المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الثلاثاء 7 مايو 2024

أيا شغف الطفولة ما أدراك ؟

جاء في معجم تاج العروس في معنى فضل أن الفَـضْـل* هو الزيادة على الاقتصاد ،وأن الفضول هو جمع الفضل وقد استعمل الجمع استعمال المفرد فيما لا خير فيه،ولهذا نُـسِـبَ إليه على لفظه *فقيل: فُـضولي لمن يشتغل بما لا يعنيه، والفضل في المعجم الوسيط هو ما زاد عن الحاجة.

**جالت في الخاطر هذه المعاني اللغوية لمفردة الفضول عند التأمل في اكتناز مشاهد حياتنا اليومية* بأهل الفضول السلبيين الباحثين في خصوصية الآخرين بشراهة ونهم ،وكمية اللذة التي يستشعرونها كلما مكنهم التوقيت الزمني **أو المكاني من استراق سمع،أو استباحة نظر للسطو على تفاصيل الغير ونهبها بدون وجه حق.

و المثير للشفقة حقا هو تسويقهم هذا التسول والافتراش البشع لمسارات حياة الناس على أنه ذكاء اجتماعي ،ويسمونه أيضا مهارة إحكام القبضة ،وهو في حقيقة الأمر لا يعدوا أن يكون قرصنة يمارسها *شخص أهدر حياته *ليقيم أودْ حياة الآخرين وإن كانت إقامة هذا الأودْ بشكل سلبي تماما.

النقطة الهامة هي أن الفضولي السلبي *أشبه ما يكون بشخص غادر حياته طواعية ليستقر في حياة الآخرين عنوة ،فماذا يُـرْتَـجى من هكذا استقرار !!! .

والفضولي *السلبي هو شخص لا يعلم بمحتويات ذاته ويقضي عمره ينقب في سلة مهملات الآخرين.

و لا غرابة أن الفضولي *السلبي يظهر في صورة *شخص ليس لديه هويّة أصلية يستشعرها ، *فيستعير مقاطع من حياة الآخرين ليشعر بوجوده ولو بشكل زائف ولمدد مؤقتة.

ولابد أن التفسير النفسي والاجتماعي للشخصية الفضولية السلبية يحمل الكثير من الإيضاحات التي تلقي مزيدا من الضوء على التعرجات والدهاليز الخاصة بها.

غير أنني في ظلال هذا التأمل أجد أنني أعود للنقطة البكر لصفة الفضول لدى البشر،وأجدها نقطة مشرقة* وبريئة جدا في حياة الطفل الشغوف بتفاصيل *ما حوله ، فيكون الفضول هو* السلم الذي يعتليه للاكتشاف ولمزيد من المعرفة ،وكيف ما كان الطريق المؤدي إليها.

وامتـدّ بالتأمل من شغف الطفولة غضّ الفضول *إلى تلك الكوكبة المضيئة من البشر الذين استطاعوا بجمال في أرواحهم أن يحافظوا على شعلة الفضول متقدة بين جوانحهم لم يمسسها مُـكدرٌ سلبي يسلبها جمال شغف المعرفة النافعة الهادفة إلى توسيع دائرة الخير الخضراء ، بأنفة وإباء يحفظها من التحول إلى مجرد رغبة ممجوجة لاقتحام خصوصيات الآخرين والتلصص على خلواتهم.

فالفضول *بحد ذاته ليس صفة مذمومة على الإطلاق *إنما اختزاله في متابعة أثر الناس لإحداث السوء هو الأمر المذموم .

والبرهان يقدمه لنا الصحابي الجليل *عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حيث أن فضوله هو الذي ميّـز ردة فعله عندما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم* إلى أن رجلا سيطلع عليهم من أهل الجنة وكررها الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أيام متتابعة، فحضر فضول أبن عمر رضي الله عنه وعن أبيه ليدفعه للبحث واكتشاف الأعمال الصالحة التي يعملها هذا الرجل حتى وصل بها هذه المنزلة العالية.

ولذلك وبدافع من الفضول الإيجابي طلب* الصحابي* الجليل *من الرجل أن يسمح له هذه الليلة بالنوم في بيته وقد تعذر له بعذر ، فكان لأبن عمر ما أراد.

وبات الليل يراقب تصرفات الرجل وما يأتي به من عبادات أبلغته منزلة دخول الجنة،فلما لم يجد لهذا الرجل مزيد صلاة ولا عبادات لافتة غير أنه لا يقول إلا خيرا.

هنا لم يستطع الصحابي الجليل لجم فضوله فسأل الرجل مباشرة وصارحه بحقيقة طلبه النوم لديه،و أبدى له استغرابه من تواضع عبادة هذا الرجل والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال به ما قال.

وسأل الرجل صراحة إذا كان له عمل خفي غير ذلك ،فأجابه الرجل أنه لا يعمل غير ما رأى إلا أنه لا يجد في نفسه لأحد من المسلمين غشا،ولا يحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه،فكان أن قال له عبد الله بن عمر : هذه التي بلغت بك وهي التي لا نُطيق.

ولا شك أن الفضول الإيجابي لنفس أبن *عمر رضي الله عنهما كان لها دور في إثراء هذه الحادثة،وتوسيع نطاق الخير فيها،ولفت الانتباه إلى عِـظَـم أجر أعمال القلوب وأنها قد تَـبْـلـغ بأصحابها الجنة متى ما خَـلُـصت النية لوجه الله تعالى.

فلله *درَّ قلب طوّع فضول النفس لإدراك المعالي الإنسانية السامية* في تحسس أحوال الناس لتفريج كُرباتهم،ولتيسير سُـبُـل الحياة لهم، و لصون ماء* وجه العزيز منهم الذي تفترس الحاجة*مابين جنبيه وهو يتدثر بالتعفف .

*ولله درّ قلب صرف فضول نفسه في معرفة نفسه وإدراك عيوبها،وإصلاح أحوالها،وتهذيب ما شذّ من أمانيها وأطماعها.

ولله درّ قلب سخر فضول نفسه لإيجاد إجابات كونية أو حل معضلات طبية أو تقديم خطط واقعية تجعل من التعايش على سطح كوكب الأرض ممكنا بعدالة أكثر وأمن حقيقي.

بواسطة :
 0  0  7.9K