امـي
سبقت والدتي رحمها الله تعالى السيد مارك بمراحل فقبل أن يكون هناك اي تطور في التقنية. وحينما كان يسؤوها تصرف من أحد من الناس تسارع لجواهر الأدب تستقى من نبعه الحكم والأمثال، وتشحذ همتها للبذل والعطاء .وتجاوز السفهاء ،وأحاديث الإسفاف وناكري المعروف وجاحدي النعم ، والتعالي عن الصغائر والترفع عن الدنايا. فكم كانت تعاني جفاء واجحاف اقرب الناس لنا وتهجم عمي عليها بطلقت اللسان التي تصم لها الاذان وتقتل في القلب المشاعر وكل خيوط الالفة. كان منبعها العذب جواهر الأدب وليس جوهر الادب الكتاب ولكنه ما تعلمته من ادب وخلق ابي رحمه اللهفقد رباها على الفضيلة وكرم الاخلاق وحسن المنطق . فردها على كل موقف لوحة خطت بأحرف عربية من سحر البيان وعن الحكم والمرؤة والشمم والعزة والفخار والمواعظ تذهب بها الى الخطاطين وتعلقها على جدران الصالات والممرات بالمنزل بدلا من لوحات لا تسمن ولا تغني ذائقة ولا تنمي فكرا. تعلمنا منها الاعتزار بالنفس والنأي عن المهاترات والبعد عن الجدل والسمو عن الانحطاط الفكري والاكتفاء بمجالسة خير الجلساء كتاب والانصات لأعذب العبارات عبر مذياع*وان ساءها تصرف احدى الجارات كان.
جدار الحوش الذي يحيط ببيوتنا مسرحا لعبارات منتقاة من درر الكلام وجواهر البلاغ اذكر منها ابيات للمتنبي وللشافعي ولاحمد شوقي وآخرين عن العزة والكرامة وعن الفخر والحماسة ،عن الحسد والغيرة .عن الكرم والبخل ،عن انكار المعروف ورد الجميل ،عن الغربة والوطن.
كانت تسمع الطرب الاصيل وتطرب لسماع فريد الاطرش وعبدالوهاب وسميرة توفيق ونجاة الصغيرة وشادية وسلوى.
وكم كانت امي سابقة لزمانها رغم انها لم تحصل حتى على الشهادة الابتدائية، وكل من عرفها ورآها واستمع لحديثها ظن*انها تحمل الشهادات العليا.
ينادونها بأم محمد ومنها تعلمت انا وكل اخواني وجيراننا الكثير ما لم نتعلمه بالمدارس وعرفنا وايقنا ان الشهادات ليست كل شيء وبإمكان الإنسان ان يكون معطاء ويفوق بوعيه وفكره اصحاب تلك الألقاب العلمية البارزة.
والتي باتت عقدة كل ضعيف شخصية عديم الثقة بالنفس .*
مع احترامنا وتقديرنا لأصحاب الشهادات والمراكز العلمية التي اخذوها عن جدارة ومنحوا علمهم باقتدار وبتواضع
رحمك الله يا أمي.. يا أم محمد فكم كنت عظيمة في عيني وعين من عرفك. اسال الله لك الفردوس الاعلى مع الانبياء والصدقين والشهداء وحسن اولائك رفيقا وجمعك الله بابي وبكل من تحبي هناك معنا الله بك في عليين انه سميع قريب مجيب. والحمد لله رب العالمين. ابنك البار بك بإذن الله تعالى