المصدر -
اشتهر أفراد قبيلة إيرولا بمعرفتهم العميقة بالثعابين والأفاعي، وهي معرفة توارثوها جيلا بعد جيل. وتمثل مهارتهم الخاصة باستخراج السموم من الأفاعي رافدا مهما لنظام الرعاية الصحية في الهند، ولو بشكل غير معلن.
ذكرت الصحفية " إريكا تشايس ويدا " أنه :
منذ بضع سنوات، عندما كنت مسافرا عبر الأراضي الجافة جنوبي الهند التي تغطيها شجيرات ونباتات شائكة، رصد أحد الركاب أفعى الكوبرا على قارعة الطريق بعنقها المنفوخ كالقلنسوة. وقتها كنت راكبا سيارة مكيفة على طريق سريع وممهد. لكن سرعة السيارة وقلة خبرتي بالمناطق الريفية منعاني من رؤيتها.
لكنني هذه المرة كنت أقف على بعد ثلاثة أمتار فقط من أفعى الكوبرا، لا يفصل بيننا سوى جدار قصير من الطوب، ولم أستطع أن أحول نظري عن هذه الأفعى كاملة النضوج التي رفعت رأسها وأصدرت فحيحا استعدادا للهجوم.
إلا أن راجندران، أحد أفراد قبيلة إيرولا، بدا هادئا وهو يوجه الكوبرا، إحدى الأفاعي الأشد سمية في الهند، نحو وعاء فخاري باستخدام قضيب معدني يتدلى من نهايته خطاف مرن، وقال: "نحن نشذب الأشجار في الخارج، وهذه الأصوات والاهتزازات تثير خوف الأفاعي والثعابين".
زرت قرية فادانيميلي، وهي قرية ساحلية صغيرة على مشارف مدينة تشيناي لمقابلة راجندران. وبينما كنا نتحدث عن عمله مع الأفاعي والثعابين، كانت المياه في خليج البنغال تلمع كخيوط فضية مع آشعة الشمس الحارقة.
ينتمي راجندران إلى قبيلة إيرولا، وهي واحدة من أقدم القبائل في الهند التي تعيش على امتداد الساحل الشمالي الشرقي لولاية تاميل نادو. واشتهر أفراد هذه القبيلة بمعرفتهم العميقة بالثعابين، التي تعود لقرون طويلة.
وتمثل مهاراتهم في استخراج السموم من الأفاعي رافدا مهما، وإن كان غير معلن، لنظام الرعاية الصحية في الهند.
ويقول راجندران، وهو يقف إلى جوار لافتة كبيرة تشير إلى موقع الثعابين غير السامة في المنطقة: "يخاف الكثيرون من الثعابين والحيات، رغم أن الثعابين لا تريد إلا البقاء على قيد الحياة. فإذا اضطربت وهرعت خوفا منها، يستشعر الثعبان الخطر وقد يبدأ في الهجوم. أما إذا تسمرت في مكانك، فغالبا ما سيزحف مبتعدا عنك".
كنا في الأراضي التابعة لجمعية إيرولا التعاونية الصناعية لصائدي الثعابين، التي تأسست في عام 1978 في قرية فادانيميلي لاصطياد الثعابين واستخراج السم منها. إذ تودي لدغات الثعابين والأفاعي بحياة نحو 50 ألف شخص في الهند سنويا، وما من علاج لهذه اللدغات سوى تناول المصل المضاد لسم الثعبان على الفور.
وتنتج ست شركات فقط في الهند نحو 1.5 مليون قارورة مصل مضاد لسموم الثعابين سنويا، واستخدمت السموم التي استخرجها أفراد قبيلة أيرولا من الثعابين في تصنيع معظم هذه الأمصال.
ثم قفز راجندران في ساحة رملية محاطة بجدار منخفض ويعلوها سقف من القش لحمايتها من الشمس، وتتوسطها سبورة صغيرة كتبت عليها معلومات عن الثعابين الموجودة في الموقع. وهذا المكان هو موقع استخراج السموم.
وأخرج راجندران أفعى "راسل" من أحد الأوعية ووضعها على الرمال، وطالما أثارت الدوائر الرائعة على جلد هذه الأفعى، التي تعد من أكثر الأفاعي السامة شراسة في المنطقة، الفزع والخوف في نفوس الناس.
ويقول راجندران: "لا يوجد في الوقت الحالي الكثير من الثعابين"، مشيرا إلى الأوعية الفخارية العديدة الفارغة، التي يمتلئ كل واحد منها عادة حتى المنتصف بالرمال قبل أن يوضع فيه ثعبانان، ثم يغطى بإحكام بقماش قطني مسامي يسمح بنفاذ الهواء ويحول في الوقت نفسه دون خروج الثعابين.
وبموجب ترخيص رسمي، يحق للجمعية احتجاز نحو 800 ثعبان في وقت واحد. ويقول راجندران: "نحتفظ بكل ثعبان لمدة 21 يوما، ونستخرج منه السم أربع مرات خلال هذه الفترة".
ثم تُطلق الثعابين في البرية بعد وضع علامة صغيرة على بطنها لمنع تكرار اصطيادها، رغم أن العلامة تتلاشى بعد تخلص الثعبان من جلده بضع مرات.
وقد استمد راجندران هذه الثقة في التعامل مع الثعابين وفهمه العميق لها من طفولته التي أمضاها في الأحراش ووسط الأشجار الشائكة في المنطقة. إذ راقب عمليات اصطياد مئات الثعابين والأفاعي قبل أن يبلغ العاشرة من عمره.
ويعمل أفراد قبيلة إيرولا عادة في صمت، حتى عندما يذهبون إلى الغابة بصحبة أخرين. ويميزون بالحدس بين العلامات التي تستحق الاهتمام والتتبع وبين غيرها التي يفضل تجاهلها. لكن هذه المهارات التي اكتسبوها بالتجربة والتمرس لا يمكنهم التعبير عنها بالكلمات، حتى عندما يتنافشون مع دارسي الزواحف.
ولا تزال أصول قبيلة الأيرولا وارتباطها بالثعابين من الأمور التي يكتنفها الغموض، ولكن الأساطير التي يتناقلوها تمزج بين اعتقادهم في الأرواح الفردية وبين مفردات ديانتهم. إذ يعبد أكثرهم إحدى الآلهة التي تسمى "كانياما"، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالكوبرا. وفي الكثير من طقوسهم، يفحّ الكاهن كالأفاعي، ليجسد روح هذه الإلهة.
ولكن المفارقة أن عشرات الألاف من أفراد قبيلة إيرولا ظلوا على مدار الجزء الأكبر من القرن العشرين، يكسبون قوتهم من اصطياد الثعابين لبيع جلودها، رغم أنهم كانوا يمتنعون عن أكل لحومها تقديسا لإلهتهم.
وتباع جلود الثعابين بالقطعة، إذ يدفع أصحاب المدابغ ما يتراوح بين 10 و50 روبيه عن كل قطعة وبعدها يعالجونها ويصدرونها لأوروبا والولايات المتحدة لاستخدامها في المصنوعات الجلدية. غير أن قانون حماية الحياة البرية لعام 1972، حظر اصطياد عدد من الحيوانات، من بينها الثعابين.
ويقول رومولوس ويتاكر، عالم زواحف وبرمائيات وأحد مناصري حماية البيئة، وعمل مع أفراد قبيلة إيرولا طيلة نحو 50 عاما: "بعد دخول قانون حماية الحياة البرية حيز التنفيذ، تدهور حال قبيلة إيرولا".
وأردف قائلا إن هذه المبالغ الزهيدة التي كان يجمعها أفراد قبيلة إيرولا من بيع جلود الثعابين، كانت مصدر الدخل الرئيسي للكثير من العائلات.
ويضيف: "يمكنني القول إنهم بعد هذا القانون أصبحوا يعيشون في فقر مدقع".
لكن تأسيس الجمعية التعاونية ساهم في انتشال القرية من الفقر، فهذه الجمعية، رغم أنها وظفت ما يقل عن واحد في المئة من أهل القرية التي يقدر تعداد سكانها بنحو 190 ألف مواطن، إلا أن وجودها أضفى شرعية على مهارات الصيد التقليدية التي يمارسها أهل القرية.
إذ كان المسؤولون بالحكومة قبل إنشاء هذه الجمعية يعاملون أفراد قبيلة إيرولا على أنهم صيادون غير شرعيين، وكانت المجتمعات المجاورة في المنطقة تنظر إليهم بعين الريبة، وزاد عملهم في صيد الثعابين من التمييز والظلم الذي يتعرضون له.
وتقول سوسيلا، من سكان القبيلة: "عندما كنا نذهب إلى القرى المجاورة، يسخر منا أهلها ويهينوننا، وكنا نلقى معاملة سيئة وكثيرا ما كنا نتعرض للغش عندما نقترض المال".
ويعمل أفراد قبيلة إيرولا عادة في صمت، حتى عندما يذهبون إلى الغابة بصحبة أخرين. ويميزون بالحدس بين العلامات التي تستحق الاهتمام والتتبع وبين غيرها التي يفضل تجاهلها. لكن هذه المهارات التي اكتسبوها بالتجربة والتمرس لا يمكنهم التعبير عنها بالكلمات، حتى عندما يتنافشون مع دارسي الزواحف.
ولا تزال أصول قبيلة الأيرولا وارتباطها بالثعابين من الأمور التي يكتنفها الغموض، ولكن الأساطير التي يتناقلوها تمزج بين اعتقادهم في الأرواح الفردية وبين مفردات ديانتهم. إذ يعبد أكثرهم إحدى الآلهة التي تسمى "كانياما"، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالكوبرا. وفي الكثير من طقوسهم، يفحّ الكاهن كالأفاعي، ليجسد روح هذه الإلهة.
ولكن المفارقة أن عشرات الألاف من أفراد قبيلة إيرولا ظلوا على مدار الجزء الأكبر من القرن العشرين، يكسبون قوتهم من اصطياد الثعابين لبيع جلودها، رغم أنهم كانوا يمتنعون عن أكل لحومها تقديسا لإلهتهم.
وتباع جلود الثعابين بالقطعة، إذ يدفع أصحاب المدابغ ما يتراوح بين 10 و50 روبيه عن كل قطعة وبعدها يعالجونها ويصدرونها لأوروبا والولايات المتحدة لاستخدامها في المصنوعات الجلدية. غير أن قانون حماية الحياة البرية لعام 1972، حظر اصطياد عدد من الحيوانات، من بينها الثعابين.
ويقول رومولوس ويتاكر، عالم زواحف وبرمائيات وأحد مناصري حماية البيئة، وعمل مع أفراد قبيلة إيرولا طيلة نحو 50 عاما: "بعد دخول قانون حماية الحياة البرية حيز التنفيذ، تدهور حال قبيلة إيرولا".
وأردف قائلا إن هذه المبالغ الزهيدة التي كان يجمعها أفراد قبيلة إيرولا من بيع جلود الثعابين، كانت مصدر الدخل الرئيسي للكثير من العائلات.
ويضيف: "يمكنني القول إنهم بعد هذا القانون أصبحوا يعيشون في فقر مدقع".
لكن تأسيس الجمعية التعاونية ساهم في انتشال القرية من الفقر، فهذه الجمعية، رغم أنها وظفت ما يقل عن واحد في المئة من أهل القرية التي يقدر تعداد سكانها بنحو 190 ألف مواطن، إلا أن وجودها أضفى شرعية على مهارات الصيد التقليدية التي يمارسها أهل القرية.
إذ كان المسؤولون بالحكومة قبل إنشاء هذه الجمعية يعاملون أفراد قبيلة إيرولا على أنهم صيادون غير شرعيين، وكانت المجتمعات المجاورة في المنطقة تنظر إليهم بعين الريبة، وزاد عملهم في صيد الثعابين من التمييز والظلم الذي يتعرضون له.
وتقول سوسيلا، من سكان القبيلة: "عندما كنا نذهب إلى القرى المجاورة، يسخر منا أهلها ويهينوننا، وكنا نلقى معاملة سيئة وكثيرا ما كنا نتعرض للغش عندما نقترض المال".
ولأن أكثر أفراد قبيلة الإيرولا أميون، فإنهم يقعون ضحايا للعمل القسري في مضارب الأرز.
وقد انتشر صيت مهارتهم الفائقة في اصطياد الثعابين، إلى حد أن لجنة الحفاظ على الحياة البرية والأسماك بولاية فلوريدا وجهت دعوة لاثنين من أفراد القبيلة للمشاركة في مشروع يهدف للحد من انتشار أفاعي الأصلة البورمية في متنزه "إيفرغليدز" الوطني.
إذ تكاثرت هذه الأفاعي الضخمة في المتنزه حتى باتت تمثل خطرا على الثدييات الصغيرة المهددة بالانقراض في المتنزه الوطني.
واستطاع ماسي وفاديفيل على مدار شهرين فقط، بعد 60 مطاردة في المتنزه، أن يصطادا 34 أفعى بمهارة وكفاءة لا تضاهيها مهارة الكلاب المدربة والصيادين الأمريكيين.
يقول جو واسيليوسكي، خبير الحياة البرية بجامعة فلوريدا: "إن الاستعانة بأفراد قبيلة إيرولا كان الحل الأمثل (للقضاء على مشكلة انتشار الأصلة البورمية في المتنزة)".
إلا أن قبيلة إيرولا وأسلوب حياتها يواجهان مخاطر عديدة، على رأسها التوسع العمراني نحو قرية فادانميلي وزحف المراكز التجارية على المساحات البرية.
إذ يعيش في مدينة تشيناي ما يزيد على سبعة ملايين نسمة، ولهذا يسير التمدد العمراني للمدينة في جميع الاتجاهات، وربما يبتلع القرية تدريجيا.
أضف إلى هذا أن منظمة الصحة العالمية أصدرت توصيات بعدم الحصول على السموم المستخدمة في تحضير الأمصال المضادة للسموم إلا من ثعابين مرباة في الأسر، ولا تُطلق في البرية قط، وهذا قد يؤدي إلى تراجع الطلب على مهارات أفراد قبيلة إيرولا المتخصصين في صيد الثعابين البرية.
ومن جهة أخرى، فإن مهارات فاديفل وراجندران وغيرهم الاستثنائية في فهم سلوكيات الزواحف قد تندثر، في ظل إقبال أغلب الأباء من قبيلة إيرولا على تعليم أبنائهم في المدارس الهندية المعتادة ليلحقوا بركب نظرائهم في المجتمع الهندي. ولم يعد أفراد القبيلة يصطحبون أبناءهم إلى الغابة.
ويقول وايتيكر: "الكثير من أبناء القبيلة الأصغر سنا الأن يخافون من الثعابين".
إلا أن بعض أفراد القبيلة لا يزالون يشعرون بالامتنان لأجدادهم، إذ تقول سوسيلا: "هذه المهارات التي تعلمناها من أجدادنا ساندتنا في محتنا وساعدتنا في الحصول على الطعام حين كنا نتضور جوعا، ولهذا لابد أن نحافظ عليها من الاندثار".
ومنذ أن غادرت فادانميلي، أصبحت أكثر انتباها إلى حد ما لهذه الزواحف، ولكنني ما زلت أتساءل، هل سأتمكن من الأخذ بنصيحة راجندران عند مواجهة الكوبرا؟
أعتقد أنني لن أستطيع الوقوف في مكاني حتى تهدأ الكوبرا وتبتعد من نفسها، أغلب الظن أنني سأبتهل إلى "كانياما" لعلها تنجيني منها قبل أن تنقض علي.
ذكرت الصحفية " إريكا تشايس ويدا " أنه :
منذ بضع سنوات، عندما كنت مسافرا عبر الأراضي الجافة جنوبي الهند التي تغطيها شجيرات ونباتات شائكة، رصد أحد الركاب أفعى الكوبرا على قارعة الطريق بعنقها المنفوخ كالقلنسوة. وقتها كنت راكبا سيارة مكيفة على طريق سريع وممهد. لكن سرعة السيارة وقلة خبرتي بالمناطق الريفية منعاني من رؤيتها.
لكنني هذه المرة كنت أقف على بعد ثلاثة أمتار فقط من أفعى الكوبرا، لا يفصل بيننا سوى جدار قصير من الطوب، ولم أستطع أن أحول نظري عن هذه الأفعى كاملة النضوج التي رفعت رأسها وأصدرت فحيحا استعدادا للهجوم.
إلا أن راجندران، أحد أفراد قبيلة إيرولا، بدا هادئا وهو يوجه الكوبرا، إحدى الأفاعي الأشد سمية في الهند، نحو وعاء فخاري باستخدام قضيب معدني يتدلى من نهايته خطاف مرن، وقال: "نحن نشذب الأشجار في الخارج، وهذه الأصوات والاهتزازات تثير خوف الأفاعي والثعابين".
زرت قرية فادانيميلي، وهي قرية ساحلية صغيرة على مشارف مدينة تشيناي لمقابلة راجندران. وبينما كنا نتحدث عن عمله مع الأفاعي والثعابين، كانت المياه في خليج البنغال تلمع كخيوط فضية مع آشعة الشمس الحارقة.
ينتمي راجندران إلى قبيلة إيرولا، وهي واحدة من أقدم القبائل في الهند التي تعيش على امتداد الساحل الشمالي الشرقي لولاية تاميل نادو. واشتهر أفراد هذه القبيلة بمعرفتهم العميقة بالثعابين، التي تعود لقرون طويلة.
وتمثل مهاراتهم في استخراج السموم من الأفاعي رافدا مهما، وإن كان غير معلن، لنظام الرعاية الصحية في الهند.
ويقول راجندران، وهو يقف إلى جوار لافتة كبيرة تشير إلى موقع الثعابين غير السامة في المنطقة: "يخاف الكثيرون من الثعابين والحيات، رغم أن الثعابين لا تريد إلا البقاء على قيد الحياة. فإذا اضطربت وهرعت خوفا منها، يستشعر الثعبان الخطر وقد يبدأ في الهجوم. أما إذا تسمرت في مكانك، فغالبا ما سيزحف مبتعدا عنك".
كنا في الأراضي التابعة لجمعية إيرولا التعاونية الصناعية لصائدي الثعابين، التي تأسست في عام 1978 في قرية فادانيميلي لاصطياد الثعابين واستخراج السم منها. إذ تودي لدغات الثعابين والأفاعي بحياة نحو 50 ألف شخص في الهند سنويا، وما من علاج لهذه اللدغات سوى تناول المصل المضاد لسم الثعبان على الفور.
وتنتج ست شركات فقط في الهند نحو 1.5 مليون قارورة مصل مضاد لسموم الثعابين سنويا، واستخدمت السموم التي استخرجها أفراد قبيلة أيرولا من الثعابين في تصنيع معظم هذه الأمصال.
ثم قفز راجندران في ساحة رملية محاطة بجدار منخفض ويعلوها سقف من القش لحمايتها من الشمس، وتتوسطها سبورة صغيرة كتبت عليها معلومات عن الثعابين الموجودة في الموقع. وهذا المكان هو موقع استخراج السموم.
وأخرج راجندران أفعى "راسل" من أحد الأوعية ووضعها على الرمال، وطالما أثارت الدوائر الرائعة على جلد هذه الأفعى، التي تعد من أكثر الأفاعي السامة شراسة في المنطقة، الفزع والخوف في نفوس الناس.
ويقول راجندران: "لا يوجد في الوقت الحالي الكثير من الثعابين"، مشيرا إلى الأوعية الفخارية العديدة الفارغة، التي يمتلئ كل واحد منها عادة حتى المنتصف بالرمال قبل أن يوضع فيه ثعبانان، ثم يغطى بإحكام بقماش قطني مسامي يسمح بنفاذ الهواء ويحول في الوقت نفسه دون خروج الثعابين.
وبموجب ترخيص رسمي، يحق للجمعية احتجاز نحو 800 ثعبان في وقت واحد. ويقول راجندران: "نحتفظ بكل ثعبان لمدة 21 يوما، ونستخرج منه السم أربع مرات خلال هذه الفترة".
ثم تُطلق الثعابين في البرية بعد وضع علامة صغيرة على بطنها لمنع تكرار اصطيادها، رغم أن العلامة تتلاشى بعد تخلص الثعبان من جلده بضع مرات.
وقد استمد راجندران هذه الثقة في التعامل مع الثعابين وفهمه العميق لها من طفولته التي أمضاها في الأحراش ووسط الأشجار الشائكة في المنطقة. إذ راقب عمليات اصطياد مئات الثعابين والأفاعي قبل أن يبلغ العاشرة من عمره.
ويعمل أفراد قبيلة إيرولا عادة في صمت، حتى عندما يذهبون إلى الغابة بصحبة أخرين. ويميزون بالحدس بين العلامات التي تستحق الاهتمام والتتبع وبين غيرها التي يفضل تجاهلها. لكن هذه المهارات التي اكتسبوها بالتجربة والتمرس لا يمكنهم التعبير عنها بالكلمات، حتى عندما يتنافشون مع دارسي الزواحف.
ولا تزال أصول قبيلة الأيرولا وارتباطها بالثعابين من الأمور التي يكتنفها الغموض، ولكن الأساطير التي يتناقلوها تمزج بين اعتقادهم في الأرواح الفردية وبين مفردات ديانتهم. إذ يعبد أكثرهم إحدى الآلهة التي تسمى "كانياما"، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالكوبرا. وفي الكثير من طقوسهم، يفحّ الكاهن كالأفاعي، ليجسد روح هذه الإلهة.
ولكن المفارقة أن عشرات الألاف من أفراد قبيلة إيرولا ظلوا على مدار الجزء الأكبر من القرن العشرين، يكسبون قوتهم من اصطياد الثعابين لبيع جلودها، رغم أنهم كانوا يمتنعون عن أكل لحومها تقديسا لإلهتهم.
وتباع جلود الثعابين بالقطعة، إذ يدفع أصحاب المدابغ ما يتراوح بين 10 و50 روبيه عن كل قطعة وبعدها يعالجونها ويصدرونها لأوروبا والولايات المتحدة لاستخدامها في المصنوعات الجلدية. غير أن قانون حماية الحياة البرية لعام 1972، حظر اصطياد عدد من الحيوانات، من بينها الثعابين.
ويقول رومولوس ويتاكر، عالم زواحف وبرمائيات وأحد مناصري حماية البيئة، وعمل مع أفراد قبيلة إيرولا طيلة نحو 50 عاما: "بعد دخول قانون حماية الحياة البرية حيز التنفيذ، تدهور حال قبيلة إيرولا".
وأردف قائلا إن هذه المبالغ الزهيدة التي كان يجمعها أفراد قبيلة إيرولا من بيع جلود الثعابين، كانت مصدر الدخل الرئيسي للكثير من العائلات.
ويضيف: "يمكنني القول إنهم بعد هذا القانون أصبحوا يعيشون في فقر مدقع".
لكن تأسيس الجمعية التعاونية ساهم في انتشال القرية من الفقر، فهذه الجمعية، رغم أنها وظفت ما يقل عن واحد في المئة من أهل القرية التي يقدر تعداد سكانها بنحو 190 ألف مواطن، إلا أن وجودها أضفى شرعية على مهارات الصيد التقليدية التي يمارسها أهل القرية.
إذ كان المسؤولون بالحكومة قبل إنشاء هذه الجمعية يعاملون أفراد قبيلة إيرولا على أنهم صيادون غير شرعيين، وكانت المجتمعات المجاورة في المنطقة تنظر إليهم بعين الريبة، وزاد عملهم في صيد الثعابين من التمييز والظلم الذي يتعرضون له.
وتقول سوسيلا، من سكان القبيلة: "عندما كنا نذهب إلى القرى المجاورة، يسخر منا أهلها ويهينوننا، وكنا نلقى معاملة سيئة وكثيرا ما كنا نتعرض للغش عندما نقترض المال".
ويعمل أفراد قبيلة إيرولا عادة في صمت، حتى عندما يذهبون إلى الغابة بصحبة أخرين. ويميزون بالحدس بين العلامات التي تستحق الاهتمام والتتبع وبين غيرها التي يفضل تجاهلها. لكن هذه المهارات التي اكتسبوها بالتجربة والتمرس لا يمكنهم التعبير عنها بالكلمات، حتى عندما يتنافشون مع دارسي الزواحف.
ولا تزال أصول قبيلة الأيرولا وارتباطها بالثعابين من الأمور التي يكتنفها الغموض، ولكن الأساطير التي يتناقلوها تمزج بين اعتقادهم في الأرواح الفردية وبين مفردات ديانتهم. إذ يعبد أكثرهم إحدى الآلهة التي تسمى "كانياما"، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالكوبرا. وفي الكثير من طقوسهم، يفحّ الكاهن كالأفاعي، ليجسد روح هذه الإلهة.
ولكن المفارقة أن عشرات الألاف من أفراد قبيلة إيرولا ظلوا على مدار الجزء الأكبر من القرن العشرين، يكسبون قوتهم من اصطياد الثعابين لبيع جلودها، رغم أنهم كانوا يمتنعون عن أكل لحومها تقديسا لإلهتهم.
وتباع جلود الثعابين بالقطعة، إذ يدفع أصحاب المدابغ ما يتراوح بين 10 و50 روبيه عن كل قطعة وبعدها يعالجونها ويصدرونها لأوروبا والولايات المتحدة لاستخدامها في المصنوعات الجلدية. غير أن قانون حماية الحياة البرية لعام 1972، حظر اصطياد عدد من الحيوانات، من بينها الثعابين.
ويقول رومولوس ويتاكر، عالم زواحف وبرمائيات وأحد مناصري حماية البيئة، وعمل مع أفراد قبيلة إيرولا طيلة نحو 50 عاما: "بعد دخول قانون حماية الحياة البرية حيز التنفيذ، تدهور حال قبيلة إيرولا".
وأردف قائلا إن هذه المبالغ الزهيدة التي كان يجمعها أفراد قبيلة إيرولا من بيع جلود الثعابين، كانت مصدر الدخل الرئيسي للكثير من العائلات.
ويضيف: "يمكنني القول إنهم بعد هذا القانون أصبحوا يعيشون في فقر مدقع".
لكن تأسيس الجمعية التعاونية ساهم في انتشال القرية من الفقر، فهذه الجمعية، رغم أنها وظفت ما يقل عن واحد في المئة من أهل القرية التي يقدر تعداد سكانها بنحو 190 ألف مواطن، إلا أن وجودها أضفى شرعية على مهارات الصيد التقليدية التي يمارسها أهل القرية.
إذ كان المسؤولون بالحكومة قبل إنشاء هذه الجمعية يعاملون أفراد قبيلة إيرولا على أنهم صيادون غير شرعيين، وكانت المجتمعات المجاورة في المنطقة تنظر إليهم بعين الريبة، وزاد عملهم في صيد الثعابين من التمييز والظلم الذي يتعرضون له.
وتقول سوسيلا، من سكان القبيلة: "عندما كنا نذهب إلى القرى المجاورة، يسخر منا أهلها ويهينوننا، وكنا نلقى معاملة سيئة وكثيرا ما كنا نتعرض للغش عندما نقترض المال".
ولأن أكثر أفراد قبيلة الإيرولا أميون، فإنهم يقعون ضحايا للعمل القسري في مضارب الأرز.
وقد انتشر صيت مهارتهم الفائقة في اصطياد الثعابين، إلى حد أن لجنة الحفاظ على الحياة البرية والأسماك بولاية فلوريدا وجهت دعوة لاثنين من أفراد القبيلة للمشاركة في مشروع يهدف للحد من انتشار أفاعي الأصلة البورمية في متنزه "إيفرغليدز" الوطني.
إذ تكاثرت هذه الأفاعي الضخمة في المتنزه حتى باتت تمثل خطرا على الثدييات الصغيرة المهددة بالانقراض في المتنزه الوطني.
واستطاع ماسي وفاديفيل على مدار شهرين فقط، بعد 60 مطاردة في المتنزه، أن يصطادا 34 أفعى بمهارة وكفاءة لا تضاهيها مهارة الكلاب المدربة والصيادين الأمريكيين.
يقول جو واسيليوسكي، خبير الحياة البرية بجامعة فلوريدا: "إن الاستعانة بأفراد قبيلة إيرولا كان الحل الأمثل (للقضاء على مشكلة انتشار الأصلة البورمية في المتنزة)".
إلا أن قبيلة إيرولا وأسلوب حياتها يواجهان مخاطر عديدة، على رأسها التوسع العمراني نحو قرية فادانميلي وزحف المراكز التجارية على المساحات البرية.
إذ يعيش في مدينة تشيناي ما يزيد على سبعة ملايين نسمة، ولهذا يسير التمدد العمراني للمدينة في جميع الاتجاهات، وربما يبتلع القرية تدريجيا.
أضف إلى هذا أن منظمة الصحة العالمية أصدرت توصيات بعدم الحصول على السموم المستخدمة في تحضير الأمصال المضادة للسموم إلا من ثعابين مرباة في الأسر، ولا تُطلق في البرية قط، وهذا قد يؤدي إلى تراجع الطلب على مهارات أفراد قبيلة إيرولا المتخصصين في صيد الثعابين البرية.
ومن جهة أخرى، فإن مهارات فاديفل وراجندران وغيرهم الاستثنائية في فهم سلوكيات الزواحف قد تندثر، في ظل إقبال أغلب الأباء من قبيلة إيرولا على تعليم أبنائهم في المدارس الهندية المعتادة ليلحقوا بركب نظرائهم في المجتمع الهندي. ولم يعد أفراد القبيلة يصطحبون أبناءهم إلى الغابة.
ويقول وايتيكر: "الكثير من أبناء القبيلة الأصغر سنا الأن يخافون من الثعابين".
إلا أن بعض أفراد القبيلة لا يزالون يشعرون بالامتنان لأجدادهم، إذ تقول سوسيلا: "هذه المهارات التي تعلمناها من أجدادنا ساندتنا في محتنا وساعدتنا في الحصول على الطعام حين كنا نتضور جوعا، ولهذا لابد أن نحافظ عليها من الاندثار".
ومنذ أن غادرت فادانميلي، أصبحت أكثر انتباها إلى حد ما لهذه الزواحف، ولكنني ما زلت أتساءل، هل سأتمكن من الأخذ بنصيحة راجندران عند مواجهة الكوبرا؟
أعتقد أنني لن أستطيع الوقوف في مكاني حتى تهدأ الكوبرا وتبتعد من نفسها، أغلب الظن أنني سأبتهل إلى "كانياما" لعلها تنجيني منها قبل أن تنقض علي.