المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 20 نوفمبر 2025
د. بندر الحنيشي
د. بندر الحنيشي

عن د. بندر الحنيشي

دكتوراه في الفقه المقارن، عضو محكمة لندن الدولية، مستشار شرعي وقانون وتحكيم دولي.

البروفيسور غيثان الشهري موسوعة حيّة تحفظ تاريخ وهوية الأمة العربية



في عالم تتسارع فيه الأحداث، ويختلط فيه التاريخ بالنسج الشعبي والأساطير، ويختفي كثير من الحقائق بين طيات النسيان، يبرز بعض الرجال الذين جعلوا من حياتهم رسالة علمية وعملية لحراسة الذاكرة، وحفظ تفاصيل الماضي، وتأصيل المعرفة، وتجسيد الإرث الثقافي. ومن هؤلاء الرواد الذين قلّ من يجاريهم في دقة المنهج وعمق الرؤية وإتقان السرد التاريخي، يأتي البروفيسور غيثان بن علي الشهري، الذي أصبح علامة فارقة في الدراسات التاريخية العربية، وصوتًا بارزًا في تأريخ المجتمعات والقبائل، وتحليل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحفاظ على الذاكرة الجمعية للأمة.

لقد تجاوز إنتاج البروفيسور غيثان الشهري المئة كتاب، وهو إضافة غير مسبوقة في المكتبة العربية، إلى جانب عشرات البحوث المحكمة التي تعالج قضايا دقيقة من التاريخ المحلي والقبلي والاجتماعي والاقتصادي، مما يجعله أحد أكثر العلماء المعاصرين غزارة في الإنتاج العلمي والتأريخي. ولم يقتصر اهتمامه على تدوين الوقائع، بل كان يسعى إلى تقديمها بأسلوب منهجي متكامل، يربط الماضي بالحاضر، ويفسر الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويبرز دور الإنسان والأرض في صناعة التاريخ. وقد أصبحت موسوعته التاريخية مشروعًا شاملاً يجمع بين الدقة العلمية، والرؤية التحليلية، والبلاغة الأدبية، ويعيد تقديم التاريخ بطريقة تعكس فهمًا عميقًا لجذور المجتمع العربي، ووعيًا بأهمية الحفظ والتوثيق، وحرصًا على أن تبقى المعرفة إرثًا للأجيال القادمة.

لقد بدأت رحلة البروفيسور غيثان في العلم منذ سنوات طويلة، وكان دائمًا يطرح أسئلة كبيرة حول التاريخ والهوية والمجتمع، وهو ما دفعه إلى التعمق في البحث الميداني، والتواصل مع كبار السن، وجمع الروايات الشفوية، وتحري الوثائق والمخطوطات النادرة، والبحث في النقوش والآثار، ومقارنة كل رواية بما يقابلها من مصادر أخرى. ولم يكتف بذلك، بل كان يسافر إلى القرى والمدن والجبال والوديان، يراقب الحياة اليومية للناس، ويتفحص الطرق والأسواق والمعالم العمرانية القديمة، ليضم كل ذلك إلى موسوعته الغنية بالمعلومات الدقيقة والتفاصيل الفريدة، التي تعكس حياة المجتمعات العربية بمختلف جوانبها.

إن موسوعة البروفيسور غيثان الشهري ليست مجرد سرد للتاريخ، بل هي محاولة جادة لإعادة بناء الوعي التاريخي، فهي توليفة بين التاريخ الشفهي والتاريخ المكتوب، بين الملاحظة الميدانية والتحليل الأكاديمي، بين سرد الحكاية وشرح السياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وكل صفحة فيها تعكس اهتمامًا عميقًا بأدق التفاصيل، من أسماء الشخصيات وأدوارها، إلى أحداث القبائل وتحركاتها، والتحولات الاقتصادية، والعادات والتقاليد، والممارسات اليومية، وحتى اللغة المحلية والرموز الاجتماعية التي تحمل معاني التاريخ الغائب.

وقد أسهم إنتاج البروفيسور غيثان العلمي الغزير في إثراء المكتبة العربية، وأصبح مرجعًا أساسيًا للباحثين والمؤرخين وطلبة الجامعات، فهو يضم نحو المئة كتاب إلى جانب البحوث المحكمة، ويغطي موضوعات متنوعة تشمل التأريخ المحلي، والقبلي، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، والنسبي، والأنثروبولوجي، بما يمنح الباحثين أدوات متعددة لفهم المجتمعات وتحليل تطورها عبر الزمن. وقد ساعد هذا الإنتاج الكبير في تصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة حول الأنساب والأحداث التاريخية، كما أسهم في إعادة بناء السرد التاريخي بطريقة متوازنة، تراعي الاختلافات بين المصادر، وتجمع بين الرواية الدقيقة والتحليل الموضوعي، وهو ما يجعل موسوعته معيارًا للعلم والرصانة في الدراسات التاريخية.

أسلوب البروفيسور غيثان يجمع بين الدقة العلمية وروح الكاتب، فهو يسرد الأحداث كما وقعت، مع الحفاظ على النزاهة والموضوعية، ويضيف إليها فهمًا عميقًا للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويمنح القارئ القدرة على رؤية التاريخ كعملية ديناميكية متصلة بالحياة اليومية للناس. وقد عُرف عنه صدقه العلمي، وابتعاده عن التعصب لأي فكر أو توجه، واحترامه لآراء الآخرين، وحرصه على مقابلة الرواة وكبار السن وتوثيق رواياتهم قبل أن يغادروا الحياة، وهو ما أعطى موسوعته بعدًا إنسانيًا لا يتوفر في الكتب التاريخية التقليدية.

إن البروفيسور غيثان لا يكتب التاريخ فقط، بل يعيش مع الحدث ويستحضر الأشخاص ويعيد تركيب الوقائع بحيث يمكن للقارئ أن يرى الماضي بعين الباحث، ويدرك كيف ساهم كل فرد وكل قبيلة وكل مجتمع في تشكيل الواقع الذي نعيشه اليوم. وقد كان اهتمامه بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المناطق المختلفة واضحًا، إذ لم يقتصر على الأحداث الكبرى، بل شمل تحولات الحياة اليومية، وأساليب العيش، والعلاقات بين الناس، وطبيعة الأسواق والطرق، والنشاطات الاقتصادية والزراعية والتجارية، مما يجعل موسوعته سجلًا متكاملاً لتاريخ الحياة الإنسانية في الجزيرة العربية.

ولا يقتصر أثر موسوعته على الجانب الأكاديمي فقط، بل يمتد إلى الجانب الثقافي والاجتماعي، فهو يعيد للإنسان العربي وعيه بهويته وجذوره، ويبرز القيم والمعايير التي ساهمت في تشكيل المجتمعات، كما يعيد الاعتبار للتقاليد والعادات والرموز الاجتماعية التي كانت معرضة للاندثار، ويقدم نموذجًا حيًا لكيفية الحفاظ على التراث في زمن التغير السريع. وقد كان إنتاجه الضخم الذي يقارب المئة كتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية، يعكس قدرة المؤلف على الجمع بين الإنتاج الأكاديمي المتميز والإسهام الثقافي والاجتماعي العميق، بحيث تصبح موسوعته أداة حية للتعليم والبحث والإلهام للجيل الجديد.

لقد حرص البروفيسور غيثان على أن تكون موسوعته أكثر من مجرد كتاب، بل مشروعًا معرفيًا متكاملًا، يربط الماضي بالحاضر ويمنح الباحثين أدوات لفهم المجتمعات العربية وتاريخها، ويعرض الوقائع بطريقة تمكن القارئ من تحليل الأسباب والنتائج، وفهم العلاقات بين الأحداث، ورؤية التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من منظور شامل. وقد انعكس ذلك على الجامعات والمراكز البحثية التي اعتمدت موسوعته كمصدر رئيس، وعلى الباحثين الذين وجدوا فيها نموذجًا متفردًا في التوثيق والتحليل والسرد الأدبي.

حين نقرأ موسوعته، ندرك أن المؤرخ الحق ليس من يحفظ التاريخ فقط، بل من يحفظ الناس في التاريخ، ويمنح الوقائع روحًا ومعنى، ويجعل الماضي حيًا في الحاضر، ومصدرًا للفهم والتعلم للأجيال القادمة. وهذا ما فعله البروفيسور غيثان الشهري، الذي أسهم بإنتاجه الضخم في إثراء المكتبة العربية، ومعالجة النسيان المعرفي، وترك إرثًا علميًا وفكريًا مستدامًا، يجمع بين الانضباط الأكاديمي والشغف الإنساني، ليظل اسمه علامة مضيئة في سماء التأريخ والثقافة العربية، ومثالًا للباحث الذي لم يرضَ بالمألوف، ولم يقف عند حدود التوثيق التقليدي، بل تجاوزها ليصنع موسوعة تاريخية متكاملة، تروي الماضي وتؤطر الحاضر وتضيء المستقبل.
 0  0  3.0K