المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأربعاء 8 مايو 2024
المبتعث  الدكتور "حسن جمال" لــ  #غرب_مع_المبتعثين_   العواقب كثيرة اعتبرها فُرَص واغْتَنمها
غازي بن نايف- الشرقية
بواسطة : غازي بن نايف- الشرقية 09-07-2018 10:35 صباحاً 44.5K
المصدر -  
غرب مع المبتعثين .. حلقة الوصل بين المبتعثين والمبتعثات في شتى أنحاء العالم .. لهذا نحن فيها "منكم ولكم"

الدكتور "حسن جمال" طبيب أسنان مبتعث في بريطانيا بكلية لندن الجامعية - ببرنامج الدكتوراه الاكلينيكية في طب أسنان الأطفال - ينقل لنا عدد من مشاهداته المنوعة وتجربته في الإبتعاث من خلال السطور التالية:




بعد تخرجي من مرحلة البكالوريوس بتخصص طب وجراحة الفم والأسنان، رجعت الى السعودية لقضاء مرحلة الامتياز وحينها بَدَأَت رحلة البحث عن وظيفة. طرقت أبواباً عِدّة من مستشفيات حكومية وأهلية لكن الحظ لم يحالفني. استمرت هذه الرحلة سنة ونصف تقريباً.

شغلت وقتي بالإشتراك بالدورات التدريبية والعمل بشكل تطوعي كي لا أفقد مهارتي العملية. أردت وقتها أن أُكمل دراستي لمرحلة الماجستير، وكان شغفي تخصص جديد في طب الأسنان وهو طب الأسنان التجديدي. يهتم التخصص بعلم الهندسة الحيوية والخلايا الجذعية في طب الأسنان. الجامعة الوحيدة التي تُقدم هذا التخصص آنذاك هي جامعة كينجز كوليدج بلندن وهي من الجامعات المرموقة وتحتل المركز الثاني عالمياً في مجال طب الأسنان. كانت طلبات قبولهم صعبة جداً ولكنني اصريت ان أبرز افضل ماعندي وأن أتقدم لها. وفعلاً قدمت على البرنامج وبعد التقديم بخمسة أيام فقط وصلتني رسالة إلكترونية من الجامعة بقبولي للمقابلة الشخصية، كانت فرحتي لا توصف. خلال المقابلة كانت الاسئلة تتمحور حول "لماذا هذا التخصص؟ وما تريد انجازة في السنين القادمة بهذه الشهادة؟". وبالطبع سردت لهم كل ما اطمح اليه من تغيير وتجديد ونقل خبرات لوطني. والحمدلله بعد المقابلة بأسبوع تم قبولي في البرنامج. تواصلت مع وزارة التعليم العالي وقتها للتقديم على البعثة، وفوجئت بعدم امكانية التسجيل لعدم تحقق شرط العمر، علماً بأن الفرق كان شهر ونصف عن المحدد، كان هذا الشرط صارماً آنذاك. وقف بجانبي والداي وتكفلوا بجميع مصاريف فترة الدراسة.

كان البرنامج صعب جداً ومكثف واغلب مواده كانت جديدة عَلَي كطبيب اسنان. لكنني كنت اعرف ان ذلك سيَفِيدني ويضيف لمعلوماتي الكثير. فاعتبرت كل هذه المعضلات فرصة للتطوير وإثبات الذات. تخرجت والحمدلله بدرجة عالية وكنت أول طالب سعودي يتخرج من هذا التخصص ويقوم بنشر بحثة في مجلة بريطانية عالمية مرموقة و أحسست بالفخر.

رجعت للسعودية بآمال عالية على أن أجد وظيفة في المجال الأكاديمي والعَمَلي. طرقت أبواب الجامعات والمستشفيات الحكومية والخاصة ولكن للأسف مرة أخرى لم يحالفني الحظ. لم أرد أنأ أُفَكِر ولو للحظة بالإحباط لإيماني بالله ثم ثقتي بما أملُك من علم وعزيمة. لذلك، قررت أن أُكمِل تعليمي البحثي، لكن هذة المرة تحديت نفسي أكثر.

في مجال طب الأسنان هناك تخصص في مواد الأسنان الحيوية وأردت أن أضيفه لمُحَصِلتي العِلمية. لكنني اردت ان اكون اكثر استثنائية فتقدمت على برنامج يُدَرِس نفس المجال لكن في القسم المختص بعلم المواد، وهو قسم الهندسة والمواد الحيوية بجامعة كوين ماري بلندن. كانت هذه الخطوة من أكثر الخطوات مجازفة في حياتي. حصلت على القبول بعد المقابلة الشخصية وقدمت على الابتعاث لكني لم أُقبَل مرة أخرى. كان السبب حصولي على ماجستير مسبق، فذهبت مرة اخرى على حسابي الخاص بدعم والداي حفظهم الله وأمد في أعمارِهِم بالصِحه.

دراستي في هذا التخصص كانت أيضاً صعبة جداً لاني لست محاطاً كما أعهد بأطباء أسنان من نفس مجالي، بل كنت محاطاً بمهندسين في الكهرباء والميكانيكا و بكيميائيين وفيزيائيين، كان لدي احساساً بالرهبة. سرعان ما اندمجت ورأيت انني اعرف مالا يعرفون ويعرفون مالا اعرف، وذلك بحد ذاته كان بداية تكوين أفكار جبارة. آمنت وقتها بأنه عند اختلاط الشخص بمجموعة تختلف في الفكر وفي الخلفيات الأكاديمية، تولد الأفكار الإبداعية ويكون الوصول لتحقيقها أسرع.

مشرف بحثي، البروفيسور الفارو ماتا، كان شخصية رائعة لأبعد الحدود. لم يكن يأمرنا بعمل شيء ما أو يحدد مصير بحثنا، بل كان تارة يترك لنا المساحة لنبدع ويوجهنا تارةً أخرى حين يُبحر بنا العصف الفكري بعيداً. وعملنا في المختبر مع البروفيسور انا و زميلي د.شريف الشرقاوي على مشروع سرق مننا نوم الليالي. كنا ببعض الأحيان نجلس في المختبر لساعات متأخرة من الليل، ليس لأن المشروع مُرهِق بل لشَغفِنا له و إيماننا بما يمكن إنجازه.

سرعان ما سار الوقت وانطوت المسافات ووجدت نفسي متخرجاً من هذه الجامعة بدرجة امتياز بتفوق وحصلت على تهنئة بهذا الخصوص من سعادة الملحق الثقافي السعودي ببريطانيا الدكتور الفاضل عبدالعزيز المقوشي. وتم بحمدلله وكرمه نشر بحثنا في مجلة نيتشر (Nature Communications) وهي من أفضل المجلات العالميّة في هذا المجال. نُقَدِم بهذا البحث مادة بروتينية تعمل على تجديد طبقة مينا الأسنان المهترئة بشكل حيوي وغير اصطناعي. وكان هذا بحد ذاته انجاز كبير من حقه أن يغير مجال طب الأسنان بشكل جذري ويَحُد بشكل ملحوظ من نِسَب الصرف على الحشوات التقليدية من قبل الطبيب والمريض.

نُشِرَ بفضل الله ومَنّه خبر البحث في وسائل اعلامية عدة من ضمنها مجلة التايمز الامريكية ومجلة الدايلي ميل البريطانية وقناة البي بي سي وسكاي نيوز، وغيرها. وسجلت في مسابقة أفضل صور بحث علمي وحصلت والحمدلله على أفضل صور بحث علمي على مستوى قسم الهندسة الحيوية بالجامعة.

رجعت الى السعودية مسلحاً بالعلم والارادة وإشتركت في مؤتمر مكة المكرمة الدولي لطب الأسنان وشاركت بملصق علمي لنفس البحث. تم وبفضل الله اختيار البحث كأفضل بحث ضمن أكثر من ٣٠٠ بحث مُشارك.

وقتها أردت التقديم على الجامعات مرة أخرى لكن أيضاً بلا جدوى. وعندما اردت العمل في مجالي كطبيب أسنان عام، قيل لي أنني لا أستطيع الممارسة لأن لدي فترة انقطاع عن العمل. لم أتذمر وطلبت العمل كطبيب اسنان متطوع من غير راتب لأُعالج فترة الانقطاع. وكان الرد ايضاً بالرفض، لأن معالجة الانقطاع لدينا تكون بالتدريب في أحد المستشفيات ويجب على المتدرب أن يدفع للجهة المسؤولة مبلغ من المال ليحصل على التدريب. فسجلت وقمت بالتدريب والممارسة في مستشفتين حكوميتين وتمت معالجة فترة الإنقطاع.

الآن أريد أن أتخصص في مجال طب أسنان الأطفال وأن أُقَوى مهاراتي الإكلينيكية. حصلت على قبول غير مشروط من احد افضل الجامعات لهذا التخصص وهي من ضمن الجامعات العشر الأُول بالعالم، جامعة كلية لندن. وسأبدأ بحول الله في شهر سبتمبر المقبل من هذه السنة. لدي فكرة لمشروع بحثي تمت مناقشتها مع أحد المشرفين بالجامعة بلندن وقوبلت الفكرة بحفاوة. وإن شاءالله من حق هذة الفكرة إذا نجحت أن تُقلل بشكل ملحوظ نسبة التسوسات لدينا بالسعودية، وهي من أعلى النسب عالمياً.

الحمدلله شَمَلَني الابتعاث السخي ببرنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله. وكلنا أمل وعزيمة للمشاركة ولو بشيءٍ بسيط لتحقيق رؤية المملكة الجديدة وراء قائد الفكرة ولي عهدنا الأمير الشاب الطموح محمد بن سلمان حفظه الله وسدد خطاه.

ختاماً أريد أن أقول أن في الحياة عقبات كثيرة ومُحَبِطات ولكن لابد للشخص أن ينظر لها بأنها فرص ويسأل نفسه ماذا يمكن أن يفعل كي يتخطاها. ومن يكترث لها تقف حياته عندها ولن يصل لهدفه. قال الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا• إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا• فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ • وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب•) صدق الله العظيم. ونصيحة لكل من هو مُقدِم على الابتعاث، لا يوجد هناك طريق واحد للنجاح فكلما سلكت طريق جديد تَمَيزت عن غيرك. واجعل ايمانك بالله قوي وأيقن أن لكل شخص وقته للنجاح وأنه لا يستطيع كائناً من كان أن يحدد مصيرك.

وانهي كلامي بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ). صدق الرسول الكريم صلواتُ ربي وسلامه عليه.