عبدالواحد الزهراني.. شاعر الموهبة والعلم
الشاعر الدكتور عبدالواحد بن سعود بزغ شاعرًا في ريعانه قبل بلوغه، وتصاعدت شهرته لتميّز شعره موضوعًا ولغةً. وقد لان له الشعر، وتراصّت له الكلمات والمعاني، وتناغمت في لسانه على نحوٍ أبدع ما يكون، حتى أضحى لفظ “الشاعر” ملتصقًا بشخصه، وأصدق وصفٍ يتجانس مع اسمه وسمته.
وهو في ذلك كالعرب في صفاتهم، إذ كان الشعر رفيقهم في الحرب والسِّلم، والفرح والحزن، وتفنّنوا في صنوفه حتى أقاموا له أسواقًا، ولقّبوه بـ”ديوان العرب”، وعدّوه في تاريخهم مصدرًا للمعارف والأخبار وأحداث الزمان.
عبدالواحد في صنعة الشعر شاعرٌ موهوب، صقل موهبته وزكّاها بالتبصّر والمعرفة وتجارب الحياة. لم يكن شخصًا عاديًّا، ولا كان لون شعره نسقًا اعتياديًّا، بل كان ذا نهجٍ متفرّد في سبك العبارة، وقوة الدلالة، وسلاسة اللفظ، وعمق المعنى.
تفرّد بقريحةٍ لا يصدح بنغمها ولحنها إلا هو؛ في شعره جزالة، وفي انتقاء ألفاظه بلاغة، وفي تراصّ كلماته تجانس وانسجام. تميّزت نصوصه بلغةٍ ملهمةٍ متفرّدةٍ تُغري المتلقّي بحفظها والاستشهاد بها، لما فيها من تأثيرٍ وطربٍ وعذوبةٍ، وهي صفات تستحق أن يُوصف صاحبها بـ”الشاعر المبدع”.
وفي بعض نصوصه عمقٌ يدرك بلاغته أهل المعرفة والذوق في علم المعاني والبديع، وتميّزت شاعريته بالابتكار والإضافة والحسّ الإبداعي. وإذا كان الشعر عند بعضهم صنعةً واكتسابًا، فليس في ذلك معرّة، إلا أن الشاعر عبدالواحد لم يمتهن الشعر للتكسب، بل اتخذه رسالةً وسلوكًا وفنًّا راقيًا.
تجاوز الشاعر حدود موطنه الجغرافية، وتناول فنون وألوان شعر قبائل أخرى غير لونه الشعري الذي نشأ عليه، فقارع فيها وصال وجارى أهلها باقتدار.
وقد ترقّى في جمال شعره ترقّيًا ساميًا، إذ تمرّ الموهبة بمراحل تنضج فيها الأفكار وتزكو المعارف وتتسامى الجماليات والأغراض، وهو ما تجلّى في تطوّر شعر عبدالواحد عبر مراحله العمرية.
شكّل الشاعر لذاته شخصيةً متفرّدة اتّصفت بالذكاء وسرعة البديهة وقوة الشخصية والشجاعة الأدبية والتفرّد. وفي الجملة، فإن في شعره ما يدعو إلى الإعجاب لما يختصّ به من التفوّق على غير نسقٍ سابق.
وفي حقبته الأخيرة، عظم اهتمامه بتعميق التواصل المجتمعي والعناية بمعاني الألفة والترابط والفضيلة والوطنية، مجانبًا بعض غوائل الشعر، مما يعزّز من قيمته ويزيد التقدير له.
وفي مراحل النضج، بلغ الشاعر درجةً من الوعي الفكري والنظر العميق انعكست على سلوكه وحياته ونتاجه، فكانت تجاربه وخبراته مصدر حكمةٍ وإلهامٍ، تجسّدت في شعره الرفيع. ولإعجاب الجماهير به، أُطلقت عليه ألقابٌ عديدة إعجابًا وتقديرًا.
أما في مسيرته العلمية، فقد تخصّص في علم الرياضيات، وهو من العلوم الأساسية الدقيقة التي تتطلّب عقلًا متميّزًا ومنهجًا تحليليًا رصينًا. نال البكالوريوس فيه، ثم الماجستير والدكتوراه في الإدارة والتعليم، وكانت أطروحته للدكتوراه بعنوان:
«ضعف مواءمة مخرجات التعليم العالي السعودي: الواقع والأسباب والحلول»
وقد تناولت موضوعها بدراسة نقدية تحليلية، استجلت الأسباب وشخّصت المعوقات وقدّمت الحلول، فنالت درجة الامتياز، إسهامًا منه في تطوير التعليم العالي السعودي، وحرصًا على دعم ركيزة الوطن المعرفية.
امتدّت بحوثه الأكاديمية إلى موضوعات نوعية أثرت الميدان العلمي وأضافت رؤى ناضجة في محاور التقدّم العلمي والازدهار الاقتصادي والأمن المجتمعي. فجمع بين الفكر والعلم والتجربة، فانبثقت منها شخصية شاعرية علمية متميّزة، صقلها تخصصه التربوي الذي وسّع آفاقه وأرسى رصانته.
فكأنما حاز رصانة البحتري، وجزالة المتنبي، وقوة الفرزدق، يجمع بين فصاحة الشعر ودقّة العلم، يغرف من بحر، وينحت من صخر.
وإن صخرًا لتأتمّ الهداةُ به، كأنّه علمٌ في رأسه نارُ.
تحيةً للشاعر الدكتور عبدالواحد في ذاته وشعره ونتاج علمه، وسيبقى اسمًا بارزًا وعلمًا مشهودًا في سجلّ شعراء الوطن ونبلائه.