الانفلات النفسي وصعوبة ضبط الذات في زمن الضغوط السريعة
تُعد إدارة الذات اليوم من أهم المهارات التي يحتاجها الفرد في حياته المهنية والاجتماعية وهي في الوقت ذاته من أصعب أنواع الإدارة؛ لأنها لا تُمارس على الآخرين بل تُمارس على الإنسان نفسه.
فالكثير يستطيع أن ينظم فريق عمل أو يقود مؤسسة لكنه قد يعجز أحيانًا عن تنظيم انفعالاته أو ضبط ردود أفعاله في المواقف اليومية.
ويُقصد بـ الانفلات النفسي حالة الاندفاع العاطفي التي يفقد فيها المرء قدرته على التحكم في مشاعره وسلوكه فيصدر منه قول أو فعل غير مدروس غالبًا ما يترك آثارًا سلبية تمتد أكثر من لحظة الانفعال ذاتها.
صور من الواقع
تظهر مظاهر الانفلات النفسي في مواقف كثيرة من حياتنا اليومية، ومنها:
1. الغضب المبالغ فيه بسبب مواقف بسيطة:
كأن يواجه الإنسان زحام الطريق أو تأخر خدمة معينة فينفعل ويصرخ أو يسيء لمن حوله دون مبرر فيتحول الموقف العابر إلى توتر واحتقان.
2. اتخاذ قرارات متسرعة تحت تأثير الانفعال:
كموظف يختلف مع مديره فيقدم استقالته فورًا ثم يندم عندما تهدأ عاصفة المشاعر ويكتشف أنه خسر فرصة وظيفية بسبب لحظة غضب.
3. كلمات جارحة تترك أثرًا طويلًا
فكلمة قاسية تُقال أثناء نقاش عائلي قد تظل في الذاكرة سنوات ويصعب إصلاح ما تكسر من مشاعر أو ثقة.
هذه الأمثلة تُظهر أن المشكلة ليست في المواقف ذاتها بل في طريقة رد الفعل تجاهها.
لماذا نفقد السيطرة؟
تسارع إيقاع الحياة وضغوط العمل وغياب مهارات التفريغ النفسي الصحي كلها عوامل تُضعف قدرة الإنسان على إدارة مشاعره.
كما أن بعض الأشخاص لم يتعلموا منذ الصغر كيفية التعبير الهادئ عن انفعالاتهم، فكبروا وهم يعتقدون أن القوة تعني الصوت الأعلى أو الرد الأسرع.
ضبط النفس… قوة لا ضعف
إن التحكم في الذات ليس علامة ضعف بل هو قمة القوة.
فمن يسيطر على مشاعره يستطيع اتخاذ قرارات أكثر حكمة ويحافظ على علاقاته ويعيش بدرجة أعلى من الاتزان النفسي.
ولتحقيق ذلك يمكن تبني خطوات عملية بسيطة، مثل:
• التوقف لثوانٍ قبل الرد.
• التنفس العميق عند الشعور بالتوتر.
• مغادرة الموقف عند ارتفاع الانفعال.
• تدوين الملاحظات اليومية حول ما يمكن تحسينه من ردود الفعل.
ختاماً
إن بناء القدرة على ضبط النفس ليس قرارًا لحظيًا وإنما رحلة وعي وتدريب تبدأ من إدراك أن قوة الإنسان الحقيقية ليست في رد الفعل السريع بل في الرد الحكيم.
وحين ينجح الإنسان في إدارة نفسه فإنه ينجح في إدارة كل ما حوله.