المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الثلاثاء 28 أكتوبر 2025
م.علي السليم- جدة
م.علي السليم- جدة

من سنام الجمل… قامت حضارة علّمت العالم معنى المجد



في زمنٍ تسبق فيه العجلاتُ الريح وتعلو الطائراتُ فوق الغيوم، تبقى الإبل شاهدًا خالدًا على أن المجد الحقيقي يبدأ من الرمل لا من الحديد، ومن الصحراء وُلدت أمةٌ علّمت الدنيا معنى السيادة والكرامة.

من صحرائنا خرج الضوء الأول للحضارة، ومن فوق سنام الإبل كُتبت فصول المجد العربي والإنساني، يوم كانت رمال الجزيرة العربية مسرحًا لبزوغ النور، ومهدًا لتأسيس العلم والأدب والتجارة والدين. هناك، حيث تمتدّ الصحراء بامتداد القلب العربي، وتهدر الرياح بوقع الكبرياء، صُنعت هوية أمةٍ وبُنيت حضارةٌ خالدة.

من رحم الصحراء وُلدت العظمة

لم تكن الصحراء عزلةً كما يتوهّم البعض، بل كانت منجمَ القيم، ومنبعَ الإلهام، ومدرسةً علّمت الإنسان الصبر والحكمة والكرامة. في فضائها الفسيح تفتّق الذهن العربي عن الشعر والفكر والفصاحة، فكانت اللغة العربية — أغزر لغات الأرض بيانًا وبلاغةً — ثمرة تلك البيئة النقية.

ومن قسوتها تولّد الإبداع؛ فالعربي لم يقهره شظف العيش، بل صاغ منه فلسفةً للحياة. من الرمل نسج الخيمة، ومن السماء استدلّ على الطريق، ومن الجمل اتخذ الرفيق الذي لا يخون في شدّةٍ ولا في سفر.

الإبل… رمز السيادة وبذرة الحضارة

ليست الإبل حيوانًا عاديًا، بل كائنٌ خالد في ذاكرة الإنسان، حمل الرسالة قبل الرسائل، وفتح الآفاق قبل أن تُعرف الطرق. بها عبرت القوافل من اليمن إلى الشام، ومن الحجاز إلى مصر والعراق، ناشرةً السلع والفكر، والعلم والشعر، والتعارف بين الأمم.

كانت الإبل الوسيلة الأولى للعولمة قبل ألفي عام؛ بها أسّس العرب طرق التجارة الدولية، وربطوا الشرق بالغرب، وأقاموا اقتصادًا مزدهرًا سبق السفن والطائرات. ومن فوق سنامها انطلقت الفتوحات، وسُقيت الأرض بعدل الإسلام، وتحوّل الرمل إلى منارةٍ تهدي البشرية إلى القيم والرحمة والنور.

السيادة والريادة… تتوّجها المملكة

للإبل سيادتها وريادتها، فقد بقيت رمزًا شامخًا للعزّة العربية وأصالة الصحراء، حتى توّجتها المملكة العربية السعودية بمهرجانٍ عالميٍّ هو الأكبر من نوعه في التاريخ الحديث، يُقام على شرف قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ووليّ العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود — حفظهما الله — في تجسيدٍ وطنيٍّ رفيعٍ يعكس مكانة الإبل في وجدان الأمة، وامتدادها كقيمةٍ ثقافيةٍ واقتصاديةٍ وإنسانيةٍ عظيمة.

إن هذا المهرجان العالمي لم يكن مجرّد احتفاءٍ بالماضي، بل تأكيدٌ على أن الإبل ما زالت تتقدّم برمزيتها وثرائها لتكون جزءًا من حاضر المملكة ومستقبلها، شاهدةً على ريادةٍ حضاريةٍ تُعيد وصل التاريخ بالمستقبل في أبهى صوره.

الصحراء… جامعة الإنسانية الأولى

في رمالها دُرّبت الأرواح على الصبر والوفاء، وتخرّجت الألسنة من معاهد الفصاحة، وازدهرت مواسم الشعر كأعظم مؤتمرات الأدب في التاريخ.
وفيها بزغ نجم العلماء والفلاسفة والأدباء الذين ألهموا الحضارات اللاحقة. فالصحراء لم تكن أرضًا خالية، بل كانت جامعةً مفتوحةً تحت السماء، تُخرّج من قسوتها عقولًا جليلةً وقادةً لا تنحني.

ومن هناك خرجت المملكة العربية السعودية لتكون اليوم رمزًا للأصالة والمعاصرة، تجمع بين تراث الصحراء ورؤية المستقبل، بين سنام الجمل وصاروخ الفضاء، بين رُكْبَة القافلة ودرب الذكاء الاصطناعي.

من الصحراء إلى العالم

من يصفنا بأبناء الصحراء فقد نعتنا بالعزّ، ومن يذكر الإبل فقد استحضر رمز المجد العربي. فالصحراء ليست فراغًا كما يظنّ الجاهلون، بل هي الامتلاء بالكرم والشجاعة والسموّ، والإبل ليست بطيئة الخطى، بل هي التي سبقت الزمن حين حملت العلم والدين والتجارة إلى أقاصي الأرض.

نحن أبناء بيئةٍ علّمتنا أن العظمة لا تولد من الترف، بل من الصبر، وأن القيادة لا تُشترى، بل تُكتسب من التحدي والثبات. ومن رمالنا العربية خرجت أولى أبجديات الأدب، وأوائل النجوم التي قرأت السماء، وأول منظومةٍ تجاريةٍ ربطت القارات بروحٍ عربيةٍ نقيّة.

خاتمة المجد

نحن أبناء الإبل والصحراء، أحفاد أوّل من سار على دروب الحضارة، وأوّل من دوّن الكلمة ونشر المعرفة. ومن هذه الأرض التي ظنّها البعض قاحلة، انبثقت ينابيع العلم، وتأسّست أعظم إمبراطوريةٍ روحيةٍ وإنسانية.

فلتظلّ الإبل رمز كرامتنا، ولتبقَ الصحراء منارةَ فخرنا، ولتكن المملكة العربية السعودية شاهدًا على أن الأصالة لا تموت، وأن من الرمال وُلدت أعظم حضارةٍ نطقت بالإنسانية والضياء.

من هنا، من سنام الجمل، بدأت الحكاية… ومنها سيبقى المجد يُروى إلى آخر الدهر.


 0  0  1.7K