المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 27 ديسمبر 2024
الحوثية الثورية والهاشمية السياسية.. تحالف الحكم وصراع البقاء
محمد الياس - فقيد غرب رحمه الله
بواسطة : محمد الياس - فقيد غرب رحمه الله 11-11-2018 09:37 صباحاً 25.2K
المصدر -  
تعود تسمية الحوثيين إلى المرجع الشيعي اليمني بدر الدين أمير الدين الحوثي (1926-2010م) المشهور بالميول نحو الاستيلاء على الحكم على أسس سلالية دينية وعدم اعترافه بالنظام الجمهوري.

ففي عام 1986م أسس إلى جانب رفيقه مجد الدين المؤيدي (1914-2007م) ما يسمى بـ (اتحاد الشباب) الذي كان يهدف من خلاله إلى تقديم المذهب الاثنا عشري القائم على نظرية (ولاية الفقيه)، وكان يقدم نفسه على أنه هو (الولي الفقيه) وهو ما سبب الخلاف بينه وبين رفيقه المؤيدي الذي كان يعتبر نفسه (الإمام القاعد) حسب النظرية التي خرج بها رموز الزيدية للخروج من مأزق وجوب الإمامة في البطنين ( في إشارة إلى أقارب النبي محمد من ابنته فاطمة).

تسبب الخلاف بين الحوثي والمؤيدي على هذه المسميات انشقاق (اتحاد الشباب) الذي خرج منه المؤيدي ومعه مجموعة كبيرة من رفاقه ومريديه فأصبح الحوثي ضمن مجموعة صغيرة محدودة التأثير.

ومع إعادة تحقيق الوحدة بين شطري اليمن في عام 1990م أوعز بدر الدين الحوثي لابنه الأكبر (محمد) تأسيس (منتدى الشباب المؤمن) إلى جانب شخص آخر من تلامذته وهو (محمد سالم عزان)، حيث استغل هذا التنظيم جو الحرية الذي صاحب إعادة تحقيق الوحدة الذي سمح دستورها بتشكيل التنظيمات السياسية والفكرية والثقافية.

استطاع التنظيم الجديد بث الأفكار الاثنا عشرية - التي طالما حلم الحوثي الكبير بنشرها في مناطق المذهب الزيدي منذ زمن طويل- في غضون سبع سنوات من عام 1990 إلى عام 1997م حيث تمكن الحوثيون من إقامة أول معسكر ثقافي لهم في مدينة صعدة مركز المحافظة الأشد تعصباً للمذهب الزيدي ومعقله الثقافي والفكري مما أثار حفيظة (الهاشمية السياسية) التي رأت أن هذا التنظيم خطر على وجودها بسبب حمله لنظرية الخميني المسماة بـ (ولاية الفقيه) فعمل رموز الهاشمية السياسية على تفنيد هذا الفكر من خلال مراجعهم الكبار وعلى رأسهم (مجد الدين المؤيدي ومحمد محمد المنصور وحمود عباس المؤيد) وغيرهم من رموز الهاشمية السياسية.

عندما تفاقم الخلاف بين الفريقين وبدأ بالظهور إلى العلن بعد أن كان يدور في الكواليس حفاظاً على البنية السلالية من التفكك، تدخلت الرموز السياسية للهاشمية السياسية (اللواء يحيى المتوكل والدكتور أحمد شرف الدين والدكتور محمد عبد الملك المتوكل وأحمد الكحلاني) وغيرهم لاحتواء هذا الخلاف و تقريب وجهات النظر وخرجوا بالاتفاق مع الحوثيين باستمرار نشاطهم وفق المذهب الزيدي، وكان الرئيس السابق على عبدالله صالح شاهداً على هذا الاتفاق والذي على ضوئه منح الحوثيين دعماً مالياً سنويا لأنشطتهم بشرط التزامهم بأسس المذهب الزيدي.

أثناء عقد هذا الاتفاق كان بدر الدين الحوثي وأنجاله حسين وعبد الملك وعبد الخالق يقيمون في إيران منذ فرارهم إليها عقب اندلاع حرب صيف 1994م بسبب تأييد الحوثي للانفصال ومبايعته لعلي سالم البيض باعتبار توافر شرط (البطنين) فيه كونه حسب زعمهم من (أهل البيت الهاشمي)، مكث الرجل وأنجاله الثلاثة في إيران قرابة السبع سنوات تشبعوا فيها بعلوم المذهب الإثنا عشري، وعادوا إلى اليمن بعد عفو خاص عام 2001م بوساطة من رموز الهاشمية السياسية.

بعد عودة بدر الدين وأبناؤه إلى اليمن قام حسين بدر الدين الحوثي بالاستيلاء على قيادة تنظيم الشباب المؤمن وتمكن من إقصاء أخيه محمد وأيضا محمد عزان من قيادة التنظيم، ومن لحظتها بدأ حسين الحوثي بتقديم الفكر الاثنا عشري بشكل صريح في محاضراته وندواته التي كان يقدمها من مدخل (العداء لأمريكا وإسرائيل) وعندها يمكننا القول أن تنظيم الشباب المؤمن أصبح ثوريا إيرانيا.

زاد التفاف الشباب خلف القائد الجديد للحوثيين مما شجعه على إعلان التمرد على الدولة عام 2004م الذي انتهى بمقتله في غضون أيام قليلة، لكن سرعان ما أعاد التنظيم ترتيب صفوفه بقيادة أخيه عبدالملك الذي خاض مع الدولة خمسة حروب أخرى انتهت بالحرب السادسة عام 2009م كانوا يتلقون خلالها الدعم المادي والعسكري والسياسي والإعلامي من إيران وحزب الله اللبناني.

أثناء ثورة الشباب التي اندلعت ضمن ثورات الربيع العربي استطاع الحوثيون الاستيلاء على محافظة صعدة بالكامل، كما استغلوا وهج ثورات الربيع وانشغال النظام بقمعها فشاركوا في ساحاتها السلمية وتمددوا عسكرياً في ذات الوقت في محافظات الجوف وحجة وعمران، وبعد سقوط نظام صالح وانتقال الحكم إلى الرئيس هادي عام 2012م شارك الحوثيون في مؤتمر الحوار الوطني إلى جانب التنظيمات السياسية والثورية السلمية الأخرى، ومن ذلك الوقت أطلقوا على أنفسهم مسمى جديد هو (أنصار الله).

في عام 2014م وبالتحالف مع كل من الرئيس السابق على عبدالله صالح وتنظيم الهاشمية السياسية الحليف الاستراتيجي لصالح استطاع الحوثيون اجتياح محافظة عمران ومن ثم إسقاط الدولة والاستيلاء على الحكم في صنعاء ، ثم بدأوا بشن الحرب على المحافظات الجنوبية إلى تمت لهم السيطرة على معظم محافظات الجمهورية حتى انطلاق عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس عام 2015م. وفي نهاية عام 2017م تمكن الحوثيون من قتل حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد حصار منزله في صنعاء لمدة يومين.

أما بالنسبة للجذور التاريخية للهاشمية السياسية فهي تمتد إلى أكثر من ألف عام تقريباً هي عمر الحكم الإمامي الذي تعاقب على حكم شمال شمال اليمن على أساس ديني مستند إلى نظرية دينية سياسية تسمى (نظرية البطنين) .

تلقت الهاشمية السياسية هزيمة ساحقة في اليمن إثر اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962م على يد الثائرين على الحكم الإمامي السلالي، لكنها ظلت تقاوم وتحارب من أجل استعادة الحكم ضد الجمهوريين المدعومين من نظام جمال عبد الناصر في مصر، وظلت الحرب مستعرة بين الجمهوريين والملكيين (الهاشمية السياسية) حتى عام 1970م الذي شهد مصالحة بين الجمهوريين والملكيين برعاية سعودية مصرية ، حيث أفضى الاتفاق إلى إشراك (الهاشمية السياسية) في الحكم تحت مظلة النظام الجمهوري.

عقب الاتفاق شكل الملكيون (الهاشمية السياسية) في صنعاء تنظيما سرياً خاصا بهدف استعادة الحكم في السلالة من خلال التغلغل في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية عبر خطة استراتيجية طويلة المدى تنتهي بالاستيلاء على الحكم ولو تحت مظلة النظام الجمهوري، وقد سار التنظيم في تحقيق أهدافه بنجاح منقطع النظير، وكاد أن يحقق أهدافه لولا الظهور الطارئ لجماعة الحوثي واندلاع ثورات الربيع العربي.



الصراع الفكري

تستند الهاشمية السياسية على نظرية (الإمامة في البطنين) بمعنى أنه يجب أن يكون الحكم في نسل علي ابن أبي طالب من فاطمة بنت الرسول محمد، وهو ما يعني انحصار الحكم في نسل كل من الحسن والحسين أبناء علي، وفي هذه الجزئية تتفق الهاشمية السياسية مع الاثنا عشرية التي يتبناها الحوثيون ويروجون لها، غير أنهما يختلفان في التفاصيل المفسرة لهذه النظرية، ففي الوقت الذي ترى فيه الهاشمية ضرورة انحصار الحكم في نسل الحسنين ابني علي ترى الاثنا عشرية انحصار الحكم في نسل الحسين ابن علي فقط دون الحسن الذي سلم الحكم طواعية لخصمه معاوية، وهذه الفكرة الاثنا عشرية تخرج الهاشمية السياسية من إطار الحكم وادعاء الأحقية كون غالبيتها العظمى بما فيهم الأئمة الذين تعاقبوا على حكم اليمن خلال الأف عام الماضية من نسل الحسن بن علي الذي ترفض الاثنا عشرية إشراك نسله في الإمامة، وقد أدى هذا الخلاف الفكري بين الطرفين إلى تكفير بعضهما لبعض.

بعد سقوط حكم الإمامة (الهاشمية السياسية) في اليمن عقب ثورة سبتمبر، ومن ثم اتفاق الجمهوريين والملكيين عام 1970 وانتهاء فصول الحرب بينهما أصبحت الهاشمية السياسية في مأزق فكري كبير سبب تصدعاً كبيراً في صفوفها، إذ كيف يمكن تقبّل العيش في ظل نظام سياسي لا يخضع لنظرية (الحكم في البطنين) فاتفق رموز الهاشمية السياسية وعلى رأسهم (مجد الدين المؤيدي) على ضرورة الاتفاق على وضع نظرية فكرية جديدة على غرار نظرية الخميني (ولاية الفقيه) للخروج من المأزق الفكري الذي تعيشه الهاشمية السياسية منذ عام 1970م ، وبعد نقاشات علمية وفكرية مستفيضة خرجت الهاشمية السياسية في مطلع الثمانينات إبان حكم على عبدالله صالح بنظرية (الإمام القاعد والإمام القائم) ، حيث تتلخص النظرية في القبول بحكم شخص من خارج (البطنين) ومبايعة رئيس الدولة كإمام قائم، مع ضرورة مبايعة شخص آخر تنطبق عليه شروط الإمامة ويسمى (الإمام القاعد) ووقع الاختيار على مجد الدين المؤيدي وظل الإمام القاعد للهاشمية السياسية في اليمن ونجران والحجاز حتى وفاته عام 2007م وذلك إلى جانب عضويته في المجلس الأعلى لحكماء آل البيت في اليمن التنظيم السياسي السري للهاشمية السياسية.

ورغم أن بدر الدين الحوثي أيضا من نسل الحسن ابن علي إلا أن تطلعه للإمامة بالإضافة إلى غيرته الشديدة من منافسه الأبرز مجد الدين جعله يرتمي في أحضان الإيرانيين ويتبنى الفكر الاثنا عشري ويقدم نفسه لهم على أنه (اليماني) الذي سوف يمهد لظهور الإمام المنتظر لدى الشيعة الاثنا عشرية، و (اليماني) في الفكر الاثنا عشري رجل من أهل اليمن من نسل الحسن يستولي على حكم اليمن ويكون استيلاؤه على الحكم مقدمة لظهور الإمام المنتظر لديهم، وهذا واحد من الأسباب التي جعلت إيران تدعم الحوثي دون غيره بالإضافة إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية والجغرافية والسياسية من خلال دعم حركات التمرد في اليمن وغيرها من البلدان.

سبّب الصراع الفكري بين المؤيدي والحوثي صراعاً فكريا بين الهاشمية السياسية والحركة الحوثية، مما دفع بالرموز العلمية للهاشمية السياسية إلى إصدار عدد من الفتاوى المؤيدة لنظام صالح أثناء حربه ضد جماعة الحوثي المتمردة في صعدة، لكن هذا الصراع بدأ بالاضمحلال عقب وفاة مجد الدين المؤيدي وعجز الهاشمية السياسية عن مبايعة إمام قاعد جديد في ظل التنافس المحموم بين رموزها العلمية، مما أعادها إلى نفس الفراغ الفكري، غير أن تنظيمها السري السياسي ظل متماسكا إلى حد كبير.

كان هذه الفراغ الفكري فرصة لحركة الحوثي فعاد بدر الدين الحوثي ليقدم نفسه كإمام جديد وقاد مع ابنه حروبا عدة إلى جانب نجله عبد الملك لكنه سرعان ما قضى نحبه عام 2010 متأثرا بجروح أصيب بها في آخر الحروب مع نظام صالح عام 2009م.



إعادة التموضع والسباق على البقاء

وجدت الهاشمية السياسية ضالتها في علي عبدالله صالح الذي استغلت شغفه بالسلطة وسعيه لتوريثها في نسله فتحالفت معه وصاهرته من خلال أحد رموزها السياسيين، ومن جانبه سهل صالح للهاشمية السياسية التغلغل في مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية ، وقام بتنسيب الكثير من أبنائها في الحرس الجمهوري والأمن المركزي وقوات النجدة، وسلمها مناصب قيادية في الحكومة والقضاء والحزب السياسي الذي يتزعمه، مما وفر لها غطاء سياسيا قويا وسلطة عسكرية ومدنية كبيرة، وفي ذات الوقت ظل الحوثيون في حروب مستمرة مع نظام صالح مكن لهم من التمدد والانتشار في محافظة صعدة.

بعد تولي اللواء يحيى الشامي قيادة التنظيم السري للهاشمية السياسية وبسبب ميوله إلى التحالف مع حركة الحوثي بدأ الانسجام بين التنظيمين مما شجع الكثير من الهاشميين إلى البدء بإظهار التعاطف مع الحوثيين، ومنذ انتقال الحكم إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي عام 2012 من خلال المبادرة الخليجية التي رفضها الحوثيون استطاعت الهاشمية السياسية أن تقدم خبراتها التنظيمية لحركة الحوثي واستطاعت اقناعهم بتشكيل مكتب سياسي والظهور بمسمى جديد (أنصار الله) ومن هنا بدأ التناغم في التحرك وفق مشروع واحد للانقضاض على الحكم خاصة بعد خروج صالح من منظومة الحكم عقب ثورة فبراير، من هنا رمت الهاشمية السياسية يثقلها السياسي والتنظيمي لصالح حركة الحوثي وساهمت بشكل كبير في دعم الانقلاب بالاشتراك مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

خلال سنوات الانقلاب أدركت الهاشمية السياسية أنها وقعت في ورطة كبيرة في تحالفها مع شخص منتقم وآخر متهور، وهذا بحد ذاته يهدد مشروعها الاستراتيجي في استعادة الحكم، لقد شعرت الهاشمية السياسية أنها أصبحت وسط مجموعة مرفوضة اجتماعيا وإقليمياً بسبب همجية الحلف الانقلابي ، ومما زاد الطين بلة قيام الحوثيين بقتل علي عبدالله صالح الذي كان يشكل بالنسبة للهاشمية السياسية الغطاء الآمن لإعادة التموضع في حال التخلص من حركة الحوثي وفشل الانقلاب.

أصبحت الهاشمية السياسية تشعر أنها مكشوفة الظهر في ظل اندفاع جزء من قيادتها إلى التماهي بحمق مع المشروع الحوثي كاللواء يحيى الشامي، لأن هذا التماهي قد يكلفها ثمنا كبيرا في حال سقطت الحركة الحوثية المسلحة في الحرب التي يقودها التحالف العربي منذ مارس 2015م، وقد يؤدي الى تشرذم وتمزق وفناء الحركتين الثورية الايرانية والهاشمية السياسية.

ويبدو أن السيناريو الأفضل والمتاح للهاشمية السياسية حاليا هو الاستجابة العاجلة لخيوط التواصل التي فتحت لها - سراً – من الجوار الخليجي مقابل التخلي عن الحركة الحوثية الثورية المرتبطة بايران، ومن أجل إجراء حوارات سياسية تفضي إلى إنقاذ التنظيم الهاشمي من مأزق الفناء الذي تحمله بذور الحوثية كسيناريو ثاني ضمن عدة سيناريوهات متوقعة .

لكن الأخطر هو السيناريو الثالث الذي يتوقع أن يتكرر توحش الحركة الحوثية وتشهد صنعاء دورة عنف جديدة بين مكونات الانقلاب خاصة وان التصفيات بين صالح حليف الهاشمية والحوثيين انتهت بمقتل صالح في الرابع من ديسمبر 2017، وربما سينتهي المطاف بتوحش آخر للحوثية ضد قادة الهاشمية السياسية الذين تم تصفية بعضهم منذ وقت مبكر، خاصة في حال كان لطهران استراتيجية طويلة لبقاء اليمن في اطار الفوضى لضمان بقاء الخليج في حالة تهديد دائم .