الخُدَّج...رحلة الإبتسامات والدموع
بقلم ـ د ـ عبدالقادر الجهني
*
ولادة طفل تعني تغييرا جذريا في حياة الأسرة بل والعائلتين،وولادة طفل خديج وهو المولود قبل إتمام أشهر الحمل التسعة تعتبر لحظات حرجة في حياة الوالدين والأقربين بل وفي حياة الفريق الطبي المعالج ، فبمجرد إعلان قرب ولادة طفل خديج وخاصة ذوي الخدوجة الشديدة والوزن القليل ،تستنفر الطاقات في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة وتوضع الأجهزة والإمكانيات الفنية والبشرية على أهبة الاستعداد لاستقبال الضيف الصغير بأيد حانية وقلوب مشفقة وسرعان ما تتلقفه الأيدي الحانية ويبدأ الانعاش للقلب الصغير إن احتاج وتوضع له أنانبيب التنفس وقسطرة الحبل السري ويوضع في الحاضنة الخاصة بهم وعادة تكون مفتوحة في الأيام الأولى لسهولة الاجراءات ومن ثم ينتقل إلى حاضنة مغلقة ويبدأ مشوار الله وحده يعلم نهايته،فكثيرا ما تكون الظروف متشابهة والأوزان متطابقة ولكن النهاية مختلفة تماما ، والتحدي الأول الذي يواجه الطفل و الفريق المعالج هو عدم اكتمال وظائف الأعضاء وخاصة الرئتين مما يستدعي مساعدتهم بالتنفس الصناعي بمختلف درجاته وأنواعه ثم يأتي تحدي خطر العدوى وهو القاتل الرئيسي لهم رغم الاجراءات والاحتياطات التي يتخذها الفريق المعالج من منع الدخول إلا للوالدين وتقليل عدد الزوار للوحدة وتشديد إجراءات مكافحة العدوى ومع ذلك تحدث العدوى وهي من أكبر التحديات وأكثرها خطرا، إذ تحدث أحيانا في بداية الحياة وأحيانا بعد مرور فترة وأحيانا عند الاستعداد للخروج فينتكس الطفل ويعود إلى المربع الأول وهي أيضا تختلف باختلاف الأطفال فبعضهم يستجيب بسرعة وبعضهم يحتاج وقتا وبعضهم لا يستجيب فيسلم الروح لبارئها،ومن ضمن التحديات أيضا الرضاعة ويفضل دوما استخدام الحليب الطبيعي إلا في حال وجود موانع طبية من ذلك.
هذا في الجانب الطبي وفي جانب الأهل تلك رحلة نفسية وبدنية شاقة تحتاج إلى صبر ودعم نفسي واجتماعي ومادي فآمالهم معلقة بالله ثم بالفريق المعالج وأعينهم شاخصة إلى لأجهزة الموصلة بالطفل وتخفق قلوبهم مع كل جرس و يزداد قلقهم مع كل تجمع للفريق الطبي قرب طفلهم، ويحتاجون عناية خاصة من الفريق الطبي في إيصال المعلومة لهم بطريقة مناسبة وفي الوقت المناسب وهذا فيه صعوبة أحيانا للأسباب المذكورة سابقا ، إذ لا توجد طريقة وحيدة لما قد يحدث فكل طفل يسير بطريقة مختلفة حتى لو كانوا نفس الوزن والعمر ولذلك على الطبيب خاصة مسؤولية كبيرة في إعطاء الأهل وقتا كافيا للإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم وبطريقة مفهومة لهم حسب مستواهم العلمي والثقافي وحسب تجاربهم السابقة فأحيانا يكون لدى الأهل تجارب سابقة مما قد يؤثر سلبا أو إيجابا، وعلى الطبيب إيضاح المخاطر دون تهويل وإعطاء الأمل دون مبالغة.
الأطفال الخدج فئة غالية على قلوبنا وعادة ما تنشأ علاقة ارتباط بين الطاقم الطبي والطفل الخديج مما يحدث تأثرا نفسيا في حالة تدهور حالة الطفل أو وفاته و يعطي شعورا بالسعادة عند خروج الطفل سليما بعد رحلة معاناة طويلة ، وتكون السعادة لا توصف حين يعود الطفل زائرا بعد أشهر أو سنوات فيشعر الجميع أن أيامهم الطويلة ولياليهم التي قضوها سهارى بجانب هذا الطفل و كل التعب الجسدي والنفسي قد زال وأثمر ابتسامة جميلة على وجه طفل أو طفلة.