الموت ... بين حسن الظن وقلة الذوق
بقلم ـ د ـ عبدالقادر الجهني
قيل لأعرابي إنك ميت ، قال : ثم إلى أين ؟ قيل : إلى الله تعالى قال : ما وجدنا الخير إلا من الله تعالى..أفنخشى لقاءه؟*
ومثله أيضا قول أبي الحسن التهامي في رثاء ولده :
جاورتُ أعدائي وجاور ربه…..شتان بين جواره وجواري
*
وذلك من حسن الظن بالله، والله سبحانه عند ظن عبده به، وهو ما يحسن بمن يحضر مريضا أشفى على قرب النهاية أن يصبّره ويحسّن له الظن بالله وبسعة رحمة الله سبحانه فهو سبحانه أرحم بالعبد من أمه وأبيه ، ومما يخفف الشعور بالخوف من الموت أمران : أولهما أنه مكتوب منذ الخلق فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ، وثانيهما أن ماعند الله - على ما كان ويكون من العبد- خير له مما عند الناس فهو الرءوف الرحيم اللطيف الخبير .
*
وللموت رهبة فكما قيل : ما ذُكرَ الموتُ في قليل إلا كثّره ولا في كثير إلا قلّله ، ولكن ما نشاهده في المقابر من بعض الناس هداهم الله ، أقل ما يقال عنه أنه قلة ذوق ، فهناك ترى وتسمع ما لا يليق بالموقف فمنهم من يعقد نقاشات و مساومات بصوت مرتفع ومزعج *وهو في المقبرة ،ومنهم من يستمع إلى مقاطع فكاهية وهو واقف في صف العزاء ينتظر دوره، ومنهم من لا تحلو له ممازحة أصحابه إلا وهو في صف العزاء دون استشعار لرهبة المكان ولا مراعاة لمشاعر أهل الميت، وهناك من لا يحترم الواقفين في صف العزاء فيزاحم الناس دون اعتبار لوجودهم قبله في الانتظار.
وهناك من لا يحترم حزن أهل الميت ودموع محبيه فينهرهم نهرا عن البكاء رغم أن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام بكى وقال : إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ، فاحترام أحزانهم ودموعهم واجب على من حضر فالنهي عن النياحة لا البكاء.
حضور الجنائز وتعزية أهل الميت من حقوق المسلم و هي فرصة للتأمل والتفكر ودفعة للعمل الصالح والخير والبر ، يحسن الاستفادة منها بالشكل الأنسب وتجنب ما لا يليق بهذا الموقف .
*
اللهم ارحم كل ميت واجعل قبورهم رياضا من رياض الجنة واربط على كل قلبٍ فقد عزيزا.