المصدر -
استخدم علماء الفلك مصفوفة كارل جي جانسكي الكبيرة جداً التابعة لمؤسسة العلوم الوطنية، لتحقيق أول رصدٍ راديوي لجسمٍ كوكبي الكتلة خارج نظامنا الشمسي باستخدام تلسكوبٍ راديوي. يتمتع الجسم بكتلةٍ أكبر من كتلة كوكب المشتري بـ 12 مرةٍ تقريباً، وبمجالٍ مغناطيسي قويٍ جداً، كما ويُسافر مختالاً عبر الفضاء لوحده دون الدوران حول أي نجم. يقول ميلودي كاو Melodie Kao، الذي قاد هذا البحث حين كان طالب دراسات عليا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وهو الآن زميل ما بعد الدكتوراه في جامعة ولاية أريزونا: "يُصنف هذا الجسم في الحدود بين الكواكب والأقزام البنية أو" النجوم الفاشلة"، وفي جعبته مفاجآت يمكن أن تساعدنا على فهم العمليات المغناطيسية في كلٍ من النجوم والكواكب". تُعتبر الأقزام البنية Brown dwarfs أجساماً ضخمةً للغاية بحيث لا يمكن اعتبارها كواكب، كما أنّها ليست ضخمةً بما يكفي لتحافظ على عملية الاندماج النووي للهيدروجين في نواها، وهي العملية التي تمد النجوم بالطاقة. اقترح علماء الفيزياء النظرية في ستينيات القرن العشرين إمكانية وجود هذه الأجسام، ولكن لم يتم رصدها حتى عام 1995. كان يُعتقد في البداية أنها لا تصدر موجاتٍ راديوية، ولكن في عام 2001 بيّن اكتشافٌ باستخدام المصفوفة الكبيرة جداً للانبعاثات الراديوية عن نشاطٍ مغناطيسيٍ قوي. أظهرت عمليات رصدٍ لاحقة أن بعض الأقزام البنية تتمتع بشفقٍ قطبيٍ شبيهٍ بذلك الذي نراه على الكواكب الغازية العملاقة في مجموعتنا الشمسية. ويحدث الشفق الذي نراه على الأرض بسبب تفاعل المجال المغناطيسي لكوكبنا مع الرياح الشمسية. ومع ذلك، لا تمتلك الأقزام البنية المعزولة رياحاً شمسيةً من نجم قريب للتفاعل معها. فكيف تمتلك شفقاً قطبياً؟ ما زالت الإجابة غير واضحة تماماً، ولكن يعتقد العلماء أن أحد الاحتمالات هو وجود كوكبٍ أو قمرٍ يدور حول القزم البني بحيث يتفاعل مع المجال المغناطيسي الخاص به، مثل ما يحدث بين كوكب المشتري وقمره أيو. يتمتع الجسم الغريب الذي يحمل اسم SIMP J01365663+0933473، بمجال مغناطيسي أقوى بـ 200 مرة من المجال المغناطيسي الخاص بالمشتري. اكتُشف هذا الجسم في الواقع عام 2016 كواحدٍ من خمسة أقزام بنية قام العلماء بدراستها باستخدام المصفوفة الكبيرة جداً لاكتساب معرفة جديدة عن الحقول المغناطيسية والآليات التي يمكن من خلالها لبعض هذه الأجسام الأكثر برودة أن تنتج انبعاثات راديوية قوية. من المعروف أن كتل الأقزام البنية يصعب قياسها، وفي ذلك الوقت، كان يُعتقد أن هذا القزم البني هرمٌ وذو كتلةٍ أكبر بكثير مما هو عليه في الواقع. ولكن في العام الماضي، اكتشف فريق مستقل من العلماء أن SIMP J01365663+0933473 هو جزءٌ من مجموعة صغيرة جدًا من النجوم. يعني عمره الصغير أنّ كتلته هي في الواقع أقل مما كان يُعتقد سابقاً بكثير بحيث يمكن أن يكون كوكباً هائمًا في الفضاء – بكتلةٍ أكبر بـ 12.7 مرةٍ من كتلة كوكب المشتري، وبنصف قطرٍ يُعادل 1.22 ضعف نصف قطر كوكب المشتري. يبعد هذا الجسم مسافة 20 سنةٍ ضوئية عن الأرض ويصل عمره إلى 200 مليون عام وتبلغ درجة حرارته السطحية حوالي 825 درجة مئوية. وللمقارنة، تبلغ درجة حرارة سطح الشمس حوالي 5500 درجة مئوية. ما زال الفرق بين الكواكب الغازية العملاقة والأقزام البنية موضع نقاشٍ ساخنٍ بين علماء الفلك، لكن القاعدة الأساسية التي يستخدمها علماء الفلك هي الكتلة التي يتوقف أسفلها اندماج الدوتريوم، المعروف باسم "حد احتراق الديوتيريوم deuterium-burning limit"، حيث تصل هذه الكتلة إلى 13 ضعف كتلة المشتري تقريباً. وفي الوقت نفسه، رصد فريق معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، الذي اكتشف انبعاثات الجسم الراديوية عام 2016، الجسم مرةً أخرى في الدراسة الجديدة بترددات راديويةٍ أعلى، وأكد الفريق أنّ مجاله المغناطيسي أقوى مما قيس أول مرة. يقول كاو: "عندما أُعلن أنّ SIMP J01365663+0933473 له كتلة قريبة من حد احتراق الديتيريوم، كنت قد انتهيت للتو من تحليل أحدث بيانات المصفوفة الكبيرة جداً". شكلت عمليات رصد المصفوفة الكبيرة جداً أول كشف راديويّ وأول قياس للمجال المغناطيسي لجسمٍ ذي كتلةٍ كوكبية محتمل خارج نظامنا الشمسي. ويقول غريغ هالينان Gregg Hallinan من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا إنّ هذا المجال المغناطيسي القوي "يطرح تحديات كبيرة لفهمنا للآلية الحركية التي تنتج المجالات المغناطيسية في الأقزام البنية والكواكب الخارجية وتُساعد في تشكل الشفق القطبي الذي نراه". يقول كاو: "هذا الجسم بالتحديد مثيرٌ للغاية لأن دراسة الآليات الحركية المغناطيسية الخاصة به يمكن أن تقدم نتائج جديدة حول كيفية عمل نفس النوع من الآليات في الكواكب الخارجية. نحن نعتقد أنّ هذه الآليات يمكن أن تعمل ليس فقط في الأقزام البنية، بل وأيضاً في كل من الكواكب الغازية العملاقة والكواكب الأرضية". قال هالينان: "إنّ كشف SIMP J01365663+0933473 باستخدام المصفوفة الكبيرة جداً من خلال الانبعاثات الراديوية الشفقية يعني أيضاً أنّ ذلك قد يُشكل طريقةً جديدةً للكشف عن الكواكب الخارجية، بما في ذلك تلك الكواكب المراوغة الصعبة التي لا تدور حول نجمٍ أم".