اعمل لنفسك لتخدم وطنك
بين الموهبة والواجب يولد الإنسان الحقيقي
في زمنٍ ازدحمت فيه التوقعات وتكاثرت فيه الآراء، يعيش كثير من الناس كما يُريد الآخرون لا كما يُريدون هم، ينتظرون موافقة المجتمع على أحلامهم، ويقيسون قيمتهم برضا من حولهم، حتى فقدوا صوتهم الداخلي الذي يقول:
اعمل لنفسك أولًا، فحين تتقن ما تُحب، يخدم عملك الجميع."
العمل رسالة لا وظيفة
العمل الحقيقي لا يبدأ من وظيفةٍ أو راتبٍ، بل من قناعةٍ تُولد من الداخل.
فمن يعمل بقناعة، يخدم وطنه دون أن يرفع شعارًا، لأن الشغف حين يُترجم إلى إتقان يصنع أثرًا لا يُمحى.
قال تعالى:
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾
[التوبة: 105]
الفرق بين من يعيش ومن يُحيي
ليس كل من يعمل منتجًا، ولكن كل من يعمل بحبٍّ يُنتج فرقًا.
الفرق بين من يسعى لرضا الناس، ومن يسعى لرضا الله وتحقيق ذاته، هو الفرق بين من يعيش حياة الآخرين، ومن يصنع حياته الخاصة.
قال الشاعر إيليا أبو ماضي:
«كن ابنَ يومِك لا تُبالِ بمَن مضى
واغتنمِ الفرصةَ إنَّ الفرصةَ انقَضتِ»
أن تعمل لنفسك لا يعني أن تكون أنانيًا، بل أن تكون صادقًا مع ذاتك، تعرف موهبتك وتمنحها حقها في النمو بدل أن تُطفئها خوفًا من رأي أو مقارنة
حين تُطفئ الموهبة تموت الروح
كم من طبيبٍ اختار الطب لأن الناس قالوا إنه مكانة، لا لأنه أحبّه!
وكم من مهندسٍ ورسامٍ ومزارعٍ ومصممٍ وصانعٍ للورد الطائفي، بنوا مجدهم لأنهم اختاروا ما يُوقظ فيهم الحياة.
فالمجتمع لا يحتاج نسخًا متشابهة، بل أرواحًا مختلفة تتكامل لتبني الوطن من كل زاوية
كل عملٍ بإخلاصٍ
هو عبادة
الموهبة ليست حكرًا على مهنةٍ بعينها؛ فكل حرفةٍ تُتقن هي رسالة، وكل عملٍ يُخلص فيه صاحبه هو عبادة.
قال رسول الله ﷺ «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه»
(رواه البيهقي)
الإتقان هو اللغة التي يفهمها الله والناس، وهو البرهان على أن العمل من أجل النفس لا يتعارض مع خدمة الوطن، بل هو طريقها الأصدق والأجمل.
اعمل لنفسك فالوطن فيك
اعمل لنفسك، لكن لا تنس أن نفسك جزء من وطنٍ ينتظر إبداعك.
اصنع طريقك بيدك، ولا تجعل أحلامك تنتظر إذنًا من أحد.
كن صوتك، لا صدى لما يريده الناس منك.
قال تعالى:
﴿وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾
[الزلزلة: 7]
فحين تعمل بما تحب وتُخلص فيما تفعل، ستكتشف أنك لم تعمل لنفسك فقط، بل لوطنٍ يزدهر بصدقك، ويعلو بجهدك، ويخلّد أثرك في ذاكرة الأجيال.
خاتمة
الوطن لا يطلب من أبنائه أن يكونوا نسخًا متشابهة، بل أرواحًا متكاملة تُبدع وتُتقن.
ازرع في حقل موهبتك، واسقه بالإخلاص، ودع الثمرة للوطن.
فما وُلد إنسانٌ حقيقي إلا حين جمع بين الموهبة والواجب، وبين الذات الصادقة والوطن العظيم