الكاتب الأذربيجاني "آزاد قارادرالي" في سطوور
كتبه الاستاذ : أحمد سامي العايدي
ولد الكاتب الأذربيجاني "آزاد قارادرالي" عام 1954م بقرية "درالي" التابعة لمحافظة "زنجلان" بأذربيجان. بدأ مشواره الإبداعي في فترة الدراسة الجامعية، وأذيعت قصصه القصيرة في الإذاعة الأذربيجانية، ونشرت في العديد من المجلات الأدبية مثل "أذربيجان" و"أولدوز".
صدرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان "الماء شديد العذوبة" عام 1987م. وله العديد من المجموعات القصصية الأخرى مثل "العواء"، و"بياض الثلج"، و"هل يوجد هنا رجل؟"، و"أطفال الحرب"، و"رثاء الديمقراطية"، و"منطقة الممنوع"، و"وطني حبيبي". وكذلك روايات مثل "الأرض لا تدور هنا"، و"المدينة الصغيرة"، و"أكبر شخص".
ترجمت أعماله الأدبية إلى اللغات الروسية والتركية والبولندية، والإنجليزية، ونشرت في العديد من المواقع الالكترونية والمجلات في تركيا وروسيا وإيران وبولندا.
عمل لفترة طويلة بالإذاعة. وهو مؤسس ورئيس تحرير مجلة "الكتابة" الأدبية.
ونعرض له لأول مرة باللغة العربية قصة "أسطورة الغزالة".
قام بالترجمة من اللغة الأذربيجانية: د/ أحمد سامي العايدي
قصة
"أسطورة الغزالة"
رفعت الغزالة الأم رأسها، ونظرت إلى القمر الذي يتصاعد بين السحاب، وشعرت بألم في بدنها. كان لون القمر (مَلك السماوات) يشبه لون اللحم. لا، ليس لون اللحم العادي، بل لون لحم الغزالة الفارة التي لا تستطع أن تنجو من هجوم العدو.
صرفت عينها عن القمر. ولكن لم يمضي عنها الذعر بعد.
كانت الغزلان تحب القمر. لأن هذا مَلك السماوات ينير له الطريق بالليل، ويضيئ له الغابات المظلمة، والوديان الوعرة. ويوضح له ظل العدو، أي يكون مرشداً للغزلان.
أهناك أفضل من رؤية كائن مضيء فوق رأسك في غابة خاوية يخيم عليها الهدوء القاتل؟! فكم هو ممتع أن تخرج لسانك وتلعق ضوئه، وتتحدث معه شخصياً.
فلماذا أغضب القمر اليوم قلب الغزالة الأم؟ أغضبها؟ لا، لا يُطلق على هذا أنه أغضبها. في حقيقة الأمر، أرد القمر أن يُحذر الغزالة الأم من شيء مخيف. لقد سمعت الغزالة الأم من الغزلان الكبار ذوي الخبرة أن القمر إذا تحول إلى لون لحم الغزالة الفارة، فهذه ليست علامة جيدة. انظر، هذا هو الذي كان يُخيف الغزالة الأم.
استدارت ونظرت إلى صغيريها الذين يصدر سليلاً مع بعضهم البعض. كان لونهما يميل إلى اللون الذهبي تحت ضوء القمر. ذهبي؟ لا، في الواقع كان لونهم مثل لون القمر أي لون لحم الغزالة الفارة...
رفعت رأسها وأمعنت النظر مرة أخرى في مَلك السماوات. لقد أمعنت النظر بشكل وكأن القمر ارتكب كبيرة من الكبائر.
أرادت أن تحجب ضوء القمر بجسدها، حيث كانت لا تريد أن ينعكس هذا اللون وهذا الضوء على صغارها. للأسف هذا مستحيل. لقد تسلل ضوء القمر من بين أرجل وحوافر وقرون الغزالة الأم، وانعكس فوق الغزالتين التوأم.
بينما الغزالة الأم تحتمي من ضوء القمر، نما إلى أذنيها صوت خرفشة. لقد خُيل إلى الغزالة الأم أن صوت الخرفشة هذا مخملي اللون، مثل لون لحم الغزالة الفارة.
نصبت أذنيها واستمعت للخرفشة، فرأت أن صغارها يجرون وينطون. مع أنهم لا يزلون صغاراً لم يتلقوا من الأم الخبرة الكاملة، فكانوا يشعرون بالفطرة التي تجري في عروقهم أن شيئاً مخيفاً يقترب. كان لديهم سلاح وحيد من أجل الاحتماء من هذا الخطر ألا وهو أرجلهم! الجري والفرار من خلال هذه الأرجل، حتى وإن لازم الأمر التحليق فوق الوديان ليتمكنوا من إنقاذ حياتهم... ولكن أحياناً هذا السلاح لا يصلح: يتحرك العدو أسرع، وينقض على الغزالة، ويمزقها إرباً إرباً ويفترس لحمها على الفور. وهذا العدو المنقض عليهم هو النمر. هذا الحيوان المفترس يمتلك فرواً ناعماً، وافتراسه للحم الغزلان بشراسة جعله عدواً لهم.
ولكن لم يكن عدو الغزلان الأساسي هو النمر. فهو يهاجمهم قليلاً. ولديه طبع، وهو أنه لا يهاجم القطيع. يختبأ ويهجم بغتة على فريسته، فإن اصطادها أخذها وإن لم يتمكن منها، يغضب وينصرف بعيداً عنها مزمجرا.
كان العدو الأساسي لقطيع الغزلان هو الذئب. فهذا الحيوان المخيف ذو الشعر الرمادي المرعب لا ينصرف عن محيط قطيع الغزلان. كان أحياناً ينام في المكان الذي تنام فيه الغزلان، ولا يشعر بهم لأنه لا يستطيع شم رائحتهم. فيستريح هناك، ويطارد القطيع الذي ينقض عليه فجأة مطاردة شرسة، حتى يستطيع أن يمسك بالغزالة التي تتعب وتخر قواها، فينزوي بها جانباً ويأكلها. وكان الشغل الشاغل للذئب هو أن تكون الغزالة التي سيصطادها منهكة، ولحمها في لون الدم. فالذئب مولع بلحم مثل هذا النوع من الغزلان.
لقد اعتادت الغزلان على هؤلاء الذئاب بعض الشيء. أي أنه يجب أينما وُجد الغزال تواجد الذئب، وأينما وُجد الذئب تواجد الغزال. فهذا الأمر مثل الليل والنهار...لذلك عندما يظهر قليلاً ويظهر على فترات متباعدة، كأن الغزلان تشتاق له. لا، هذا لا يسمى اشتياق...فالغزلان تنتظر الذئاب، كانتظار الضباب للرياح، والثلج للشمس. الذئب هو أجَل وموت الغزلان؟ وفم الذئب هو قبر الغزلان. لم ير أحد مطلقا أن الغزلان تخر وتموت بشكل عادي. وكان أكبر هم للغزلان هو الموت بسبب المرض. كانت الغزلان عندما تمرض، تسير هي نحو أجَلها. وبمجرد أن يراهم أجَلهم أي الذئاب، يطاردهم حتى ينقض عليهم.
ولكن كان هناك عدو مخيف يظهر في هذه المناطق من حين لأخر وتعرفه الغزالة الأم. هو الضبع الذي هو ذئب في صورة أخرى. ما أن يدخل الضبع وسط القطيع، لا ينصرف عنه إلا بعد أن يصطاد بعض الغزلان! ويفترس ما يصطاده بنفسه، ويمص دمه، ثم يلقي به ويفترس غيره.
ربما شعرت الغزالة الأم أن صوت الخرفشة الذي سمعته هو خرفشة ضبع...
التفت ونظرت إلى صغارها. كانوا لا يزولون صغاراً. ولم يشتد عودهم بعد. وكانت هناك بعيداً عنهم بعض الشيء غزالة أخرى تلعق صغيرها حديث الولادة. مع أن هذا الرضيع كان يستطيع أن يقف على قدميه، فإنه لا يستطيع السير بحرية. وإذا كانت هذه الخرفشة هي بالفعل خربشة الضبع، فماذا إذن عن مصير هذا الرضيع؟ كم من غزلان رُضع موجودة بالقطيع. فماذا عنهم؟ هل سيستطيعون الجري وإنقاذ أنفسهم؟ ماذا؟ ربما؟ أهذا هو السلاح الأخير؟ ربما يوجد طريق أخر للنجاة؟ أهذا ذهاب إلى موت محقق؟! ما!
فجأة حدث صوت جلابة شديدة. بسبب أن الضبع كان يرقب صغار الغزالة الأم، انقض نحوهم. فأسرعت الغزالة الأم والقت بنفسها داخل أعماق الغابة. وانطلق صغارها كالسهم المنطلق من القوس، وطاروا خلف أمهم.
لم يكن هذا مجرد هروب عادي، بل صراع لإنقاذ الروح. لم تكن الغزالة الأم التي أعطت كل قواها لقدميها تفكر في نفسها فحسب، فهي تحمل خلفها القطيع بأكمله. أدارت رأسها قليلاً نحو جانبها ورمقت بطرف عينها، فكاد قلبها أن ينخلع: تخلف صغارها عن القطيع. لو القطيع تجاوز هذه الغزالة، سوف يشعر الضبع بما أصابها من تعب، ويقتفي أثرها. وأسوء شيء هو أن الغزالة الصغيرة إذا شعرت أن الذئب يجري خلفها، تخر قواها سريعاً، وتصبح طعاماً جاهزاً للعدو.
الوقت ضيق للغاية! يجب التفكير في عمل شيء. ماذا عليها أن تفعل؟! ربما؟!
ألم تفعل الأم هذا من أجل انقاذ صغارها؟ ألم يلقي الغزال الكبير الذي اكتسب احترام الجميع بنفسه في فم الذئب بشكل جلي؟ ها هو، أصبح لا تُسمع أصوات أقدام صغارها. هذا يعني أن الذئب اقتفى أثرهم. كيف يمكن أن تنقذ صغارها الآن؟ لا يزال مصير القطيع في خطر، هذا الضبع لا يُقلع عن المطاردة!
لقد قال العزال الكبير للغزالة الأم: نحن الغزلان لدينا سلاح، في اللحظة الأخيرة نفرز سائلاً عطرياً يسمى المسك من سُرتنا لإنقاذ القطيع من الضبع. عندما نفرز هذا العطر من سُرتنا، ينقطع سبيلنا، ونصبح فريسة للذئاب. ينتشر عطر المسك في جميع الأرجاء في لمحة البصر. وكلما انتشر هذا العطر في الأرجاء، تعرف قطعان الغزلان بوجود عدو خطير قد ظهر. لذلك يجمعون قواهم ويجرون لينقذوا أرواحهم. أما الضبع بعدما يمسك بالغزالة التي أفرزت رائحة المسك، يصبح مثل الثمل بعض الوقت، ويفقد الرغبة في الصيد...
فماذا عليها أن تفعل؟ ليس لديها حل أخر...
توقفت الغزالة الأم فجأة، وأدارت عينيها حولها، ونظرت النظرة الأخيرة للقمر ذي اللون المخمري. ثم رمقت الصغار الذين تجاوزوها من الخلف...
بعد فترة صغيرة امتلأت الغابة برائحة مُخدرة.
توقفت طيور الليل عن التحليق في الجو.
انحنت أغصان الورود.
خيم السكون على جميع الأرجاء. أصيب الضبع الذي أمسك بالغزالة الأم بذهول وهو مثل الثمل من هذا العطر...
أما من بعيد، فكانت قطعان الغزلان تفر من هذه الوديان وتهرب.
صدرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان "الماء شديد العذوبة" عام 1987م. وله العديد من المجموعات القصصية الأخرى مثل "العواء"، و"بياض الثلج"، و"هل يوجد هنا رجل؟"، و"أطفال الحرب"، و"رثاء الديمقراطية"، و"منطقة الممنوع"، و"وطني حبيبي". وكذلك روايات مثل "الأرض لا تدور هنا"، و"المدينة الصغيرة"، و"أكبر شخص".
ترجمت أعماله الأدبية إلى اللغات الروسية والتركية والبولندية، والإنجليزية، ونشرت في العديد من المواقع الالكترونية والمجلات في تركيا وروسيا وإيران وبولندا.
عمل لفترة طويلة بالإذاعة. وهو مؤسس ورئيس تحرير مجلة "الكتابة" الأدبية.
ونعرض له لأول مرة باللغة العربية قصة "أسطورة الغزالة".
قام بالترجمة من اللغة الأذربيجانية: د/ أحمد سامي العايدي
قصة
"أسطورة الغزالة"
رفعت الغزالة الأم رأسها، ونظرت إلى القمر الذي يتصاعد بين السحاب، وشعرت بألم في بدنها. كان لون القمر (مَلك السماوات) يشبه لون اللحم. لا، ليس لون اللحم العادي، بل لون لحم الغزالة الفارة التي لا تستطع أن تنجو من هجوم العدو.
صرفت عينها عن القمر. ولكن لم يمضي عنها الذعر بعد.
كانت الغزلان تحب القمر. لأن هذا مَلك السماوات ينير له الطريق بالليل، ويضيئ له الغابات المظلمة، والوديان الوعرة. ويوضح له ظل العدو، أي يكون مرشداً للغزلان.
أهناك أفضل من رؤية كائن مضيء فوق رأسك في غابة خاوية يخيم عليها الهدوء القاتل؟! فكم هو ممتع أن تخرج لسانك وتلعق ضوئه، وتتحدث معه شخصياً.
فلماذا أغضب القمر اليوم قلب الغزالة الأم؟ أغضبها؟ لا، لا يُطلق على هذا أنه أغضبها. في حقيقة الأمر، أرد القمر أن يُحذر الغزالة الأم من شيء مخيف. لقد سمعت الغزالة الأم من الغزلان الكبار ذوي الخبرة أن القمر إذا تحول إلى لون لحم الغزالة الفارة، فهذه ليست علامة جيدة. انظر، هذا هو الذي كان يُخيف الغزالة الأم.
استدارت ونظرت إلى صغيريها الذين يصدر سليلاً مع بعضهم البعض. كان لونهما يميل إلى اللون الذهبي تحت ضوء القمر. ذهبي؟ لا، في الواقع كان لونهم مثل لون القمر أي لون لحم الغزالة الفارة...
رفعت رأسها وأمعنت النظر مرة أخرى في مَلك السماوات. لقد أمعنت النظر بشكل وكأن القمر ارتكب كبيرة من الكبائر.
أرادت أن تحجب ضوء القمر بجسدها، حيث كانت لا تريد أن ينعكس هذا اللون وهذا الضوء على صغارها. للأسف هذا مستحيل. لقد تسلل ضوء القمر من بين أرجل وحوافر وقرون الغزالة الأم، وانعكس فوق الغزالتين التوأم.
بينما الغزالة الأم تحتمي من ضوء القمر، نما إلى أذنيها صوت خرفشة. لقد خُيل إلى الغزالة الأم أن صوت الخرفشة هذا مخملي اللون، مثل لون لحم الغزالة الفارة.
نصبت أذنيها واستمعت للخرفشة، فرأت أن صغارها يجرون وينطون. مع أنهم لا يزلون صغاراً لم يتلقوا من الأم الخبرة الكاملة، فكانوا يشعرون بالفطرة التي تجري في عروقهم أن شيئاً مخيفاً يقترب. كان لديهم سلاح وحيد من أجل الاحتماء من هذا الخطر ألا وهو أرجلهم! الجري والفرار من خلال هذه الأرجل، حتى وإن لازم الأمر التحليق فوق الوديان ليتمكنوا من إنقاذ حياتهم... ولكن أحياناً هذا السلاح لا يصلح: يتحرك العدو أسرع، وينقض على الغزالة، ويمزقها إرباً إرباً ويفترس لحمها على الفور. وهذا العدو المنقض عليهم هو النمر. هذا الحيوان المفترس يمتلك فرواً ناعماً، وافتراسه للحم الغزلان بشراسة جعله عدواً لهم.
ولكن لم يكن عدو الغزلان الأساسي هو النمر. فهو يهاجمهم قليلاً. ولديه طبع، وهو أنه لا يهاجم القطيع. يختبأ ويهجم بغتة على فريسته، فإن اصطادها أخذها وإن لم يتمكن منها، يغضب وينصرف بعيداً عنها مزمجرا.
كان العدو الأساسي لقطيع الغزلان هو الذئب. فهذا الحيوان المخيف ذو الشعر الرمادي المرعب لا ينصرف عن محيط قطيع الغزلان. كان أحياناً ينام في المكان الذي تنام فيه الغزلان، ولا يشعر بهم لأنه لا يستطيع شم رائحتهم. فيستريح هناك، ويطارد القطيع الذي ينقض عليه فجأة مطاردة شرسة، حتى يستطيع أن يمسك بالغزالة التي تتعب وتخر قواها، فينزوي بها جانباً ويأكلها. وكان الشغل الشاغل للذئب هو أن تكون الغزالة التي سيصطادها منهكة، ولحمها في لون الدم. فالذئب مولع بلحم مثل هذا النوع من الغزلان.
لقد اعتادت الغزلان على هؤلاء الذئاب بعض الشيء. أي أنه يجب أينما وُجد الغزال تواجد الذئب، وأينما وُجد الذئب تواجد الغزال. فهذا الأمر مثل الليل والنهار...لذلك عندما يظهر قليلاً ويظهر على فترات متباعدة، كأن الغزلان تشتاق له. لا، هذا لا يسمى اشتياق...فالغزلان تنتظر الذئاب، كانتظار الضباب للرياح، والثلج للشمس. الذئب هو أجَل وموت الغزلان؟ وفم الذئب هو قبر الغزلان. لم ير أحد مطلقا أن الغزلان تخر وتموت بشكل عادي. وكان أكبر هم للغزلان هو الموت بسبب المرض. كانت الغزلان عندما تمرض، تسير هي نحو أجَلها. وبمجرد أن يراهم أجَلهم أي الذئاب، يطاردهم حتى ينقض عليهم.
ولكن كان هناك عدو مخيف يظهر في هذه المناطق من حين لأخر وتعرفه الغزالة الأم. هو الضبع الذي هو ذئب في صورة أخرى. ما أن يدخل الضبع وسط القطيع، لا ينصرف عنه إلا بعد أن يصطاد بعض الغزلان! ويفترس ما يصطاده بنفسه، ويمص دمه، ثم يلقي به ويفترس غيره.
ربما شعرت الغزالة الأم أن صوت الخرفشة الذي سمعته هو خرفشة ضبع...
التفت ونظرت إلى صغارها. كانوا لا يزولون صغاراً. ولم يشتد عودهم بعد. وكانت هناك بعيداً عنهم بعض الشيء غزالة أخرى تلعق صغيرها حديث الولادة. مع أن هذا الرضيع كان يستطيع أن يقف على قدميه، فإنه لا يستطيع السير بحرية. وإذا كانت هذه الخرفشة هي بالفعل خربشة الضبع، فماذا إذن عن مصير هذا الرضيع؟ كم من غزلان رُضع موجودة بالقطيع. فماذا عنهم؟ هل سيستطيعون الجري وإنقاذ أنفسهم؟ ماذا؟ ربما؟ أهذا هو السلاح الأخير؟ ربما يوجد طريق أخر للنجاة؟ أهذا ذهاب إلى موت محقق؟! ما!
فجأة حدث صوت جلابة شديدة. بسبب أن الضبع كان يرقب صغار الغزالة الأم، انقض نحوهم. فأسرعت الغزالة الأم والقت بنفسها داخل أعماق الغابة. وانطلق صغارها كالسهم المنطلق من القوس، وطاروا خلف أمهم.
لم يكن هذا مجرد هروب عادي، بل صراع لإنقاذ الروح. لم تكن الغزالة الأم التي أعطت كل قواها لقدميها تفكر في نفسها فحسب، فهي تحمل خلفها القطيع بأكمله. أدارت رأسها قليلاً نحو جانبها ورمقت بطرف عينها، فكاد قلبها أن ينخلع: تخلف صغارها عن القطيع. لو القطيع تجاوز هذه الغزالة، سوف يشعر الضبع بما أصابها من تعب، ويقتفي أثرها. وأسوء شيء هو أن الغزالة الصغيرة إذا شعرت أن الذئب يجري خلفها، تخر قواها سريعاً، وتصبح طعاماً جاهزاً للعدو.
الوقت ضيق للغاية! يجب التفكير في عمل شيء. ماذا عليها أن تفعل؟! ربما؟!
ألم تفعل الأم هذا من أجل انقاذ صغارها؟ ألم يلقي الغزال الكبير الذي اكتسب احترام الجميع بنفسه في فم الذئب بشكل جلي؟ ها هو، أصبح لا تُسمع أصوات أقدام صغارها. هذا يعني أن الذئب اقتفى أثرهم. كيف يمكن أن تنقذ صغارها الآن؟ لا يزال مصير القطيع في خطر، هذا الضبع لا يُقلع عن المطاردة!
لقد قال العزال الكبير للغزالة الأم: نحن الغزلان لدينا سلاح، في اللحظة الأخيرة نفرز سائلاً عطرياً يسمى المسك من سُرتنا لإنقاذ القطيع من الضبع. عندما نفرز هذا العطر من سُرتنا، ينقطع سبيلنا، ونصبح فريسة للذئاب. ينتشر عطر المسك في جميع الأرجاء في لمحة البصر. وكلما انتشر هذا العطر في الأرجاء، تعرف قطعان الغزلان بوجود عدو خطير قد ظهر. لذلك يجمعون قواهم ويجرون لينقذوا أرواحهم. أما الضبع بعدما يمسك بالغزالة التي أفرزت رائحة المسك، يصبح مثل الثمل بعض الوقت، ويفقد الرغبة في الصيد...
فماذا عليها أن تفعل؟ ليس لديها حل أخر...
توقفت الغزالة الأم فجأة، وأدارت عينيها حولها، ونظرت النظرة الأخيرة للقمر ذي اللون المخمري. ثم رمقت الصغار الذين تجاوزوها من الخلف...
بعد فترة صغيرة امتلأت الغابة برائحة مُخدرة.
توقفت طيور الليل عن التحليق في الجو.
انحنت أغصان الورود.
خيم السكون على جميع الأرجاء. أصيب الضبع الذي أمسك بالغزالة الأم بذهول وهو مثل الثمل من هذا العطر...
أما من بعيد، فكانت قطعان الغزلان تفر من هذه الوديان وتهرب.