب كوادره من إيران، ويستحيل أن تكون هذه بدون ثمن، ويستحيل أن تكون هذه بدون أثر) وقد حاول محمد حسين فضل الله أن ينتقد تاريخ الشيعة وأثبت أن الشيعة هم قتلة الحسين وهم من خذلوه فشنت عليه مرجعية إيران حملة ظالمة وأعلنت كفره فلم يحتمل الرجل الحملة الشعواء ضده فاعتذر عن اجتهاداته.
ومن علمائهم الذين نقدوا كثيراً من ضلالاتهم موسى الموسوي في عدة كتب منها كتابه الشيعة والتصحيح، وحسين الموسوي في كتاب (لله... ثم للتاريخ)!!.
وكذلك أحمد الكاتب في كتابه (تطور الفكر الشيعي) ومن قبلهم الإمام السيد أبي الحسن الأصفهاني أكبر أئمة الشيعة من بعد عصر الغيبة الكبرى وإلى اليوم، وسيد علماء الشيعة بلا منازع، وعندما أراد تصحيح منهج الشيعة ونبذ الخرافات التي دخلت عليه، فلم يرق لهم ذلك، فذبحوا نجله كما يذبح الكبش ليصدوا هذا الإمام عن منهجه في تصحيح الانحراف الشيعي، كما قتلوا قبله السيد أحمد الكسروي عندما أعلن براءته من هذا الانحراف، وأراد أن يصحح المنهج الشيعي فقطعوه إرباً إرباً.
الشرق الأوسط الجديد.. خطوة نحو الحلم
كما قلنا من قبل، إيران دولة تجيد اقتناص الفرص واستغلالها لصالح مشروعها الفارسي التوسعي، في ظل حالة الغفلة العربية المقيتة التي تسيطر على دول المنطقة حكاما وشعوبا.
ومن أبرز أدلة هذا الاستغلال، ما فعلته إيران مع دعوة "الشرق الوسط الجديد" الذي أطلقته وزيرة خارجية أمريكا السابقة كوندليزا رايس.
علي أكبر ولايتي الرجل الذي كان وزير خارجية إيران لمدة (16) عاماً، الذي يعمل الآن مستشاراً لـ«المرشد الأعلى»، ويعتبر ولايتي صوتاً أساسياً في صياغة السياسة الخارجية لطهران.
وفي خطاب ألقاه في طهران الأسبوع الماضي قال ولايتي : إنه بإطاحة نظام طالبان في كابل ودكتاتورية البعث في بغداد، خلقت الولايات المتحدة فرصة تاريخية لإعادة صياغة الشرق الأوسط.
وفعلاً شاركت إيران في تقسيم بلاد العرب على أساس طائفي كما في العراق والذي يطالب فيه بعض رجال إيران بعزل الجنوب في إقليم شيعي واحد.
من الضروريات -وحسب التفكير الأمريكي والإيراني- أن إقامة مثل هذه المناطق إنما تتم بعد إشاعة مساحة من الفوضى والدمار، وهذا لن يكون إلاّ بعد إيقاظ وتسعير الفتنة الطائفية، وقد تطوّع الصفويون بهذه المهمة القذرة.
أن يكون هناك مشروع أميركيّ للمنطقة، شرق أوسطي جديد أو كبير، فهذا ما لا يرقى إليه الشكّ. بيد أنه مشروع متعثّر متناقض، وفي بعض البلدان متهاوٍ. وإذا كانت الأقلام تجرّب فيه حبرها، والأصوات تجرّب فيه حناجرها، فهذا لا يلغي وجود مشروع ناشئ آخر لا يقلّ، في حال من الأحوال، خطراً: إنه المشروع الإيرانيّ.