المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024
تجربة باحث دكتوراه طب الأسنان مبتعث في السويد  "نبيل المطيري"  وهذه القصة
غازي بن نايف- الشرقية
بواسطة : غازي بن نايف- الشرقية 21-05-2018 11:39 صباحاً 89.2K
المصدر -  
غرب مع المبتعثين .. حلقة الوصل بين المبتعثين والمبتعثات في شتى أنحاء العالم .. لهذا نحن فيها "منكم ولكم" ندعوكم للتعرف عليهم وعلى سيرتهم وللإطلاع على تجاربهم المنوعة في الإبتعاث .. "نبيل بن صالح المطيري" نائب أول تقويم الأسنان محاضر بجامعة القصيم – وحاليا باحث دكتوراه مبتعث بدولة السويد في “معهد كارولينسكا الطبي" في العاصمة أستوكهولم تخصص دقيق تقويم الأسنان والفكين – حيث نال كذلك في السويد على برنامج الزمالة والماجستير في تخصص تقويم الأسنان – العديد من المحاور نستعرضها عن هذه التجربة في السطور التالية وهذه القصة:


تخصص طب الأسنان .. ومسيرة كفاح وطموح ..

تخصصي العام هو في طب الأسنان وتخصصي الدقيق هو في تقويم الأسنان والفكين - حصلت على تخصص البكالوريوس في طب وجراحة الأسنان من جامعة الملك سعود في عام 2009م وفي شهر أكتوبر من عام 2010م عيّنت كعضو هيئة تدريس في جامعة القصيم وتحديداً في كليتها الفتيّة (كلية طب الأسنان) في قسم التقويم وطب أسنان الأطفال - بعدها بدءت المرحلة الشاقة والتي يدركها جميع زملائي الأطباء وهي محاولة الحصول على مقعد للدراسات العليا في تخصص تقويم الأسنان ، وهنا قد لايعلم الكثير بأن القبول في هذا التخصص يكاد يكون من المستحيلات لشدة التنافس عليه وقلة البرامج المتاحة للطلبة الأجانب فخلال سنتين إثنتين راسلت فيها مايقارب الأربعين جامعة في كل من (أمريكا الشمالية, بريطانيا, السويد وأستراليا) تخللها عدة مقابلات شخصية في عدد من البرامج لكن وبالرغم من كوني ولله الحمد والفضل أولاً وآخراً من الأوائل في دفعتي ومتخرجاً بمعدل لائق هذا ومع حصولي على درجات مرتفعة في شهادة التوفل وجزئي البورد الأمريكي لطب الأسنان وبالإضافة لمخزوني من الدورات العلمية المختصة بتقويم الأسنان إلا أنني لم أحضى بمقعد لسبب أجهله خلال تلك السنتين - لكن لإيماني بأن مع العسر يسر, حصلت في مايو 2013م على مقعد في معهد كارولينسكا الطبي - وهذا المعهد لمن لا يعلم يقع في المرتبة السادسة على مستوى العالم في تخصصات الأسنان (حسب آخر تحديث لتصنيف QS) حينها فقط بدئت القبولات تتوالى من ثلاث جامعات أخرى مرموقة في ثلاث دول متفرقة لكني أستخرت وآثرت قبول المعهد عليهن لأسباب كثيرة يصعب حصرها.


رحلة الإبتعاث إلى السويد ..

بدأت مسيرتي الدراسية في السويد في أوائل عام 2014 ميلادية حيث كنت أدرس في برنامج الزمالة والماجستير في تخصص تقويم الأسنان (لمدة 3 سنوات ونصف). كانت محفوفة بالذكريات والتجارب الرائعة وفي مايو 2017 أنهيت مناقشة رسالة الماجستير وتم نشر البحث في مجلة تقويم الأسنان الأوروبية. بعدها بدئت مرحلة أخرى كباحث دكتوراه في نفس المعهد لكن في موضوع دقيق جداً يهدف لدراسة نمو التحكم العصبي (الحسي والحركي) لعملية مضغ الأكل عند الأطفال الأصحاء ومعرفة في أي عمر زمني يصبح مضغهم مكتمل النمو كما هو الحال عند البالغين لدينا إعتقاد بأن المضغ السليم له تأثر إيجابي على القدرة الإدراكية لدى البشر لذا نتمنى أنا وفريقي البحثي أن تساعدنا نتائج البحث في بناء خريطة نمو مرجعية لتشخيص مشاكل المضع عند الأطفال وبالتالي مساعدتهم في الحصول على أفضل نمو إدراكي ممكن.


دولة السويد .. وهذه المشاهدات ..

السويد كبلد يعتبر من أجمل البلدان من ناحية الجمال الطبيعي - فالدولة هناك تولي إهتمام بالغ بالإهتمام والمحافظة على الحياة الطبيعية وتبني نمط غذائي عضوي ، لكن وكما هو الحال في كل بلد لابد من مزايا وعيوب وأكثر ما يعيب الحياة في السويد هي في قسوة موسم الشتاء وطوله والذي قد يمتد لقرابة الستة أشهر تقريباً تسوء وتطول المدة كلما إتجهت شمالاً - الشعب الإسكندنافي بشكل عام والسويدي بشكل خاص يغلب عليه الود واللطف في التعامل ويتكلمون الإنجليزية بطلاقة وذلك لأنهم يتعلمونها من الصغر لكنهم شعب خجول ومتحفظ بعض الشئ ولايحبذ التكلم العشوائي مع الغرباء (لذلك تحتاج لبذل جهد أكبر لبناء علاقة إجتماعية فعّالة مقارنة بغيرهم من الدول) الفرد السويدي في المرتبة الثانية بعد ساكني دولة فنلندا إستهلاكاً للقهوة - ولديهم فترتي إستراحة إلزامية في يوم العمل تسمى بـ (Fika) يتم فيها إحتساء القهوة وتبادل الكلام مع تناول بعض المخبوزات اللذيذة (فإذا كنت من محبي القهوة مثلي فسوف تستمتع بذلك كثيراً!). الشعب هنا يقدس الإلتزام بالوقت ويبني إحترامه لك بناءً على مقدار إحترامك له والبيئة العلمية في السويد ذات جودة كبيرة ومرتبة للغاية ومرنة وفريدة من نوعها فهي تتسم في إضمحلال وفقدان الطبقية المهنية بين الطلبة وطاقم التدريس (هنا بإمكانك مناداة عميد الكلية بإسمه الأول من دون ذكر الألقاب الرنّانة والتي قد يطرب لسماعها البعض). وأيضاً الحركة البحثية والإنتاج البحثي في السويد قوي بشكل ملفت - الشعب السويدي مثله مثل بقية الشعوب لديهم عادات جميلة وأخرى غريبة - المطبخ السويدي لايتّسم بالتنوع المأمول وأطباقه لاتخلو من البطاطس المهروسة ,سمك السلمون, وكرات اللحم! لكن هذا لايخفي مقدار براعتهم في صنع المخبوزات ولذة طعمها وتنوعهم في ذلك لكن وعلى الجانب الآخر هناك مؤكلات غريبة ومقززة للغاية, أسوئها غرابة هي أكلة عبارة عن شرائح من الدم تقلى وتؤكل مع مربى التوت البري, وأكلة سمك الرنجة المخمر ((Surströmming وهي عبارة عن شرائح من السمك المعلّب والمخمّر تغلب عليه رائحة عفن نفاثة يأكلونها بكثرة.


مواقف وأحداث ..

خلال دراستي في برنامج الزمالة حصل أن غابت الممرضة المسؤولة على عيادتي بسبب وعكة صحية ألمت بها, ومن المتعارف عليه هو بعد إنهاء علاج أي مريض أن تنظف الممرضة عيادتي بشكل كامل - لكن مافاجأني هو في قدوم رئيسة القسم بنفسها حيث قامت بالتنظيف بالنيابة عن الممرضة المسؤولة وسألتني إذا كنت أريد مساعدة أخرى! تصرفها هذا ليس مؤثراً بالمعنى الصحيح لكنه تصرف فاجأني ولم أعتد عليه, أو بالأصح لم أكن أتوقعه.

وأيضاً من الطرائف والتي يعرفها زملائي هي أن رئيس البرنامج كان يعاني من شخير خلال النوم (Sleep apnea), ولدينا نحن أطباء تقويم الأسنان طريقة علاجية لها فعالية في تقليل من حدة الشخير وتصحيح التنفس خلال النوم في بعض الحالات. فتفاجأت أن إسمه مسجل في قائمة مواعيدي للمرضى, ولما أتى للعيادة تقمص دور المريض بإحتراف ولم ينبس بأي كلمة إلا في حال أجوبته لأسئلتي, وكانت مشرفتي بالعيادة هي من توجهني خلال العلاج وهو أعلم منها بهذا النوع من العلاج بالطبع. فتلك التصرفات المتواضعة توقد فيك الثقة والرغبة في التحصيل العلمي بشكل لايصدق.


تجارب رائعة في السويد جديرة بالتطبيق ..

من التجارب الرائعة والملحوظة في السويد هي في سلاسة التعاملات الحكومية وخلوّها من الأوراق في الغالب وتتم بشكل تام عن طريق الخدمات الإلكترونية, والتكنولوجيا المساعدة لهذا التوجة متينة وداعمة لهذا التوجه بشكل ملفت. ومع علمي التام بأن بعض مؤساساتنا الحكومية قد تبنت هذا التوجه بشكل مبهر سهّل حياة المواطنين مثل خدمات وزارة الداخلية (أبشر), إلا أنني أتمنى أن جميع مؤسساتنا الحكومية تحذو حذوها.


المبتعثين في السويد ..

غالبية مبتعثي المملكة يتواجدون في خمس جامعات سويدية (معهد كارولينسكا, جامعة قوثنبرق, جامعة مالو, جامعة أوبسالا, والمعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوكهولم). غالبيتهم في تخصصات طبية, وهناك أيضاً من يدرس في تخصصات هندسية وعلوم أخرى. الدراسة بالغالب باللغة الإنجليزية لكن من الصعوبات الدراسية تكمن في إلزام إجتياز مرحلة معينة من اللغة السويدية كمتطلب للقبول والدراسة (ليست كل الجامعات والتخصصات تلزم هذا الشئ). ولمن لايعرف, النطق الصحيح في اللغة السويدية يعتبر تحدٍ لايستهان به. وبالرغم من هذا, الدراسة هنا ذات جودة عالية و كما أسلفت تتسم بغياب الحواجز بين الطلبة وطاقم التدريس - وقد يبدو كلامي هذا بديهياً لكل مبتعث للدراسة في السويد لكن أهم نصيحة أوجهها له هو ألا ينسى هدف قدومه لهذا البلد ومقدار الدعم المالي المقدم له من وطنه. قأقل عرفان يقدمه لوطنه هو في إستغلاله لكل سنين دراسته في تحصيل مايفيده في تخصصه وأن يضرب أروع مثال لطلبة وطنه.

أيضا خريجي السويد من مبتعثي المملكة كثير ومن الصعب حصرهم, ومن الإجحاف ذكر بعضهم دون غيرهم. لكن من أعرف من الخريجين فغالبيتهم أساتذة أفاضل يتقلدون مناصب أكاديمية في مختلف الجامعات أو مسؤولي برامج تعليمية طبية داخل المملكة - وفي جانب أخر الدراسة في السويد سابقاً لم تكن شائعة أو بالأصح لم تكن من خيارات الطلبة ولأسباب كثيرة. لكن في السنوات القليلة الماضية ومع إزدياد الخريجين من هذه الدولة زاد إقبال الدراسة فيها بشكل مطّرد وإيجابي. هذا الإزدياد زاد من نسبة التعاون بين جهات حكومية سعودية مع بعض المؤسسات الأكاديمية السويدية وبالتالي زيادة الخبرات المتبادلة والتي نتمنى أن تسهم في تحقيق رؤية مملكتنا الغالية.


ستوكهولم عروس الشمال الأوروبي ..

أعيش في العاصمة ستوكهولم عروس الشمال الأوروبي, وهي مدينة تقع على الساحل الشرقي للسويد ويوجد فيها مقر الحكومة والبرلمان وفيها يقيم الملك السويدي. هذه المدينة تحتضن أرخبيل بحري كبير يضم مئات الجزر وفيها معالم سياحية عديدة تتنوع بين معالم معمارية, متاحف, حدائق وطبيعة خلاّبة. يقطنها مايقارب المليون نسمة من مختلف الجنسيات والأعراق, هذا بخلاف الجذب السياحي الكبير. التنقل بين أرجاء المدينة مريح وجميل, فهي تمتاز ببنية تحتية ضخمة في مختلف المواصلات تتنوع من باصات, قطارات, مترو, وترام. الحياة المعيشية في ستوكهولم غالية وإيجاد السكن في هذه المدينة والسويد بشكل عام يعتبر تحدٍ كبير لكل الطلبة لقلة المعروض وكثرة الطلب - في هذه المدينة فقط يوجد 18 جامعة تعليمية في تخصصات عديدية منها في الطب, الهندسة, الفنون والقانون - أبرز تلك الجامعات هي معهد كارولينسكا الطبي والذي أُسس في 1810م ويضم حرمين جامعيين يدرّس فيهما مختلف التخصصات الطبية وطب الأسنان يدرس فيها مايقارب الـ 6 آلاف طالب وطالبة في درجتي البكالوريوس والماجستير ومايقارب الـ 2000 طالب وطالبة في درجة الدكتوراة وفي هذه الجامعة يقام الإحتفال السنوي لتسليم أربع جوائز نوبل من أصل خمسة في تخصصات الكيمياء, الطب, الفيزياء والأدب ماعدا جائزة السلام والتي تسلّم في النرويج.


الإسلام والمسلمون في السويد ..ونظرة غموض لدى المواطن السويدي عن المجتمع السعودي ..

عدد سكان السويد ما يقارب الـ 9 ملايين نسمة, وعدد المسلمين منهم يتجاوز الـ 300000 شخص. غالبية الشعب السويدي يتقبل المسلمين بمختلف جنسياتهم ولاتوجد أية عنصرية تجاههم. على العكس تماماً, الشعب يكن الإحترام لكل الطوائف والديانات ومن ضمنها الإسلام, لدرجة أن بعض المتاجر السويدية توفر متجات رمضان طيلة أيام الشهر وقد تفرض عليها خصومات - لكن نظرة بعض السويدين للسعودية بشكل خاص يتغلفها بعض التشكك والغموض في قضايا في المجمل غير واقعية وتدور حول المرأة وفي الثلاث سنوات الماضية تصاعدت موجة اليمين المتطرف في السويد ومايصاحبها من كراهية مثلها مثل باقي دول أوروبا حيث أصبح شعبية حزبهم اليميني (ديموقراطيوا السويد) في آخر إستطلاع سياسي يتربع في المرتبة الثالثة للأسف. فأكثر مايخشاه المهاجرين بشكل عام والمسلمين بشكل خاص هو ألاسمح الله إن إستطاع هذا الحزب في الوصول إلى سدة الحكم أن يفرض عدة سياسات داخلية ضد المهاجرين مثل التضييق على الهجرة ولم الشمل, والترحيل القسري للاجئين وسياسات أخرى ضد الدين الإسلامي والشعائر الإسلامية مثل التضييق على إنشاء المساجد ومعارضته لإدخال اللحم الحلال في وجبات الأطفال في البلديات ذات الأغلبية المسلمة - وبغض النظر عن تلك السياسات بالطبع الحياة في السويد تفرض تحديات على المسلمين على المستوى الديني أو الحياة والمعيشة فنحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك والمسلمين هنا يصومون لساعات طويلة تمتد 19 إلى 20 ساعة يومياً. مدة الصيام الطويلة تفرض صعوبات في العمل والدراسة ومايصاحبها من إنهاك وتعب نحتسبه إلى الله.


هذه أهم القوانين والأنظمة المتبعة في دولة السويد ..

هنا في السويد التقيد بالأنظمة المرورية وسلامة المشاة تؤخذ هنا على محمل الجد. فتجاوزك للسرعة المحددة يعرضك لعقوبات قاسية قد تصل لسحب رخصتك منك. مثلاً, الشوارع الملاصقة للمدارس تفرض سرعة لاتتجاوز 30كلم/ساعة (قد تخفض إلى 20كلم/س) حفاضاً على سلامة الأطفال العابرين للطريق, مخالفة هذا القانون قد يعرضك لعواقب أنت في غنى عنها - أنت أيضاً ملزم بفحص السيارة مرة في كل سنة وفي التبديل بين الإطارات الخاصة بالشتاء والخاصة بالصيف في فترات محددة بالسنة منعاً للإنزلاقات ، وعلى ذكر الإنزلاقات - إطارات الشتاء قد لاتكون كافية لمنع إنزلاق السيارة وخصوصاً إذا نمت طبقة الجليد الأسود على الطرق ولي مواقف كثيرة لاتنسى بهذا الشأن!

السويد أيضاً تولي إهتام بالغ في تربية الأطفال ومحاربة العنف اللفظي والجسدي تجاههم ومحاربة إستغلالهم ومن الرائع بناء جيل إيجابي وواثق من نفسه لكن من المعلوم لدينا نحن الشرقيين هو أننا نميل إلى الموازنة بين الحزم واللين تجاه الأبناء وذلك لتحقيق نتاج تربوي صحيح هذه الطريقة التربوية قد تفهم بطريقة خاطئة جداً هنا في السويد فالقصص كثيرة لعوائل شرقية تم سحب أبنائهم منهم بسبب سؤال المدرسة للطفل "هل يضربك أبواك؟" وغالبية الأطفال إن لم يكن كلهم لايدرك تداعيات الجواب والتي قد تؤدي لفصل الإبن عن أهله حتى يصل إلى عمر 18 سنة فإهتمام السلطات السويدية هذا قد يميل إلى المبالغة والتجاوز في بعض الأحيان. وأعتقد أن هذا القانون هو أكثر مايخيف القادمين للسويد سواءً من الطلبة أو المهاجرين.


ختاما ..

أؤمن بأن الحياة سلسلة من ردات الفعل .. ففعلك للخير سيرتد لك بإذن الله إلى أمور فيها خير والعكس صحيح.