حين تُستعار المنجزات… ويُكشف القصد
في المشهد الإعلامي المعاصر، يلحظ المتابع المتأمل ظاهرة لا تخطئها العين، تتمثل في بروز بعض الأصوات والأقلام في محيطنا الإقليمي وقد ضاق بها أفق الفكرة، فآثرت البحث عن مادة جاهزة تستعير منها الحضور، وتقتات عليها دون كلفة الإبداع أو عناء البناء. وحين يشتد شحّ الأفكار، تصبح النجاحات الواضحة هدفًا سهلًا، لا بدافع الإنصاف، بل بدافع التوظيف الملتبس.
يتكرر الطرح بصيغة تبدو في ظاهرها متزنة، هادئة النبرة، خالية من الشك المباشر، لكنها في عمقها تحمل إشارات أخرى، لا تحتاج إلى تصريح بقدر ما تحتاج إلى وعي. خطاب لا يهاجم صراحة، ولا يُنصف بصدق، بل يتحرك في مساحة رمادية، يمرر الرسالة دون أن يتحمل تبعاتها، ويترك للقارئ مهمة التقاط ما بين السطور.
اللافت أن كثيرًا من هذه المعالجات لا تنطلق من أسئلة داخلية صادقة، ولا من مراجعات نقدية حقيقية، بل تُبنى في الغالب على ما تحققه المملكة من حضور إقليمي ودولي، وما راكمته من علاقات، وما حققته من منجزات. تُستدعى هذه النجاحات كمادة إعلامية، وتُعاد صياغتها بلباس مهني في الشكل، فيما يظل الجوهر مشوبًا، وكأن الهدف ليس الفهم، بل الاقتراب من الضوء، أو الاستفادة من المشهد دون الاعتراف بمصدره.
والنجاحات، مهما حاول البعض تطويعها، لا تُستعار، ولا تُستنزف، لكنها كثيرًا ما تكشف نوايا من يحاول الاستثمار فيها دون امتلاك مشروعٍ موازٍ لها. ولعل هذا ما يفسّر غياب المعالجة الجادة للشأن الداخلي لدى أصحاب هذا الخطاب، فمواجهة الواقع تتطلب شجاعة، بينما الانشغال بنجاحات الآخرين يمنح حضورًا بلا مساءلة.
الأكثر إيلامًا أن يجد هذا النمط من الطرح من يروّج له، لا بدافع اقتناعٍ واعٍ، بل بدافع حسن الظن أو الفضول، فيتحول التلميح إلى سردية، والالتقاط الانتقائي إلى تحليل، ويُمنح ما لا يستحق وزنًا أكبر من حجمه. وهنا تتجلى أهمية الوعي، لا بوصفه ردّ فعل، بل باعتباره خط الدفاع الأول عن الحقيقة.
في المقابل، يبقى موقف السعوديين ثابتًا، لا يحتاج إلى انفعال ولا إلى ضجيج. هو ولاء راسخ لوطنٍ يعرف مساره، وثقة في مقدرات وطنية تُدار بعقل الدولة لا بردة الفعل، والتفاف حول قيادة حكيمة تدرك أن البناء الهادئ أبلغ من الجدل، وأن حماية مستقبل الأجيال مسؤولية لا تقبل المساومة. هذا الولاء ليس شعارًا يُرفع عند الاستفزاز، بل وعيٌ يُمارس، وانحيازٌ صامت للاستقرار والسيادة والمصلحة الوطنية العليا.
لسنا في موقع خصومة، ولا في وارد مصادرة الآراء، لكننا نميّز جيدًا بين النقد المسؤول، والاقتراب الانتهازي، وبين من يتناول التجربة بإنصاف، ومن يتخذها مائدة إعلامية، يحاول أن يُخفي ما في النفس، غير أن رائحة الشواء — مهما أُحكم الإخفاء — لا بد أن تظهر من بين الأنياب.
وتبقى السعودية، في هدوئها قبل ضجيج الآخرين، دولةً عظمى على هذا الكوكب، عظيمة في توجهها، واضحة في مسارها، راسخة في عيون محبيها، ومصدرًا للأمن والاستقرار والسلام. وحين تُدار الكلمات بوعي، يُكشف القصد دون تصريح، ويبقى الوطن أكبر من كل خطابٍ عابر.
سارعي للمجد والعلياء، مجّدي لخالق السماء