تلوث البيئة الناتج عن صناعة اللحوم
المصدر -
تعتبر ولاية المدية (60كلم جنوب الجزائر العاصمة) ولاية فلاحيه بامتياز، تتعدد فيها أنواع من الإنتاج الفلاحي، من إنتاج الكروم والخضر والفواكه، إلى إنتاج اللحوم بنوعيها الحمراء والبيضاء، إلا أن أهم ما ميز هذه الولاية ذات المساحة الشاسعة هو الإنتاج الواسع للحوم البيضاء، وحصرا تربية الدواجن وذبحها وتغليفها، حيث تعتبر الممول الرئيس للعديد من الولايات المجاورة وغير المجاورة، ومع تزايد الاستهلاك العام للحوم في الجزائر، نظرا للتغير في طبيعة المائدة الجزائرية وتغير المستوى الاجتماعي المادي، ازداد الطلب على أنواع اللحوم بشكل لافت، وتزايد معه الإنتاج بشكل كثيف، حيث تنتشر مئات المستودعات لتربية الدواجن، وكذا عشرات المذابح المنتشرة خاصة في الجهة الشرقية لولاية المدية، هذا الانتشار الكبير لصناعة نامية لم يعرف تنظيما يضمن سلامة العاملين في هذا المجال، ولا يحمي البيئة من التلوث، بعكس ذلك فإن إنتاج اللحوم البيضاء في هذه المنطقة يعتبر كارثة بيئية حقيقية، سواء على مستوى مستودعات تربية الدواجن، أو على مستوى المذابح، من خلال هذا التقرير سنوضح العديد من مظاهر التلوث البيئي الناتجة عن هده الصناعة.
مستودعات خارج الرقابة
أول زيارة لك لولاية المدية (60 كلم جنوب العاصمة) سيشد انتباهك الانتشار الواسع لمستودعات تربية الدواجن، المذابح وكذا مستودعات إنتاج أغذية الدواجن، إلا أن ما تراه عيناك ليس هو كل شيء، بل لا يخلو دوار من الدواوير – القرى - من العديد من المستودعات المجاورة للسكان، بل بالكاد يكون لكل ساكن مستودع لتربية الدواجن، إلا أن المثير للانتباه في هذه الصناعة على مستوى مستودعات تربية الدواجن يلاحظ الغياب الكلي والتام لأي نوع من أنواع الرقابة، حيث تتم هذه العملية بشكل غير منظم وغير مراقب، حوالي* 45* بالمائة فقط من هياكل تربية الدواجن الموجودة بالولاية أي* 482* منشأة تتوفر على ترخيص من مصلحة المفتشية البيطرية،* ورغم مخاطرها البيئية والصحية إلا أنها تتم بشكل بدائي، حيث يقوم الفلاحون بشراء الصوص وإدخاله المستودعات وإطعامه بشكل عرفي، إلا أن الأمر المخيف هو في كيفية المتابعة البيطرية وتقديم الأدوية ورمي الفضلات، سواء المتعلقة بالروث أو الدجاج الميت.
بياطرة دون ضمير
تقديم الأدوية للدواجن يخضع لقوانين محددة، وبنسب معينة، وفي أوقات محددة، إلا أن الأمر هنا لا يبدو كذلك، الأمر متوقف على كم تدفع للبيطري، والبيطري سيرى كم سيغمض عينيه، هذا هو الواقع الأليم في هذه المنطقة، ينتشر العشرات من البياطرة والذين هم مكلفون بمراقبة المستودعات ومنح شهادات للمربين تمكنهم من بيع منتوجاتهم أو تحدد حالة الدجاج قبل البيع، إلا أن البياطرة لا يكلفون أنفسهم عناء المراقبة والتنقل، بل يقومون بتوقيع شهادات ويمنحوها للمربين من مكاتبهم دون أدنى مراقبة أو شعور بالمسؤولية.
ماذا تجاور؟ الفضلات
ليس من الغريب أن ترى كلابا ضالة منتشرة تحمل بأفواهها دجاجا ميت هو من وجباتها المعتادة، كما أنه ليس غريبا وأنت تفتح نافذة منزلك أن تستقبلك رائحة كريهم لفضلات مستودع مكومة ليس بعيد عن سكناك، وان كنت تجاور حقول إنتاج الخضر فالأمر ليس بمختلف، فالفضلات تستعمل لتخصيب الأراضي رغم احتوائها على مواد كيميائية خطيرة، حتى في قارعة الطريق هناك أكوام لدجاج ميت متعفن يترك روائح كريهة ومنظرا فضيعا.
مذابح كارثية
كما تنتشر مستودعات إنتاج الدواجن تنتشر بالموازاة مذابح الدواجن، إلا أن الوضع فيها لا يقل سوءا عن أوضاع المستودعات، إلا أن التلوث الذي تنتجه هذه المذابح يزيد عن الأولى ويكمل سلسة التلوث المتعدد بسبب إنتاج اللحوم البيضاء، تجاور أغلب المذابح وديان كبيرة، وديان ليس بجافة بل تجري بمياه منها ما هو ملوث بالأساس ومنها ما هو غير كذلك، إلا العديد من المذابح تتشارك في تلويث الوادي الواحد، فمثلا واد البسباس الذي يلتقي مع واد المالح تشترك في إلقاء الفضلات فيه، سواء المتعلقة بالريش والاحشاء أو المياه المملوءة بالدماء أزيد من عشر مذابح في مسافة لا تزيد عن الـ 20 كلم. هناك مثال آخر حيث يوجد مذبح ضخم في مدينة العمارية (40 كلم جنوب ولاية المدية) يلقي كل فضلاته في واد الثلثاء الذي ينتهي بسد العذرات المخصص لسقي المئات من الهكتارات لإنتاج الخضر والفواكه، حيث لا يفصل بين المذبح والسد سوى كيلومترين على الأكثر، ويظهر تلون المدخل الشمالي للسد باللون الأحمر جراء الدماء المتدفقة من المذبح ظاهر للعيان حتى من بعد 500 متر(بعد السد عن الطريق العام)، هذه بعض الأمثلة والتي لا تعبر عن الحالة الكلية والكارثية لفوضى إنتاج اللحوم البيضاء بهده المنطقة التي تتصدر قائمة الولايات المنتجة للحوم البيضاء.
آلاف القناطير من الخضر والفواكه بتراب ومياه ملوثة
كما أشرنا في البداية، فإن ولاية المدية ولاية فلاحية بامتياز، تنتج كل أنواع الخضر والفواكه، إلا أن أغلب الحقول لإنتاج هذه الخضر والفواكه تعتمد على الوديان أو على السدود، والقليل منها ما يعتمد على الآبار، إلا أن أغلب الوديان وديان ملوثة، ممنوع السقي منها بنصوص قانونية، إلا أن هذا الأمر يقف عند حدود الأوراق، أما في الميدان فواد البسباس المذكور سابقا ورغم المنع القانوني من السقي منه، فإنه على طول أزيد من 50 كلم يسقى منه مئات إن لم نقل آلاف الهكتارات من الحقول، هذه الحقول في الحقيقة ملوثة بشكل مضاعف، تلوث الماء الذي تسقى منه فكما ذكرنا سابقا فإن أغلب المذابح تجاور هذا الوادي، وتلوث التراب الذي تنشر عليه آلاف الأطنان من فضلات الدواجن التي تستعمل كأسمدة عضوية لتخصيب الأراضي رغم خطورتها واحتوائها على مواد كيمياوية خطيرة مثلما يؤكد غير واحد من البياطرة وكذا مدير الفرع الفلاحي لمدينة العمارية.
النتيجة: عودة الكوليرا
عرفت الشهر الماضي من السنة الجارية انتشار واسعا لداء الكوليرا الذي راح ضحيته 3 وفيات وعشرات المصابين، ومن الولايات التي عرفت انتشار الداء هي ولاية المدية، وليس غريب عودة هذا الداء إذا اطلعنا على مستوى التلوث الذي تسسببه في جزء كبير منه مذابح ومستودعات لإنتاج اللحوم البيضاء.
الحلول والمقترحات.
رغم الواقع المرير الذي تعرفه المنطقة في جانب التلوث، فإن هذا لا يحول دون إيجاد الحلول وآليات للحد من هذه الظاهرة الخطيرة على البيئة وصحة المواطنين، ولعل من الحلول المقترحة هو:
- مراقبة المستودعات وإلزام المربين باحترام معايير إنتاج الدواجن، مثل إنشاء المستودعات بعيدا عن القرى.
- تخصيص أماكن للتخلص من الفضلات عن طريق دفنها أو معالجتها صناعيا.
- عدم السماح ببيع واستخدام فضلات الدواجن، والصرامة في تطبيق القوانين.
- التوعية بخطورة الرمي العشوائي للفضلات سواء المتعلقة بالروث أو الريش أو الدماء والدجاج الميت.
- وضع آليات لمعالجة مياه الوديان.
- التوعية بضرورة الاستعمال العقلاني للأدوية، وكذا مراقبة البياطرة والتحقق من الشهادات المقدمة من طرفهم.
في الأخير لابد من الإشارة إلى أن الوضع أسوء من الوصف، ولا يفي تحقيق أو اثنين برفع الحالة والتحسيس بمدى كارثيتها، فالأمر يحتاج إلى العديد من التحقيقات والاستقصاءات والريبورتاجات المصورة حتى يتم رفع واقع إنتاج اللحوم البيضاء وما يتسبب فيه من تلوث كبير مضر بالبيئة وبصحة المواطنين.
مستودعات خارج الرقابة
أول زيارة لك لولاية المدية (60 كلم جنوب العاصمة) سيشد انتباهك الانتشار الواسع لمستودعات تربية الدواجن، المذابح وكذا مستودعات إنتاج أغذية الدواجن، إلا أن ما تراه عيناك ليس هو كل شيء، بل لا يخلو دوار من الدواوير – القرى - من العديد من المستودعات المجاورة للسكان، بل بالكاد يكون لكل ساكن مستودع لتربية الدواجن، إلا أن المثير للانتباه في هذه الصناعة على مستوى مستودعات تربية الدواجن يلاحظ الغياب الكلي والتام لأي نوع من أنواع الرقابة، حيث تتم هذه العملية بشكل غير منظم وغير مراقب، حوالي* 45* بالمائة فقط من هياكل تربية الدواجن الموجودة بالولاية أي* 482* منشأة تتوفر على ترخيص من مصلحة المفتشية البيطرية،* ورغم مخاطرها البيئية والصحية إلا أنها تتم بشكل بدائي، حيث يقوم الفلاحون بشراء الصوص وإدخاله المستودعات وإطعامه بشكل عرفي، إلا أن الأمر المخيف هو في كيفية المتابعة البيطرية وتقديم الأدوية ورمي الفضلات، سواء المتعلقة بالروث أو الدجاج الميت.
بياطرة دون ضمير
تقديم الأدوية للدواجن يخضع لقوانين محددة، وبنسب معينة، وفي أوقات محددة، إلا أن الأمر هنا لا يبدو كذلك، الأمر متوقف على كم تدفع للبيطري، والبيطري سيرى كم سيغمض عينيه، هذا هو الواقع الأليم في هذه المنطقة، ينتشر العشرات من البياطرة والذين هم مكلفون بمراقبة المستودعات ومنح شهادات للمربين تمكنهم من بيع منتوجاتهم أو تحدد حالة الدجاج قبل البيع، إلا أن البياطرة لا يكلفون أنفسهم عناء المراقبة والتنقل، بل يقومون بتوقيع شهادات ويمنحوها للمربين من مكاتبهم دون أدنى مراقبة أو شعور بالمسؤولية.
ماذا تجاور؟ الفضلات
ليس من الغريب أن ترى كلابا ضالة منتشرة تحمل بأفواهها دجاجا ميت هو من وجباتها المعتادة، كما أنه ليس غريبا وأنت تفتح نافذة منزلك أن تستقبلك رائحة كريهم لفضلات مستودع مكومة ليس بعيد عن سكناك، وان كنت تجاور حقول إنتاج الخضر فالأمر ليس بمختلف، فالفضلات تستعمل لتخصيب الأراضي رغم احتوائها على مواد كيميائية خطيرة، حتى في قارعة الطريق هناك أكوام لدجاج ميت متعفن يترك روائح كريهة ومنظرا فضيعا.
مذابح كارثية
كما تنتشر مستودعات إنتاج الدواجن تنتشر بالموازاة مذابح الدواجن، إلا أن الوضع فيها لا يقل سوءا عن أوضاع المستودعات، إلا أن التلوث الذي تنتجه هذه المذابح يزيد عن الأولى ويكمل سلسة التلوث المتعدد بسبب إنتاج اللحوم البيضاء، تجاور أغلب المذابح وديان كبيرة، وديان ليس بجافة بل تجري بمياه منها ما هو ملوث بالأساس ومنها ما هو غير كذلك، إلا العديد من المذابح تتشارك في تلويث الوادي الواحد، فمثلا واد البسباس الذي يلتقي مع واد المالح تشترك في إلقاء الفضلات فيه، سواء المتعلقة بالريش والاحشاء أو المياه المملوءة بالدماء أزيد من عشر مذابح في مسافة لا تزيد عن الـ 20 كلم. هناك مثال آخر حيث يوجد مذبح ضخم في مدينة العمارية (40 كلم جنوب ولاية المدية) يلقي كل فضلاته في واد الثلثاء الذي ينتهي بسد العذرات المخصص لسقي المئات من الهكتارات لإنتاج الخضر والفواكه، حيث لا يفصل بين المذبح والسد سوى كيلومترين على الأكثر، ويظهر تلون المدخل الشمالي للسد باللون الأحمر جراء الدماء المتدفقة من المذبح ظاهر للعيان حتى من بعد 500 متر(بعد السد عن الطريق العام)، هذه بعض الأمثلة والتي لا تعبر عن الحالة الكلية والكارثية لفوضى إنتاج اللحوم البيضاء بهده المنطقة التي تتصدر قائمة الولايات المنتجة للحوم البيضاء.
آلاف القناطير من الخضر والفواكه بتراب ومياه ملوثة
كما أشرنا في البداية، فإن ولاية المدية ولاية فلاحية بامتياز، تنتج كل أنواع الخضر والفواكه، إلا أن أغلب الحقول لإنتاج هذه الخضر والفواكه تعتمد على الوديان أو على السدود، والقليل منها ما يعتمد على الآبار، إلا أن أغلب الوديان وديان ملوثة، ممنوع السقي منها بنصوص قانونية، إلا أن هذا الأمر يقف عند حدود الأوراق، أما في الميدان فواد البسباس المذكور سابقا ورغم المنع القانوني من السقي منه، فإنه على طول أزيد من 50 كلم يسقى منه مئات إن لم نقل آلاف الهكتارات من الحقول، هذه الحقول في الحقيقة ملوثة بشكل مضاعف، تلوث الماء الذي تسقى منه فكما ذكرنا سابقا فإن أغلب المذابح تجاور هذا الوادي، وتلوث التراب الذي تنشر عليه آلاف الأطنان من فضلات الدواجن التي تستعمل كأسمدة عضوية لتخصيب الأراضي رغم خطورتها واحتوائها على مواد كيمياوية خطيرة مثلما يؤكد غير واحد من البياطرة وكذا مدير الفرع الفلاحي لمدينة العمارية.
النتيجة: عودة الكوليرا
عرفت الشهر الماضي من السنة الجارية انتشار واسعا لداء الكوليرا الذي راح ضحيته 3 وفيات وعشرات المصابين، ومن الولايات التي عرفت انتشار الداء هي ولاية المدية، وليس غريب عودة هذا الداء إذا اطلعنا على مستوى التلوث الذي تسسببه في جزء كبير منه مذابح ومستودعات لإنتاج اللحوم البيضاء.
الحلول والمقترحات.
رغم الواقع المرير الذي تعرفه المنطقة في جانب التلوث، فإن هذا لا يحول دون إيجاد الحلول وآليات للحد من هذه الظاهرة الخطيرة على البيئة وصحة المواطنين، ولعل من الحلول المقترحة هو:
- مراقبة المستودعات وإلزام المربين باحترام معايير إنتاج الدواجن، مثل إنشاء المستودعات بعيدا عن القرى.
- تخصيص أماكن للتخلص من الفضلات عن طريق دفنها أو معالجتها صناعيا.
- عدم السماح ببيع واستخدام فضلات الدواجن، والصرامة في تطبيق القوانين.
- التوعية بخطورة الرمي العشوائي للفضلات سواء المتعلقة بالروث أو الريش أو الدماء والدجاج الميت.
- وضع آليات لمعالجة مياه الوديان.
- التوعية بضرورة الاستعمال العقلاني للأدوية، وكذا مراقبة البياطرة والتحقق من الشهادات المقدمة من طرفهم.
في الأخير لابد من الإشارة إلى أن الوضع أسوء من الوصف، ولا يفي تحقيق أو اثنين برفع الحالة والتحسيس بمدى كارثيتها، فالأمر يحتاج إلى العديد من التحقيقات والاستقصاءات والريبورتاجات المصورة حتى يتم رفع واقع إنتاج اللحوم البيضاء وما يتسبب فيه من تلوث كبير مضر بالبيئة وبصحة المواطنين.