المصدر - متابعات -غرب الاخبارية
قبل أن تتمكن فاطمة من الهروب من ميانمار تعرضت المرأة الروهنغية، الأم لطفلين، عشرات المرات للاغتصاب وكادت أن تموت. والآن تعيش في مخيم للاجئين في بنغلادش دون أمل في العودة إلى حياتها القديمة أو أمل في مستقبل تقرره بنفسها.
بغض النظر عن صوت التساقط المنتظم للمطر فوق الغطاء البلاستيكي الأبيض لا يمكن سماع شيء آخر. لا تلفزة ولا موسيقى ولا ضحك أطفال. وهذا الهدوء يتم شقه فقط بصوت المؤذن. مكبرات صوت رمادية معلقة في الأشجار ترسل النداء إلى الصلاة فوق الهضبات والسهول المليئة بالوحل.
في شمال شرق كوتوبالونغ، أكبر مكان للاجئين في العالم، يقع المخيم رقم 7، هنا يعيش حوالي 40 ألف شخص في مساحة كيلومتر مربع واحد فقط. ولا أحد يعرف بدقة العدد الحقيقي للروهنغيا، الذين وصلوا إلى هنا في الغابة السابقة على الحدود بين بنغلادش وميانمار. ويبلغ عدد سكان كافة المخيمات في كوتوبالونغ نحو مليون شخص، وربما يصل عددهم إلى 1.2 مليون أو أكثر.
الأقلية المسلمة
منذ سبيعنيات القرن الماضي والأقلية المسلمة تهرب من ميانمار، لكن لم يأتِ بتاتاً عدد بهذا القدر دفعة واحدة مثلما حدث السنة الماضية 2017. ففي غضون شهور قليلة هرب أكثر من 700 ألف من الرجال والنساء من أعمال العنف القاسية في ميانمار. ولا أحد يعرف عدد الذين قُتلوا بالضبط. لكن الواضح هو أنها أفظع إبادة جماعية في تاريخ منطقة شبه القارة الهندية.
فاطمة واحدة من الناجين، وها هي تدلك بأصبعها أسنانها، فاللثة ملتهبة بسبب مضغ أوراق التبغ ووَرَقُ التَّنْبُول، التي تترك سواداً على حافة الأسنان ـ ومن شأنها تخدير الذكريات القاتمة بعض الشيء.
ولدان صغيران
فاطمة تبلغ من العمر 20 عاما ولها طفلان. وقبل أن تهرب من ميانمار، تعرضت فاطمة للاغتصاب 30 أو 40 مرة، في ليلة واحدة. لا يمكن لها الجزم كم من مرة وكم كان عدد الرجال وتقول وهي تتحدث بصوت خافت: “لقد تركت جسدي هناك”. عيونها تنظر في الفراغ فوق الأرض المبتلة. وحتى عند التواصل بالأعين لا يوجد لقاء، وكأنّ باباً داخليا انغلق وسط العيون السوداء.
نحن نجلس فوق سجاد في الحجرة الأمامية للكوخ. ويوجد كرسي صغير من البلاستيك.
زوجها علي، الذي يكبرها بعامين، يجلس بجانبها عندما كانت تحكي قصتها.
وكان مجبرا مثل العديد من الآخرين على مغادرة قريته عندما جاءت الميليشيات ليفر من الموت. وترك زوجته وابنهما الرضيع وابنهما الآخر الذي كان عمره 14 شهرا لدى والديه، وكان ذلك قبل سنة. ولم تمر ليالٍ كثيرة حتى جاؤوا واقتادوا فاطمة إلى الغابة.*
في السقيفة كانت تجلس نساء أخريات، وغيرهن جئن من القرى المجاورة.
واعتدى الدهماء عليهن مرارا وتكرارا، ولا أحد سمع أنينهن وصراخهن.
فالأزواج أو الإخوة، مثل علي زوج فاطمة، والذين بإمكانهم إنقاذهن ماتوا أو أجبروا على الهروب للحفاظ على حياتهم.
غالباً ما يُتخلي عن النساء المغتصبات
بطريقة ما، نجحت فاطمة في العودة إلى القرية. وتمكنت أيدٍ خبيرة من تضميد جروحها في الطريق، وإلا لكانت ستنزف حتى الموت.
ومن المحتمل ألا تنجب فاطمة أطفالا بعد ذلك. ومع والدي زوجها تمكنت من الهروب عبر النهر الحدودي إلى بنغلادش المجاورة، وساعدتها منظمات دولية في البحث عن زوجها علي.
“ليس لدي مشكلة في البقاء معها”، يقول علي، الذي يؤكد أن ما وقع لفاطمة جاء رغما عنها. ويعني بذلك الاغتصاب الجماعي.
كثير من الروهنغيا يتخلون عن زوجاتهن المغتصبات، ويتركونهن لوحدهن مع الأطفال والآلام، لأن رجلا آخر استحوذ عليها وسلبها شرفها، بحسب تصور العديد من الرجال.
ولا تغادر النساء الأكواخ حتى أثناء الحرارة الشديدة للصيف البنغالي. ففي ثقافة الروهنغيا لا تغادر النساء البيت إلا إذا كانت هناك حاجة قصوى.
أماكن آمنة في المخيمات
بعض الارتياح يعم في أماكن وجود النساء الموَزعات على المخيمات حيث يوجد في هذه الأثناء 19 كوخا كبيرا تعتني بها منظمات دولية.
وبما أنه توجد هناك مشورة طبية، فإن بعض النساء يلجأن على الأقل لقضاء بعض السويعات في هذه الأماكن النظيفة والآمنة.
وعندما يعمل التيار الكهربائي، فإن المراوح تشتغل.
ويوجد مرحاض نظيف، وإمكانية غسل الأطفال بشكل صحيح.
من فوق الهضبة تظهر صورة مُرَوّعة تعكس صفوفا من الأكواخ. وحصائر بلاستيكية تغطي بنايات من قصب البامبو التي تشكل أيضا الجدران وكذلك السقوف. فقط بعض البيوت القليلة لها سقف من الصفيح.
مساكن طوارئ تقليدية
فاطمة وعلي يعيشان في أحد المخيمات غير القانونية التي نشأت قبل سنة في غضون فترة وجيزة حين وجب إيواء أكثر من 700 ألف من الروهنغيا. مساكن طوارئ تقليدية مقامة لتأمين السكن الأولي، وليس للإقامة على المدى الطويل. وهذا بالتحديد ما ينتظر فاطمة وعلي. ميانمار لا تبذل أي جهد لإصدار أوراق هوية لصالح الروهنغيا أو تركهم يعودون إلى بلدهم. وبدون أوراق ثبوتية سارية المفعول يبقى الروهنغيا رسميا بدون دولة ورهن رضا الحكومة البنغالية.
التأييد يضعف
البنغاليون يعرفون الاضطهاد، ففي التاريخ المتقلب للبلاد حصلت في كل مرة أحداث الهرب والتهجير. في البداية كان هناك تفهم لوضع اللاجئين، وهذا تغير ببطء.
فالكثيرون لهم الشعور بأن بلدهم قدم الكثير للاعتناء بالغرباء. كما أن الخوف يزداد أمام تطرف مسلمين شباب، لأن صائدي البشر يجدون في أكواخ اليأس مصيدة سهلة. ومن الناحية الرسمية لا يحق للروهنغيا مغادرة المخيمات ولا يحق لهم العمل والأطفال يحصلون على تعليم مدرسي محدود للغاية.
الشعور بالفقدان
كيف ستتطور الأمور؟ فاطمة لها رغبة واحدة، هي العودة إلى وطنها. فربما يعتريها الأمل في إيجاد ما فقدته في تلك الليلة.
وربما ليس هناك ما يكفي من القوة لتخيل حياة جديدة في المهجر. والمطر يواصل تساقطه فوق القطعة البلاستيكية البيضاء، ويتحول إلى إيقاع الانتظار وسط الشعور بفقدان غير متناهٍ
بغض النظر عن صوت التساقط المنتظم للمطر فوق الغطاء البلاستيكي الأبيض لا يمكن سماع شيء آخر. لا تلفزة ولا موسيقى ولا ضحك أطفال. وهذا الهدوء يتم شقه فقط بصوت المؤذن. مكبرات صوت رمادية معلقة في الأشجار ترسل النداء إلى الصلاة فوق الهضبات والسهول المليئة بالوحل.
في شمال شرق كوتوبالونغ، أكبر مكان للاجئين في العالم، يقع المخيم رقم 7، هنا يعيش حوالي 40 ألف شخص في مساحة كيلومتر مربع واحد فقط. ولا أحد يعرف بدقة العدد الحقيقي للروهنغيا، الذين وصلوا إلى هنا في الغابة السابقة على الحدود بين بنغلادش وميانمار. ويبلغ عدد سكان كافة المخيمات في كوتوبالونغ نحو مليون شخص، وربما يصل عددهم إلى 1.2 مليون أو أكثر.
الأقلية المسلمة
منذ سبيعنيات القرن الماضي والأقلية المسلمة تهرب من ميانمار، لكن لم يأتِ بتاتاً عدد بهذا القدر دفعة واحدة مثلما حدث السنة الماضية 2017. ففي غضون شهور قليلة هرب أكثر من 700 ألف من الرجال والنساء من أعمال العنف القاسية في ميانمار. ولا أحد يعرف عدد الذين قُتلوا بالضبط. لكن الواضح هو أنها أفظع إبادة جماعية في تاريخ منطقة شبه القارة الهندية.
فاطمة واحدة من الناجين، وها هي تدلك بأصبعها أسنانها، فاللثة ملتهبة بسبب مضغ أوراق التبغ ووَرَقُ التَّنْبُول، التي تترك سواداً على حافة الأسنان ـ ومن شأنها تخدير الذكريات القاتمة بعض الشيء.
ولدان صغيران
فاطمة تبلغ من العمر 20 عاما ولها طفلان. وقبل أن تهرب من ميانمار، تعرضت فاطمة للاغتصاب 30 أو 40 مرة، في ليلة واحدة. لا يمكن لها الجزم كم من مرة وكم كان عدد الرجال وتقول وهي تتحدث بصوت خافت: “لقد تركت جسدي هناك”. عيونها تنظر في الفراغ فوق الأرض المبتلة. وحتى عند التواصل بالأعين لا يوجد لقاء، وكأنّ باباً داخليا انغلق وسط العيون السوداء.
نحن نجلس فوق سجاد في الحجرة الأمامية للكوخ. ويوجد كرسي صغير من البلاستيك.
زوجها علي، الذي يكبرها بعامين، يجلس بجانبها عندما كانت تحكي قصتها.
وكان مجبرا مثل العديد من الآخرين على مغادرة قريته عندما جاءت الميليشيات ليفر من الموت. وترك زوجته وابنهما الرضيع وابنهما الآخر الذي كان عمره 14 شهرا لدى والديه، وكان ذلك قبل سنة. ولم تمر ليالٍ كثيرة حتى جاؤوا واقتادوا فاطمة إلى الغابة.*
في السقيفة كانت تجلس نساء أخريات، وغيرهن جئن من القرى المجاورة.
واعتدى الدهماء عليهن مرارا وتكرارا، ولا أحد سمع أنينهن وصراخهن.
فالأزواج أو الإخوة، مثل علي زوج فاطمة، والذين بإمكانهم إنقاذهن ماتوا أو أجبروا على الهروب للحفاظ على حياتهم.
غالباً ما يُتخلي عن النساء المغتصبات
بطريقة ما، نجحت فاطمة في العودة إلى القرية. وتمكنت أيدٍ خبيرة من تضميد جروحها في الطريق، وإلا لكانت ستنزف حتى الموت.
ومن المحتمل ألا تنجب فاطمة أطفالا بعد ذلك. ومع والدي زوجها تمكنت من الهروب عبر النهر الحدودي إلى بنغلادش المجاورة، وساعدتها منظمات دولية في البحث عن زوجها علي.
“ليس لدي مشكلة في البقاء معها”، يقول علي، الذي يؤكد أن ما وقع لفاطمة جاء رغما عنها. ويعني بذلك الاغتصاب الجماعي.
كثير من الروهنغيا يتخلون عن زوجاتهن المغتصبات، ويتركونهن لوحدهن مع الأطفال والآلام، لأن رجلا آخر استحوذ عليها وسلبها شرفها، بحسب تصور العديد من الرجال.
ولا تغادر النساء الأكواخ حتى أثناء الحرارة الشديدة للصيف البنغالي. ففي ثقافة الروهنغيا لا تغادر النساء البيت إلا إذا كانت هناك حاجة قصوى.
أماكن آمنة في المخيمات
بعض الارتياح يعم في أماكن وجود النساء الموَزعات على المخيمات حيث يوجد في هذه الأثناء 19 كوخا كبيرا تعتني بها منظمات دولية.
وبما أنه توجد هناك مشورة طبية، فإن بعض النساء يلجأن على الأقل لقضاء بعض السويعات في هذه الأماكن النظيفة والآمنة.
وعندما يعمل التيار الكهربائي، فإن المراوح تشتغل.
ويوجد مرحاض نظيف، وإمكانية غسل الأطفال بشكل صحيح.
من فوق الهضبة تظهر صورة مُرَوّعة تعكس صفوفا من الأكواخ. وحصائر بلاستيكية تغطي بنايات من قصب البامبو التي تشكل أيضا الجدران وكذلك السقوف. فقط بعض البيوت القليلة لها سقف من الصفيح.
مساكن طوارئ تقليدية
فاطمة وعلي يعيشان في أحد المخيمات غير القانونية التي نشأت قبل سنة في غضون فترة وجيزة حين وجب إيواء أكثر من 700 ألف من الروهنغيا. مساكن طوارئ تقليدية مقامة لتأمين السكن الأولي، وليس للإقامة على المدى الطويل. وهذا بالتحديد ما ينتظر فاطمة وعلي. ميانمار لا تبذل أي جهد لإصدار أوراق هوية لصالح الروهنغيا أو تركهم يعودون إلى بلدهم. وبدون أوراق ثبوتية سارية المفعول يبقى الروهنغيا رسميا بدون دولة ورهن رضا الحكومة البنغالية.
التأييد يضعف
البنغاليون يعرفون الاضطهاد، ففي التاريخ المتقلب للبلاد حصلت في كل مرة أحداث الهرب والتهجير. في البداية كان هناك تفهم لوضع اللاجئين، وهذا تغير ببطء.
فالكثيرون لهم الشعور بأن بلدهم قدم الكثير للاعتناء بالغرباء. كما أن الخوف يزداد أمام تطرف مسلمين شباب، لأن صائدي البشر يجدون في أكواخ اليأس مصيدة سهلة. ومن الناحية الرسمية لا يحق للروهنغيا مغادرة المخيمات ولا يحق لهم العمل والأطفال يحصلون على تعليم مدرسي محدود للغاية.
الشعور بالفقدان
كيف ستتطور الأمور؟ فاطمة لها رغبة واحدة، هي العودة إلى وطنها. فربما يعتريها الأمل في إيجاد ما فقدته في تلك الليلة.
وربما ليس هناك ما يكفي من القوة لتخيل حياة جديدة في المهجر. والمطر يواصل تساقطه فوق القطعة البلاستيكية البيضاء، ويتحول إلى إيقاع الانتظار وسط الشعور بفقدان غير متناهٍ