أهمية الأمن الفكري في التعليم والإعلام لإنهاء داعش
بين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه صحابته الكرام أحداثاً وفتن تحدث من بعده تكون فيما تقدم وما تأخر من الزمان، صح بعض هذه الأحاديث فيما ضعف أهل العلم بعضها، إلا أن هناك دعاة إرهاب وأعداء للدين بل للإنسانية كافة يستشهدون بها ليضللون ضعاف العقول من أهل الجهالة وصغار السن، حتى أصبح عندهم المسلمين جميعاً على ملة واحده ألا وهي الكفر ليستباح التعذيب والقتل والتنكيل بالرجال والنساء الكبار والصغار حتى الأقرباء بل حتى الوالدين، وفي كل مكان وزمان فوصل شرهم رجال الأمن بل حتى المصلين في المساجد، لقد فسروا الدين ليوافق أهوائهم فحرفوا أصوله وحدوده على غير ما في القرآن والسنة ليسقطوها على المسلم بدل الكافر مدعين تطبيق الشريعة وإقامة الإسلام كذباً وبهتانا.
فهناك تباين كبير وفرق شاسع بين هدي المصطفى وأصحابه الكرام في الجهاد وما يدعيه هؤلاء المجرمين، حيث كان سبب الجهاد دفاعاً عن الأنفس والأعراض والأموال ضد العدو المشرك أو الخائن لمواثيق السلم وعهوده والذي أشهر عداوته وأعلن سوء نيته، أو طلباً لحقوق مسلوبة أو مغتصبة كما كان في غزوة بدر الكبرى، وليس الجهاد بقتل المسلمين المصلين وكل من يرفض الانتماء لفكر الظلم والضلال.
لقد اختار عليه الصلاة والسلام المجاهدين ممن لديهم القدرة على القتال والمقدرة على تجهيز أنفسهم بالعدة والعتاد إضافة إلى المعرفة بالدين ونبل الأخلاق والأهم وجود من يقوم على خدمة الوالدين أو أحدهما (ففيهما فجاهد)، كما اهتم بأدق الأمور فشمل جميع التعاملات وحفظ مظاهر الحياة فلا تقطع الأشجار ولا تهان الكرامات فحفظ للضعيف والمريض والجريح والكبير والصغير والنساء والعابد ودار عبادته حقوقهم الإنسانية، والحديث في الجهاد وأحكامه وآدابه يطول بل أعظم من أن يتناوله كاتب بمقال.
ثم يأتي من يدعي إقامة دولة أو خلافة إسلامية مع كل البعد عن الإسلام الحق بمنابعه الشريفة وأصوله العظيمة، بل هم أشد وأعظم من كفر فرعون الملعون الذي تعالى في الأرض مدعياً الربوبية، لقد تساوت كل الملل والمذاهب الإرهابية في أساليبها المتطرفة وطرقها الشاذة ونهجها الوحشي ونتائجها البشعة من خيانة وقتل وتشريد واغتصاب وتدمير وتشويه لكل معالم الحياة ونبل الأخلاق، فكل تطرف يؤدي بالضرورة إلى نوع من أنواع الإرهاب، وكل تطرف ينطلق من جهلٍ وسكوت عنه، والجهل عدو العلم والعلماء هم روح الحياة.
ينطلق الإرهاب دائماً من أسباب مشروعة وكلمات حق ومطالبات مشروعة وشعاراتٍ عادلة، فدائماً يركب التطرف موجة الاحتجاجات الشعبية المناهضة للظلم والاستبداد ليحولها إلى إرهاب بشع يضرب الإنسانية بأعتى وأبشع أمواج الوحشية ليحطم أمن الشعوب ويدمر مكتسبات الأوطان ليصب بالنهاية في مستنقع الظالم ويمكنه من الظلم، فقد بدأت القاعدة بشعارات العدل ورفع الظلم عن الشعب الأفغاني لتنتهي هذه الشعارات بفتاوى تبيح القتل والتفجير على أرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين المقدسة.
وما نعاصره اليوم من تدهورٍ للفكر الإنساني وتشوه بالغ في صفات الدواعش المنتسبين لأوهامٍ مظلمة ومختلة صدقوها وروجوا لها مدعين أنهم خلافة إسلامية تأمر بالإسلام وتنفذ حدوده فيقتلون المسلمين ويستبيحون دمائهم وهي أعظم وأشد حرمة في الإسلام من هدم الكعبة، بل تمادوا في إجرامهم ليقتلوا أباءهم وأمهاتهم وقد قرن الله عز جل البر بهم بالنهي عن الشرك في عبادته.
لقد كانت بداية ظهور داعش في العراق امتداداً لتنظيم القاعدة المحارب للجيش الأمريكي المحتل عام 2004م ومع تطور الأحداث ونتيجة لدعم إيران المباشر لتكوين ميليشيات شيعية إرهابية متطرفة بحجة حماية المقدسات الشيعية في العراق والتي كان الهدف منها تأجيج الطائفية وزرع الأحقاد بين أبناء العراق، حيث مارست المليشيات القتل والتشريد لسنة العراق وذلك بدعم من قوات حكومة نوري المالكي المعروف بولائه المطلق لإيران وبشار الأسد مع غبائه السياسي الشديد إلا أنه استطاع بدعم إيران وبشار تكوين داعش وتمكينهم ودعمهم لكسر الثوار وقتلهم في سوريا، ومن ثم تهيئة المناخ المناسب وإخلاء المدن السورية والعراقية وعلى مساحة شاسعة وتخلي القوات الحكومية عن عتادها ومعداتها العسكرية واستقطاب المجرمين ومتطرفين ليتمكنوا من قوة السلاح ليتم استخدامه ضد أبناء السنة ثم الزج بهم في صفوف القتل والتشريد لأبناء الطوائف والأقليات العراقية كالأزيديين والأرمن وغيرهم ممن تم قتلهم أو اغتصابهم أو بيعهم لتتكرر أبشع الانتهاكات الإنسانية كما كان في عصور أوروبا المظلمة وحروب التتار والصليبيين، ثم يتضامن المجرمون ضد الإنسانية فمنذ عام 2011 وحتى الآن لم نسمع بعملية عسكرية أو انتحارية جماعية أو فردية ضد إيران العدو الرئيسي للعرب سنة وشيعة أو حتى ضد الظالم القاتل بشار الأسد ونظامه في سوريا أو على الأقل ضد مليشيات التطرف الشيعي وقوات نوري المالكي، بل ما تم تطبيقه فعلياً في 2014م هو التمكين لداعش من الموصل ثاني أكبر المدن العراقية وعدد من الحقول النفطية العاملة بالإضافة إلى مدن سورية تقدر مساحتها بـ 43% من مساحة سوريا بما فيها حقول نفط وغاز ومطارات وطائرات والعديد من الآليات والمدرعات والمدفعيات والقاذفات والصواريخ والذخائر والعتاد العسكري، وعمل مجرمي داعش بمساندة من عملاء إيران وحلفائها في داخل العراق أو خارجها على أساليب جديدة للتجنيد يتم من خلالها استهداف صغار السن من أطفال التاسعة والمراهقين حتى عمر العشرينات، ممن يفتقر للحد الأدنى من المعرفة الدينية والشرعية بل هم طلاب مدارس وجامعات، حيث يتم اصطيادهم والتواصل معهم عبر تطبيقات وبرامج للتواصل الاجتماعي والمراسلات والمحادثات في الألعاب الالكترونية، فيستعرضون قواتهم ويطلقون شعاراتهم ويدعون للانضمام لهم، وعند التمكن من الضحية يزرعون الأفكار الضالة والقناعات الخاطئة ليسمموا أرواحهم ويخربوا عقولهم ولإثبات مصداقيته يشترط أن ينفذ جريمة قتل لرجل أمن أو اغتيال قريب عسكري أو حتى قتل إخوانهم وآبائهم ومؤخراً أمهاتهم.
وذلك يستدعي تكاتف الجهود في المجتمع على المستوى المحلي والعالمي لنبذ التطرف ومحاربة الإرهاب فالخطر مستشري والأضرار تخطت الحدود، فعلى المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية والشبابية أن تتضافر وتتكامل مع الجهود الأمنية لمساندتها في محاربة هذا الإرهاب والتفوق على الأساليب والطرق التحريضية لكلاب الأعداء ليتم دحرهم والتغلب عليهم، وذلك بتحديث برامج التوعية المدروسة والموجهة لأبنائنا وبناتنا وفتح المزيد من قنوات التواصل المعززة للحوار مع الاستماع الإصغاء لهم، ليتم بذلك تأمينهم فكرياً، ويقوم على هذه البرامج الشباب يساندهم العلماء ليكشفوا الشبهات ويفضحون الأعداء المغرضين المخربين، مع ضرورة العمل على تعزيز الوسطية ونبذ التطرف فهو راحلة الإرهاب الذي يركب عليه الجاهل ليتحول الى غبي قاتل، حفظ الله بلاد الإسلام والمسلمين من كل عدو غبي ومتطرف وارهابي.