" إيجـــــــــابيـــة الألـــــــــم "
تبقى السعادة هي الحلم المُطارد من* قِبَل بني آدم على اتساع فجوج الأرض وضيقها،وتبقى مفردة الألم مفردة ثقيلة على النفس ،لا تحتمل الأسماع مرورها .
وبين مطاردة حلم السعادة ،وبين الضيق من ذكر الألم، *يبقى للتأمل كلمة،وللمتأمل وقفة.
فعند استقراء تاريخ البشرية في التطور والتحول الإيجابي* ، يَظْهَرُ أن لحظات السعادة تكادُ لا تترك لها أثرا،وكأنها لا تعدوا أن تكون مادة للاستهلاك الشخصي أو الجماعي ،لإحداث مشاعر جميلة تجعل لمذاق الحياة حظا أوفرا في الاستساغة،والقبول.
أما الألم فَيَظْهر للمتأمل أنه مدرسة الحياة الكبرى ،من حيث قدرته على تحدي ملكات وطاقات ومواهب الإنسان الكامنة.
فكم من موهبة غير ظاهرة بعثها رسول الحزن والأسى ،فأخرجت أُكلها قصائد في غاية الامتلاء العاطفي ،والجودة الفنية،وعبقرية الصياغة ،وكم من فكرة مُـبْـدَعة كان مُظْهِرَها من العدم إلى الوجود ألم الحاجة.
وكم ألهمت لذعات الحنين وزفرات الأشواق ومكابدة الفُـرْقة كُـتَّـبا وموسيقيين ورسامين أجمل إبداعاتهم التي حملت طابع الخلود في التاريخ الإنساني كافة .
ويبقى الشاعر الأندلسي الكبير ابن خلدون دليلا حيا على تأثير المعاناة في إخراج ما يكتب الخلود لصاحبه، فابن خلدون* قال *الكثير من القصائد الجميلة الباسمة في أيام تنعمه *بوصل الولادة بنت المستكفي .
غير أن القصيدة التي قالها بن زيدون *وكتبت له الخلود* في الذاكرة الشعرية العربية على مر الزمان، كانت تلك القصيدة التي قالها *والألم وقود *مشاعره، وقلبه يتقطع على عهد الوصال الجميل الذي تصرمت وشائجه بفعل المغرضين والوشاة ، فلا يُـقـال :
****************** بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا**************************** شوقنا إليكم وما جفت مآقينا
إلا ويذهب السامع والقارئ بفكره،ووجدانه صوب ابن خلدون* وتلك الحقبة من تاريخ الشعر العربي الموشاة بالقصور العامرة،والحدائق ذات البهجة.
ويكفي الألم ليكون محطة عريقة للتأمل في شؤونه،أن جعله الله سبحانه وتعالى دلالة محبة* من المتفضل المنعم على عباده، فالابتلاء معنى عام يشمل صنوفا متنوعة ومتعددة ومتفرعة ومختلفة من مسببات الآلام .
وقد صح في الأحاديث الشريفة أن الله يبتلي من عباده أحبهم إليه ،وأن الابتلاء يأتي متدرجا من الأمثل ثم الأدنى مثالية،وهكذا هي* سنة الله في ابتلاءاته.
يبتليهم سبحانه محبة لهم حتى يصبرون فيغفر لهم،ويوفيهم أجور لم تكون لهم على بال.
تأمل الألم فإنه في حياتك لن يكون سوى محفزا،أو ملهما،أو معلما،أو مربيا،أو ينفذ بك على طريق الصبر،فتكسب أولاك وأخراك عند مولاك.
*وقفة :
السوء ليس في تجربة الألم،السوء في كيفية تعاملنا مع الألم،متى ما نظرنا إليه بأناة،وبحثنا في أنفسنا عن وسائل تلقف رسالته وتجييرها بإيجابية لصالح تجربتنا الإنسانية.