هل انت حليم؟
* أ.د. محمد حمد خليص الحربي
*الحمد لله الحليم العليم الذي جعل من الحلم سيدا للأخلاق وجعله من مكارم الأخلاق وزين به خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وجعل الحلم احد اسمائه الحسنى (الحليم)، والحلم رحمة، والرحمة اتصال بالله، والحلم ما كان في شيئ إلا زانه، فالحلم أساسه اتصال بالله، ومع الاتصال بالله رحمةٌ يمتلئ بها قلب المسلم، هذه الرحمة تنعكس ليناً وحلماً، واللين والحلم يجعل القلوب تهفو إلى هذا الإنسان، قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (سورة آل عمران: آية 159)، إذاً من الحليم؟ الحليم إنسان اتصل بالله فامتلأ قلبه رحمةً، هذه الرحمة جعلت قلوب الناس تهفوا إليه. فهل انت حليم؟ هل سألت نفسك يوما هذا السؤال؟ إن كنت حليم فابشر بالخير والسعادة، وان كنت غير ذلك فليتك تراجع نفسك وتحاول التغيير الى الأفضل، فالحلم حياة وقدوتنا في ذلك سيدنا وحبيبنا محمد ابن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام. فكم مر بمواقف عظيمة لم يثور ولم يرد برد جارح او يحرج الذي امامه. فعندما يخطيء الإنسان كأن يسب اخيه في بعض الأحيان، أويتفوه بكلام جارح أو بذيء، أو يعترض على قضاء الله وقدره، أو أحياناً يتكلَّم كلاماً فيه كفر، فأنت بدلا من أن تحقد عليه، ينبغي أن تشفق عليه، وأن تحتويه، لا أن تعين الشيطان عليه، أنت أمام أحد أمرين..
إما أن تعينه على الشيطان، وإما أن تعين الشيطان عليه. بلغ سيدنا عمر أن أحد أصدقاؤه ذهب إلى الشام وانغمس في شرب الخمر، أرسل له رسالة يقول فيها: أما بعد.. أحمد الله إليك غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب ذو الطول. قال: هذا الصديق قرأ الكتاب وبكى حتى تاب من شرب الخمر. فلما بلغ سيدنا عمر الخبر، قال: هكذا اصنعوا مع أخيكم، كونوا عوناً له على الشيطان، ولا تكونوا عوناً للشيطان عليه. فأحياناً يتكلَّم الإنسان بكلمة غير صحيحة، فتجد إنسان بدافع الغيرة.. يقسو عليه، فيزيده كفراً، العبرة أن تستجلبه، العبرة أن تحتويه، العبرة أن يكون حلمك أوسع من غلطته، فلذلك أيها الأخوة قصد المؤمن نبيل، قصد المؤمن أن يأخذ بأيدي الناس إلى الله، لا أن يسحقهم بدافع الغيرة على الدين. و أيضاً..
جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: يا رسول الله.. إنّ دوساً قد عصت، وأبت، فادعوا الله عليها. فاستقبل النبي صلَّى الله عليه وسلّم القبلة، ورفع يديه فقال الناس: هلكت دوس. فدعاء النبي لا يردّ أبداً، دعاء النبي مستجاب-، ماذا قال النبي ؟ قال: اللهم اهدي دوساً وأتي بهم. فلم يكن عليه الصلاة والسلام لعّانا بل هاديا ومبشرا ونذيرا. وللحلم عند البشر حدودا فلا تحتمل طاقاته البشرية تجاوزها وعلينا ان ندرك ان لكل منا درجة للتحمل ولذلك حذروا من غضب الحليم فقد يتحول الى عكس ما جبل عليه ويتحول الى بركان ثائر يحرق كل ما حوله فقيل: (اتق شر الحليم اذا غضب) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب "، وبذلك تم توضيح المعنى الرئيسي لخلق الحلم، خلق الأتقياء والخلق الذي اتصف به الانبياء، فمن أعظم من نبينا -صلى الله عليه وسلم - حينما كان يقابل بالإساءة من قومه فيرد بالهدوء والنصيحة، ويجب في هذا السياق ذكر فضل الحليم الذي وضّحه النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه قال: (من كظَم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيِّره من أي الحور العين شاء). وهناك فوارق في الحلم فهناك حلم على ان تستطيع ان تتحمل من يسيء اليك، وهناك الحلم الصبر ومجاهدة النفس على ان تحلم وتصبر لكي لا يصدر منك ردا على الإساءة وانت قادر على ردها والدفاع عن نفسك. ونستذكر هنا موقف لأفضل من وطئت قدمه الأرض بعد الأنبياء وصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يجلس في مجلس في حضور نبينا الأعظم - صلى الله عليه وسلم - فإذا برجل يدخل عليه ويبدأ في سبّه ويكثر الرجل في ذلك والصديق صامت هادئ يكظم غيظه والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصمت ولا يدافع عن أبي بكر، فلما أكثر الرجل وزاد قام أبو بكر ودافع عن نفسه فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المجلس مسرعا فلحق به سيدنا أبا بكر وقال له أما تراه يسبني يا رسول الله فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " والله يا أبا بكر كان هناك ملكا يدافع عنك فلما تكلمت صمت ودخل الشيطان وماكنت اجلس في مجلس والشيطان يكون فيه.
ولذلك أخي الكريم اختي الفاضلة يجب الحذر من الإكثار على من كان هادئاً حليماً فقد تكون غضبته واسعة تعم وقد يكون كلامه جارحاً، فجميع البشر طاقات محدودة . فعلينا ان نتعلم كيف نتخلق بهذا الخلق العظيم ونقتدي بسيدنا وحبيبنا ورسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، فسأنفسك: كيف اكون حليماً ؟ وما هو الحِلم، ومن هو الحليم . الحِلم هو الصّبر أثناء وقوع مصيبة ما، أو القدرة على كبت جماح النّفس من التصرف بأي تصرف قد يولد حقداً أو قد يزعزع علاقة ما، أو قد يصيب من نحب بالأذى، أمّا الشّخص الحليم، فهو الشّخص الذي يستطيع الوقوف أمام نيران تشتعل بداخله، ويحاول قدر المستطاع أن يفرّغها بشيء آخر ، كأن يخرج في الهواء الطّلق، أو أن يخلد للنوم وما إلى ذلك، وتعد صفة الحِلم، من أجمل الصّفات التي قد يتحلى بها الإنسان، وقد نادى الإسلام بضرورة أن يكون الإنسان حليماً، حتى لا يصبح فريسة سهلة للشّيطان يتحكم بها كيفما شاء، وهناك العديد من الطرق التي تمكنك من أن تصبح حليماً، وهي كالتالي :-
أولاً : امتنع عن مرافقة رفقاء السوء : فرفقاء السوء يجروك دائماً للمشاكل، وأنت في غنى عنها، وهي من شأنها أن تجعلك في موضع إتهام، ولكي تدافع عن نفسك عليك أن ترفع صوتك، فهذا ما ستجنيه من رفاق السوء، فحاول أن تبتعد عنهم، وإجعل حديثك معهم قليل .
ثانياً : أعرض عن الجّاهلين : بمعنى أنك قد تواجه العديد من الأشخاص، الذين يمتهنون التفاهة، فسيحاولون أن يصلوا بك إلى مستنقع أنت في غنى عنه، حتى أنّ النقاش معهم يكون عقيماً ومكررا، فإن واجهت مثلهم، فتجنب الرّد عليهم، وأثبت أمام الجميع أنّك أقوى وأثبت من الرد على السخافات التي تؤدي بك إلى التعصب والغضب .
ثالثاً : اشغل نفسك بذكر الله : فالذّكر يجعلك تستحضر عظمة الله في كل موقف يواجهك، فإن شعرت أنك ستغضب، أو ستغلط في أحد ما، فإنك ستتذكر على الفور قدرة الله على معاقبتك، وستكف أذاك عن الناس . رابعاً : كن عطوفاً وودوداً ، فالعطف على الصغار والتودد إلى الكبار، يخلق منك شخصية تستحق الإحترام، وستجد نفسك محط إهتمام، ستعجز عن كسر هذه الصورة بغضب أو موقف غير جيد، الشّخص الحليم هو من يكسب في النّهاية، ويكسب الكثير، كرضاء الله والوالدين، وحب الناس. اللهم يا حليم يا عليم أغفر لنا خطايانا واعف عنا بحلمك وكرمك، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.