رمضان دعوة للوحدة الاسلامية
يعجبني في رمضان أن الأمة الإسلامية بكافة شعوبها في بقاع الأرض تصوم شهرًا واحدًا في وقت واحد في زمن واحد، يشعرهم بأنهم قافلة واحدة تسير في درب واحد؛ متجهين نحو غاية سامية وهدف نبيل، نجد الأمة الإسلامية تنتظر هذا الشهر الكريم بكل شوق وحنين، هل نشاهد أمة من الأمم السابقة أو المعاصرة تقوم بعبادة واحدة في وقت واحد وفي زمن واحد؟ لا، إلا الأمة الإسلامية إنه دليل الوحدة والتضامن، إنه رمز الأمة للتكاتف بعضها مع بعض وتتعاون مع بعضها؛ مصداقًا لحديث النبي - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "إنَّ المُؤمِنَ للمُؤْمِنِ*كالبُنيانِ،*يَشُدُّ*بَعضُهُ*بَعضًا"[1].
رمضان فرصة عظيمة، إن الأمم والأفراد يحتاجون في حياتهم الطويلة إلى فترات من الراحة والهدوء تصلح فيها ما أفسد من أوضاعها، وتجدد ما كان يبلى من مقوماتها وتعالج ما ساء من شؤونها، وهذه الفترات هي اللحظات الفاصلة في تاريخ الأفراد والجماعات، فإن عرفت كيف تستفيد منها كانت مفتاحًا لكل خير تناله في المستقبل، وكل نصر تحرزه، وكل خلود تسجله في التاريخ، فرمضان فرصة عظيمة؛ لأنه يعلمنا الصبر والقوة والإرادة والعزيمة الصادقة، رمضان يجعلنا أمة واحدة تسعى إلى هدف واحد وغاية واحدة، رمضان مدرسة تعلمنا التعاون والإخاء، رمضان فرصة لمن أراد أن يسجل تاريخه وتاريخ أمته؛ لأن رمضان شهر الانتصارات الإسلامية منذ مبعث محمد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحتى العصر الحديث، فلقد سجل لنا التاريخ انتصارات المسلمين في بدر وغيرها من الغزوات، كما سجل لنا في عصرنا الحاضر النصر في العاشر من شهر من شهر رمضان ذلك الانتصار الذي كان في زمن شكت فيه جميع القوى في ذلك الوقت، ولكن كان الانتصار حليف المسلمين.
لا بد أن نعي جميعًا فضائل هذا الشهر الكريم، ولا بد أن نجتمع في هذا الشهر ونصلح ما أفسده الزمن، وما أفسدته نفوسنا الخاطئة، ونبدأ في صلة الأرحام التي تقطعت وصلة الجار حتى تبدأ الوحدة الإسلامية من جديد، لا بد أن ننتشل من قلوبنا العنصرية الممقوتة والعصبية الجاهلية، ونكون إخوانًا متحابين، ولا بد أن نستفيد من هذا الشهر في تنقية قلوبنا من الحسد والضغينة والحقد الدفين، حتى ترتقي النفوس وتسمو الروح، ونكون بذلك إخوةً متحابين يحب بعضنا بعضًا، ويعطف بعضنا على بعض، ويتألم بعضنا لبعض وبذلك قد نكون قد حققنا الوحدة الإسلامية.
[1] رواه البخاري في صحيحه، ومسلم ، وابن حبان، واللفظ للإمام البخاري، برقم (481).