أكرمونا بأذيتهم
في كل خذلانٍ مؤلم، هناك منحة خفية لا يدركها القلب إلا بعد حين.
فحين يؤذينا البعض، نظن أن العالم قد ضاق بنا، وأن الطيبة كانت خطأً، لكن الحقيقة أن أذاهم كان أعظم كرمٍ قدّموه لنا، لأنهم ببساطة كشفوا لنا وجوههم الحقيقية قبل أن نمضي في طريقٍ أطول معهم.
نقولها بصدقٍ لا يحمل مرارة: كويس أنهم آذونا.
لأننا بفضل تلك الأذية، عرفنا من يستحق البقاء، ومن لا يستحق سوى الغياب. عرفنا أن الكلمات لا تُقاس بنغمتها، بل بالفعل الذي يتبعها. وأن من يبيعك مرة، لن يشتريك ألف مرة.
الأذى لا يُهلكنا، بل يُهذبنا.
يجعلنا نحب أنفسنا أكثر، نضع حدودًا أوضح، ونختار من نمنحهم قلوبنا بعناية. فليست كل يد تمتد تستحق السلام، ولا كل ابتسامة تحمل صدقًا. هناك من يمرّ في حياتنا ليعلمنا معنى الحذر، وهناك من يرحل ليُعلّمنا قيمة أنفسنا.
من هنا، علينا أن نطبطب على ذواتنا، ونقول لها:
"كنتِ كريمة، ولم تخطئي حين وثقتِ، لكن الآن حان وقت الوعي."
فالقرب من النفس هو النجاة، والابتعاد عن المؤذي هو شجاعة لا ضعف.
بيع من باعك، وابتعد عمّن يؤذيك، وامضِ بقلبٍ نقي،
فمن خان وجودك، أكرمك برحيله، ومن أذاك، منحك درسًا لا يُنسى.
وهكذا، لا نخرج من التجارب مكسورين، بل ناضجين… أكثر حذرًا، وأكثر صفاءً.