المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

  • ×
الإثنين 22 ديسمبر 2025
حامدالطلحي - الطائف
حامدالطلحي - الطائف

أنا حامد

ليس من السهل أن تبدأ مقالة بكلمة
كثيرون يخشونها
وكثيرون يسيئون فهمها
وكثيرون يحاكمون قائلها قبل أن يقرؤوا قصده
لكن بعض الكلمات
لا تُقال اعتذارًا
بل تُقال وعيًا
أنا حامد
لا أقولها لأنني أفضل من غيري
ولا أرفعها سُلّمًا فوق أكتاف الآخرين
ولا أتخذها درعًا للتفاخر
بل أقولها لأن اسمي هويتي
ولأن الاعتراف بالذات ليس خطيئة
ولأن الصمت الدائم ليس تواضعًا كما يُصوَّر
كثيرون ينزعجون حين يسمعون
أنا فعلت
أنا اجتهدت
أنا أستطيع
أنا وصلت
كأن “الأنا” أصبحت تهمة جاهزة
وكأن النجاح يجب
أن يُخفى
والإنجاز ينبغي
أن يُنسب للظروف
والتعب لا يُذكر
إلا همسًا
الأنا
كلمة أُسيء فهمها
“الأنا” ليست مذنبة بطبيعتها
وليست بريئة
على إطلاقها
إنما هي مرآة النيّة
فهناك:
أنا التي تُعرّف
وأنا التي تشكر
وأنا التي تتحمّل المسؤولية
وهناك بالمقابل:
أنا التي تُقصي
وأنا التي تُقارن
وأنا التي تتغذّى
على إنكار الآخرين
الخلل لا يكمن
في الكلمة
بل في القلب
الذي ينطقها
وفي الغاية التي تُقال من أجلها
الأنا في ميزان القرآن
القرآن الكريم لم يُحرّم “الأنا” بإطلاق
لكنه أدان الأنا المتعالية
حين قال إبليس:
﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾
لم تكن المشكلة
في “أنا”
بل في ميزان التفاضل الزائف
وفي أنا التي لا ترى
إلا ذاتها
وفي المقابل يقدّم لنا القرآن نموذج “الأنا الواعية”
حين قال يوسف عليه السلام:
﴿اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾
أنا هنا ليست غرورًا
بل تعريف بالكفاءة
وتحمّل للمسؤولية
وحماية للأمانة
ويقول الله تعالى:
﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾
فالتحدّث عن الذات حين يكون شكرًا
لا يُعدّ رياء
بل اعترافًا بالفضل
ونسبةً للنعمة
إلى واهبها

في السنة النبوية
قال النبي ﷺ:
«أنا سيد ولد آدم
ولا فخر»
جمع بين “أنا”
ونفى الفخر
ليؤسس ميزانًا دقيقًا:
التعريف حق
والتعالي مرفوض
والفرق بينهما نية
الأنا في الشعر
الشعراء لم يخجلوا
من “الأنا” حين جاءت اعتزازًا لا إقصاءً

قال المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي
من به صممُ
لم يهدم غيره
ولم يصادر مكان أحد
بل أثبت أثره بوضوح
بينما قال الحكماء:
من قال أنا هلك
وما قصدوا الكلمة
بل قصدوا أنا الغرور
التي تُغلق أبواب التعلم
وتقتل فضيلة التواضع الحقيقي
لماذا نخاف من الأنا؟
لأننا خلطنا بين:
التواضع وإنكار الذات
والأدب وإلغاء الإنجاز
والاحترام والصمت القسري
فصار الناجح مطالبًا بالاعتذار
والمجتهد مطالبًا بالتواري
وكأن المجتمع
لا يحتمل من يقول:
أنا تعبت
أنا تعلّمت
أنا نجحت
دون أن يُدان
أنا حامد بهذه النية
أنا حامد
أقولها لأُعرّف
لا لأُفاخر
وأذكر جهدي لأشكر الله لا لأصادر
جهد غيري
وأثبت حضوري
لأن الغياب المتعمّد
لا يصنع تواضعًا
بل يمحو التجربة
أنا حامد
وأؤمن أن الإنسان الذي لا يعترف بنفسه بصدق
لن يستطيع أن يعترف بالآخرين بعدل

الخاتمة
ليست المشكلة
في “أنا”
بل في القلب
الذي يحملها
فإن خرجت من نفسٍ تعرف قدرها
ولا تنكر فضل غيرها
كانت وعيًا ونضجًا وشكرًا
أما إذا خرجت
من ذاتٍ
لا ترى إلا ظلّها
فستبقى غرورًا
ولو لبست ألف قناع
أنا حامد
وهذه ليست نشيد تفوق
بل بيان تصالح
مع الذات
لأن من عرف نفسه حقًا
عرف كيف يحترم الناس أكثر
 0  0  2.7K