المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024
احمد السعدي
بواسطة : احمد السعدي 17-11-2018 02:22 مساءً 29.7K
المصدر -  أشاح برنامج الأعلام في المملكة العربية السعودية وتشرف عليه دارة الملك عبدالعزيز عن الندوة الخامسة ضمن ندواته المخصصة للتعريف بإنجازات رواد وأعلام في مختلف المجالات من المواطنين من الجنسين منذ ظهورالدولة السعودية الأولى عام 1157هـ/1744م ، فيما يعد من جانب آخر تكريما ووفاءَ وتوثيقا من الدولة لهؤلاء المخلصين الأفذاذ ، وتقديم انجازاتهم إلى الجيل الحالي والمقبل بصفتهم قدوة في الوطنية الحقة وأمثلة باسقة للعطاء والتفرد لخدمة الوطن والإسهام في البناء الحضاري للمجتمع ، وإضافة إلى ذلك يعد البرنامج سبراً للعلاقة الوثيقة بين المجتمع السعودي وولاة الأمر التي من صورها التفاني في بناء المملكة العربية السعودية وإعمارها مبنى ومعنى .
هذه المرة حط البرنامج رحاله وأقلامه في مدينة أشيقر بمحافظة شقراء لتكريم علمٍ من أعلام العلم والمعرفة والتاريخ على مستوى الوطن هو المؤرخ والنسابة الشيخ إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن محمد بن عيسى الذي ولد في عصر اتسم بعدم الاستقرار وكثرة الحروب وقطع الطرق ، حيث كانت ولادته عام 1270 هـ في أشيقر بعد أن انتقل إليها جدّه محمد من شقراء ، انصب اهتمامه على عشيرته آل عيسى، وكان شديد الحرص على صلة أرحامه من أبناء عمومته في شقراء وباقي أسرته فكان دائماً ما يراسلهم ليسألهم عن أحوالهم وبالمقابل كانوا يزودونه بأخبارهم وأحداثهم وما استجد عليهم ومن ذلك رسالة جوابية وصلت إليه من الشيخ محمد بن علي البيز العيسى في شقراء ذكر له فيها وفيات آل عيسى من الذكور والإناث بسبب وباء الجدري عام 1337هـ ، كما كان للمؤرخ العلامة مراسلات مع الإمام عبدالرحمن الفيصل تعكس ولاء وفاء المؤرخ الثاني للدولة السعودية ابن عيسى للإمام ابن فيصل ولأسرة آل سعود ، ومراسلات مع الملك عبدالعزيز الذي كلفه بكتابة تاريخ الدولة السعودية أثناء مروره بالمنطقة ـ طيب الله ثراه ـ ابتداء من ما انتهى إليه قلم المؤرخ عثمان بن بشر، فدون وأجاد بالرغم من انعدام الاتصال وبطء المراسلة وعدم انتشار وسائل الإعلام آنذاك إلا في المدن الكبرى في المملكة .
وعاش المؤرخ ابن عيسى بعد شهرته العلمية حياةّ مثل حياة العلماء عبر التاريخ فولع بالمعرفة والعلم الأصيل، وصبر وثابر في الحصول عليهما والسفر إليهما، فقد كتب الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جاسر عن شيخه ابن عيسى : " كان في بداية طلبه العلم يتجول في البلدان، وإذا ما وجد ما يعجبه من الفوائد نقله بخط يده ، وكان لا ينفك في غالب أوقاته من المطالعة ، حتى إذا خرج من بيته أخذ معه بعض المجاميع التي هي بخط يده " وأضاف الدكتور هشام بن محمد السعيد في الندوة الذي أورد ذلك أن من شيوخه الذين أخذ عنهم :" قاضي شقراء الشيخ عبدالله بن علي بن عيسى ، وقاضي المجمعة الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى ، وقاضي الزبير الشيخ صالح بن حمد المبيّض ، وأمير بهوبال الهند الشيخ صديق حسن خان القنّوجي " وغيرهم ، وبالرغم من تتلمذه على أيد قضاة وقربه منهم إلا أن الشيخ ابن عيسى رفض منصب قاضي عنيزة مرتين عامي 1308 هـ و 1318هـ وذلك تورعاً و" إيثارا للسلامة " وولعا بطلب العلم وبتعقب الحدث والمعلومة وتسجيلهما، وتدوين التصحيحات والفوائد والتعليقات على الكتب ، ونسخ المخطوطات بخطه الجميل، فقد كان لديه مكتبة من أهم المكتبات النجدية مكونة من مخطوطات نفيسة ونوادر شاردة بخطوط مصنفيها ، كما أنه كان يشتري بعض المكتبات الخاصة غير الموقوفة وكان يطلع عليها من خلال اشتغاله بفهرسة المكتبات الخاصة، كما أن زواجه من أرملة شيخه عبدالرحمن بن محمد بن مانع نورة بنت إبراهيم البجادي أولى زوجاته الست ، كان داعما لمكتبته حين وهبته ما ورثته من زوجها الأول من الكتب والمصنفات، فضلا عن ما يجود به مشايخه عليه من إهداءات وتزويدات ، بل وتذكر وثيقة تاريخية تعود إلى عام 1330 هـ إلى أن الشيخ المؤرخ ابن عيسى يسأل تلميذه في الكويت العلامة عبدالله بن خلف الدحيان عن سعر كتاب " القاموس المحيط " للفيروزأبادي لغرض شرائه، إلا أن مكتبته تفرقت إمّا اهداء أو بيعا في سوق عنيزة بعد وفاته فيها ، أوهبة ،أوقفا ، وبعض كتبه ذهبت إلى الرياض وتحصل عليها الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ الذي تربطه به علاقة متينة .
أثرى المؤرخ الشيخ إبراهيم ابن عيسى المكتبة بعدد من المصنفات والمنسوخات التي بدأ في العمل فيها وهو لم يتجاوز العشرين عاما من عمره،بالرغم من اشتغاله في الزراعة في مزرعة له ولأخويه عبدالعزيزوعبدالرحمن، من هذه المصنفات ما هو مفقود مأسوف عليه ومنه ما هو ماثل للعيان متاح حصرها الأستاذ عبدالله بن بسام البسيمي أثناء مشاركته في الندوة ، من أبرزها: كتاب تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد ، وكتاب عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر ، وكتاب تاريخ نجد وهو امتداد لمصنفه عقد الدرر ، ورسالة عن علماء بلدة أشيقر ، ونبذة عن بلاد العرب ، ونبذة عن أشراف مكة المكرمة ، وجزء متوسط في أنساب العرب القحطانيين والعدنانيين ، وغيرها كما ان له مجاميع كثيرة قيد فيها ما يراه وما يسمعه تناولت موضوعات في التاريخ والجغرافيا والأنساب والفلك والطب والتراجم ما يؤكد " موسوعية " ابن عيسى .
انتقل الشيخ المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى وأسرته ومكتبته إلى عنيزة عام 1342هـ حيث كان يستأنس بعلاقات أخوية وعلمية بعلماء منها ويعقد الحلقات التعليمية لطلابه هناك، كما كان يحتفظ بعلاقة حميمية مع أميرها عبدالعزيز بن عبدالله السليم تثبتها رسائل متبادلة ، وكان انتقاله إليها امرا محزنا لأهل أشيقر وطلابه فكانوا يضمنون رسائل له بدعاء أو طلب أو رجاء بأن " يرده إلى بلده " إلا أنه توفي في العام التالي دون أن يزور مسقط رأسه .
هذه الموسوعية التي ألفها المؤرخ ابن عيسى لم تكن وليدة الصدفة فلولا اجتهاده المبكر في التعلم ثم استثمار مهارات الذكاء والحفظ لديه ثم همته العالية بارتحاله في داخل المملكة وخارجها بما فيها من تعب وشقاء وكمد لما نال هذه الدرجة العالية من العلوم المختلفة ، واطلع على أحوال الأمم وثقافاتهم وأعمالهم ، فرحل المحتفى به للاستزادة في العلم إلى الأحساء أكثر من مرة ، وإلى الكويت أكثر من مرة ودرس هناك على يد الشيخ محمد بن سعيد الكويتي ، ثم مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ومجالسة العلماء وكان في العقد الخامس من عمره ، ثم سافر إلى حائل فالهند فالرياض ، كما رحل إلى بغداد والبصرة والكوفة وإلى بلاد الشام إلا أن الأستاذ يوسف بن عبدالعزيز المهنا في بحثه المشارك في الندوة يؤكد أنه لم يجد إشارة في كتب ابن عيسى ورسائله وشعره ومجموعه المشهور " الكُنّاش " ما يشير إلى رحلة الشام لكنه لا يستبعد أنه سافر لها لقربها وكثرة القوافل المتجهة لها .
الندوة العلمية عن ابن عيسى التي من المخطط له وحسب ركائز برنامج أعلام المملكة العربية السعودية ستطبع كتابا خاصا عن الندوة ليضاف إلى كتابين طبعتهما الدارة لابن عيسى هما "عقد الدرر" و "بعض الحوادث الوقعة في نجد "، فهذا البرنامج التكريمي التوثيقي يتضمن أهدافا وطنية وتوثيقية تحدث عنها معالي الأمين العام المكلف لدارة الملك عبدالعزيز في كلمته في الندوة: " .. وقد أولت دارة الملك عبدالعزيز أعلام المملكة وروادها في المجالات المختلفة عنايتها الفائقة ، فحرصت على تحقيق مؤلفاتهم ، وطباعة كتبهم ، ونشر إصداراتهم ، وتجلية إنجازاتهم ، وإبراز مجهوداتهم، وتنظيم الندوات العلمية واللقاءات المعرفية عنهم ، عرفانا بفضلهم وفاء بحقهم " كما أن الندوة فرضة مواتية لتحديث مستمر للعلاقة مع فئات المجتمع وتعريف بدور الدارة في ترميم الوثائق والمخطوطات والأوراق القديمة والكشف عن سلامتها من التدليس، واقتنائها، أونسخها ، واقتناء المكتبات المهمة ، وتقديم المصادر الموثوقة لحركة البحث العلمية .