حين صار الجار غريبًا... من دفء الجيرة إلى عزلة الأبواب المغلقة
زمان... لم تكن البيوت تُفصلها جدران فقط، بل كانت تربطها جسور من المحبة والاهتمام.
كان الجار يعرف جاره، والأم تسلّم على جارتها وترسل إبنتها وتقول بابتسامة: " امي تسلم عليك وتقلك عندك شوية سكر؟"
كان السؤال بسيطًا، لكنه يحمل في معناه دفئًا إنسانيًا عميقًا، وحياةً تشترك فيها القلوب قبل الأبواب.
أما اليوم، فقد تغيّر الحال.
صرنا نعيش متجاورين كأننا غرباء.
باب بجانب باب، لكن المسافات بيننا أطول من المسافات بين المدن.
غابت التحية، وانطفأ الحديث الصباحي، وصارت الزيارات تُعدّ تطفلاً، لا مودة.
ضعفت العلاقات الاجتماعية حتى ذبلت.
لم نعد نسمع ضحكات الجيران في الأفنية، ولا نرى الجارات يتبادلن أطراف الحديث عند الغروب.
كلٌّ انشغل بعالمه الصغير، خلف شاشة أو جدار، ونسي أن الجار جزء من الأمن والسكينة في الحياة.
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا بالجار
زمان كان الجار سندًا…
يحرس بيتك في غيابك، ويهتم بأهلك كأنهم أهله.
أما اليوم، فكثير من الأبواب لا تُفتح إلا للمجهول القادم عبر الهاتف، لا للجيران الذين يشاركوننا الحيّ والهواء.
لقد آن لنا أن نعيد دفء الجيرة.
أن نطرق الباب لا لطلب سكرٍ أو قهوة، بل لنقول فقط: "كيف حالكم؟"
فالكلمة الطيبة قادرة على إذابة الجليد بين القلوب، وإعادة الدفء إلى أيامٍ صارت باردة رغم قرب المسافات.